قال تعالى: (وقل رب زدني علماً). [طه: 114]
يمتاز القرآن الكريم بأسلوبه الخاص، فقد يخاطب الأمة جمعاء عن طريق الرسول الأكرم (ص) باعتباره محدثاً باسم الأمة ومستمعاً عنها؛ وهذه ليست قاعدة عامة، فهناك خطاب مباشر للأمة كما نرى ذلك في (يا أيها الناس) التي يزخر بها القرآن الكريم.
وعادة ما يكون الخطاب المباشر للرسول ينطوي على هدف معين، فقد يتوهم البعض في بعض الخطابات القرآنية أنها لا تشمله من قريب ولا من بعيد على أساس بعض الامتيازات العرقية أو القومية، ولهذا يخاطب القرآن الرسول حتى لا يكون هناك مجال لمثل هذه الأوهام.
فهنا خطاب ـ مثلاً ـ يتوعد الرسول ويتهدده فيما إذا ارتكب معصية ما، وهنا تتبخر جميع الأوهام والتصورات الخاطئة لدى الإنسان العاقل في أن هذا الخطاب لا يخصه، كما هو الحال في الآية التي تصدرت البحث (وقل ربّ زدني علماً)، فالخطاب موجه بالدرجة الأولى إلى الأمة الإسلامية، وهو لا يحمل روح الإرشاد فحسب بل ينطوي على أمر واضح في طلب العلم من الله، وإذن فإن طلب العلم واجب كسائر الواجبات الأخرى.
لقد قرن الإسلام العمل بالعلم وجعل له منزلة سامية وإن العمل المقرون بالعلم أعظم آلاف المرات من العمل الذي يقوم على أساس من الجهل، ذلك أن العلم يمنح العمل قيمته، ولذا فإن كل عمل يقترن بالعلم يحظى بأهمية بالغة.
وعلى هذا الأساس يحترم الإسلام أمرين هما: العلم والعمل، ويرفض أمرين هما: البطالة والجهل.
وهنا ينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن الإسلام لا ينظر إلى العلم والعمل كأمرين متمايزين منفصلين، بل إن احترام الإسلام لهما يكمن في ارتباطهما، فإذا انفصلا فقدا أهميتهما، فهما كالجناحين يطير بهما الإنسان فإذا انفصلا عن بعضهما عجز الإنسان عن الطيران. فكل منهما يكمل الآخر، فمثل العالم المنزوي والعامل الجاهل كمثل إنسان يمتلك فانوساً في ليلة مظلمة ولكنه لا يقدر على المشي، وآخر قادر على المشي ولكنه لا يمتلك فانوساً يضيء له الطريق، فكلاهما عاجز عن تلمس طريقه في الحياة.
إن التعاون أساس مقدس، ولكن لا شيء أسمى من تعاون العلم والعمل، أي أن يكون العامل عالماً ومطلعاً ويكون العالم عاملاً فعالاً.
لقد مرت الأمم وخلال مراحل التاريخ المتعاقبة بفترات من الخمول نتيجة فصل العلم عن العمل، وكان ذلك أحد أبرز العوامل في تأخر تلك الأمم واضمحلالها.
لقد قدم الإسلام للبشرية خدمات كبرى عندما جعل العمل واجباً على الجميع وجعل العلم حقاً للجميع. ولا أظن أن أحداً له معرفة ولو بشكل إجمالي بتعاليم الإسلام يمكنه أن يشكك في هذه المسألة. فليس هناك فريق يختص بالعلم وآخر يختص بالعمل، ناهيك عن دعوة الإسلام إلى ربط العلم بالعمل والعمل بالعلم، فالعلم توأم العمل، والعمل بلا عمل كالشجر بلا ثمر، وإن العمل مع العلم أعظم بمئات المرات من العمل وحده.
لقد تجلى العلم كأعظم قوة يملكها الإنسان وبواسطتها سخر قوى الطبيعة من جماد ونبات وحيوان، وبها اكتشف أعماق البحار وسبر أغوار الفضاء.
الإنسان ليس آلة يمكن حساب قوتها على أساس قدرة البخار أو الكهرباء، كما أنه ليس حيواناً لكي يمكن معرفة قدرته كما هو الحال لدى الفيل أو الحصان. إن قدرة الإنسان تكمن في فكره وعقله، وعلى أساس هذه القدرة أمكنه صنع هذه الحضارة والمدنية الكبرى، وبها استخدم وسخر قدرات الفيل والحصان وسائر القوى من أجله.
ولو انفصل العمل عن العلم لما أمكن للإنسانية أن تتقدم هذا التقدم، ولبقيت تراوح في مكانها ولما تجاوزت حدود الزراعة والرعي؛ ولكن ترافق العلم مع المعل مكن الإنسان من تحويل المواد الخام إلى مختلف السلع والآلات، وهذا معنى العلم الذي يرفع من قيمة العمل فيتحول إلى فن وصنعة.
يذكر سعدي الشيرازي هذه الحكاية في كتابه: روضة الورود:
كان أحد الحكماء يبذل لأبنائه النصيحة على الدوام فيقول لهم: يا روح أبيكم! تعلموا المعرفة، إذ لا يصح الاعتماد على ملك الدنيا واقبالها، فالجاه والذهب لا يخرجان مع من ذهب، الدرهم والدينار معرضان للأخطار، فأما أن يسلبهما جملة قاطع طريق أو يأكلهما لهما بالتفريق، أما المعرفة فعين دائمة الجريان ودولة موطدة الأركان، إذا زلت بصاحبها القدم لا يستولي عليه غم ولا ندم، إذ المعرفة في نفسها دولة، فحيثما حل يكون بها مرموق القدر، ولا يجلس إلا في الصدر، وأما عديم العرفان فحيثما حل ذليل مهان، لا ينال من الخبز كسرة ولا يعيش إلا بالحسرة[2].
[1] نهج البلاغة، عهده (ع) إلى مالك الأشتر: 37
[2] روضة الورود، سعيد الشيرازي، ب7، حكاية2
يمتاز القرآن الكريم بأسلوبه الخاص، فقد يخاطب الأمة جمعاء عن طريق الرسول الأكرم (ص) باعتباره محدثاً باسم الأمة ومستمعاً عنها؛ وهذه ليست قاعدة عامة، فهناك خطاب مباشر للأمة كما نرى ذلك في (يا أيها الناس) التي يزخر بها القرآن الكريم.
وعادة ما يكون الخطاب المباشر للرسول ينطوي على هدف معين، فقد يتوهم البعض في بعض الخطابات القرآنية أنها لا تشمله من قريب ولا من بعيد على أساس بعض الامتيازات العرقية أو القومية، ولهذا يخاطب القرآن الرسول حتى لا يكون هناك مجال لمثل هذه الأوهام.
فهنا خطاب ـ مثلاً ـ يتوعد الرسول ويتهدده فيما إذا ارتكب معصية ما، وهنا تتبخر جميع الأوهام والتصورات الخاطئة لدى الإنسان العاقل في أن هذا الخطاب لا يخصه، كما هو الحال في الآية التي تصدرت البحث (وقل ربّ زدني علماً)، فالخطاب موجه بالدرجة الأولى إلى الأمة الإسلامية، وهو لا يحمل روح الإرشاد فحسب بل ينطوي على أمر واضح في طلب العلم من الله، وإذن فإن طلب العلم واجب كسائر الواجبات الأخرى.
لقد قرن الإسلام العمل بالعلم وجعل له منزلة سامية وإن العمل المقرون بالعلم أعظم آلاف المرات من العمل الذي يقوم على أساس من الجهل، ذلك أن العلم يمنح العمل قيمته، ولذا فإن كل عمل يقترن بالعلم يحظى بأهمية بالغة.
وعلى هذا الأساس يحترم الإسلام أمرين هما: العلم والعمل، ويرفض أمرين هما: البطالة والجهل.
وهنا ينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن الإسلام لا ينظر إلى العلم والعمل كأمرين متمايزين منفصلين، بل إن احترام الإسلام لهما يكمن في ارتباطهما، فإذا انفصلا فقدا أهميتهما، فهما كالجناحين يطير بهما الإنسان فإذا انفصلا عن بعضهما عجز الإنسان عن الطيران. فكل منهما يكمل الآخر، فمثل العالم المنزوي والعامل الجاهل كمثل إنسان يمتلك فانوساً في ليلة مظلمة ولكنه لا يقدر على المشي، وآخر قادر على المشي ولكنه لا يمتلك فانوساً يضيء له الطريق، فكلاهما عاجز عن تلمس طريقه في الحياة.
إن التعاون أساس مقدس، ولكن لا شيء أسمى من تعاون العلم والعمل، أي أن يكون العامل عالماً ومطلعاً ويكون العالم عاملاً فعالاً.
لقد مرت الأمم وخلال مراحل التاريخ المتعاقبة بفترات من الخمول نتيجة فصل العلم عن العمل، وكان ذلك أحد أبرز العوامل في تأخر تلك الأمم واضمحلالها.
لقد قدم الإسلام للبشرية خدمات كبرى عندما جعل العمل واجباً على الجميع وجعل العلم حقاً للجميع. ولا أظن أن أحداً له معرفة ولو بشكل إجمالي بتعاليم الإسلام يمكنه أن يشكك في هذه المسألة. فليس هناك فريق يختص بالعلم وآخر يختص بالعمل، ناهيك عن دعوة الإسلام إلى ربط العلم بالعمل والعمل بالعلم، فالعلم توأم العمل، والعمل بلا عمل كالشجر بلا ثمر، وإن العمل مع العلم أعظم بمئات المرات من العمل وحده.
لقد تجلى العلم كأعظم قوة يملكها الإنسان وبواسطتها سخر قوى الطبيعة من جماد ونبات وحيوان، وبها اكتشف أعماق البحار وسبر أغوار الفضاء.
الإنسان ليس آلة يمكن حساب قوتها على أساس قدرة البخار أو الكهرباء، كما أنه ليس حيواناً لكي يمكن معرفة قدرته كما هو الحال لدى الفيل أو الحصان. إن قدرة الإنسان تكمن في فكره وعقله، وعلى أساس هذه القدرة أمكنه صنع هذه الحضارة والمدنية الكبرى، وبها استخدم وسخر قدرات الفيل والحصان وسائر القوى من أجله.
ولو انفصل العمل عن العلم لما أمكن للإنسانية أن تتقدم هذا التقدم، ولبقيت تراوح في مكانها ولما تجاوزت حدود الزراعة والرعي؛ ولكن ترافق العلم مع المعل مكن الإنسان من تحويل المواد الخام إلى مختلف السلع والآلات، وهذا معنى العلم الذي يرفع من قيمة العمل فيتحول إلى فن وصنعة.
يذكر سعدي الشيرازي هذه الحكاية في كتابه: روضة الورود:
كان أحد الحكماء يبذل لأبنائه النصيحة على الدوام فيقول لهم: يا روح أبيكم! تعلموا المعرفة، إذ لا يصح الاعتماد على ملك الدنيا واقبالها، فالجاه والذهب لا يخرجان مع من ذهب، الدرهم والدينار معرضان للأخطار، فأما أن يسلبهما جملة قاطع طريق أو يأكلهما لهما بالتفريق، أما المعرفة فعين دائمة الجريان ودولة موطدة الأركان، إذا زلت بصاحبها القدم لا يستولي عليه غم ولا ندم، إذ المعرفة في نفسها دولة، فحيثما حل يكون بها مرموق القدر، ولا يجلس إلا في الصدر، وأما عديم العرفان فحيثما حل ذليل مهان، لا ينال من الخبز كسرة ولا يعيش إلا بالحسرة[2].
[1] نهج البلاغة، عهده (ع) إلى مالك الأشتر: 37
[2] روضة الورود، سعيد الشيرازي، ب7، حكاية2
تعليق