دور الإمام المهدي عجل الله فرجه
إن دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو أنه يمثل الحلقة الأخيرة المهيمنة والفاعلة والمؤثرة في عالم الإمكان.
لبيان هذا الدور نقدّم ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: إن القرآن الكريم يثبت أدواراً في إطار عالم الطبيعة للأشياء، كما يثبت أدواراً للأشخاص.
هنالك أشياء في هذا العام لها دور. وهناك أشخاص في هذا العالم لهم دور؛ نمثل لهما بمثالين:
المثال الأول للأشياء: نسأل: من هو الشافي؟ ويأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو الشافي؛ ﴿وإذا مرضت فهو يشفين﴾(2).
حدثني أحد العلماء أنه كان يوجد في مدينة إصفهان طبيب معروف يسجّل أسماء مراجعيه من المرضى في ورقة عنده بعد أن يكتب لهم الوصفة الطبية، لكي يدعو لهم في صلاة الليل، وكان يقول: إنني أعتقد أن الأدوية عوامل ظاهرية وأن الشفاء حقاً بيد الله تعالى، ولذلك أكتب أسماء المرضى الذين يراجعونني كي أدعو لهم في صلاة الليل وأطلب شفاءهم من الله تعالى، فهو الشافي وما الأطباء والأدوية إلا أسباب ظاهرية.
ولكننا نلاحظ أن القرآن الكريم يثبت من جهة أخرى دور الشفاء لأشياء في هذا العالم. يقول الله تعالى عن العسل: ﴿فيه شفاء للناس﴾(3) هذا مع أن العسل ما هو إلا جماد يخرج من بطن حيوان، ولكن الله تعالى شاء أن يجعل فيه شفاءً للناس.
المثال الثاني للأشخاص: والقرآن الكريم يثبت التأثير لأشخاص، مع أنا نعرف أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله. ونوضح ذلك بمثال أيضاً:
نسأل: من هو الذي يقبض الأرواح؟ فيأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو القابض للأرواح؛ يقول تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾(4).
ولكننا نلاحظ من جهة أخرى أن القرآن يثبت ذلك لغير الله تعالى أيضاً حيث يقول: ﴿ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم﴾(5). فهو تعالى ينسبه لملك الموت أيضاً.
كانت تلك المقدمة الأولى.
المقدمة الثانية: إن وجود الدور والتأثير للأشياء والأشخاص في هذا العالم لا ينافي القول بالتوحيد الأفعالي (وأن الله وحده هو الفاعل الحقيقي في هذا الكون).
وذلك لأن فاعلية غير الله تعالى فاعلية مكتسبة وغيرية، بينما فاعلية الله تعالى فاعلية ذاتية، ولا منافاة بين فاعليتين إحداهما ذاتية والأخرى غيرية.
المقدمة الثالثة: لا تنافي في عالم الطبيعة أيضاً بين الفواعل الطولية.
فكما أنه لا تنافي بين فاعلية الله (التوحيد الأفعالي) والفواعل الطبيعية (الغيرية) فكذلك لا منافاة بين فاعلية طبيعية وفاعلية أخرى إذا كانتا طوليتين أي تقعان في طول بعضهما. أجل إذا كانت الفاعليتان عرضيتين ومستقلتين فهنا توجد منافاة لأنه يعني اجتماع علتين مستقلتين عرضيتين على معلول واحد، وهذا محال.
أما إذا فرضنا أن هاتين الفاعليتين ـ أو الفاعليات ـ كانت طولية أي أن بعضها يقع في طول بعضها الآخر فلا منافاة بينها.
ويمكن توضيح ذلك بمثال معروف عند أهل العلم: تقول: كتب قلمي وكتبت أناملي وكتبت يدي. قال تعالى: ﴿فويل لهم مما كتبت أيديهم﴾(6)، وتقول: كتبت، فهل ترى منافاة بين هذه الجمل أو بين الكاتبين؟ كلا بالطبع؟ وذلك لأن الروح الحقيقية التي كتبت هي روحك أنت، أما الفواعل الدنيا فإنما هي مؤثرة في طول فاعلية الروح التي تمثل الفاعلية الحقيقية والأخيرة في سلسلة الفواعل الطولية التي تندرج تحتها، ومن ثم فالفاعلية الأخيرة هي المؤثرة الحقيقية والمهيمنة على ما سواها من الفواعل الطبيعية والظاهرية.
النتيجة:
إذا اتضحت هذه المقدمات الثلاث، نقول الآن: إن الإمام المهدي هو آخر فاعل في سلسلة الفواعل الطولية المؤثرة في عالم الإمكان، أو بتعبير آخر: إنه ـ عليه السلام ـ يمثل الحلقة الأخيرة في الفاعليات الطولية في إطار عالم الإمكان. توضيحه: أن هناك فاعلية في عالم الكون والإمكان جعلها الله في طول فاعليته تعالى وأمرنا أن نلجأ إليها.
من الممكن أن تأتي بعده علل وفاعليات أخرى في طوله تندرج تحته ـ كاللجوء إلى الطبيب والدواء في حالة المرض وغيرهما في غيره ـ وتكون مؤثرة بإذن الله تعالى، ولكن العلة الأخيرة والفاعلية الأعلى بعد الله تعالى في عالم الإمكان هي إرادة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ماذا نقرأ في الزيارة التي رواها المحمدون الثلاثة وهم محمد بن يعقوب الكليني (في الكافي) ومحمد بن الحسن الطوسي (في التهذيب) والشيخ الصدوق (في من لا يحضره الفقيه)؟
نقرأ في زيارة أهل البيت عليهم السلام: «إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم»(7).
وهذا هو دور الامام المهدي في زمن حضوره وغيبته.
الفصل الثاني: كيف نستفيد من وجود الإمام المهدي عجل الله فرجه؟
بعد أن عرفنا دور الإمام المهدي في الفصل الأول يتبين الآن أهمية هذا الفصل؛ أي الاستفادة من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لأنه هو الرجل الذي يملك أعلى قدرة في عالم الإمكان وهو الذي أعطاه الله مقاليد الكون.
ولكي يمكننا الاستفادة من الإمام المهدي (عجل الله فرجه) حق الاستفادة لابد من توفر أربع مقدمات نذكرها تباعاً.
المقدمة الأولى: الالتفات إلى النقص والقصور والفاقة والحاجة عندنا.
ونوضح هذه المقدمة ـ وهي مهمة جداً ـ بمثال: لو تصورنا أن شخصاً ما يعاني من داء عضال في بدنه ولكنه غير ملتفت له، فهل سيبحث عن العلاج؟ وهل سيتجه إلى الطبيب؟ لاشك أن للداء وجوداً واقعياً في بدنه، ولكنه ليس له وجود في ذهنه لكي يدفعه نحو التحرك للتخلص منه بأي سبيل!
يقول علماء الأخلاق إن من أعدى أعداء الفرد الشعور بالاكتفاء، لأن الذي يشعر أنه مكتف من الناحية العلمية أو الأخلاقية لا يرى مسوّغاً للتحرك نحو التكامل الخلقي أو طلب العلم.
وهكذا الشخص الذي يعتقد أنه لا يعاني شيئاً، ولا توجد عنده مشكلة ولا فاقة، لا يمكنه الاستفادة الكاملة من الوجود المبارك للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، لأنه لا يتحرك نحوه بل يبقى ساكناً في مكانه، لعدم شعوره بالحاجة إليه لحل مشكلاته، لأنه يعتقد أنه لا مشكلة عنده في الأساس!
أما نحن فيرادونا الشعور بالحاجة في بعض الأحيان وفي لحظات الاضطرار كما لو تهنا في صحراء أو انكسرت بنا السفينة في البحر أو ابتلينا - أو أحد أعزائنا- بمرض مستعصي العلاج، أما أولياء الله سبحانه وتعالى فإنهم يشعرون دائماً بأنهم في حالة اضطرار وأنهم في حالة حاجة وفاقة.
ولذلك ترانا ننام من أول الليل إلى آخره لأنه لا يوجد شيء يؤرقنا. أما هم فـ﴿قليلاً من الليل ما يهجعون﴾(8).
أرأيت من عنده مشكلة أو يهدده خطر، كيف لا يستطيع أن يخلد إلى النوم، فكذلك حال أولياء الله تعالى، لأنهم يشعرون بالخطر.
إننا نفهم الاضطرار في قول الله تعالى ﴿أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾(9) أن يكون الشخص مريضاً أو عنده مريض. أما أولياء الله تعالى فيشعرون دائماً أنهم في حالة اضطرار، وهذا الشعور كامن في أعماقهم ولذلك يصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾(10) لأن حالة الاضطرار الباطنية لا تدعهم يستقرون.
روى أحد العلماء أن شخصين تصاحبا، وعندما حل الليل نام الأول ولم ينم الثاني. وبعد مدة استيقظ الأول فرأى صاحبه لم ينم بعد. فعاد للنوم مرة أخرى وعندما استيقظ أيضاً رأى صاحبه لم ينم بعد. وعندما سأله: لماذا لا تنام؟ قال في جوابه: كيف أنام ومن حولي كلهم يقظون يسبحون الله تعالى. ثم كشف له الغطاء فرأى جميع الأشياء تسبح بحمد الله!
تبلور مما تقدم أنه ينبغي لنا أن نحاول أن نُشعر أنفسنا بنقصها وحاجتها وفاقتها واضطرارها. وهذه هي المقدمة الأولى للاستفادة من وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
المقدمة الثانية: التوجه إلى مصدر القوة والغنى والقدرة وهو الإمام المهدي عجل الله فرجه.
فليس الإمام بالفرد العادي بل هو الذي يمكن لنظرة واحدة منه أن تغيّر حالنا، فكما قلنا إن الله تعالى جعله وآباءه الطاهرين مظاهر مشيئته.
المقدمة الثالثة: محاولة إيجاد القابلية.
فإن القلب الملوث ليس له قابلية، وهكذا العين الملوّثة والأذن الملوّثة واليد الملوّثة و... وأولى مراحلها ـ وهي صعبة جداً ولكنها ممكنة ـ أن نتجنب ارتكاب الذنوب؛ ذنوب القلب والعين والأذن واللسان واليد و... فكما أن جهاز الراديو إذا حصل فيه أي عطب أو خلل أو قطع في أي سلك من أسلاكه يفقد القابلية على تلقي الأمواج الموجودة في الفضاء، فكذلك القلب إذا حصل فيه خلل فقدَ القابلية على تلقي الفيض الإلهي، فلابد أولاً من إصلاحه لإيجاد القابلية فيه.
حقاً عندما يراجع المرء تاريخ العلماء الماضين يجد دقة عجيبة في أحوالهم وورعاً واحتياطاً كبيرين.
فمما ينقل عن الحاج آقا حسين القمي (رحمه الله) أنه كان يحتاط حتى في تهديد طفله إذا صدر منه ما يستحق التهديد. فلم يكن يقول للطفل سأضربك أو سأؤدبك ـ مثلاً ـ إذا صدر منك العمل الفلاني، بل كان يستخدم عبارات من قبيل «من المحتمل أن أضربك» أو «هب أنني سأضربك» فكان يخاف أن تكون هنالك شبهة الكذب إن لم يصدر منه الضرب أو ما أوعده عليه، فمع أنه من غير المعلوم أن يتحقق الكذب لأنه يُقال إن الوفاء بالوعيد ليس واجباً، ولكنه كان يخشى مع ذلك أن تكون هناك شبهة كذب فكان يحتاط للأمر ويتجنب حتى الشبهة فيقول لطفله: "احتمل أنني سأضربك أو سأؤدبك" وما أشبه؛ لئلا تصدر منه كذبة. وهكذا كانوا يحتاطون لئلا تصدر منهم غيبة ولا نميمة ولا نظرة محرمة.
المقدمة الرابعة: الإلحاح والتوسل.
ينبغي لنا أن نتوسل ونلحّ حتى تشملنا العناية الإلهية، ونستفيد من وجود الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
النتيجة: ينبغي لنا أن نلجأ إلى الإمام (عجل الله فرجه) في حل كل قضايانا الدنيوية والأخروية والفردية والاجتماعية فهو الملاذ لنا في كل الشؤون والقضايا. وكما أن الله تعالى جعل الشمس مصدر الدفء والنور للإنسان في حياته المادية، ومن أدبر عنها حرم من الدفء والنور، فكذلك هو الإمام(عجل الله فرجه) جعله الله لنا مصدراً للدفء والنور في حياتنا المعنوية، وأوكل ـ سبحانه ـ إليه كل أمورنا وقضايانا. فمن توجه إلى غيره فإن الله لا يعبأ به.
فلنستحضر هذه المقدمات الأربع ولنحاول ونلحّ حتى نستفيد من وجود الإمام المهدي عليه السلام.
أمثلة على الاستفادة من وجود الحجة مادياً ومعنوياً
1. قضية السيد محمد باقر الدامغاني
ابتلي السيد محمد باقر الدامغاني - من علمائنا في مدينة مشهد المقدسة- بداء السل، واستمر يعاني منه أعواماً، ولم تفلح مراجعته للأطباء، بل استمرت حالته تزداد سوءاً وبدأ يضعف ويذوي حتى أن الأطباء لم يجدوا سبيلاً لعلاجه، ففقد الأمل أيضاً، وهذه حالة تجعل المرء يشعر بالانهيار حتى أنه قد لا يستطيع النهوض.
يقول: في يوم من الأيام قذفت دماً كثيراً من صدري، وشعرت بالألم، فجئت عند أستاذي الميرزا الإصفهاني ـ وكان في مشهد وله قضايا أيضاً مع الإمام الحجة عجل الله فرجه ـ فشكوت له حالتي وضعفي وفقدان أملي.
يقول: فجثا الميرزا على ركبتيه وقال لي معاتباً: ألست سيداً (هاشمياً)، فلماذا لا تلجأ إلى أجدادك الطاهرين؟ ألست من شيعة الإمام المنتظر، فلماذا لا تستنجد ببقية الله في الأرض حتى ينجيك مما أنت فيه؟ ألا تعلم أن أئمة أهل البيت هم أسماء الله الحسنى؟ ألم تقرأ في دعاء كميل: يا من اسمه دواء وذكره شفاء؟ قم واذهب إلى بقية الله (الإمام المهدي عجل الله فرجه) واطلب منه حل مشكلتك.
يقول: فأخذتني العبرة ورقّ قلبي ـ فإن الإنسان يرقّ قلبه إذا هجمت عليه المشاكل عادة ـ وأُلهمت أن أحسن مكان أذهب للقاء الإمام (عجل الله فرجه) فيه هو حرم الإمام الرضا عليه السلام.
وبعد أن دخلت الصحن العتيق رأيت فجأة أني أعيش في وضع آخر، فليس هو الوضع المعتاد، وبدا لي أني أعيش في عالم المكاشفة، لأني أدركت أن الناس العاديين غير موجودين وأن هناك جماعة قليلة العدد يمشون ويتقدمهم رجل ألقي في روعي أنه هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه). وأحست فجأة أنهم قد يغادرون قبل أن التقي الإمام وأنال بغيتي، ففكرت أن أنادي الإمام حتى يلتفت إليّ.
يقول: وبينما أنا كذلك - في هذا الخاطر- وإذا بذلك الرجل يلتفت إليّ وينظر إليّ نظرة واحدة بطرف عينه فقط ومن دون أن يكلمني أو أكلمه، وبدأ العرق يتصبب من بدني، وإذا بالصحن يعود بعد ذلك إلى حالته الطبيعية فلم أر الرجل ولا الجماعة التي كانت خلفه، ورأيت جموع الناس المعتادة، فرجعت إلى نفسي فإذا بي صحيح البدن معافى. فعدت إلى بيتي وقد تبدلت حالتي بالكامل فعشت أعواماً في صحة كاملة، كما شهد بذلك كثيرون.
وهذه القصة ليست قديمة جداً فربما تعود إلى زهاء ستين سنة قبل الآن.
2. وهناك قضية أخرى حدثت للحاج آقا حسين القمي، الذي ذكرنا لكم ورعه ودقته واحتياطه آنفاً.
وكان من شدة احتياطه أنه إذا سئل عن الوقت يقول في الجواب: افرض أنها كذا (التاسعة مثلاً) خشية أن لا يكون قوله مطابقاً للواقع!
نُقل عن أحواله أيضاً أنه كان يعتقد أن أقوى دعامة له في حياته هو وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وعنايته وكان راسخ الاعتقاد أن هذه الدعامة هي التي تسنده وتنقذه وتنجيه.
وهذا هو الاعتقاد الحق، الذي يجب أن يكون ثابتاً عندنا كما كان عند الشيخ القمي، لا أن يكون موجوداً حيناً ومفقوداً في أحيان أخرى كما هو حال أغلب الناس مع الأسف.
(قال بعض العلماء ذهبت إلى مكان ما ورأيت بعض الأشياء فشككت في ديني، ولكني التقيت ثلاثة أشخاص فعاد إليّ إيماني، وأحدهم الحاج آقا حسين القمي).
أما قصة هذا العالم ورعاية الحجة (عجل الله فرجه) له فهي كالتالي:
كان (الحاج آقا حسين القمي) قد جاء إلى طهران في قضية البهلوي الأول وجهاده الكبير ضده، فحوصر فيها فلم يستطع الرجوع وانقطع به الطريق، ولم يكن لديه مال، فبعث له البهلوي بشيك أبيض يكتب هو فيه ما يعجبه، ولكنه (رحمه الله) رفض استلام الشيك من الرسول لأنها أموال الدولة وهو يحتاط فيها، رغم احتياجه الشديد والمبرم للمال وهو في تلك الحال. فقيل له: فكيف ستعيش؟ فقال: أنا أعتقد أن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) لا ينسى رعيته.
(انظروا إلى إيمانه، فهو لم يقل إن الإمام لا ينسى جنوده مع أنه كان مرجعاً للتقليد أي جندياً للإمام، ولكنه قال: إن الإمام لا ينسى رعيته)!
فضحك بعض ضعاف الإيمان الذين كانوا حوله عندما سمعوا منه هذه العبارة. ولكن تلك الإرادة التي تقف وراء كل شيء وتهيئ الأسباب الظاهرية، هيأت له الأسباب ولم تتخلّ عنه! فكان هناك رئيس شرطة في مدينة ري الإيرانية (شهرري) متأثراً به منشداً إليه لما رأى من أسلوبه في الحياة، فقام بمفاتحة بعض التجار في طهران ـ رغم ما كان في ذلك من خطر على حياته ـ ليكون وسيطاً لإيصال المال منهم إليه، ونجح في المهمة وحفظه الله من خطر محتم، لأن السلطة لو اكتشفت أمره لأعدمته، فلم تكن دولة قوانين وضوابط. ولكنه استطاع أن يدخل على السيد القمي بحجة من الحجج وكان يخفي المال في جورابه، وقال السيد القمي عندما قدم له الرجل المال: كنت أعلم أن الإمام لا ينسى رعاياه.
الخلاصة
إن الإمام لا ينسانا ولكن ينبغي أن لا ننساه نحن أيضاً، وكما قال الله تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾(11).
فكم مرة في اليوم نذكر الإمام المهدي؟ هل نذكره في قنوت صلواتنا؟ هل نقرأ كل يوم: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن... الدعاء؟ وهل نبدأ باسمه عندما نبدأ ببحوثنا العلمية ونقول يا حجة الله أدركني.
أنا رأيت بعض الطلبة أول ما يريد كتابة بحوثه العلمية يقول يا حجة بن الحسن أدركني، فيبدأ أول بحثه باسم الله ثم الإمام الحجة، فيكتب يا معين ثم يتجه إلى الإمام الحجة أيضاً. وهذه حالة مهمة جداً ينبغي أن ننميها في أنفسنا.
هناك كتاب لطيف في مجلدين أدعو الإخوة المؤمنين لمطالعته وهو «مكيال المكارم في فوائد الدعاء للإمام».
فحري بنا أن لا نغفل عن الإمام عليه السلام، وأن ندعو له.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشملنا بألطافه وعناياته وأن لا يحرمنا فيضه وفضله ورحمته. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
(1) تقريراً للمحاضرة التي ألقاها سماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي في السابع من جمادى الثانية عام 1424 هـ .
(2) الشعراء: 80.
(3) النحل: 69.
(4) الزمر: 43.
(5) الأحزاب: 11.
(6) البقرة: 80.
(7) بحار الأنوار، 98/ 153.
(8) الذاريات: 17.
(9) النمل: 62.
(10) السجدة: 16.
(11) البقرة: 153.
شبكة النبأ المعلوماتية - الثلاثاء 14/10/2003 - 16/ شعبان/1424
إن دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو أنه يمثل الحلقة الأخيرة المهيمنة والفاعلة والمؤثرة في عالم الإمكان.
لبيان هذا الدور نقدّم ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: إن القرآن الكريم يثبت أدواراً في إطار عالم الطبيعة للأشياء، كما يثبت أدواراً للأشخاص.
هنالك أشياء في هذا العام لها دور. وهناك أشخاص في هذا العالم لهم دور؛ نمثل لهما بمثالين:
المثال الأول للأشياء: نسأل: من هو الشافي؟ ويأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو الشافي؛ ﴿وإذا مرضت فهو يشفين﴾(2).
حدثني أحد العلماء أنه كان يوجد في مدينة إصفهان طبيب معروف يسجّل أسماء مراجعيه من المرضى في ورقة عنده بعد أن يكتب لهم الوصفة الطبية، لكي يدعو لهم في صلاة الليل، وكان يقول: إنني أعتقد أن الأدوية عوامل ظاهرية وأن الشفاء حقاً بيد الله تعالى، ولذلك أكتب أسماء المرضى الذين يراجعونني كي أدعو لهم في صلاة الليل وأطلب شفاءهم من الله تعالى، فهو الشافي وما الأطباء والأدوية إلا أسباب ظاهرية.
ولكننا نلاحظ أن القرآن الكريم يثبت من جهة أخرى دور الشفاء لأشياء في هذا العالم. يقول الله تعالى عن العسل: ﴿فيه شفاء للناس﴾(3) هذا مع أن العسل ما هو إلا جماد يخرج من بطن حيوان، ولكن الله تعالى شاء أن يجعل فيه شفاءً للناس.
المثال الثاني للأشخاص: والقرآن الكريم يثبت التأثير لأشخاص، مع أنا نعرف أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله. ونوضح ذلك بمثال أيضاً:
نسأل: من هو الذي يقبض الأرواح؟ فيأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو القابض للأرواح؛ يقول تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾(4).
ولكننا نلاحظ من جهة أخرى أن القرآن يثبت ذلك لغير الله تعالى أيضاً حيث يقول: ﴿ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم﴾(5). فهو تعالى ينسبه لملك الموت أيضاً.
كانت تلك المقدمة الأولى.
المقدمة الثانية: إن وجود الدور والتأثير للأشياء والأشخاص في هذا العالم لا ينافي القول بالتوحيد الأفعالي (وأن الله وحده هو الفاعل الحقيقي في هذا الكون).
وذلك لأن فاعلية غير الله تعالى فاعلية مكتسبة وغيرية، بينما فاعلية الله تعالى فاعلية ذاتية، ولا منافاة بين فاعليتين إحداهما ذاتية والأخرى غيرية.
المقدمة الثالثة: لا تنافي في عالم الطبيعة أيضاً بين الفواعل الطولية.
فكما أنه لا تنافي بين فاعلية الله (التوحيد الأفعالي) والفواعل الطبيعية (الغيرية) فكذلك لا منافاة بين فاعلية طبيعية وفاعلية أخرى إذا كانتا طوليتين أي تقعان في طول بعضهما. أجل إذا كانت الفاعليتان عرضيتين ومستقلتين فهنا توجد منافاة لأنه يعني اجتماع علتين مستقلتين عرضيتين على معلول واحد، وهذا محال.
أما إذا فرضنا أن هاتين الفاعليتين ـ أو الفاعليات ـ كانت طولية أي أن بعضها يقع في طول بعضها الآخر فلا منافاة بينها.
ويمكن توضيح ذلك بمثال معروف عند أهل العلم: تقول: كتب قلمي وكتبت أناملي وكتبت يدي. قال تعالى: ﴿فويل لهم مما كتبت أيديهم﴾(6)، وتقول: كتبت، فهل ترى منافاة بين هذه الجمل أو بين الكاتبين؟ كلا بالطبع؟ وذلك لأن الروح الحقيقية التي كتبت هي روحك أنت، أما الفواعل الدنيا فإنما هي مؤثرة في طول فاعلية الروح التي تمثل الفاعلية الحقيقية والأخيرة في سلسلة الفواعل الطولية التي تندرج تحتها، ومن ثم فالفاعلية الأخيرة هي المؤثرة الحقيقية والمهيمنة على ما سواها من الفواعل الطبيعية والظاهرية.
النتيجة:
إذا اتضحت هذه المقدمات الثلاث، نقول الآن: إن الإمام المهدي هو آخر فاعل في سلسلة الفواعل الطولية المؤثرة في عالم الإمكان، أو بتعبير آخر: إنه ـ عليه السلام ـ يمثل الحلقة الأخيرة في الفاعليات الطولية في إطار عالم الإمكان. توضيحه: أن هناك فاعلية في عالم الكون والإمكان جعلها الله في طول فاعليته تعالى وأمرنا أن نلجأ إليها.
من الممكن أن تأتي بعده علل وفاعليات أخرى في طوله تندرج تحته ـ كاللجوء إلى الطبيب والدواء في حالة المرض وغيرهما في غيره ـ وتكون مؤثرة بإذن الله تعالى، ولكن العلة الأخيرة والفاعلية الأعلى بعد الله تعالى في عالم الإمكان هي إرادة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ماذا نقرأ في الزيارة التي رواها المحمدون الثلاثة وهم محمد بن يعقوب الكليني (في الكافي) ومحمد بن الحسن الطوسي (في التهذيب) والشيخ الصدوق (في من لا يحضره الفقيه)؟
نقرأ في زيارة أهل البيت عليهم السلام: «إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم»(7).
وهذا هو دور الامام المهدي في زمن حضوره وغيبته.
الفصل الثاني: كيف نستفيد من وجود الإمام المهدي عجل الله فرجه؟
بعد أن عرفنا دور الإمام المهدي في الفصل الأول يتبين الآن أهمية هذا الفصل؛ أي الاستفادة من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لأنه هو الرجل الذي يملك أعلى قدرة في عالم الإمكان وهو الذي أعطاه الله مقاليد الكون.
ولكي يمكننا الاستفادة من الإمام المهدي (عجل الله فرجه) حق الاستفادة لابد من توفر أربع مقدمات نذكرها تباعاً.
المقدمة الأولى: الالتفات إلى النقص والقصور والفاقة والحاجة عندنا.
ونوضح هذه المقدمة ـ وهي مهمة جداً ـ بمثال: لو تصورنا أن شخصاً ما يعاني من داء عضال في بدنه ولكنه غير ملتفت له، فهل سيبحث عن العلاج؟ وهل سيتجه إلى الطبيب؟ لاشك أن للداء وجوداً واقعياً في بدنه، ولكنه ليس له وجود في ذهنه لكي يدفعه نحو التحرك للتخلص منه بأي سبيل!
يقول علماء الأخلاق إن من أعدى أعداء الفرد الشعور بالاكتفاء، لأن الذي يشعر أنه مكتف من الناحية العلمية أو الأخلاقية لا يرى مسوّغاً للتحرك نحو التكامل الخلقي أو طلب العلم.
وهكذا الشخص الذي يعتقد أنه لا يعاني شيئاً، ولا توجد عنده مشكلة ولا فاقة، لا يمكنه الاستفادة الكاملة من الوجود المبارك للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، لأنه لا يتحرك نحوه بل يبقى ساكناً في مكانه، لعدم شعوره بالحاجة إليه لحل مشكلاته، لأنه يعتقد أنه لا مشكلة عنده في الأساس!
أما نحن فيرادونا الشعور بالحاجة في بعض الأحيان وفي لحظات الاضطرار كما لو تهنا في صحراء أو انكسرت بنا السفينة في البحر أو ابتلينا - أو أحد أعزائنا- بمرض مستعصي العلاج، أما أولياء الله سبحانه وتعالى فإنهم يشعرون دائماً بأنهم في حالة اضطرار وأنهم في حالة حاجة وفاقة.
ولذلك ترانا ننام من أول الليل إلى آخره لأنه لا يوجد شيء يؤرقنا. أما هم فـ﴿قليلاً من الليل ما يهجعون﴾(8).
أرأيت من عنده مشكلة أو يهدده خطر، كيف لا يستطيع أن يخلد إلى النوم، فكذلك حال أولياء الله تعالى، لأنهم يشعرون بالخطر.
إننا نفهم الاضطرار في قول الله تعالى ﴿أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾(9) أن يكون الشخص مريضاً أو عنده مريض. أما أولياء الله تعالى فيشعرون دائماً أنهم في حالة اضطرار، وهذا الشعور كامن في أعماقهم ولذلك يصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾(10) لأن حالة الاضطرار الباطنية لا تدعهم يستقرون.
روى أحد العلماء أن شخصين تصاحبا، وعندما حل الليل نام الأول ولم ينم الثاني. وبعد مدة استيقظ الأول فرأى صاحبه لم ينم بعد. فعاد للنوم مرة أخرى وعندما استيقظ أيضاً رأى صاحبه لم ينم بعد. وعندما سأله: لماذا لا تنام؟ قال في جوابه: كيف أنام ومن حولي كلهم يقظون يسبحون الله تعالى. ثم كشف له الغطاء فرأى جميع الأشياء تسبح بحمد الله!
تبلور مما تقدم أنه ينبغي لنا أن نحاول أن نُشعر أنفسنا بنقصها وحاجتها وفاقتها واضطرارها. وهذه هي المقدمة الأولى للاستفادة من وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
المقدمة الثانية: التوجه إلى مصدر القوة والغنى والقدرة وهو الإمام المهدي عجل الله فرجه.
فليس الإمام بالفرد العادي بل هو الذي يمكن لنظرة واحدة منه أن تغيّر حالنا، فكما قلنا إن الله تعالى جعله وآباءه الطاهرين مظاهر مشيئته.
المقدمة الثالثة: محاولة إيجاد القابلية.
فإن القلب الملوث ليس له قابلية، وهكذا العين الملوّثة والأذن الملوّثة واليد الملوّثة و... وأولى مراحلها ـ وهي صعبة جداً ولكنها ممكنة ـ أن نتجنب ارتكاب الذنوب؛ ذنوب القلب والعين والأذن واللسان واليد و... فكما أن جهاز الراديو إذا حصل فيه أي عطب أو خلل أو قطع في أي سلك من أسلاكه يفقد القابلية على تلقي الأمواج الموجودة في الفضاء، فكذلك القلب إذا حصل فيه خلل فقدَ القابلية على تلقي الفيض الإلهي، فلابد أولاً من إصلاحه لإيجاد القابلية فيه.
حقاً عندما يراجع المرء تاريخ العلماء الماضين يجد دقة عجيبة في أحوالهم وورعاً واحتياطاً كبيرين.
فمما ينقل عن الحاج آقا حسين القمي (رحمه الله) أنه كان يحتاط حتى في تهديد طفله إذا صدر منه ما يستحق التهديد. فلم يكن يقول للطفل سأضربك أو سأؤدبك ـ مثلاً ـ إذا صدر منك العمل الفلاني، بل كان يستخدم عبارات من قبيل «من المحتمل أن أضربك» أو «هب أنني سأضربك» فكان يخاف أن تكون هنالك شبهة الكذب إن لم يصدر منه الضرب أو ما أوعده عليه، فمع أنه من غير المعلوم أن يتحقق الكذب لأنه يُقال إن الوفاء بالوعيد ليس واجباً، ولكنه كان يخشى مع ذلك أن تكون هناك شبهة كذب فكان يحتاط للأمر ويتجنب حتى الشبهة فيقول لطفله: "احتمل أنني سأضربك أو سأؤدبك" وما أشبه؛ لئلا تصدر منه كذبة. وهكذا كانوا يحتاطون لئلا تصدر منهم غيبة ولا نميمة ولا نظرة محرمة.
المقدمة الرابعة: الإلحاح والتوسل.
ينبغي لنا أن نتوسل ونلحّ حتى تشملنا العناية الإلهية، ونستفيد من وجود الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
النتيجة: ينبغي لنا أن نلجأ إلى الإمام (عجل الله فرجه) في حل كل قضايانا الدنيوية والأخروية والفردية والاجتماعية فهو الملاذ لنا في كل الشؤون والقضايا. وكما أن الله تعالى جعل الشمس مصدر الدفء والنور للإنسان في حياته المادية، ومن أدبر عنها حرم من الدفء والنور، فكذلك هو الإمام(عجل الله فرجه) جعله الله لنا مصدراً للدفء والنور في حياتنا المعنوية، وأوكل ـ سبحانه ـ إليه كل أمورنا وقضايانا. فمن توجه إلى غيره فإن الله لا يعبأ به.
فلنستحضر هذه المقدمات الأربع ولنحاول ونلحّ حتى نستفيد من وجود الإمام المهدي عليه السلام.
أمثلة على الاستفادة من وجود الحجة مادياً ومعنوياً
1. قضية السيد محمد باقر الدامغاني
ابتلي السيد محمد باقر الدامغاني - من علمائنا في مدينة مشهد المقدسة- بداء السل، واستمر يعاني منه أعواماً، ولم تفلح مراجعته للأطباء، بل استمرت حالته تزداد سوءاً وبدأ يضعف ويذوي حتى أن الأطباء لم يجدوا سبيلاً لعلاجه، ففقد الأمل أيضاً، وهذه حالة تجعل المرء يشعر بالانهيار حتى أنه قد لا يستطيع النهوض.
يقول: في يوم من الأيام قذفت دماً كثيراً من صدري، وشعرت بالألم، فجئت عند أستاذي الميرزا الإصفهاني ـ وكان في مشهد وله قضايا أيضاً مع الإمام الحجة عجل الله فرجه ـ فشكوت له حالتي وضعفي وفقدان أملي.
يقول: فجثا الميرزا على ركبتيه وقال لي معاتباً: ألست سيداً (هاشمياً)، فلماذا لا تلجأ إلى أجدادك الطاهرين؟ ألست من شيعة الإمام المنتظر، فلماذا لا تستنجد ببقية الله في الأرض حتى ينجيك مما أنت فيه؟ ألا تعلم أن أئمة أهل البيت هم أسماء الله الحسنى؟ ألم تقرأ في دعاء كميل: يا من اسمه دواء وذكره شفاء؟ قم واذهب إلى بقية الله (الإمام المهدي عجل الله فرجه) واطلب منه حل مشكلتك.
يقول: فأخذتني العبرة ورقّ قلبي ـ فإن الإنسان يرقّ قلبه إذا هجمت عليه المشاكل عادة ـ وأُلهمت أن أحسن مكان أذهب للقاء الإمام (عجل الله فرجه) فيه هو حرم الإمام الرضا عليه السلام.
وبعد أن دخلت الصحن العتيق رأيت فجأة أني أعيش في وضع آخر، فليس هو الوضع المعتاد، وبدا لي أني أعيش في عالم المكاشفة، لأني أدركت أن الناس العاديين غير موجودين وأن هناك جماعة قليلة العدد يمشون ويتقدمهم رجل ألقي في روعي أنه هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه). وأحست فجأة أنهم قد يغادرون قبل أن التقي الإمام وأنال بغيتي، ففكرت أن أنادي الإمام حتى يلتفت إليّ.
يقول: وبينما أنا كذلك - في هذا الخاطر- وإذا بذلك الرجل يلتفت إليّ وينظر إليّ نظرة واحدة بطرف عينه فقط ومن دون أن يكلمني أو أكلمه، وبدأ العرق يتصبب من بدني، وإذا بالصحن يعود بعد ذلك إلى حالته الطبيعية فلم أر الرجل ولا الجماعة التي كانت خلفه، ورأيت جموع الناس المعتادة، فرجعت إلى نفسي فإذا بي صحيح البدن معافى. فعدت إلى بيتي وقد تبدلت حالتي بالكامل فعشت أعواماً في صحة كاملة، كما شهد بذلك كثيرون.
وهذه القصة ليست قديمة جداً فربما تعود إلى زهاء ستين سنة قبل الآن.
2. وهناك قضية أخرى حدثت للحاج آقا حسين القمي، الذي ذكرنا لكم ورعه ودقته واحتياطه آنفاً.
وكان من شدة احتياطه أنه إذا سئل عن الوقت يقول في الجواب: افرض أنها كذا (التاسعة مثلاً) خشية أن لا يكون قوله مطابقاً للواقع!
نُقل عن أحواله أيضاً أنه كان يعتقد أن أقوى دعامة له في حياته هو وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وعنايته وكان راسخ الاعتقاد أن هذه الدعامة هي التي تسنده وتنقذه وتنجيه.
وهذا هو الاعتقاد الحق، الذي يجب أن يكون ثابتاً عندنا كما كان عند الشيخ القمي، لا أن يكون موجوداً حيناً ومفقوداً في أحيان أخرى كما هو حال أغلب الناس مع الأسف.
(قال بعض العلماء ذهبت إلى مكان ما ورأيت بعض الأشياء فشككت في ديني، ولكني التقيت ثلاثة أشخاص فعاد إليّ إيماني، وأحدهم الحاج آقا حسين القمي).
أما قصة هذا العالم ورعاية الحجة (عجل الله فرجه) له فهي كالتالي:
كان (الحاج آقا حسين القمي) قد جاء إلى طهران في قضية البهلوي الأول وجهاده الكبير ضده، فحوصر فيها فلم يستطع الرجوع وانقطع به الطريق، ولم يكن لديه مال، فبعث له البهلوي بشيك أبيض يكتب هو فيه ما يعجبه، ولكنه (رحمه الله) رفض استلام الشيك من الرسول لأنها أموال الدولة وهو يحتاط فيها، رغم احتياجه الشديد والمبرم للمال وهو في تلك الحال. فقيل له: فكيف ستعيش؟ فقال: أنا أعتقد أن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) لا ينسى رعيته.
(انظروا إلى إيمانه، فهو لم يقل إن الإمام لا ينسى جنوده مع أنه كان مرجعاً للتقليد أي جندياً للإمام، ولكنه قال: إن الإمام لا ينسى رعيته)!
فضحك بعض ضعاف الإيمان الذين كانوا حوله عندما سمعوا منه هذه العبارة. ولكن تلك الإرادة التي تقف وراء كل شيء وتهيئ الأسباب الظاهرية، هيأت له الأسباب ولم تتخلّ عنه! فكان هناك رئيس شرطة في مدينة ري الإيرانية (شهرري) متأثراً به منشداً إليه لما رأى من أسلوبه في الحياة، فقام بمفاتحة بعض التجار في طهران ـ رغم ما كان في ذلك من خطر على حياته ـ ليكون وسيطاً لإيصال المال منهم إليه، ونجح في المهمة وحفظه الله من خطر محتم، لأن السلطة لو اكتشفت أمره لأعدمته، فلم تكن دولة قوانين وضوابط. ولكنه استطاع أن يدخل على السيد القمي بحجة من الحجج وكان يخفي المال في جورابه، وقال السيد القمي عندما قدم له الرجل المال: كنت أعلم أن الإمام لا ينسى رعاياه.
الخلاصة
إن الإمام لا ينسانا ولكن ينبغي أن لا ننساه نحن أيضاً، وكما قال الله تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾(11).
فكم مرة في اليوم نذكر الإمام المهدي؟ هل نذكره في قنوت صلواتنا؟ هل نقرأ كل يوم: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن... الدعاء؟ وهل نبدأ باسمه عندما نبدأ ببحوثنا العلمية ونقول يا حجة الله أدركني.
أنا رأيت بعض الطلبة أول ما يريد كتابة بحوثه العلمية يقول يا حجة بن الحسن أدركني، فيبدأ أول بحثه باسم الله ثم الإمام الحجة، فيكتب يا معين ثم يتجه إلى الإمام الحجة أيضاً. وهذه حالة مهمة جداً ينبغي أن ننميها في أنفسنا.
هناك كتاب لطيف في مجلدين أدعو الإخوة المؤمنين لمطالعته وهو «مكيال المكارم في فوائد الدعاء للإمام».
فحري بنا أن لا نغفل عن الإمام عليه السلام، وأن ندعو له.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشملنا بألطافه وعناياته وأن لا يحرمنا فيضه وفضله ورحمته. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
(1) تقريراً للمحاضرة التي ألقاها سماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي في السابع من جمادى الثانية عام 1424 هـ .
(2) الشعراء: 80.
(3) النحل: 69.
(4) الزمر: 43.
(5) الأحزاب: 11.
(6) البقرة: 80.
(7) بحار الأنوار، 98/ 153.
(8) الذاريات: 17.
(9) النمل: 62.
(10) السجدة: 16.
(11) البقرة: 153.
شبكة النبأ المعلوماتية - الثلاثاء 14/10/2003 - 16/ شعبان/1424
تعليق