(اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ).
تشتمل هذه الفقرة على جملة من المطالب التي ينبغي الإلتفات إليها وعدم إغفالها، وهي تحتاج إلى بسط في الكلام وشرح يناسب مكانتها وما تحويه من مخزون علمي ومعرفي، ولكن حيث أن هذا الشرح لهذا الدعاء المبارك مبني على بيان قضايا بشكلها الإجمالي، كذلك الإشارة إلى أمّهات المطالب ويبقى التفصيل متروكا لمحله.
والمطالب التي ينبغي تسليط الضوء عليها بشكل أكبر وإبرازها أكثر هي البعد العقائدي في القضاء والقدر، والبعد الاخلاقي والتربوي في الامتثال لإرادة الله تعالى والتسليم لاختياره، والبعد المعرفي في سنن الإمتحان والإبتلاء, وهناك إبعاد أخرى يمكن أن يشير إليها المتحدث، ونتناولها على شكل محاور.
المحور الأول: البعد العقائدي بحث القضاء والقدر
تشتمل الفقرة الآنفة الذكر الحديث في بحث القضاء والقدر من حيثية الإصطفاء والإستخلاص، وبحث الولاية والإمامة وتنتقل إلى بحث القيامة والنعيم الخالد، حيث يتجلى هذا البحث بشكل واضح في هذه الفقرة, وينبغي أن لا نغفل الإشارة إلى هذه الأبحاث لأجل أن يفهم السامع أنّ هذه الكلمات النورانية الصادرة من معدن الوحي ذات أبعاد متنوعة، وكل بعد منها له أعماق ومستويات ويمكن للمنتهل أن يغترف بقدر سعته لا بقدرها، وعلى ميزان الآية الكريمة أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها).
فلابدّ أن تنظم قضية القضاء والقدر والاصطفاء والإمامة بمنظومة الحمد والشكر، وأن تبرز بشكل جليّ للمستمع وكأنها منظومة واحدة, وقد تقدم نحو من البيان فيما يرتبط بقضية الحمد، ونشير هنا إلى أن القضاء والقدر في عقيدة أهل البيت هو حقيقة (على حدّ تعبير الروايات) بين الجبر والاختيار فتعطي للإنسان مساحة واسعة تؤهله لأنْ يصل إلى المقامات العليا التي ينبغي له الوصول إليها، وفي نفس الوقت لا يعني ذلك تفويضا وخروجا عن القدرة الإلهية، فمن أجمل التركيبات التي تمتاز بها العقيدة الأمامية أنها نظّمت هذا البحث بشكل ينسجم مع الوجدان والعقل والواقع, في حين أن الغير لم يتمكن من الخروج من هذه المعضلة بما ينسجم مع العقل والوجدان وما دلّت عليه الآيات الكريمة.
المحور الثاني: البعد الأخلاقي والتربوي
فإن هذه الفقرة التي تبتدأ بذكر الله سبحانه وتعالى وتنسب كل فيض من الوجود إلى إلوهيته هي في عين الوقت تلزم الإنسان بان يخضع منتهى ألوان الخضوع من خلال الحمد والتخضع إذعانا لتلك النعم وإيقانا بأنّ كل نعمة صدرت وتصدر إنّما هي من معدن ومنبع الإلوهية, فجميع ما يمثّله الحمد من مداليل في اللغة هي صور يعبّر بها الداعي إلى الله سبحانه وتعالى من خلال هذا المقطع وإن كانت تلك النعم في ظاهرها ابتلاءات فالنفس المستخلصة والتي وقع عليها الاختيار الإلهي ترى أنّ ذلك يوجب الحمد وأنه في كل الأحوال لا يفرّق فيه بين سرّاء أو ضرّاء، كما في حديث الباقر عليه السلام مع جابر بن عبد الله الأنصاري حينما سأله عليه السلام عن أحواله فقال جابر: (أحب المرض على الصحة والموت على الحياة والشيخوخة على الشباب, فقال له الإمام الباقر عليه السلام: امّا أنا يا جابر فإنْ جعلني الله شيخا أحب الشيخوخة وإن جعلني شابا أحب الشيبوبة وإن أمرضني أحب المرض وإن شفاني أحب الشفاء والصحة وإن أماتني أحب الموت وإن أبقاني أحب البقاء).
فهذا النموذج الحمدي هو الذي يريد أن يشير إليه هذا المقطع، حيث يجعل النفس المستخلصة، والتي انتخبت واختيرت للولاية نموذجا أسويا يحتذى به بالحمد بما يجري به القضاء تجاه الأولياء, فإنّ النعيم الأبدي الذي لا يزول ولا يضمحل إنما يتفرع على نموذج من الحمد لونه ما يشير إليه هذا المقطع الندبي المبارك.
ولا تخفى الإشارات اللطيفة التي يتضمنها هذا المقطع من سموّ النفس ورقيها وتهذيبها وإعطائها نوعاً من الدربة في الممارسات السلوكية نتيجة لما يتلقاه ويحمله من تلك المعاني الخلقيّة التي تتولد لديه من إذعانه كلما اشتد به البلاء أملاً في استخلاص نفسه لنفس الباري وذوبان وجوده في دينه وهذا السمو الرفيع هو النموذج الذي أمرنا بالإقتداء به والمتمثل بتلك المكارم التي إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتممها في النفس الإنسانية.
المحور الثالث: البعد المعرفي
يسلط هذا المقطع الندبي الضوء على منظومة إلهية لا يمكن أن تستقيم إلاّ بسنن تكوينية كونية، من أبرزها سنة الابتلاء والامتحان والذوبان من أجل تحقيق الهدف الأسمى، فخلاصة المعرفة البشرية والتجربة العقلائية تقول أن الديدن السّنني العقلائي في تحقيق الأهداف العظام يولّد لدى المضحّي قدرة هائلة في أنّه لا يتوانى في البذل مهما كان من أجل تحقيق الغاية القصوى, وهذا المقطع الذي يعكس لنا الحمد على ما جرى به القضاء في الأولياء لأجل الاستخلاص يبرز هذه الحقيقة العقلائية بشكل جلي واضح.
فضلاً عما يحمله هذا المقطع من مخزون معرفي في الإخلاص والاختيار ونظرية العطاء والجزاء وتجسم الأعمال، فيما لو نظرنا إليها من غير بعدها العقائدي والكلامي، فإنّ النعيم الذي يتجسد وجودا دائما لا زوال له ولا اضمحلال يتوقف على التسليم بالقضاء الصادر من الله سبحانه وتعالى بل على حمد ذلك الإله الذي قضى بما قضى وكيفما كان ذلك القضاء, علماً أنّ الفقرة التي تحدثنا عنها تكتنز الكثير مما يمكن لنا ان نفرزه من معارف ومفاهيم ترتبط بتنظيم حياتنا وارتباطاتنا التي تولد سلوكا للرقي الإنساني ولكن البناء أسس على الاختصار فلمن يرغب بفتح المطالب وتوسيعها يمكن له ان يقف على بحر زاخر من المعارف من خلال هذا المقطع الندبي المبارك.
صحيفه صدى المهدي
تشتمل هذه الفقرة على جملة من المطالب التي ينبغي الإلتفات إليها وعدم إغفالها، وهي تحتاج إلى بسط في الكلام وشرح يناسب مكانتها وما تحويه من مخزون علمي ومعرفي، ولكن حيث أن هذا الشرح لهذا الدعاء المبارك مبني على بيان قضايا بشكلها الإجمالي، كذلك الإشارة إلى أمّهات المطالب ويبقى التفصيل متروكا لمحله.
والمطالب التي ينبغي تسليط الضوء عليها بشكل أكبر وإبرازها أكثر هي البعد العقائدي في القضاء والقدر، والبعد الاخلاقي والتربوي في الامتثال لإرادة الله تعالى والتسليم لاختياره، والبعد المعرفي في سنن الإمتحان والإبتلاء, وهناك إبعاد أخرى يمكن أن يشير إليها المتحدث، ونتناولها على شكل محاور.
المحور الأول: البعد العقائدي بحث القضاء والقدر
تشتمل الفقرة الآنفة الذكر الحديث في بحث القضاء والقدر من حيثية الإصطفاء والإستخلاص، وبحث الولاية والإمامة وتنتقل إلى بحث القيامة والنعيم الخالد، حيث يتجلى هذا البحث بشكل واضح في هذه الفقرة, وينبغي أن لا نغفل الإشارة إلى هذه الأبحاث لأجل أن يفهم السامع أنّ هذه الكلمات النورانية الصادرة من معدن الوحي ذات أبعاد متنوعة، وكل بعد منها له أعماق ومستويات ويمكن للمنتهل أن يغترف بقدر سعته لا بقدرها، وعلى ميزان الآية الكريمة أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها).
فلابدّ أن تنظم قضية القضاء والقدر والاصطفاء والإمامة بمنظومة الحمد والشكر، وأن تبرز بشكل جليّ للمستمع وكأنها منظومة واحدة, وقد تقدم نحو من البيان فيما يرتبط بقضية الحمد، ونشير هنا إلى أن القضاء والقدر في عقيدة أهل البيت هو حقيقة (على حدّ تعبير الروايات) بين الجبر والاختيار فتعطي للإنسان مساحة واسعة تؤهله لأنْ يصل إلى المقامات العليا التي ينبغي له الوصول إليها، وفي نفس الوقت لا يعني ذلك تفويضا وخروجا عن القدرة الإلهية، فمن أجمل التركيبات التي تمتاز بها العقيدة الأمامية أنها نظّمت هذا البحث بشكل ينسجم مع الوجدان والعقل والواقع, في حين أن الغير لم يتمكن من الخروج من هذه المعضلة بما ينسجم مع العقل والوجدان وما دلّت عليه الآيات الكريمة.
المحور الثاني: البعد الأخلاقي والتربوي
فإن هذه الفقرة التي تبتدأ بذكر الله سبحانه وتعالى وتنسب كل فيض من الوجود إلى إلوهيته هي في عين الوقت تلزم الإنسان بان يخضع منتهى ألوان الخضوع من خلال الحمد والتخضع إذعانا لتلك النعم وإيقانا بأنّ كل نعمة صدرت وتصدر إنّما هي من معدن ومنبع الإلوهية, فجميع ما يمثّله الحمد من مداليل في اللغة هي صور يعبّر بها الداعي إلى الله سبحانه وتعالى من خلال هذا المقطع وإن كانت تلك النعم في ظاهرها ابتلاءات فالنفس المستخلصة والتي وقع عليها الاختيار الإلهي ترى أنّ ذلك يوجب الحمد وأنه في كل الأحوال لا يفرّق فيه بين سرّاء أو ضرّاء، كما في حديث الباقر عليه السلام مع جابر بن عبد الله الأنصاري حينما سأله عليه السلام عن أحواله فقال جابر: (أحب المرض على الصحة والموت على الحياة والشيخوخة على الشباب, فقال له الإمام الباقر عليه السلام: امّا أنا يا جابر فإنْ جعلني الله شيخا أحب الشيخوخة وإن جعلني شابا أحب الشيبوبة وإن أمرضني أحب المرض وإن شفاني أحب الشفاء والصحة وإن أماتني أحب الموت وإن أبقاني أحب البقاء).
فهذا النموذج الحمدي هو الذي يريد أن يشير إليه هذا المقطع، حيث يجعل النفس المستخلصة، والتي انتخبت واختيرت للولاية نموذجا أسويا يحتذى به بالحمد بما يجري به القضاء تجاه الأولياء, فإنّ النعيم الأبدي الذي لا يزول ولا يضمحل إنما يتفرع على نموذج من الحمد لونه ما يشير إليه هذا المقطع الندبي المبارك.
ولا تخفى الإشارات اللطيفة التي يتضمنها هذا المقطع من سموّ النفس ورقيها وتهذيبها وإعطائها نوعاً من الدربة في الممارسات السلوكية نتيجة لما يتلقاه ويحمله من تلك المعاني الخلقيّة التي تتولد لديه من إذعانه كلما اشتد به البلاء أملاً في استخلاص نفسه لنفس الباري وذوبان وجوده في دينه وهذا السمو الرفيع هو النموذج الذي أمرنا بالإقتداء به والمتمثل بتلك المكارم التي إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتممها في النفس الإنسانية.
المحور الثالث: البعد المعرفي
يسلط هذا المقطع الندبي الضوء على منظومة إلهية لا يمكن أن تستقيم إلاّ بسنن تكوينية كونية، من أبرزها سنة الابتلاء والامتحان والذوبان من أجل تحقيق الهدف الأسمى، فخلاصة المعرفة البشرية والتجربة العقلائية تقول أن الديدن السّنني العقلائي في تحقيق الأهداف العظام يولّد لدى المضحّي قدرة هائلة في أنّه لا يتوانى في البذل مهما كان من أجل تحقيق الغاية القصوى, وهذا المقطع الذي يعكس لنا الحمد على ما جرى به القضاء في الأولياء لأجل الاستخلاص يبرز هذه الحقيقة العقلائية بشكل جلي واضح.
فضلاً عما يحمله هذا المقطع من مخزون معرفي في الإخلاص والاختيار ونظرية العطاء والجزاء وتجسم الأعمال، فيما لو نظرنا إليها من غير بعدها العقائدي والكلامي، فإنّ النعيم الذي يتجسد وجودا دائما لا زوال له ولا اضمحلال يتوقف على التسليم بالقضاء الصادر من الله سبحانه وتعالى بل على حمد ذلك الإله الذي قضى بما قضى وكيفما كان ذلك القضاء, علماً أنّ الفقرة التي تحدثنا عنها تكتنز الكثير مما يمكن لنا ان نفرزه من معارف ومفاهيم ترتبط بتنظيم حياتنا وارتباطاتنا التي تولد سلوكا للرقي الإنساني ولكن البناء أسس على الاختصار فلمن يرغب بفتح المطالب وتوسيعها يمكن له ان يقف على بحر زاخر من المعارف من خلال هذا المقطع الندبي المبارك.
صحيفه صدى المهدي
تعليق