أهل البيت ع ونظرية فيثاغورس ج1
لاريب أن علامات التعجب ستبدو على مُحيا من يُطالع هذا العنوان ولاريب في أنّه من الغرابة بمكان مايعطيه جنبةً من التكلف والتمحل وهو أبعد مايكون عن ذلك فإذا عرف السبب بطل العجب .
وللولوج في هذا البحث ينبغي لنا أولاً أن نعرف توقيفية أسماء الرسول(ص) وأهل بيته من عدمها كي يؤتي البحث أُكله ويينع ثمره:
1.لاريب في أنّ إسم الرسول الأكرم (ص) معروف ومبشرٌ به قبل ولادته وفي كل الشرائع، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز على لسان عيسى بن مريم(ع): (وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖيَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞمُّبِينٞ6)[1]. والآية واضحة في توقيفية اسم الرسول الأكرم(ص) وهو مؤلف من أربعة حروف.
2. مجموعة الروايات التي تشير الى أنّ أصحاب الكساء(ع) كانوا أنواراً يسبِّحون بحمد الله[2] ومعروفون بأسمائهم، ومجموعة الروايات التي تبيِّن أنّ أسماءهم الشريفة مكتوبة على العرش[3] أو على ساق العرش[4] أو على باب الجنة[5]، وكذلك مجموعة روايات توسل الأنبياء(ع) بالرسول[6](ص) وأهل بيته[7](ع).
3. رواية ولادة الإمام علي(ع) في داخل الكعبة وأنّ فاطمة بنت أسد أُلهمت تسميته بهذا الإسم المشتق من إسم العلي الأعلى سبحانه وتعالى[8].
4. الروايات التي تُشيرالى أنّ الله سبحانه وتعالى قد سمّى فاطمة[9](ع) وأنّ الرسول(ص) قد سمّى الحسن والحسين(ع) وهو (مَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ 3 إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞيُوحَىٰ 4)[10]، فقد جاء في رواية أسد الغابة: (رُوي عن ابن الأعرابيّ عن المفُضَّل قال: إنّ الله حَجَب اسمَ الحسن والحسين(ع) حتّى سمّى بهما النبيُّ(ص) ابنَيهِ: الحسنَ والحسين(ع))[11]، وعن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال: ( لمّا ولدتْ فاطمة حسناً أتتْ النبي (ص) فسمّاه حسناً فلمّا ولدتْ الآخر سمّاه حسيناً)[12].
5. روايات اللوح[13] التي تُبيِّن أسماء الأئمة الإثني عشر(ع) وتُثبت أنّها من عند الله تعالى.
وغير خافٍ عن القاريء اللبيب أنّ إيرادنا للروايات أعلاه هو من باب التأكيد والتأييد لا أكثر إذْ إنّ المعصوم هو من يُسمِّي متعلقيه فتكون الأسماء بذلك مقصودة لم تأتِ جزافاً أو إعتباطاً فلا غرابة بعد هذا أنْ تكون محكومة بمنظومة حسابية ، تزيد في تأكيد هذا الأمر وتبيّن أنّ هذا الأمر هو في عين الله سبحانه وتعالى وأنّ مسارهم قد كان واضحاً عند الرسول (ص) وكما بيّن ذلك في أكثر من مناسبة .
والآن لنعرف من هو فيثاغورس وماهي نظريته الشهيرة ؟
فيثاغورث أو فيثاغورس أوفيتاغورسالساموسي هوفيلسوف ورياضي إغريقي يوناني عاش في القرن السادس قبل الميلاد، إذ كان مسقط رأسه على جزيرة سامـوسعلى الساحل اليوناني حوالي سنـة 89ق.م و توفي في مدينة ميتابونتام بإيطاليا حوالي سنة 490 ق.م.وتنسب إليهنظرية فيثاغورس.
ونظريته تتعلق بالمثلث القائم الزاوية حيث برهن على أنّ مجموع مربعي الضلعين القائمين يساوي مربع الوتر الرابط بينهما ، وذُكرت لها براهين كثيرة نحن في غنى عن ذكرها[14].
فإذا أخذنا المثلث (أ ب جـ) القائم الزاوية في (أ) فإن :
(أب)2 + (أج)2 = (ب ج)2
أي أن : (ب ج) = جذر [(أب)2 + (أج)2]
والآن نبيِّن ماتوصلنا إليه بفضل الله سبحانه وتعالى ونشرح العلاقة بين أسماء أهل البيت(ع) وبين المثلث القائم الزاوية:
إنّ مظهراً من مظاهر العلاقة والآصرة بين الخمسة أصحاب الكساء (ع) يمكن أنْ يُمثل في المثلث القائم الزاوية، والأسماء الشريفة هي :
محمد(ص) =4/ علي(ع) = 3/ فاطمة (ع) = 5/ حسن (ع) = 3 / حسين (ع)= 4/
حيث ينطبق المثلث القائم على أسمائهم بأبسط حالاته بدون كسور أعني (3،4،5) فيمكن تمثيل الأسماء الشريفة في المثلث القائم الزاوية وكما يلي:
(4)2 + (3)2 = (الوتر)2
إذاً طول الوتر= جذر [(4)2 + (3)2 ]
= جذر [ 16 + 9]
طول الوتر = 5 وهو عدد حروف إسم فاطمة الزهراء سلام الله عليها .
وبعد التأمّل والتركيز في هذه العلاقة الرياضيّة المميّزة يحق لنا أن نستحضر الكثير من المعاني والدلالات القرآنية والحديثية منها:
1. حديث المؤاخاة: إنّ الرسول الأكرم محمد (ص) والإمام علي (ع) أخوان حسب حديث المؤاخاة فهما كالضلعين القائمين في المثلث القائم فبالنبوة والإمامة قوام الدين، والآصرة بينهما هي بضعة الرسول (ص) وزوج الإمام (ع) فاطمة البتول (ع).
2. القائمون بأمر الله : ورد في كثير من الأحاديث الشريفة عن أهل البيت (ع) أنّهم القائمون[15] بأمر الله تعالى ويتأكد هذا الأمر بعد وفاة رسول الله (ص) ، حيث تكون الإمامة هي قطب الرحى وصمام الأمان للأمة الإسلامية، ويتضح هذا جلياً في الرسم المُبين حيث يمثل الحسن والحسين (ع) الضلعين القائمين لهذا المثلث ، ومثل هذا الأمر ينسحب على جميع الأسماء المباركة من ذرية الحسين(ع). والحقيقة فإن أسماء الأئمة الإثني عشر(ع) مكونة من (6) أسماء لكل منها أربعة أحرف و (6) أسماء مكونة من ثلاثة أحرف، بضمنها :
(3) أسماء ( محمد) أي: 3×4 = 12 حرفاً.
(4) أسماء ( علي ) أي: 4×3 = 12 حرفاً.
واللطيف أنّ مجموع أضلاع هذا المثلث = 12 وهذه إشارة الى الأئمة الإثني عشر الذين يمثلون الثقل الأصغر الذي أوصى الرسول الأكرم (ص) بالتمسك به مع الثقل الأكبر، كتاب الله.
3. السر المستودّع : الوتر في هذا المثلث تمثل بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) إذ أنّها الرابط بين النبوة والامامة ، وهذا الوتر الحساس أصبح بمشيئة الله إختباراً للناس فأيّما دفع أو قطع أو إيذاء يقع على هذا الوتر سيؤثر سلباً على هذه المنظومة الإلهية ومن هنا جاء قول رسول الله (ص): (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله)، ولكون الإمامة تمثل الضلع القائم الآخر وكون الإمام علي (ع) هو نفس رسول الله (ص) وأخيه فستشمله الأذية الواقعة على هذا الوتر الحساس. ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. كما إنّ هذا الأمر قد يكون من معاني السر المستودع فيها فهي سلام الله عليها تحمل أسرار النبوة والإمامة.
4. منظومة الإنذار والهداية: تم رسم المثلث بهذا الشكل حتى تكون قاعدة الإستناد هي الأكبر لزيادة الثبات ومقاومة محاولات قلب هذا المثلث ، فكانتْ النبوة التي تمثلتْ بالرسول الأعظم (ص) هي الأساس المتين لهذا الدين، فمن هذه القاعدة صدر الإنذار الى البشرية جمعاء وعن طريق هذا الضلع القائم كانت الهداية، فكان هذا المثلث مصداقاً للآية الكريمة (إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ
هَادٍ 7)[16] حيث فسرها الرسول(ص) بقوله : (أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي...)[17]، والعجيب أنّ هذه الآية مؤلفة من إثنا عشر حرفاً غير مكررة، كما ويحضرنا هنا بعض الأحداث التاريخية التي لها علاقة بهذا المثلث الربَّاني والملاحظ في هذه الأحداث أنّ الرسول الأكرم (ص) يكرر الطلب ثلاث مرات بقدر حروف هذا الضلع القائم والركن الهادي والإمام علي (ع) يُلبِّي في كل مرة ، وقطعاً فإن قصد الرسول (ص) بذلك إتمام الحجة، وضمن هذه المنظومة الربانية، والله أعلم:
أ. حديث الإنذار الذي كان مصداقاً لقوله تعالى : (وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ 214)[18] ، إذْ جَمَعَ رسولُ اللهِ (ص) بَني عَبْد المُطَّلِب وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فَصَنَعَ لهم مُدَّاً من طَعام فَأَكَلُوا حتى شَبعُوا، وَبَقِيَ الطعامُ كما هُوَ كأَنَّه لم يُمَسَّ ولم يَشْرَبْ، فقال : يا بَني عَبْد المُطَّلِب إنّي بُعِثْتُ اِلَيْكم خاصَّةً وإلى الناسِعَامّةً، فأيكم يؤازرني على أمري على أنْ يكون أخي ووصيي و وارثي وخليفتي فيكم ؟ فَلمْ يقُم إليه أَحَدٌ سوى علي (ع) وكان أَصْغَر القَوم سِنّاً ، فقال له : اجْلِسْ. حتى قالها ثلاثاً ، كُلُّ ذلك وعلي يقوم إليه، فيقولُ له: اجْلِسْ، حَتّى كانَت الثالِثةُ، ضَرَبَ يَدَهُ بيد علي وأخذ رقبته و قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. فتفرق القوم يتضاحكون ويقولون لأبي طالب: قد أُمرتَ أن تسمع لإبنك وتُطيع[19].
ب. حادثة قتل الإمام علي (ع)لعمرو بن ود العامري في واقعة الأحزاب[20] ، فكان يطلب الإذن من رسول الله(ص) في كل مرة يُنادي فيها عمرو للمبارزة و المسلمون كأن على رؤوسهم الطير، فلما كانت الثالثة أذن له الرسول(ص)، فبرز وقتل عمرو بن ود العامري حتى قال الرسول (ص)، برز الإيمان كله للشرك كله[21] ، وإنّ ضربة علي يوم الخندق خير من عبادة الثقلين[22].
ج. قتله مرحب اليهودي في معركة خيبر[23] ، فكان أنْ فشل أبو بكر أولاً وفشل عمر ثانياً ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، فلما حصل ماحصل قال الرسول(ص) لأعطيّن الراية غداً لرجل كرّار غير فرّار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستشرف لها من استشرفوكان الجميع يتطلع منْ سيكون هذا، فلما كان الغد بعث الى علي(ع) وكان أرمد العينفنفث في عينيه ثم هزّ الراية ثلاثاً فأعطاها إياه وأرسله لفتح خيبر فقتل مرحباً اليهودي وفتح حصن خيبر بعد أنْ رفع بابه، حتى جاء نصر الله على يده، فكان الإمام علي(ع) الثالث في مهاجمة الحصن. والأمر هنا يشابه مبدأ طلب المبارزة في الخندق سوى أنّ الأمر هنا انعكس فكان المسلمون هم المهاجمون للحصن وأنّ الرسول(ص) قد أرسل الأول والثاني لئلا يقول أحد فيما لو أرسل الإمام أولاً أنّه كان بإمكانه فعل مافعل الإمام علي(ع) ، وأما في واقعة الأحزاب (معركة الخندق) فقد كان طلب المبارزة قائماً فلم يحرك الأول والثاني ساكناً وكان لها علي (ع) في المرة الثالثة[24].
د. تنصيبَ الرسول(ص) له وليّاً من بعده في حادثة الغدير[25] . حيث قام رسول الله(ص) فأبلغ ثم قال : أيها الناس ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟،ثلاث مرات،قالوا بلى، فقال إدن يا علي فدنا علي(ع) فرفع يده ورفع النبي(ص) يده حتى نظرتُ بياض إبطيهما فقال رسول الله(ص): منْ كنتُ مولاه فعلي مولاه ثلاث مرات[26].
هـ. ورد في حديث الكساء المشهورعندما سأل جبرئيل (ع) الله تعالى :يا رَبِّ وَمَنْ تَحتَ الكِساءِ؟ فقال سبحانه: (هُم فاطِمَةُ وَأَبُوها، وَبَعلُها وَبَنوها ... )[27] ، حيث يُلاحظ أنّ الترتيب جاء تنازلياً وضمن هذه المنظومة الربّانّية العجيبة حيث أنّ عدد حروف فاطمة (ع) = 5 ، و محمد (ص) = 4 ، و علي (ع) = 3 .
وكرّر الرسول (ص) دعائه لأهل البيت (ع)حين نزول آية التطهير ثلاث مرات قائلاً (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهبْ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)[28].
وهناك الكثير من الاحداث التي برز فيها دور الإمام علي(ع) وضمن هذه المنظومة الربانِّية ، أعرضنا عنها مخافة الإطالة.
5. مركز الأرض: هذا المثلث يمكن تدويره بالإتجاهات الأربعة ليشمل الجهات الأربعة وبدورة كاملة أي 360 درجة ، ليشمل الإنذار والهداية أرجاء المعمورة كلها وإنطلاقاً من الكعبة المشرفة، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞفِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞفِي ٱلسَّعِيرِ 7)[29]، ويقول تعالى: (وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞمُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ
يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ 92)[30]إذ من المعلوم أن البقعة المباركة التي بُني عليها البيتالعتيق هي مركز الأرض[31] ، ومنها دُحيت.
6. تحطيم الأصنام وتطهير البيت الحرام : الأمر العجيب أنّ الرسول (ص) والإمام علي قد بدءا بتطهير الكعبة من الأوثان و الإصنام كلها فكان ماحول الكعبة من الأصنام 360 صنماً[32] في إشارة واضحة الى الدورة الكاملة والحولية في الإنذار والهداية (وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ) فكانتْ نقطة البدء من مركز الكعبة وبهذا المثلث المبارك وفي جميع الإتجاهات.
وهناك أمر آخر يؤكد ماذهبنا إليه في أنّ قاعدة الإستناد تمثلتْ بالنبوة فعند محاولة الإمام علي (ع) رفع الرسول الأكرم (ص) لتحطيم الأصنام لم يتمكن من ذلك حتى رفعه الرسول(ص) فاستطاع تحطيم الصنم الأكبر هبل ، حتى قال في ذلك الإمام علي (ع) : ( لو شئتُ نلت أفق السماء...)[33] ، فلله درها من قاعدة إستناد وإنذار هذه التي ترفع لواء الهداية عالياً حتى كأنه ينال أفق السماء.
ويذكرنا هذا بعمل إبراهيم (ع) أبو الأنبياء وابنه إسماعيل (ع) ذبيح الله الأول، إذ قام إبراهيم بتحطيم الأصنام فجعلها جذاذا كلها إلا كبيرهم كما ورد في القصة المعروفة ثم قاما بتطهيره بعد العهد الإلهي لهما : (وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ 125) وسيُتم الأمر ويكمله من ذريتهما محمد (ص) والأئمة من عترته المطهرة حيث سيطهر نهائياً على يد خاتم هذه العترة المطهرة والذي سيبدأ مشروعه منطلقاً من الكعبة أيضاً حيث سيملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تكون قد إمتلأت ظلماً وجوراً.
7. حامل اللواء : والأمر الآخر الذي يؤكد أن الضلع القائم ، ضلع الهداية ، تمثّل بالإمامة، هو أنّ الإمام علي (ع) هو حامل لواء الرسول (ص) في الدنيا وحامل لواء الحمد في الآخرة، ومعلوم أنّ حمل اللواء يكون من قيام حيث يكون دليللاً وهادياً للجيش أو القافلة ففي حديث طويل عن أبي عبد الله (ع) يقول في آخره : (إنّ رسول الله (ص) قال لأم سلمة (رض) : يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا و حامل لواء الحمد غداً في الآخرة[34]. وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله(ص) لعلي (ع): أُعطيتُ فيك يا علي تسع خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة واثنتان لك وواحدة أخافها عليك ، فأما الثلاثة التي في الدنيا فإنك وصيِّي وخليفتي في أهلي وقاضي ديني ، وأما الثلاث التي في الآخرة فاني أُعطى لواء الحمد فأجعله في يدك وآدم وذريته تحت لوائي ... )[35] .
وهناك أمر آخر يرتبط بالحمد وبالتالي بحامل لواء الحمد فالإمام علي (ع) ذروة الحامدين وسنامهم بعد الرسول محمد (ص) حيث ورد عن أبي عبد الله(ع)كان رسول الله (ص) يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة وستين مرة، عدد عروق الجسد،يقول:الحمد لله رب العالمينكثيراً على كل حال)[36]. وتعود بنا الإشارة هنا الى الضلع القائم وتدوير المثلث في الإتجاهات الأربعة في دورة إنذار وهداية كاملة والتي قيمتها الرياضيّة 360 درجة.
8. ولادة الإمام علي (ع) في الكعبة المشرفة: من الفضائل التي حاولتْ أيدي التزييف وطمس الحقائق أن تمحوَ ذكرها هي ولادة الأمام علي (ع) في جوف الكعبة، حيث شاءتْ إرادة الله تعالى أنْ يعلوَ ذكره برغم محاولات إطفاء النور الإلهي وتحطيم مصابيح الهداية مخافة ظهور النور وانتشاره، ويكفي في بيانفضائله ما قاله الشافعي عندما سئل: ما تقول في علي؟ فقال:وماذا أقول في رجلٍ أخفى أولياؤه فضائله خوفًا، وأخفىأعداؤه فضائله حسدًا، وشاع له بين ذين وذين ما ملأالخافقين[37]، و هذا الحاكم يقول في مستدركه على الصحيحين[38]: ( فقد تواترتْ الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدتْ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) في جوف الكعبة ) . وقال شهاب الدين السيد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير في كتابه: (سرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ، لعبد الباقي العمري)، عند قول الناظم :
أنت العلي الذي فوق العلي رفعا ... ببطن مكة عند البيت إذ وضعا
قال : (وكون الأمير كرم الله وجهه وُلد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة . . . إلى أنْ قال: وما أحرى بإمام الأئمة أنْ يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، وسبحان منْ يضع الأشياء في مواضعها ، وهو أحكم الحاكمين)[39] . والكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها ، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة ، فأهل البيت(ع) هم الكعبة الحقيقية للمؤمنين.
وقد ذُكرتْ هذه الحادثة بما ملخصه: بعد ثلاثين سنة من عام الفيل، وقبل عشر سنوات من بعثة الرسول الأعظم(ص)،وبالتحديد في يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب الأصب ، التجأتْ فاطمة بنت أسد (رض)، بعد أن أتمّتْ شهرها التاسع وأحسّتْ بألم المخاض، فتعلقتْ بأستار الكعبة ، وألصقتْ نفسها بجدارها من الجانب الغربي عند الركن اليماني من جهة المستجار، ودعتْ ربها: يا ربي إني مؤمنةٌ بك ، وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتب، وإني مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل (ع) الذي بنى بيتك العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني، إلا ما يسّرت عليَّ ولادتي. وما إن انتهتْ من كلامها حتى انشق لها جدار الكعبة، ونوديتْ نداءً خفيًا أنْ يا فاطمة ادخلي بيت ربك، فدخلت ثم ارتأب الصدع، والناس يُعاينون ما يحدث بذهول واستغراب، وكان من بين الحاضرين العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب وفريق من بني هاشم وجماعة من بني عبد العزى. قالوا فحاولنا أن نفتح باب الكعبة ليدخل بعض النساء لمساعدتها في أمر الولادة فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالى.
وفي اليوم الثالث[40] خرجتْ فاطمة بنت أسد (رض) من نفس الجهة التي دخلتْ منها، وهي تحمل ولي الله علي بن أبي طالب(ع)[41].
وقد حدّثتْ فاطمة بنت أسد (رض) عما جرى معها، قالتْ: (إني دخلتُ بيت الله الحرام فأكلتُ من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردتُ أنْ أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة، سمّيه عليًا، فهو علي، والله العلي الأعلى يقول: إني شققتُ اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدّسني ويمجدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه)[42] .
ولك أنْ تتأمل في مسألة تحطيم الأصنام الثلاثمائة والستين في إشارة الى الدورة الكاملة في جميع الإتجاهات، وكذا أسمه الشريف (علي) المشتق من إسم العلي الأعلى حيث مثّل الضلع القائم ضلع الهداية أجلى تمثيل، ولاحظ التعبير (وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي) حيث يصدح ضلع الهداية بالأذان من فوق الكعبة فينطلق بلاغ الهداية من مركز الأرض مغطياً جميع الإتجاهات ، فسبحان الله ربي العظيم.
[1]. سورة الصف ، الآية 6.
[2]. تفسير القمي ج2 ص228 ، غاية المرام ص12.
[3]. بحار الانوار ج61 ص131. عللل الشرائع للصدوق ج1 ص134.
[4] . بحار الأنوار ج36 ص336. معاني الأخبار للصدوق ص124. منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند ج5 ص25.
[5]. حلية الأولياء ، أبو نعيم الأصفهاني ج7 ص256 ، توضيح الدلائل ، شهاب الدين الشافعي ص127.
[6]. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 384 ـ م 458 هـ) طبع دار الكتب العلمية ـ بيروت، ج 5، ص 489.
[7]. روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص82. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج5 ص228.
[8]. معاني الأخبار للشيخ الصدوق، مؤسسة النشرالإسلامي، قم، ص77.
[9]. أمالي الصدوق ص474 ح18، علل الشرائع ج1 ص178 ، الخصال ص414 ح3.
[10] . سورة النجم ، الآيتين 3 و 4 .
[11]. شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج 26 - الصفحة 8.
[12]. سير أعلام النبلاء، للذهبي في ترجمة الحسن بن علي(ع).
[13] . الكافي ج1 باب الحجة الحديث رقم 3.
[14]. إنظر موسوعة ويكيبيديا على الشبكة الدولية للمعلومات.
[15]. الكافي ، 1 / 536 ، كتاب الحجة ، باب إن الأئمة ع كلهم قائمون بأمر الله عن أبي عبد الله (ع) في أنه سئل عن القائم ؟ فقال : كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد ، حتى يجئ صاحب السيف فإذا جاء صاحب السيف ، جاء بأمر غير الذي كان. وعن عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله (ع): (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) ؟ قال: إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم على أهل زمانه.
[16]. الآية 7، سورة الرعد.
[17]. رواه أحمد في مسنده ج 1 ، ص 126 ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ج 3 ، ص 129 - 130 . ورواه العلامة البحراني في البرهان ج 2 ، ص 280 - 281 . ورواه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ج 2، ص 199 و رواه العلامة الشبلنجي في نور الابصار ص 87 ط مصر .
[18]. الآية 214 ، سورة الشعراء.
[19]. تاريخ الطبري ج 2 ص 319 - 321 ط دار المعارف بمصر ، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج 2 ص 62 و 63 ط دار صادر في بيروت ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 13 ص 210 و 244 وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل ، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج 1 ص 311 ط البهية بمصر ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 41 و 42 ط الميمنية بمصر ، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 371 ح 514 و 580 ط 1 بيروت ، كنز العمال ج 6 ص 392 ط 1 و ج 15 ص 115 ح 334 ط 2 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 ص 85 ح 139 و 140 و 141 ط 1 بيروت .وبلفظ ثاني في شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 372 ح 514 و ج 2 ص 420 ح 580 ط 1 بيروت ، مسند أحمد ج 1 ص 111 ط الميمنية بمصر ، تفسير ابن كثير ج 3 ص 351 ط مصر . وبلفظ ثالث يوجد في : خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 86 ط الحيدرية وص 30 ط بيروت.
[20]. إنظر المغازي للواقدي ج1 ص470.
[21]. راجع: كشف الغمة ج1 ص205 وينابيع المودة ص94 و 95 وإعلام الورى ص194 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص136 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص261 و 285 وج 19 ص61 والطرائف ص60 وكنز الفوائد للكراجكي ص137 ومجمع البيان ج8 ص343 والبحار ج20 ص205 و 273.
[22]. راجع النصوص التي تشير إلى ذلك في: كنز العمال ج12 ص219 وتاريخ بغداد ج13 ص19 ومقتل الحسين للخوارزمي ص45 ومستدرك الحاكم ج3 ص32 وتلخيصه للذهبي بهامشه، والمناقب للخوارزمي ص58 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص138 وشرح المواقف ج8 ص371 وفرائد السمطين ج1 ص256 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411هـ) ج2 ص14 والتفسير الكبير للرازي ج32 ص31 = وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص323 وينابيع المودة ص94 و 95 و 96 والبحـار ج41 ص91 و 96 وج 20 ص205 .
[23]. إنظر مجمع الزوائد جزء 9- صفحة 157 - 14696.
[24]. صحيح البخاري 6 / 171 . ( 3 ) صحيح البخاري 6 / 171، صحيح مسلم 15 / 177 - 178 ..
[25]. صحيح مسلم : ج 7 - ص 122 - 123 مسند أحمد، رقم الحديث 915.مسند الترمذي ، كتاب المناقب ـ رقم الحديث 3646. سنن بن ماجة، رقم الحديث 118. النسائي: الخصائص - ص 39 - 40 - 41. المتقي الهندي: كنز العمال - ج 1 - ص 166 - 167 - 168.الحاكم: المستدرك على الصحيحين - ج 3 - ص109 وأيضا الحافظ الذهبي في تلخيصه . وغيرها الكثير من المصادر.
[26]. أمالي الشخ الطوسي ص247 . الأصول من الكافي1 : 295. ابن المغازلي: المناقب - ص 29 - إلى ص 36. الشهرستاني: الملل والنحل، ج 1، ص 163. سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص - ص 30 – 31. تاريخ دمشق لإبن عساكر ج42 ص228 .
[27]. منتخب الطريحي: 259.
[28]. فتح القدير 4/ 396.
[29]. سورة الشورى ، الآية 7 .
[30]. سورة الأنعام ، الآية 92.
[31]. انظر بحث مكة المكرمة مركز العالم ، د. حسين كمال الدين، مجلة العلم و الإيمان، العدد 20 عام 1977.
[32]. أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد13:30، و أحمد في مسنده 1 : 84 ، و النسائي في الخصائص:113 و الخوارزمي في مناقبه: 71 ، و ابن أخي تبوك في مسنده ( منتخبه ) : 429 ح 5 ، و الجويني في فرائط السمطين 1 : 249 ح 193 ، عن أبي مريم، و في الباب عن أبي هريرة و جابر بن عبد اللّه، و جمع بعض طرقه الأخرى الهيثمي في مجمع الزوائد 6 :23 ، و ابن شهر آشوب في مناقبه 2: 135.
[33]. السيرة الحلبية ج3 ص86 و (ط دار المعرفة) ج3 ص29 و المناقب لابن المغازلي ص202 والمناقب المرتضوية ص188 وبحار الأنوار ج38 ص86 وكشف اليقين ص447 والطرائف ص80 .
[34]. معاني الأخبار - الشيخ الصدوق - ص 204
[35]. الخصال - الشيخ الصدوق - ص 415.
[36]. الكافي الشريف، الجزء2، كتاب الدعاء، باب التحميد والتمجيد.
[37] . مشارق أنوار اليقين، الحافظ رجب البرسي، مؤسسةالأعلمي، ط 1419، تحقيق السيد علي عاشور، ص171.
[38]. المستدرك للحاكم النيسابوري 3 / 483.
[39]. ص40 من الكتاب المذكور.
[40]. وفي رواية يزيد ابن قعنب: "خرجت في اليومالرابع"، روضة الواعظين للنيسابوري، منشوراتالرضي، قم، ص76.
[41]. الأمالي للشيخ الطوسي، دار الثقافة، قم، ص707.
[42]. معاني الأخبار للشيخ الصدوق، مؤسسة النشرالإسلامي، قم، ص77.
لاريب أن علامات التعجب ستبدو على مُحيا من يُطالع هذا العنوان ولاريب في أنّه من الغرابة بمكان مايعطيه جنبةً من التكلف والتمحل وهو أبعد مايكون عن ذلك فإذا عرف السبب بطل العجب .
وللولوج في هذا البحث ينبغي لنا أولاً أن نعرف توقيفية أسماء الرسول(ص) وأهل بيته من عدمها كي يؤتي البحث أُكله ويينع ثمره:
1.لاريب في أنّ إسم الرسول الأكرم (ص) معروف ومبشرٌ به قبل ولادته وفي كل الشرائع، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز على لسان عيسى بن مريم(ع): (وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖيَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞمُّبِينٞ6)[1]. والآية واضحة في توقيفية اسم الرسول الأكرم(ص) وهو مؤلف من أربعة حروف.
2. مجموعة الروايات التي تشير الى أنّ أصحاب الكساء(ع) كانوا أنواراً يسبِّحون بحمد الله[2] ومعروفون بأسمائهم، ومجموعة الروايات التي تبيِّن أنّ أسماءهم الشريفة مكتوبة على العرش[3] أو على ساق العرش[4] أو على باب الجنة[5]، وكذلك مجموعة روايات توسل الأنبياء(ع) بالرسول[6](ص) وأهل بيته[7](ع).
3. رواية ولادة الإمام علي(ع) في داخل الكعبة وأنّ فاطمة بنت أسد أُلهمت تسميته بهذا الإسم المشتق من إسم العلي الأعلى سبحانه وتعالى[8].
4. الروايات التي تُشيرالى أنّ الله سبحانه وتعالى قد سمّى فاطمة[9](ع) وأنّ الرسول(ص) قد سمّى الحسن والحسين(ع) وهو (مَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ 3 إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞيُوحَىٰ 4)[10]، فقد جاء في رواية أسد الغابة: (رُوي عن ابن الأعرابيّ عن المفُضَّل قال: إنّ الله حَجَب اسمَ الحسن والحسين(ع) حتّى سمّى بهما النبيُّ(ص) ابنَيهِ: الحسنَ والحسين(ع))[11]، وعن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال: ( لمّا ولدتْ فاطمة حسناً أتتْ النبي (ص) فسمّاه حسناً فلمّا ولدتْ الآخر سمّاه حسيناً)[12].
5. روايات اللوح[13] التي تُبيِّن أسماء الأئمة الإثني عشر(ع) وتُثبت أنّها من عند الله تعالى.
وغير خافٍ عن القاريء اللبيب أنّ إيرادنا للروايات أعلاه هو من باب التأكيد والتأييد لا أكثر إذْ إنّ المعصوم هو من يُسمِّي متعلقيه فتكون الأسماء بذلك مقصودة لم تأتِ جزافاً أو إعتباطاً فلا غرابة بعد هذا أنْ تكون محكومة بمنظومة حسابية ، تزيد في تأكيد هذا الأمر وتبيّن أنّ هذا الأمر هو في عين الله سبحانه وتعالى وأنّ مسارهم قد كان واضحاً عند الرسول (ص) وكما بيّن ذلك في أكثر من مناسبة .
والآن لنعرف من هو فيثاغورس وماهي نظريته الشهيرة ؟
فيثاغورث أو فيثاغورس أوفيتاغورسالساموسي هوفيلسوف ورياضي إغريقي يوناني عاش في القرن السادس قبل الميلاد، إذ كان مسقط رأسه على جزيرة سامـوسعلى الساحل اليوناني حوالي سنـة 89ق.م و توفي في مدينة ميتابونتام بإيطاليا حوالي سنة 490 ق.م.وتنسب إليهنظرية فيثاغورس.
ونظريته تتعلق بالمثلث القائم الزاوية حيث برهن على أنّ مجموع مربعي الضلعين القائمين يساوي مربع الوتر الرابط بينهما ، وذُكرت لها براهين كثيرة نحن في غنى عن ذكرها[14].
فإذا أخذنا المثلث (أ ب جـ) القائم الزاوية في (أ) فإن :
(أب)2 + (أج)2 = (ب ج)2
أي أن : (ب ج) = جذر [(أب)2 + (أج)2]
والآن نبيِّن ماتوصلنا إليه بفضل الله سبحانه وتعالى ونشرح العلاقة بين أسماء أهل البيت(ع) وبين المثلث القائم الزاوية:
إنّ مظهراً من مظاهر العلاقة والآصرة بين الخمسة أصحاب الكساء (ع) يمكن أنْ يُمثل في المثلث القائم الزاوية، والأسماء الشريفة هي :
محمد(ص) =4/ علي(ع) = 3/ فاطمة (ع) = 5/ حسن (ع) = 3 / حسين (ع)= 4/
حيث ينطبق المثلث القائم على أسمائهم بأبسط حالاته بدون كسور أعني (3،4،5) فيمكن تمثيل الأسماء الشريفة في المثلث القائم الزاوية وكما يلي:
(4)2 + (3)2 = (الوتر)2
إذاً طول الوتر= جذر [(4)2 + (3)2 ]
= جذر [ 16 + 9]
طول الوتر = 5 وهو عدد حروف إسم فاطمة الزهراء سلام الله عليها .
وبعد التأمّل والتركيز في هذه العلاقة الرياضيّة المميّزة يحق لنا أن نستحضر الكثير من المعاني والدلالات القرآنية والحديثية منها:
1. حديث المؤاخاة: إنّ الرسول الأكرم محمد (ص) والإمام علي (ع) أخوان حسب حديث المؤاخاة فهما كالضلعين القائمين في المثلث القائم فبالنبوة والإمامة قوام الدين، والآصرة بينهما هي بضعة الرسول (ص) وزوج الإمام (ع) فاطمة البتول (ع).
2. القائمون بأمر الله : ورد في كثير من الأحاديث الشريفة عن أهل البيت (ع) أنّهم القائمون[15] بأمر الله تعالى ويتأكد هذا الأمر بعد وفاة رسول الله (ص) ، حيث تكون الإمامة هي قطب الرحى وصمام الأمان للأمة الإسلامية، ويتضح هذا جلياً في الرسم المُبين حيث يمثل الحسن والحسين (ع) الضلعين القائمين لهذا المثلث ، ومثل هذا الأمر ينسحب على جميع الأسماء المباركة من ذرية الحسين(ع). والحقيقة فإن أسماء الأئمة الإثني عشر(ع) مكونة من (6) أسماء لكل منها أربعة أحرف و (6) أسماء مكونة من ثلاثة أحرف، بضمنها :
(3) أسماء ( محمد) أي: 3×4 = 12 حرفاً.
(4) أسماء ( علي ) أي: 4×3 = 12 حرفاً.
واللطيف أنّ مجموع أضلاع هذا المثلث = 12 وهذه إشارة الى الأئمة الإثني عشر الذين يمثلون الثقل الأصغر الذي أوصى الرسول الأكرم (ص) بالتمسك به مع الثقل الأكبر، كتاب الله.
3. السر المستودّع : الوتر في هذا المثلث تمثل بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) إذ أنّها الرابط بين النبوة والامامة ، وهذا الوتر الحساس أصبح بمشيئة الله إختباراً للناس فأيّما دفع أو قطع أو إيذاء يقع على هذا الوتر سيؤثر سلباً على هذه المنظومة الإلهية ومن هنا جاء قول رسول الله (ص): (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله)، ولكون الإمامة تمثل الضلع القائم الآخر وكون الإمام علي (ع) هو نفس رسول الله (ص) وأخيه فستشمله الأذية الواقعة على هذا الوتر الحساس. ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. كما إنّ هذا الأمر قد يكون من معاني السر المستودع فيها فهي سلام الله عليها تحمل أسرار النبوة والإمامة.
4. منظومة الإنذار والهداية: تم رسم المثلث بهذا الشكل حتى تكون قاعدة الإستناد هي الأكبر لزيادة الثبات ومقاومة محاولات قلب هذا المثلث ، فكانتْ النبوة التي تمثلتْ بالرسول الأعظم (ص) هي الأساس المتين لهذا الدين، فمن هذه القاعدة صدر الإنذار الى البشرية جمعاء وعن طريق هذا الضلع القائم كانت الهداية، فكان هذا المثلث مصداقاً للآية الكريمة (إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ
هَادٍ 7)[16] حيث فسرها الرسول(ص) بقوله : (أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي...)[17]، والعجيب أنّ هذه الآية مؤلفة من إثنا عشر حرفاً غير مكررة، كما ويحضرنا هنا بعض الأحداث التاريخية التي لها علاقة بهذا المثلث الربَّاني والملاحظ في هذه الأحداث أنّ الرسول الأكرم (ص) يكرر الطلب ثلاث مرات بقدر حروف هذا الضلع القائم والركن الهادي والإمام علي (ع) يُلبِّي في كل مرة ، وقطعاً فإن قصد الرسول (ص) بذلك إتمام الحجة، وضمن هذه المنظومة الربانية، والله أعلم:
أ. حديث الإنذار الذي كان مصداقاً لقوله تعالى : (وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ 214)[18] ، إذْ جَمَعَ رسولُ اللهِ (ص) بَني عَبْد المُطَّلِب وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فَصَنَعَ لهم مُدَّاً من طَعام فَأَكَلُوا حتى شَبعُوا، وَبَقِيَ الطعامُ كما هُوَ كأَنَّه لم يُمَسَّ ولم يَشْرَبْ، فقال : يا بَني عَبْد المُطَّلِب إنّي بُعِثْتُ اِلَيْكم خاصَّةً وإلى الناسِعَامّةً، فأيكم يؤازرني على أمري على أنْ يكون أخي ووصيي و وارثي وخليفتي فيكم ؟ فَلمْ يقُم إليه أَحَدٌ سوى علي (ع) وكان أَصْغَر القَوم سِنّاً ، فقال له : اجْلِسْ. حتى قالها ثلاثاً ، كُلُّ ذلك وعلي يقوم إليه، فيقولُ له: اجْلِسْ، حَتّى كانَت الثالِثةُ، ضَرَبَ يَدَهُ بيد علي وأخذ رقبته و قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. فتفرق القوم يتضاحكون ويقولون لأبي طالب: قد أُمرتَ أن تسمع لإبنك وتُطيع[19].
ب. حادثة قتل الإمام علي (ع)لعمرو بن ود العامري في واقعة الأحزاب[20] ، فكان يطلب الإذن من رسول الله(ص) في كل مرة يُنادي فيها عمرو للمبارزة و المسلمون كأن على رؤوسهم الطير، فلما كانت الثالثة أذن له الرسول(ص)، فبرز وقتل عمرو بن ود العامري حتى قال الرسول (ص)، برز الإيمان كله للشرك كله[21] ، وإنّ ضربة علي يوم الخندق خير من عبادة الثقلين[22].
ج. قتله مرحب اليهودي في معركة خيبر[23] ، فكان أنْ فشل أبو بكر أولاً وفشل عمر ثانياً ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، فلما حصل ماحصل قال الرسول(ص) لأعطيّن الراية غداً لرجل كرّار غير فرّار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستشرف لها من استشرفوكان الجميع يتطلع منْ سيكون هذا، فلما كان الغد بعث الى علي(ع) وكان أرمد العينفنفث في عينيه ثم هزّ الراية ثلاثاً فأعطاها إياه وأرسله لفتح خيبر فقتل مرحباً اليهودي وفتح حصن خيبر بعد أنْ رفع بابه، حتى جاء نصر الله على يده، فكان الإمام علي(ع) الثالث في مهاجمة الحصن. والأمر هنا يشابه مبدأ طلب المبارزة في الخندق سوى أنّ الأمر هنا انعكس فكان المسلمون هم المهاجمون للحصن وأنّ الرسول(ص) قد أرسل الأول والثاني لئلا يقول أحد فيما لو أرسل الإمام أولاً أنّه كان بإمكانه فعل مافعل الإمام علي(ع) ، وأما في واقعة الأحزاب (معركة الخندق) فقد كان طلب المبارزة قائماً فلم يحرك الأول والثاني ساكناً وكان لها علي (ع) في المرة الثالثة[24].
د. تنصيبَ الرسول(ص) له وليّاً من بعده في حادثة الغدير[25] . حيث قام رسول الله(ص) فأبلغ ثم قال : أيها الناس ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟،ثلاث مرات،قالوا بلى، فقال إدن يا علي فدنا علي(ع) فرفع يده ورفع النبي(ص) يده حتى نظرتُ بياض إبطيهما فقال رسول الله(ص): منْ كنتُ مولاه فعلي مولاه ثلاث مرات[26].
هـ. ورد في حديث الكساء المشهورعندما سأل جبرئيل (ع) الله تعالى :يا رَبِّ وَمَنْ تَحتَ الكِساءِ؟ فقال سبحانه: (هُم فاطِمَةُ وَأَبُوها، وَبَعلُها وَبَنوها ... )[27] ، حيث يُلاحظ أنّ الترتيب جاء تنازلياً وضمن هذه المنظومة الربّانّية العجيبة حيث أنّ عدد حروف فاطمة (ع) = 5 ، و محمد (ص) = 4 ، و علي (ع) = 3 .
وكرّر الرسول (ص) دعائه لأهل البيت (ع)حين نزول آية التطهير ثلاث مرات قائلاً (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهبْ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)[28].
وهناك الكثير من الاحداث التي برز فيها دور الإمام علي(ع) وضمن هذه المنظومة الربانِّية ، أعرضنا عنها مخافة الإطالة.
5. مركز الأرض: هذا المثلث يمكن تدويره بالإتجاهات الأربعة ليشمل الجهات الأربعة وبدورة كاملة أي 360 درجة ، ليشمل الإنذار والهداية أرجاء المعمورة كلها وإنطلاقاً من الكعبة المشرفة، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞفِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞفِي ٱلسَّعِيرِ 7)[29]، ويقول تعالى: (وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞمُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ
يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ 92)[30]إذ من المعلوم أن البقعة المباركة التي بُني عليها البيتالعتيق هي مركز الأرض[31] ، ومنها دُحيت.
6. تحطيم الأصنام وتطهير البيت الحرام : الأمر العجيب أنّ الرسول (ص) والإمام علي قد بدءا بتطهير الكعبة من الأوثان و الإصنام كلها فكان ماحول الكعبة من الأصنام 360 صنماً[32] في إشارة واضحة الى الدورة الكاملة والحولية في الإنذار والهداية (وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ) فكانتْ نقطة البدء من مركز الكعبة وبهذا المثلث المبارك وفي جميع الإتجاهات.
وهناك أمر آخر يؤكد ماذهبنا إليه في أنّ قاعدة الإستناد تمثلتْ بالنبوة فعند محاولة الإمام علي (ع) رفع الرسول الأكرم (ص) لتحطيم الأصنام لم يتمكن من ذلك حتى رفعه الرسول(ص) فاستطاع تحطيم الصنم الأكبر هبل ، حتى قال في ذلك الإمام علي (ع) : ( لو شئتُ نلت أفق السماء...)[33] ، فلله درها من قاعدة إستناد وإنذار هذه التي ترفع لواء الهداية عالياً حتى كأنه ينال أفق السماء.
ويذكرنا هذا بعمل إبراهيم (ع) أبو الأنبياء وابنه إسماعيل (ع) ذبيح الله الأول، إذ قام إبراهيم بتحطيم الأصنام فجعلها جذاذا كلها إلا كبيرهم كما ورد في القصة المعروفة ثم قاما بتطهيره بعد العهد الإلهي لهما : (وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ 125) وسيُتم الأمر ويكمله من ذريتهما محمد (ص) والأئمة من عترته المطهرة حيث سيطهر نهائياً على يد خاتم هذه العترة المطهرة والذي سيبدأ مشروعه منطلقاً من الكعبة أيضاً حيث سيملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تكون قد إمتلأت ظلماً وجوراً.
7. حامل اللواء : والأمر الآخر الذي يؤكد أن الضلع القائم ، ضلع الهداية ، تمثّل بالإمامة، هو أنّ الإمام علي (ع) هو حامل لواء الرسول (ص) في الدنيا وحامل لواء الحمد في الآخرة، ومعلوم أنّ حمل اللواء يكون من قيام حيث يكون دليللاً وهادياً للجيش أو القافلة ففي حديث طويل عن أبي عبد الله (ع) يقول في آخره : (إنّ رسول الله (ص) قال لأم سلمة (رض) : يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا و حامل لواء الحمد غداً في الآخرة[34]. وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله(ص) لعلي (ع): أُعطيتُ فيك يا علي تسع خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة واثنتان لك وواحدة أخافها عليك ، فأما الثلاثة التي في الدنيا فإنك وصيِّي وخليفتي في أهلي وقاضي ديني ، وأما الثلاث التي في الآخرة فاني أُعطى لواء الحمد فأجعله في يدك وآدم وذريته تحت لوائي ... )[35] .
وهناك أمر آخر يرتبط بالحمد وبالتالي بحامل لواء الحمد فالإمام علي (ع) ذروة الحامدين وسنامهم بعد الرسول محمد (ص) حيث ورد عن أبي عبد الله(ع)كان رسول الله (ص) يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة وستين مرة، عدد عروق الجسد،يقول:الحمد لله رب العالمينكثيراً على كل حال)[36]. وتعود بنا الإشارة هنا الى الضلع القائم وتدوير المثلث في الإتجاهات الأربعة في دورة إنذار وهداية كاملة والتي قيمتها الرياضيّة 360 درجة.
8. ولادة الإمام علي (ع) في الكعبة المشرفة: من الفضائل التي حاولتْ أيدي التزييف وطمس الحقائق أن تمحوَ ذكرها هي ولادة الأمام علي (ع) في جوف الكعبة، حيث شاءتْ إرادة الله تعالى أنْ يعلوَ ذكره برغم محاولات إطفاء النور الإلهي وتحطيم مصابيح الهداية مخافة ظهور النور وانتشاره، ويكفي في بيانفضائله ما قاله الشافعي عندما سئل: ما تقول في علي؟ فقال:وماذا أقول في رجلٍ أخفى أولياؤه فضائله خوفًا، وأخفىأعداؤه فضائله حسدًا، وشاع له بين ذين وذين ما ملأالخافقين[37]، و هذا الحاكم يقول في مستدركه على الصحيحين[38]: ( فقد تواترتْ الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدتْ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) في جوف الكعبة ) . وقال شهاب الدين السيد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير في كتابه: (سرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ، لعبد الباقي العمري)، عند قول الناظم :
أنت العلي الذي فوق العلي رفعا ... ببطن مكة عند البيت إذ وضعا
قال : (وكون الأمير كرم الله وجهه وُلد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة . . . إلى أنْ قال: وما أحرى بإمام الأئمة أنْ يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، وسبحان منْ يضع الأشياء في مواضعها ، وهو أحكم الحاكمين)[39] . والكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها ، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة ، فأهل البيت(ع) هم الكعبة الحقيقية للمؤمنين.
وقد ذُكرتْ هذه الحادثة بما ملخصه: بعد ثلاثين سنة من عام الفيل، وقبل عشر سنوات من بعثة الرسول الأعظم(ص)،وبالتحديد في يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب الأصب ، التجأتْ فاطمة بنت أسد (رض)، بعد أن أتمّتْ شهرها التاسع وأحسّتْ بألم المخاض، فتعلقتْ بأستار الكعبة ، وألصقتْ نفسها بجدارها من الجانب الغربي عند الركن اليماني من جهة المستجار، ودعتْ ربها: يا ربي إني مؤمنةٌ بك ، وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتب، وإني مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل (ع) الذي بنى بيتك العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني، إلا ما يسّرت عليَّ ولادتي. وما إن انتهتْ من كلامها حتى انشق لها جدار الكعبة، ونوديتْ نداءً خفيًا أنْ يا فاطمة ادخلي بيت ربك، فدخلت ثم ارتأب الصدع، والناس يُعاينون ما يحدث بذهول واستغراب، وكان من بين الحاضرين العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب وفريق من بني هاشم وجماعة من بني عبد العزى. قالوا فحاولنا أن نفتح باب الكعبة ليدخل بعض النساء لمساعدتها في أمر الولادة فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالى.
وفي اليوم الثالث[40] خرجتْ فاطمة بنت أسد (رض) من نفس الجهة التي دخلتْ منها، وهي تحمل ولي الله علي بن أبي طالب(ع)[41].
وقد حدّثتْ فاطمة بنت أسد (رض) عما جرى معها، قالتْ: (إني دخلتُ بيت الله الحرام فأكلتُ من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردتُ أنْ أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة، سمّيه عليًا، فهو علي، والله العلي الأعلى يقول: إني شققتُ اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدّسني ويمجدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه)[42] .
ولك أنْ تتأمل في مسألة تحطيم الأصنام الثلاثمائة والستين في إشارة الى الدورة الكاملة في جميع الإتجاهات، وكذا أسمه الشريف (علي) المشتق من إسم العلي الأعلى حيث مثّل الضلع القائم ضلع الهداية أجلى تمثيل، ولاحظ التعبير (وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي) حيث يصدح ضلع الهداية بالأذان من فوق الكعبة فينطلق بلاغ الهداية من مركز الأرض مغطياً جميع الإتجاهات ، فسبحان الله ربي العظيم.
[1]. سورة الصف ، الآية 6.
[2]. تفسير القمي ج2 ص228 ، غاية المرام ص12.
[3]. بحار الانوار ج61 ص131. عللل الشرائع للصدوق ج1 ص134.
[4] . بحار الأنوار ج36 ص336. معاني الأخبار للصدوق ص124. منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند ج5 ص25.
[5]. حلية الأولياء ، أبو نعيم الأصفهاني ج7 ص256 ، توضيح الدلائل ، شهاب الدين الشافعي ص127.
[6]. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 384 ـ م 458 هـ) طبع دار الكتب العلمية ـ بيروت، ج 5، ص 489.
[7]. روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص82. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج5 ص228.
[8]. معاني الأخبار للشيخ الصدوق، مؤسسة النشرالإسلامي، قم، ص77.
[9]. أمالي الصدوق ص474 ح18، علل الشرائع ج1 ص178 ، الخصال ص414 ح3.
[10] . سورة النجم ، الآيتين 3 و 4 .
[11]. شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج 26 - الصفحة 8.
[12]. سير أعلام النبلاء، للذهبي في ترجمة الحسن بن علي(ع).
[13] . الكافي ج1 باب الحجة الحديث رقم 3.
[14]. إنظر موسوعة ويكيبيديا على الشبكة الدولية للمعلومات.
[15]. الكافي ، 1 / 536 ، كتاب الحجة ، باب إن الأئمة ع كلهم قائمون بأمر الله عن أبي عبد الله (ع) في أنه سئل عن القائم ؟ فقال : كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد ، حتى يجئ صاحب السيف فإذا جاء صاحب السيف ، جاء بأمر غير الذي كان. وعن عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله (ع): (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) ؟ قال: إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم على أهل زمانه.
[16]. الآية 7، سورة الرعد.
[17]. رواه أحمد في مسنده ج 1 ، ص 126 ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ج 3 ، ص 129 - 130 . ورواه العلامة البحراني في البرهان ج 2 ، ص 280 - 281 . ورواه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ج 2، ص 199 و رواه العلامة الشبلنجي في نور الابصار ص 87 ط مصر .
[18]. الآية 214 ، سورة الشعراء.
[19]. تاريخ الطبري ج 2 ص 319 - 321 ط دار المعارف بمصر ، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج 2 ص 62 و 63 ط دار صادر في بيروت ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 13 ص 210 و 244 وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل ، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج 1 ص 311 ط البهية بمصر ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 41 و 42 ط الميمنية بمصر ، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 371 ح 514 و 580 ط 1 بيروت ، كنز العمال ج 6 ص 392 ط 1 و ج 15 ص 115 ح 334 ط 2 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 ص 85 ح 139 و 140 و 141 ط 1 بيروت .وبلفظ ثاني في شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 372 ح 514 و ج 2 ص 420 ح 580 ط 1 بيروت ، مسند أحمد ج 1 ص 111 ط الميمنية بمصر ، تفسير ابن كثير ج 3 ص 351 ط مصر . وبلفظ ثالث يوجد في : خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 86 ط الحيدرية وص 30 ط بيروت.
[20]. إنظر المغازي للواقدي ج1 ص470.
[21]. راجع: كشف الغمة ج1 ص205 وينابيع المودة ص94 و 95 وإعلام الورى ص194 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص136 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص261 و 285 وج 19 ص61 والطرائف ص60 وكنز الفوائد للكراجكي ص137 ومجمع البيان ج8 ص343 والبحار ج20 ص205 و 273.
[22]. راجع النصوص التي تشير إلى ذلك في: كنز العمال ج12 ص219 وتاريخ بغداد ج13 ص19 ومقتل الحسين للخوارزمي ص45 ومستدرك الحاكم ج3 ص32 وتلخيصه للذهبي بهامشه، والمناقب للخوارزمي ص58 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص138 وشرح المواقف ج8 ص371 وفرائد السمطين ج1 ص256 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411هـ) ج2 ص14 والتفسير الكبير للرازي ج32 ص31 = وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص323 وينابيع المودة ص94 و 95 و 96 والبحـار ج41 ص91 و 96 وج 20 ص205 .
[23]. إنظر مجمع الزوائد جزء 9- صفحة 157 - 14696.
[24]. صحيح البخاري 6 / 171 . ( 3 ) صحيح البخاري 6 / 171، صحيح مسلم 15 / 177 - 178 ..
[25]. صحيح مسلم : ج 7 - ص 122 - 123 مسند أحمد، رقم الحديث 915.مسند الترمذي ، كتاب المناقب ـ رقم الحديث 3646. سنن بن ماجة، رقم الحديث 118. النسائي: الخصائص - ص 39 - 40 - 41. المتقي الهندي: كنز العمال - ج 1 - ص 166 - 167 - 168.الحاكم: المستدرك على الصحيحين - ج 3 - ص109 وأيضا الحافظ الذهبي في تلخيصه . وغيرها الكثير من المصادر.
[26]. أمالي الشخ الطوسي ص247 . الأصول من الكافي1 : 295. ابن المغازلي: المناقب - ص 29 - إلى ص 36. الشهرستاني: الملل والنحل، ج 1، ص 163. سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص - ص 30 – 31. تاريخ دمشق لإبن عساكر ج42 ص228 .
[27]. منتخب الطريحي: 259.
[28]. فتح القدير 4/ 396.
[29]. سورة الشورى ، الآية 7 .
[30]. سورة الأنعام ، الآية 92.
[31]. انظر بحث مكة المكرمة مركز العالم ، د. حسين كمال الدين، مجلة العلم و الإيمان، العدد 20 عام 1977.
[32]. أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد13:30، و أحمد في مسنده 1 : 84 ، و النسائي في الخصائص:113 و الخوارزمي في مناقبه: 71 ، و ابن أخي تبوك في مسنده ( منتخبه ) : 429 ح 5 ، و الجويني في فرائط السمطين 1 : 249 ح 193 ، عن أبي مريم، و في الباب عن أبي هريرة و جابر بن عبد اللّه، و جمع بعض طرقه الأخرى الهيثمي في مجمع الزوائد 6 :23 ، و ابن شهر آشوب في مناقبه 2: 135.
[33]. السيرة الحلبية ج3 ص86 و (ط دار المعرفة) ج3 ص29 و المناقب لابن المغازلي ص202 والمناقب المرتضوية ص188 وبحار الأنوار ج38 ص86 وكشف اليقين ص447 والطرائف ص80 .
[34]. معاني الأخبار - الشيخ الصدوق - ص 204
[35]. الخصال - الشيخ الصدوق - ص 415.
[36]. الكافي الشريف، الجزء2، كتاب الدعاء، باب التحميد والتمجيد.
[37] . مشارق أنوار اليقين، الحافظ رجب البرسي، مؤسسةالأعلمي، ط 1419، تحقيق السيد علي عاشور، ص171.
[38]. المستدرك للحاكم النيسابوري 3 / 483.
[39]. ص40 من الكتاب المذكور.
[40]. وفي رواية يزيد ابن قعنب: "خرجت في اليومالرابع"، روضة الواعظين للنيسابوري، منشوراتالرضي، قم، ص76.
[41]. الأمالي للشيخ الطوسي، دار الثقافة، قم، ص707.
[42]. معاني الأخبار للشيخ الصدوق، مؤسسة النشرالإسلامي، قم، ص77.
تعليق