قسماً بآهاتِ الحسينِ وصبرِهِ
سرْ للطلولِ وحدِّثِ الأخبارا = واهرقْ دموعَكَ للحبيبِ مِرارا
كانت بها" ليلى " تهادى غُصْنُها = أعهدتُمُ غُصناً حكى أو سارا
مثلُ الَّلآلىءِ في الظلامِ وإنّها = لكَما الَّلآلئِ تبعثُ الأنوارا
تهوى مبادلةَ الحبيبِ صبابةً = ولذلكَ ارتدتِ الخمارَ نهارا
قد زانها حُسْناً وطلعةَ غيدةٍ = وبشاشةً أوسمعةً ووقارا
مَنْ ذا يوصّلُ للحبيبِ رسالةً = إنّي لأبكي في الطلولِ جهارا
مابينَ ساريةٍ وأشجارٍ لهمْ = أنعى ، فتزدادُ القلوبُ أُوارا
وتذوبُ حتى لا يُظَنُّ بأنّها = كانتْ توازي الصّيبَ المدْرارا
لو يُبصِرُ القلبُ الحزينُ قوامَها = طلبَ الثوى في حيّهِمْ اصرارا
أو يسمعُ الصّخرُ الأصمُّ بصوتِها = لدعى الجبالَ بصوتِها استعبارا
نادي لمعشوقٍ بكى مِنْ غربةٍ = لمْ يقضِ مِن قبل النوى الأوطارا
ورأى خيالَكِ فوق كلِّ ربيّةٍ = وجهاً تسيرُ بضوئهِ الأقمارا
ولقد رأيتُكِ غيدةً ممشوقةً = حسناءَ تخطفُ في الدُّنا الأبصارا
تُشفي العليلَ بجؤذرٍ لجمالِهِ = لو كان في الليل الدّجيِّ أنارا
عودي لمثكولٍ دنا من كربلا = حُزناً ، وما نسيَ الطفوفَ شعارا
قلّبتُ أوراقَ الدهورِ فلم أجدْ = إلاّ ثكالى تكشفُ الأسرارا
ووجدتُ أنهارَ الوجودِ مدامعاً = ووجدتُ أصحابَ الوفاءِ غِرارا
وقرأتُ ذاكرةَ الزمانِ فلمْ أجدْ = إلاّ الحسينَ يُخرّجُ الثُّوارا
ونظرتُ في أفقِ السماءِ مُفكّراً = لمْ يتّخذْ غير الجهادِ خيارا
وعرفتُ فاجعةَ الطفوفِ بأنّها = تُفني الطُغاةَ وتصنعُ الأحرارا
تروي حكاياتِ البطولةِ والإبا = تهبُ الدّماءَ وتقلعَ الأسوارا
ياقبلةَ التاريخِ يا سبط الهُدى = للكونِ ترفعُ شعلةً ومنارا
ياكعبةَ العشاقِ والأحرار والـ = ثّوارِ تبقى للوجودِ مدارا
تدعو إلى دين النبي فلمْ تجدْ = إلا السهامَ مع الردى انذارا
يا أيّها الباني شريعةَ أحمدٍ = هيهاتَ يركعُ للطغاةِ غيارى
وثبوا فكانوا كالليوثِ بكربلا = برزوا يميناً في الوغى ويسارا
لو انّ أغصانِ الوجودِ جحافلٌ = ما همّهُمْ جيشاً أتى أو سارا
وضعوا شعاراً للحسين على القنا = ولطالما رفعوا الحسينَ شعارا
لو أنّ ذراتَ الترابِ تجمّعتْ = لقتالهم وثبوا لها أسحارا
وضعوا لهمْ فوقَ السّماكِ منابراً = مِن بأسهمْ ومِن الإبا مضمارا
أُسدُ الشَّرى لمْ يُلهِهُمْ حبُّ الدُّنا = قدْ طلّقوا الأولادَ والأعمارا
قومٌ لَعَمْرُ أبيكَ لمْ يرَ مثلَهُمْ = سبطُ الهدى يوم الوغى أنصارا
بشجاعةٍ لمْ تكترثْ بجيوشِهِمْ = لمْ يعرفوا ذُلاً ولا إدبارا
قومٌ لقوا حزَّ السيوفِ حياتَهُمْ = وبدونِ حزٍّ للسيوفِ فرارا
برزوا فكانوا في الطفوفِ صواعقاً = تدوي ، ولمْ يجدِ العِدى استقرارا
يفدونَ موئلَهمْ وسبطَ نبيّهِمْ = يومَ الطفوفِ ويعلنوا الإيثارا
والبيضُ لامعةُ الوجوهِ كأنّها = حممٌ تنالُ مِن البغاةِ ذمارا
صالتْ سواعدُهُمْ وبيضُ صفاحُهُمْ = رُفعتْ ، فصيّرتِ الكبارَ صغارا
إنّ الجيوشَ صغيرُها وكبيرُها = تُحني الرؤوسَ لعزمِهِمْ إجبارا
هذا بيانٌ للفتى أنْ يهتدي = بالصابرين ويقتفي الآثارا
ياقائدَ النفرِ الكرامِ وليتني = يومَ الطفوفِ أُعانقُ الأشفارا
هذا هلالُ محرّمٍ متكدّرٌ = لبسَ السّوادَ فكدّرَ الأقطارا
أفجعتَ أملاكَ السماءِ ومَن بها = والبحرَ والأفلاكَ والأشجارا
فمحاسنُ الأيامِ فيكَ تسربلَتْ = سودَ الثيابِ وشدّتِ الأكوارا
والدّينُ قد وضعَ القلوبَ مآتماً = للمؤمنينَ ليملأ الأمصارا
فلبستُ فوقَ سوادَ يومي أسوداً = وأخذتُ مِن درسِ الطفوفِ مسارا
ياقلبُ إنّ على الطفوفِ فواجعاً = لو طالتِ الدهرَ الخؤونَ أنهارا
واستأسدتْ عُصبُ الضلالِ بكربلا = لما رأتْ أُسدَ الشَّرى أنفارا
تخذوا مِن الأوغادِ كلَّ صفاتِهِمْ = ومِن النواصبِ للقتالِ ستارا
أمعاشرَ الطلقاءِ ليس شجاعةٌ = برجالِكُمْ قابلتُمُ مِعْشارا
أحرقتُمُ خيمَ النساءِ ولمْ يكنْ = بعدَ ابن طه في الوغى مغوارا
وسلبتُمُ حرَمَ الحسينِ وصحبِهِ = وأخذتُمُ حتى النساءَ أُسارى
وحززتُمُ رأسَ الحسينِ ولمْ تزلْ = أفعالُكمْ قد ألبستكُمْ عارا
وندَبتُمُ عشراً إلى سبط الهُدى = داسوا على صدرِ الحسينِ مرارا
لمْ يكفِهِمْ حزَّ الرؤوسِ ورفعَها = بلْ أضرموا قبلَ المَسيرِ النارا
إنْ أنسَ لا أنسى بناتَ محمّدٍ = قدْ صِغنَ مِن فرطِ الدموعِ خِمارا
وذكرتُ "زينبَ " في مدينةِ جدّها = أكرمْ بها بعد البتولِ وقارا
وذكرتُها حوراءَ تنسجُ صبرها = نسجَ الثيابِ لتعبرَ الأخطارا
وذكرتها تبني الوجود بعزّةٍ = وأتتْ تدوّنُ للورى الإصرارا
وذكرتها تحنو على أمٍّ لها = كمْ قاومتْ بجنينها الفجارا
وذكرتها ثكلى تنوحُ مِن الأسى = تنعى البتولَ وتندبُ الكرارا
وذكرتها عند الزكيِّ وقد هوتْ = نحو السرير تعاتبُ الأقدارا
وذكرتها يوم المسير لكربلا = بالصبرِ لبّتْ للحسينِ قرارا
مدّوا لها الأهدابَ فتيةُ حيدرٍ = ورَقَتْ بعزٍّ تنْشِدُ الأذكارا
هي كالكواكبِ غير أنَّ مَسيرَها = نالتْ بهِ بنتُ الهدى إكْبارا
بنتُ الوصيِّ رسالةٌ في كربلا = كانتْ بروحِ ثباتِها إعصارا
إنْ قاوموا وجدوا العقيلةَ ثورةً = أو يسكتوا وجدوا الجوابَ حِصارا
خطبتْ فهزَّ خطابُها الأوغادَ والـ = طلقاءَ والأتباعَ والأشرارا
لهفي لها برزتْ تخاطبُ ظالماً = ومكابراً مستهتراً غدارا
لهفي لها قلَّ النصيرُ بجنبها = فمَشَتْ تشُقُّ بصبرها المضمارا
أسفاً على نورِ السّماءِ ومنْ بهمْ = أمِنتْ بناتُ المصطفى الأسفارا
هذا بجنبِ النهرِ ظلَّ حسامُهُ = فوق الثرى يتوسطَ الأحجارا
عزمٌ يهدُّ الشامخاتِ إذا علا = فيها ولا يتصيّدُ الخوّارا
يلوي بزندِ باسلٍ جبلاً ولا = تلوي الجيوشَ بكفّهِ الأظفارا
هذي سواعدُنا فأين رجالُكم = هُمْ يبرزون إلى القتالِ حيارى
لولا قضاءُ اللهِ في آجالِهِ = صعقَ الجميعَ بسيفِهِ تكرارا
أنت اللِّواءُ وفي الحروبِ مقدّمٌ = حتى جعلتَ سرورَهُم أكدارا
فتطايرتْ أرواحُهُمْ لجهنّمٍ = لمْ يدركوا ماذا جرى ما صارا
خطّتْ يداكَ على الطفوفِ معاجزاً = فتركتها مهراً لها ومزارا
هذا يمينُكُ شاخصٌ بحسامهِ = واللهُ يُكْمِلُ لليمينِ يسارا
يا أيها الليثُ الهصورُ بكربلا = لمْ ترضَ إلاّ في القلوبِ ديارا
يأتي الخلودُ مقبّلاً كفاً وَفتْ = للطاهرينْ بعهدها إيثارا
يامُنزلَ الحِمَمِ الجسامِ على العدى = تأبى الشهامةُ أنْ يطيحَ خمارا
يا سيِّدي ومِن الطفوفِ كرامةٌ = يمشي إليك بها الورى مُختارا
فلقدْ أنرتَ طريقَهم وقلوبَهم = فتراهُمُ عند الكفيلِ جوارا
قسماً بمن كنتَ الوفيَّ بجنبهِ = لمْ أتّخذْ إلاَ الحسينَ خيارا
قسماً بفاطمةَ البتولَ وضلْعِها = ماهمّني جاهاً ولا دينارا
قسماً بآهاتِ الحسينِ وصبرِهِ = إنّي كتبتُ إلى الردى إخْطارا
هذا قرارٌ للحسينِ مِن السّما = يبقى إلى كلِّ الوجودِ قرارا
يتصاغرُ الجبروتُ عند حروفِهِ = ويعيشُ عشاقُ الإبا أدهارا
هذا قراري قد نثرْتُ بذورَهُ = ووهبتَهُ للسائرينَ ثمارا
لمْ أخشَ طاغوتاً ولا سجناً ولا = سيفاً ولا جيشاً ولا غدارا
يا مُلْهِماً وهبَ الوجودَ حياتَهُ = كانتْ فداءً للسّما وذِمارا
سطَّرْتَ في سوحِ الجهادِ مَلاحِماً = وجَعَلتَ حباتِ الرمالِ نُضارا
هذي مواثيقُ السماءِ تلوتَها = للعارفين بكربلا أسفارا
وأبيتَ أنْ تضعَ السيوفَ بغمْدِها = وعزمْتَ إلاّ أنْ تدوسَ العارا
ولقد أنرْتَ طريقَ داجيةَ الورى = بالعزِّ نهْجاً بالدِّما أفكارا
رَفعَتْ عليكَ النائباتُ رماحَها = وغدتْ تُلوِّحُ بالردى إجبارا
فرَقَيْتَها بدمِ الشهادةِ والإبا = بين الملائكِ والعبادِ نهارا
فمضيتَ للعرشِ الشريفِ مُضرّجاً = لمْ ترضَ ديناً للسما يتوارى
هذا بياني قدْ نظمتُ سطورَهُ = حتى تجاوزَ وصفُهُ الأشعارا
ضمّنتهُ الدمعَ الهتونَ مُردّداً = أهوى الحسينَ السبطَ والأطهارا
تاللهِ ما أحلى الهتافَ مع الورى = فكأنّ في ذاكَ الهتافِ الثارا
فكأنّ في تلكَ الحناجرِ سورةً = وكأنّ في هذا الدُجى أبصارا
أهدي سلاماً للحسينِ وآلهِ = ضمَّنْتُهُ بعد الأُلى الأنصارا
وطويتُ خاتمةَ القصيدِ بجُملةٍ = بعثَ الحسينُ إلى السّما الأحرارا
أبو حسين الربيعي – دبي – 4 محرم ( 1434هـ ) – 19/11/2012 – الإثنين
سرْ للطلولِ وحدِّثِ الأخبارا = واهرقْ دموعَكَ للحبيبِ مِرارا
كانت بها" ليلى " تهادى غُصْنُها = أعهدتُمُ غُصناً حكى أو سارا
مثلُ الَّلآلىءِ في الظلامِ وإنّها = لكَما الَّلآلئِ تبعثُ الأنوارا
تهوى مبادلةَ الحبيبِ صبابةً = ولذلكَ ارتدتِ الخمارَ نهارا
قد زانها حُسْناً وطلعةَ غيدةٍ = وبشاشةً أوسمعةً ووقارا
مَنْ ذا يوصّلُ للحبيبِ رسالةً = إنّي لأبكي في الطلولِ جهارا
مابينَ ساريةٍ وأشجارٍ لهمْ = أنعى ، فتزدادُ القلوبُ أُوارا
وتذوبُ حتى لا يُظَنُّ بأنّها = كانتْ توازي الصّيبَ المدْرارا
لو يُبصِرُ القلبُ الحزينُ قوامَها = طلبَ الثوى في حيّهِمْ اصرارا
أو يسمعُ الصّخرُ الأصمُّ بصوتِها = لدعى الجبالَ بصوتِها استعبارا
نادي لمعشوقٍ بكى مِنْ غربةٍ = لمْ يقضِ مِن قبل النوى الأوطارا
ورأى خيالَكِ فوق كلِّ ربيّةٍ = وجهاً تسيرُ بضوئهِ الأقمارا
ولقد رأيتُكِ غيدةً ممشوقةً = حسناءَ تخطفُ في الدُّنا الأبصارا
تُشفي العليلَ بجؤذرٍ لجمالِهِ = لو كان في الليل الدّجيِّ أنارا
عودي لمثكولٍ دنا من كربلا = حُزناً ، وما نسيَ الطفوفَ شعارا
قلّبتُ أوراقَ الدهورِ فلم أجدْ = إلاّ ثكالى تكشفُ الأسرارا
ووجدتُ أنهارَ الوجودِ مدامعاً = ووجدتُ أصحابَ الوفاءِ غِرارا
وقرأتُ ذاكرةَ الزمانِ فلمْ أجدْ = إلاّ الحسينَ يُخرّجُ الثُّوارا
ونظرتُ في أفقِ السماءِ مُفكّراً = لمْ يتّخذْ غير الجهادِ خيارا
وعرفتُ فاجعةَ الطفوفِ بأنّها = تُفني الطُغاةَ وتصنعُ الأحرارا
تروي حكاياتِ البطولةِ والإبا = تهبُ الدّماءَ وتقلعَ الأسوارا
ياقبلةَ التاريخِ يا سبط الهُدى = للكونِ ترفعُ شعلةً ومنارا
ياكعبةَ العشاقِ والأحرار والـ = ثّوارِ تبقى للوجودِ مدارا
تدعو إلى دين النبي فلمْ تجدْ = إلا السهامَ مع الردى انذارا
يا أيّها الباني شريعةَ أحمدٍ = هيهاتَ يركعُ للطغاةِ غيارى
وثبوا فكانوا كالليوثِ بكربلا = برزوا يميناً في الوغى ويسارا
لو انّ أغصانِ الوجودِ جحافلٌ = ما همّهُمْ جيشاً أتى أو سارا
وضعوا شعاراً للحسين على القنا = ولطالما رفعوا الحسينَ شعارا
لو أنّ ذراتَ الترابِ تجمّعتْ = لقتالهم وثبوا لها أسحارا
وضعوا لهمْ فوقَ السّماكِ منابراً = مِن بأسهمْ ومِن الإبا مضمارا
أُسدُ الشَّرى لمْ يُلهِهُمْ حبُّ الدُّنا = قدْ طلّقوا الأولادَ والأعمارا
قومٌ لَعَمْرُ أبيكَ لمْ يرَ مثلَهُمْ = سبطُ الهدى يوم الوغى أنصارا
بشجاعةٍ لمْ تكترثْ بجيوشِهِمْ = لمْ يعرفوا ذُلاً ولا إدبارا
قومٌ لقوا حزَّ السيوفِ حياتَهُمْ = وبدونِ حزٍّ للسيوفِ فرارا
برزوا فكانوا في الطفوفِ صواعقاً = تدوي ، ولمْ يجدِ العِدى استقرارا
يفدونَ موئلَهمْ وسبطَ نبيّهِمْ = يومَ الطفوفِ ويعلنوا الإيثارا
والبيضُ لامعةُ الوجوهِ كأنّها = حممٌ تنالُ مِن البغاةِ ذمارا
صالتْ سواعدُهُمْ وبيضُ صفاحُهُمْ = رُفعتْ ، فصيّرتِ الكبارَ صغارا
إنّ الجيوشَ صغيرُها وكبيرُها = تُحني الرؤوسَ لعزمِهِمْ إجبارا
هذا بيانٌ للفتى أنْ يهتدي = بالصابرين ويقتفي الآثارا
ياقائدَ النفرِ الكرامِ وليتني = يومَ الطفوفِ أُعانقُ الأشفارا
هذا هلالُ محرّمٍ متكدّرٌ = لبسَ السّوادَ فكدّرَ الأقطارا
أفجعتَ أملاكَ السماءِ ومَن بها = والبحرَ والأفلاكَ والأشجارا
فمحاسنُ الأيامِ فيكَ تسربلَتْ = سودَ الثيابِ وشدّتِ الأكوارا
والدّينُ قد وضعَ القلوبَ مآتماً = للمؤمنينَ ليملأ الأمصارا
فلبستُ فوقَ سوادَ يومي أسوداً = وأخذتُ مِن درسِ الطفوفِ مسارا
ياقلبُ إنّ على الطفوفِ فواجعاً = لو طالتِ الدهرَ الخؤونَ أنهارا
واستأسدتْ عُصبُ الضلالِ بكربلا = لما رأتْ أُسدَ الشَّرى أنفارا
تخذوا مِن الأوغادِ كلَّ صفاتِهِمْ = ومِن النواصبِ للقتالِ ستارا
أمعاشرَ الطلقاءِ ليس شجاعةٌ = برجالِكُمْ قابلتُمُ مِعْشارا
أحرقتُمُ خيمَ النساءِ ولمْ يكنْ = بعدَ ابن طه في الوغى مغوارا
وسلبتُمُ حرَمَ الحسينِ وصحبِهِ = وأخذتُمُ حتى النساءَ أُسارى
وحززتُمُ رأسَ الحسينِ ولمْ تزلْ = أفعالُكمْ قد ألبستكُمْ عارا
وندَبتُمُ عشراً إلى سبط الهُدى = داسوا على صدرِ الحسينِ مرارا
لمْ يكفِهِمْ حزَّ الرؤوسِ ورفعَها = بلْ أضرموا قبلَ المَسيرِ النارا
إنْ أنسَ لا أنسى بناتَ محمّدٍ = قدْ صِغنَ مِن فرطِ الدموعِ خِمارا
وذكرتُ "زينبَ " في مدينةِ جدّها = أكرمْ بها بعد البتولِ وقارا
وذكرتُها حوراءَ تنسجُ صبرها = نسجَ الثيابِ لتعبرَ الأخطارا
وذكرتها تبني الوجود بعزّةٍ = وأتتْ تدوّنُ للورى الإصرارا
وذكرتها تحنو على أمٍّ لها = كمْ قاومتْ بجنينها الفجارا
وذكرتها ثكلى تنوحُ مِن الأسى = تنعى البتولَ وتندبُ الكرارا
وذكرتها عند الزكيِّ وقد هوتْ = نحو السرير تعاتبُ الأقدارا
وذكرتها يوم المسير لكربلا = بالصبرِ لبّتْ للحسينِ قرارا
مدّوا لها الأهدابَ فتيةُ حيدرٍ = ورَقَتْ بعزٍّ تنْشِدُ الأذكارا
هي كالكواكبِ غير أنَّ مَسيرَها = نالتْ بهِ بنتُ الهدى إكْبارا
بنتُ الوصيِّ رسالةٌ في كربلا = كانتْ بروحِ ثباتِها إعصارا
إنْ قاوموا وجدوا العقيلةَ ثورةً = أو يسكتوا وجدوا الجوابَ حِصارا
خطبتْ فهزَّ خطابُها الأوغادَ والـ = طلقاءَ والأتباعَ والأشرارا
لهفي لها برزتْ تخاطبُ ظالماً = ومكابراً مستهتراً غدارا
لهفي لها قلَّ النصيرُ بجنبها = فمَشَتْ تشُقُّ بصبرها المضمارا
أسفاً على نورِ السّماءِ ومنْ بهمْ = أمِنتْ بناتُ المصطفى الأسفارا
هذا بجنبِ النهرِ ظلَّ حسامُهُ = فوق الثرى يتوسطَ الأحجارا
عزمٌ يهدُّ الشامخاتِ إذا علا = فيها ولا يتصيّدُ الخوّارا
يلوي بزندِ باسلٍ جبلاً ولا = تلوي الجيوشَ بكفّهِ الأظفارا
هذي سواعدُنا فأين رجالُكم = هُمْ يبرزون إلى القتالِ حيارى
لولا قضاءُ اللهِ في آجالِهِ = صعقَ الجميعَ بسيفِهِ تكرارا
أنت اللِّواءُ وفي الحروبِ مقدّمٌ = حتى جعلتَ سرورَهُم أكدارا
فتطايرتْ أرواحُهُمْ لجهنّمٍ = لمْ يدركوا ماذا جرى ما صارا
خطّتْ يداكَ على الطفوفِ معاجزاً = فتركتها مهراً لها ومزارا
هذا يمينُكُ شاخصٌ بحسامهِ = واللهُ يُكْمِلُ لليمينِ يسارا
يا أيها الليثُ الهصورُ بكربلا = لمْ ترضَ إلاّ في القلوبِ ديارا
يأتي الخلودُ مقبّلاً كفاً وَفتْ = للطاهرينْ بعهدها إيثارا
يامُنزلَ الحِمَمِ الجسامِ على العدى = تأبى الشهامةُ أنْ يطيحَ خمارا
يا سيِّدي ومِن الطفوفِ كرامةٌ = يمشي إليك بها الورى مُختارا
فلقدْ أنرتَ طريقَهم وقلوبَهم = فتراهُمُ عند الكفيلِ جوارا
قسماً بمن كنتَ الوفيَّ بجنبهِ = لمْ أتّخذْ إلاَ الحسينَ خيارا
قسماً بفاطمةَ البتولَ وضلْعِها = ماهمّني جاهاً ولا دينارا
قسماً بآهاتِ الحسينِ وصبرِهِ = إنّي كتبتُ إلى الردى إخْطارا
هذا قرارٌ للحسينِ مِن السّما = يبقى إلى كلِّ الوجودِ قرارا
يتصاغرُ الجبروتُ عند حروفِهِ = ويعيشُ عشاقُ الإبا أدهارا
هذا قراري قد نثرْتُ بذورَهُ = ووهبتَهُ للسائرينَ ثمارا
لمْ أخشَ طاغوتاً ولا سجناً ولا = سيفاً ولا جيشاً ولا غدارا
يا مُلْهِماً وهبَ الوجودَ حياتَهُ = كانتْ فداءً للسّما وذِمارا
سطَّرْتَ في سوحِ الجهادِ مَلاحِماً = وجَعَلتَ حباتِ الرمالِ نُضارا
هذي مواثيقُ السماءِ تلوتَها = للعارفين بكربلا أسفارا
وأبيتَ أنْ تضعَ السيوفَ بغمْدِها = وعزمْتَ إلاّ أنْ تدوسَ العارا
ولقد أنرْتَ طريقَ داجيةَ الورى = بالعزِّ نهْجاً بالدِّما أفكارا
رَفعَتْ عليكَ النائباتُ رماحَها = وغدتْ تُلوِّحُ بالردى إجبارا
فرَقَيْتَها بدمِ الشهادةِ والإبا = بين الملائكِ والعبادِ نهارا
فمضيتَ للعرشِ الشريفِ مُضرّجاً = لمْ ترضَ ديناً للسما يتوارى
هذا بياني قدْ نظمتُ سطورَهُ = حتى تجاوزَ وصفُهُ الأشعارا
ضمّنتهُ الدمعَ الهتونَ مُردّداً = أهوى الحسينَ السبطَ والأطهارا
تاللهِ ما أحلى الهتافَ مع الورى = فكأنّ في ذاكَ الهتافِ الثارا
فكأنّ في تلكَ الحناجرِ سورةً = وكأنّ في هذا الدُجى أبصارا
أهدي سلاماً للحسينِ وآلهِ = ضمَّنْتُهُ بعد الأُلى الأنصارا
وطويتُ خاتمةَ القصيدِ بجُملةٍ = بعثَ الحسينُ إلى السّما الأحرارا
أبو حسين الربيعي – دبي – 4 محرم ( 1434هـ ) – 19/11/2012 – الإثنين
تعليق