ولو أردنا أن ننقل كلمات المحققين حول الخسارة التي أحدثها اليهود والنصارى لطالبنا الكلام وطال مقالنا مع القراء . ومن أكابر أحبار اليهود الذين تظاهروا بالإسلام هو كعب الأحبار ، حيث خدع عقول المسلمين وحتى الخلفاء والمترجمين عنه من علماء الرجال ، وقد أسلم في زمن أبي بكر وقدم من اليمن في خلافة عمر ، فانخدع به الصحابة وغيرهم . قال الذهبي : العلامة الحبر الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي ، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر ( رض ) ، وجالس أصحاب محمد ، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية ويحفظ عجائب ، - إلى أن قال : - حدث عنه أبو هريرة ومعاوية وابن عباس، وذلك من قبيل رواية الصحابي عن تابعي ، وهو نادر عزيز ، وحدث عنه أيضا أسلم مولى عمر وتبيع الحميري ابن امرأة كعب ، وروى عنه عدة من التابعين كعطاء بن يسار وغيرهم رسلا ، وقع له رواية في سنن أبي داود والترمذي والنسائي ( 2 ) وعرفه الذهبي أيضا في بعض كتبه بأنه من أوعية العلم ( 3 ). فقد وجد الحبر الماكر جوا ملائما لنشر الأساطير والقصص الوهمية ، وبذلك بث سمومه القاتلة بين الصحابة والتابعين ، وقد تبعوه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . وقد تنبه إلى جسامة الخسارة التي أحدثها ذلك الحبر لفيف من القدماء ، منهم ابن كثير في تفسيره ، حيث أنه بعدما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع سليمان ، قال : والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم ، كروايات كعب ووهب - سامحهما الله تعالى - في ما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان وما لم يكن ، ومما حرفو بدل وفسخ ، وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ( 4). والذي يدل على عمق مكره وخداعه لعقول المسلمين أنه ربما ينقل شيئا من العهدين ، وفي الوقت ذاته نرى أن بعض الصحابة الذين تتلمذوا على يديه وأخذوا منه ينسب نفس ما نقله إلى الرسول ! والذي يبرر ذلك العمل حسن ظنهم وثقتهم به ، فحسبوا المنقول أمرا واقعيا ، فنسبوه إلى النبي زاعمين أنه إذا كان كعب الأحبار عالما به فالنبي أولى بالعلم منه . فإن كنت في شك من ذلك فاقرأ نصين في موضوع واحد أحدهما للإمام الطبري في تاريخه ينقله عن كعب الأحبار في حشر الشمس والقمر يوم القيامة، والآخر للإمام ابن كثير صاحب التفسير ينقله عن أبي هريرة عن النبي الأكرم ، ومضمون الحديث ينادي بأعلى صوته بأنه موضوع مجعول على لسان الوحي ، نشره الحبر الخادع وقبله الساذج من المسلمين
( 1 ) ابن خلدون ، المقدمة : 439.
( 2) الذهبي ،سير أعلام النبلاء 3 :489 .
( 3 ) الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 :52 .( * )
(4) ) ابن كثير ، التفسير ، قسم سورة النمل 3 : 339 .
( 1 ) ابن خلدون ، المقدمة : 439.
( 2) الذهبي ،سير أعلام النبلاء 3 :489 .
( 3 ) الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 :52 .( * )
(4) ) ابن كثير ، التفسير ، قسم سورة النمل 3 : 339 .
تعليق