هل أن الذي قتل الحسينَ هم شيعتُه ؟
هل أن الذي قتل الحسينَ هم شيعتُه ؟ فنحن نقرأ في بعض الكتب أن شيعة الحسين في الكوفة هم الذين دعوه ثم خانوه وقتلوه !!
إن تلك الكلمة تشبه الكلمة التي قالها معاوية خداعا للناس عندما قتل عمار بن ياسر ، وكانوا قد عرفوا حديث رسول الله ( تقتله الفئة الباغية ) فقال معاوية : ما قتلناه إنما قتله من أخرجه 1 ؟! يعني علي بن أبي طالب عليه السلام .
فإننا لو عرفنا من هم شيعة الحسين عليه السلام ومن هم شيعة أعدائه ومن هم قتلته لعرفنا أن هؤلاء لم يكونوا إلا أعداءه ؟ إن أهل البيت عليهم السلام يتحدثون عن شيعتهم فيحددون مواصفاتهم العامة بحيث يصبح فاقد هذه الصفات غير معدود من شيعتهم باختلاف مستويات تخلف هذه الصفات ، في درجاتها فقد يسلب أصل الصفة وقد يسلب بعض درجاتها :
ـ شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا 2 .
ـ شيعتي من لم يهر هرير الكلب ولم يطمع طمع الغراب 3 .
ـ شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة 4 .
ـ شيعتنا من قدم ما استحسن وأمسك ما استقبح وأظهر الجميل وسارع بالأمر الجليل ، رغبة إلى رحمة الجليل ، فذاك منا وإلينا ومعنا حيثما كنا .
ـ ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله .
ـ شيعتنا هم الشاحبون الذابلون الناحلون ، الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بحزن .
ـ إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر .
ـ امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها ، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عند عدونا ، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها.
ـ إن شيعتنا من شيعنا واتبع آثارنا واقتدى بأعمالنا .
ـ إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى : بالسخاء والبذل للإخوان ، وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا .
ـ لا تذهب بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل 5 .
في المقابل نحن نجد أن الإمام الحسين عليه السلام وهو العليم بمن يقاتله وصف الجنود الذين كانوا في المعسكر المقابل بأنهم : شيعة آل أبي سفيان . فقد ورد أن الحسين عليه السلام لما وقع صريعا وهجم القوم على مخيمه نادى : ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون 6 .
وفي خطابه فيهم في يوم عاشوراء يحدد صفات قاتليه فيقول ( فسحقا يا عبيد الأمة ، وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ونفثة الشيطان ، ومطفئي السنن ، أهؤلاء تعضدون . وعنا تتخاذلون ؟ أجل والله الغدر فيكم قديم ، وشجت إليه أصولكم وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر وأكلة للغاصب ) 7 .
بل إن هذا الأمر كان واضحا لكل الأطراف فهذا عبيد الله بن زياد كان يرى ان النصر قد حصل لشيعة آل أمية ، وأن القتل كان من نصيب شيعة الحسين مما يعني أن القتلة كانوا من المعسكر الآخر . . فإنه ( لما دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودى الصلاة جامعة فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن على وشيعته فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ثم أحد بنى والبة وكان من شيعة على كرم الله وجهه وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع على فلما كان يوم صفين ضرب على رأسه ضربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلى فيه إلى الليل ثم ينصرف قال فلما سمع مقالة ابن زياد قال يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتكلمون بكلام الصديقين ) 8 ، وهكذا كانت الحوارات بين المجاهدين الحسينيين والمرتزقة الأمويين تشير إلى أن الطرف المقاتل والمعادي للحسين لم يكن من شيعته وإنما من شيعة غيره فقد تكلم حبيب بن مظاهر وقال لهم : أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام وعترته وأهل بيته صلى الله عليه وسلم وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيرا ! فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكى نفسك ما استطعت ! فقال له زهير ( بن القين ) : يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة فإنى لك من الناصحين أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية ! فقال : يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا !!
قال : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ولا أرسلت إليه رسولا قط ولا وعدته نصرتي قط ولكن الطريق جمع بينى وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله .. 7 .
ولنا أن نتساءل عن قتلة الحسين وأصحابه ، فهل كان عمر بن سعد بن ابي وقاص من شيعة الحسين ؟ أو أن يزيد بن معاوية كان من شيعة الحسين عليه السلام ؟ أو أن عبيد الله بن زياد كان من شيعته ؟ وهل كان شمر بن ذي الجوشن من شيعة الحسين ؟ .
إن مثل هذا الكلام عندما يصدر من كاتب أو مؤرخ فإنه يكون بمثابة اشتراك واضح في الجريمة بحيث يتهم فيها غير الجاني ويبرئ الجاني الحقيقي 9 .
1. تاريخ الطبري ج 4 ص 29 .. فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد الله ( بن عمرو بن العاص ) ؟ قال : وما يقول ؟ فأخبره الخبر. فقال معاوية : إنك شيخ أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك ! أو نحن قتلنا عمارا ؟ إنما قتل عمارا من جاء به ! فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنما قتل عمارا من جاء به ..قال الطبري : فلا أدرى من كان أعجب هو أو هم ؟
2. ميزان الحكمة 2 ـ 973 .
3. ميزان الحكمة 2 ـ 1222 .
4. نفس المصدر 2 ـ 1538 .
5. الأحاديث من نفس المصدر ونفس الجزء .
6. اللهوف في قتلى الطفوف 144 .
7. a. b. نفس المصدر .
8. تاريخ الطبري 4 ـ 350 .
9. من قضايا النهضة الحسينية ( أسئلة وحوارات ) : الجزء الأول .
هل أن الذي قتل الحسينَ هم شيعتُه ؟ فنحن نقرأ في بعض الكتب أن شيعة الحسين في الكوفة هم الذين دعوه ثم خانوه وقتلوه !!
إن تلك الكلمة تشبه الكلمة التي قالها معاوية خداعا للناس عندما قتل عمار بن ياسر ، وكانوا قد عرفوا حديث رسول الله ( تقتله الفئة الباغية ) فقال معاوية : ما قتلناه إنما قتله من أخرجه 1 ؟! يعني علي بن أبي طالب عليه السلام .
فإننا لو عرفنا من هم شيعة الحسين عليه السلام ومن هم شيعة أعدائه ومن هم قتلته لعرفنا أن هؤلاء لم يكونوا إلا أعداءه ؟ إن أهل البيت عليهم السلام يتحدثون عن شيعتهم فيحددون مواصفاتهم العامة بحيث يصبح فاقد هذه الصفات غير معدود من شيعتهم باختلاف مستويات تخلف هذه الصفات ، في درجاتها فقد يسلب أصل الصفة وقد يسلب بعض درجاتها :
ـ شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا 2 .
ـ شيعتي من لم يهر هرير الكلب ولم يطمع طمع الغراب 3 .
ـ شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة 4 .
ـ شيعتنا من قدم ما استحسن وأمسك ما استقبح وأظهر الجميل وسارع بالأمر الجليل ، رغبة إلى رحمة الجليل ، فذاك منا وإلينا ومعنا حيثما كنا .
ـ ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله .
ـ شيعتنا هم الشاحبون الذابلون الناحلون ، الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بحزن .
ـ إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر .
ـ امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها ، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عند عدونا ، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها.
ـ إن شيعتنا من شيعنا واتبع آثارنا واقتدى بأعمالنا .
ـ إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى : بالسخاء والبذل للإخوان ، وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا .
ـ لا تذهب بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل 5 .
في المقابل نحن نجد أن الإمام الحسين عليه السلام وهو العليم بمن يقاتله وصف الجنود الذين كانوا في المعسكر المقابل بأنهم : شيعة آل أبي سفيان . فقد ورد أن الحسين عليه السلام لما وقع صريعا وهجم القوم على مخيمه نادى : ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون 6 .
وفي خطابه فيهم في يوم عاشوراء يحدد صفات قاتليه فيقول ( فسحقا يا عبيد الأمة ، وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ونفثة الشيطان ، ومطفئي السنن ، أهؤلاء تعضدون . وعنا تتخاذلون ؟ أجل والله الغدر فيكم قديم ، وشجت إليه أصولكم وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر وأكلة للغاصب ) 7 .
بل إن هذا الأمر كان واضحا لكل الأطراف فهذا عبيد الله بن زياد كان يرى ان النصر قد حصل لشيعة آل أمية ، وأن القتل كان من نصيب شيعة الحسين مما يعني أن القتلة كانوا من المعسكر الآخر . . فإنه ( لما دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودى الصلاة جامعة فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن على وشيعته فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ثم أحد بنى والبة وكان من شيعة على كرم الله وجهه وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع على فلما كان يوم صفين ضرب على رأسه ضربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلى فيه إلى الليل ثم ينصرف قال فلما سمع مقالة ابن زياد قال يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتكلمون بكلام الصديقين ) 8 ، وهكذا كانت الحوارات بين المجاهدين الحسينيين والمرتزقة الأمويين تشير إلى أن الطرف المقاتل والمعادي للحسين لم يكن من شيعته وإنما من شيعة غيره فقد تكلم حبيب بن مظاهر وقال لهم : أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام وعترته وأهل بيته صلى الله عليه وسلم وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيرا ! فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكى نفسك ما استطعت ! فقال له زهير ( بن القين ) : يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة فإنى لك من الناصحين أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية ! فقال : يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا !!
قال : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ولا أرسلت إليه رسولا قط ولا وعدته نصرتي قط ولكن الطريق جمع بينى وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله .. 7 .
ولنا أن نتساءل عن قتلة الحسين وأصحابه ، فهل كان عمر بن سعد بن ابي وقاص من شيعة الحسين ؟ أو أن يزيد بن معاوية كان من شيعة الحسين عليه السلام ؟ أو أن عبيد الله بن زياد كان من شيعته ؟ وهل كان شمر بن ذي الجوشن من شيعة الحسين ؟ .
إن مثل هذا الكلام عندما يصدر من كاتب أو مؤرخ فإنه يكون بمثابة اشتراك واضح في الجريمة بحيث يتهم فيها غير الجاني ويبرئ الجاني الحقيقي 9 .
1. تاريخ الطبري ج 4 ص 29 .. فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد الله ( بن عمرو بن العاص ) ؟ قال : وما يقول ؟ فأخبره الخبر. فقال معاوية : إنك شيخ أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك ! أو نحن قتلنا عمارا ؟ إنما قتل عمارا من جاء به ! فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنما قتل عمارا من جاء به ..قال الطبري : فلا أدرى من كان أعجب هو أو هم ؟
2. ميزان الحكمة 2 ـ 973 .
3. ميزان الحكمة 2 ـ 1222 .
4. نفس المصدر 2 ـ 1538 .
5. الأحاديث من نفس المصدر ونفس الجزء .
6. اللهوف في قتلى الطفوف 144 .
7. a. b. نفس المصدر .
8. تاريخ الطبري 4 ـ 350 .
9. من قضايا النهضة الحسينية ( أسئلة وحوارات ) : الجزء الأول .
تعليق