بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة : 119]
هذه الآية الشريفة من آيات الإمامة العظيمة التي لم تعط ما تستحقه من البحث مع ما فيها من دقائق وسنجمل البحث عنها تحت عناوين ثلاثة :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة : 119]
اولا : وجود حجة لله في كل زمان .
ثانيا : عصمة ذلك الحجة وامامته .
ثالثا : تحديد هوية الصادقين .
***
واليك التفصيل :
اولا : دلالتها على وجود المعصوم في كل زمان .
ـ فلكي يتجه ويصح الامر بالكون مع الصادقين لابد من وجوده ، بمعنى اخر : بما ان الاية فيها امر وتكليف للمؤمنين بالكون مع الصادقين فعدم وجود الصادقين مع الامربالكون معهم يصبح ذلك الامر من التكليف بالمحال يتنزه عنه ربنا الحكيم عز وجل ،فيستفاد من ذلك وجود صادق من الصادقين في كل زمان لوجود المؤمنين المكلفين بالكون معهم في كل زمان ، ويدل على ذلك ايضا حديث : من مات بغير امام مات ميتة جاهلية ،وقد اجمع على روايته المسلمون وصححوه وقد حسنه الالباني في ظلال الجنة ايضا وقد استفاد الرازي في تفسيره من الاية ذلك ايضا قائلا :
المسألة الأولى : أنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين ، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كل وقت ، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل، ومتى امتنع إطباق الكل على الباطل ، وجب إذا أطبقوا على شيء أن يكونوا محقين .فهذا يدل على أن إجماع الأمة حجة .
وقال ايضا : أن قوله : { كُونُواْ مَعَ الصادقين } أمر بموافقة الصادقين ، ونهى عن مفارقتهم ، وذلك مشروط بوجود الصادقين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فدلت هذه الآية على وجود الصادقين .اهـ
( رؤوس العامة يصرحون بوجود حجة في كل عصر )
ويشهد لما استفدناه اقوال علماء العامة في وجود حجة في كل عصر سننتخب بعضا منهم :
1/ابن تيمية في مجموع الفتاوى 25 / 131 قال : فَإِنَّ الْأَرْضَ لَنْ تَخْلُوَمِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةِ؛ لِكَيْلَا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ.
2/ابن حجر في الفتح 6 / 494 قال : وَفِي صَلَاةِ عِيسَى خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ كَوْنِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَقُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ دَلَالَةٌ لِلصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو عَنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ وَاللَّهُ أعلم اهـ
واكثر من ذلك فقد صرح بعضهم انه من اهل البيت :
3/قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة 2 / 439 : " والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة " اهــ.
4/ قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير 3 / 14 :
< تنبيه> قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلىالتمسك به كما أن الكتاب كذلك فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهلالأرض . اهـ
هذه بعض الشواهد وسرد جميع كلماتهم يقتضي الخروج عن عنوان الاختصار فحسبك ما مروالى هنا تم ما اردنا بيانه في المسالة الاولى .
***
المسالة الثانية : دلالة الاية الكريمة على امامة وعصمة الصادقين
ان عظمة كلام الله بعظمة متكلمه ولا عظمة فوق عظمته عز وجل فلا اعظم من كلام الله وهذا يقتضي التدقيق في جمل القران وكلماته وتركيباته ففيما نحن فيه نجد ان الاية قالت : مع الصادقين ولم تقل : من الصادقين وهذا يعني انهم فئة خاصة لهم التقدموالاولوية ومن جهة اخرى فان الامر بالكون معهم مطلقا يعني عصمتهم ، والا لزم التضاد ، بمعنى : لو جاز عليهم الخطأ فكيف يصح حينئذ الامر بطاعتهم مطلقا ؟!على ان الاية ذكرت عنوان الصادقين بصورة مطلقة مما يعني صدقهم قولا وفعلا واعتقادا ولانعني بالمعصوم الا هذا فالصادق في كل شيء هو المعصوم وتصديق ذلك في آية التطهير{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب : 33] فهو نقي الذات نقي الصفات نقي الافعالوبالاولوية صحيح الاعتقاد فلاحظ كيف ان القران يشد بعضه بعضا .
وما ذكرناه هو ما استفاده كبار الخاصة والعامة ولناخذ شاهدا واحدا من كل منهما :
اما من الخاصة فالمجلسي في مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج 2، ص: 417 حيث قال :
ـ و وجه الاستدلال بها أن الله أمر كافة المؤمنين بالكون مع الصادقين، و ظاهر أن ليس المراد به الكون معهم بأجسادهم بل المعنى لزوم طرائقهم و متابعتهم في عقائدهمو أقوالهم و أفعالهم، و معلوم أن الله تعالى لا يأمر عموما بمتابعة من يعلم صدورالفسق و المعاصي عنه، مع نهيه عنها، فلا بد من أن يكونوا معصومين لا يخطئون في شيء حتى تجب متابعتهم في جميع الأمور، و أيضا اجتمعت الأمة على أن خطاب القرآن عاملجميع الأزمنة لا يختص بزمان دون زمان، فلا بد من وجود معصوم في كل زمان ليصح أمرمؤمني كل زمان بمتابعتهم . اهـ
واما من العامة فالرازي في تفسيره للآية حيث قال :
والرابع : وهو أن قوله : { يا أيهاالذين ءامَنُواْ اتقوا الله } أمر لهم بالتقوى ،وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقياً ، وإنما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ ، فكانت الآية دالة على أن من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتدياً بمن كانواجب العصمة ، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين ، فهذا يدل على أنه واجب على جائز الخطأ كونه مع المعصوم عن الخطأ حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعاً لجائزالخطأ عن الخطأ ، وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان فوجب حصوله في كل الأزمان .اهـ
وقال ايضا في تفسيره للآية :
نحن نعترف بأنه لا بد من معصوم في كل زمان ، إلا أنا نقول : ذلك المعصوم هو مجموع الأمة ، وأنتم تقولون : ذلك المعصوم واحد منهم اهـ
وجوابه :
لو كان المقصود من الصادقين مجموع الأُمّة، فإنّ الأتباع سيكونون جزء من ذلك المجموع وهو في الواقع اتباع الجزء للقدوة والإِمام، وسيعني ذلك اتحاد التابع والمتبوع، في حين نرى أنّ ظاهر الآية هو أن القدوة غير المقتدي، والتابعين غيرالمتبوعين، بل يفترقون عنهم .
المسألة الثالثة : بيان المقصود بالصادقين .
هم اهل البيت وعلى راسهم وسيدهم علي عليه السلام وهو ما يمكن معه دعوى الاثبات لدى الخاصة والعامة فالكلام في مقامين :
الاول : تشخيص المعصومين لهوية الصادقين والاحاديث من طرقنا كثيرة نستعرض حديثين منها:
1/ ما رواه سليم بن قيس الهلالي: إِنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) كان له يوماً كلام مع جمع من المسلمين، ومن جملة ما قال: « فأنشدكم الله أتعلمون أن الله أنزل يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). فقال سلمان: يا رسول الله أعامّة هي أم خاصّة؟ قال: أمّا المأمورون فالعامّة من المؤمنين أُمروا بذلك، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي والأوصياء من بعده إِلى يوم القيامة»؟ قالوا: اللّهم نعم.
2/ والثاني ما رواه الكليني في الكافي في : باب ما فرض الله عز و جل و رسوله صلى الله و عليه و آله من الكون مع الأئمة عليهم السلام في الحديث الثاني من الباب قال:
- مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ قَالَ الصَّادِقُونَ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَالصِّدِّيقُونَ بِطَاعَتِهِمْ .
قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج 2، ص: 421 : الحديث الثاني صحيح .
واما المقام الثاني : وهو تحديد هوية الصادقين من طريق العامة فنقول :
لنا في اثبات كونهم اهل البيت لمخالفينا من الاجماع والقران والاخبار :
1/ اما الاجماع على دخولهم ، فباي معنى فسرت الاية فلن يشك مسلم في دخول اهل البيت فهم محل اجماع ودخول غيرهم محل خصام ونزاع .
هذا من جهة الاجماع واما من القران
2/ فلنا في اثبات ذلك : {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَهُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر : 33] فالذي جاء بالحق هو النبي ص والذي صدق به هو عليع للاخبار ، فقد روى الحاكم في المستدرك 3 / 147 مسندا عن النبي ص انه قال : «أَوَّلُكُمْ وَارِدًا عَلَى الْحَوْضِ، أَوَّلُكُمْ إِسْلَامًا، عَلِيُّ بْنُأَبِي طَالِبٍ » . واحاديث اول المسلمين متواترة .
3/ واما الاخبار والآثار العامية تنص على تفسير الآية باهل البيت فنعرض لاثنين منها من مصدرين احدهما عن ابن عباس والثاني عن الإمام الباقر "ع" :
فالاول : ما نقله الآلوسي في روح المعاني 7 / 399 قال :
ـ وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عساكر عن أبي جعفر أن المراد كونوا مع علي كرم الله تعالى وجهه . اهـ
نعم قال بعده على فرض صحته دون ان يبين فيه اي مطعن فلا ادري لمَ صار فرضا !
والثاني : وهو رواية السيوطي في الدر المنثور 4 / 316 :
ــ وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اتَّقوا الله وَكُونُوامَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ عَليّ بن أبي طَالب
ــ وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي حعفر فِي قَوْله {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين}قَالَ: مَعَ عَليّ بن أبي طَالب اهـ
وغيرها ايضا واحسب فيما قلنا ونقلنا كفاية فاقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
كتبه : علي الحسيني
تعليق