موقف الصدّيقة فاطمـة ( عليها السلام ) تجاه الصحبة و الصحابة
روي عن المفـضّـل بن عمـر ، قـال : " قال مولاي جعفـر الصادق ( عليه السلام ) : لمّا وُلّي أبو بكر بن أبي قحافة . .
ثمّ سرد ( عليه السلام ) منعه فاطمة و عليّ و أهل بيته الخمس و الفيء و فدكاً ، و مجيء فاطمة لمحاجّة أبي بكر بقوله تعالى : ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ... ﴾ 1 و أنّها و وُلدها أقرب الخلائق إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و بقوله تعالى : ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ ... ﴾ 2 و قوله تعالى : ﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ... ﴾ 3 و أنّ ما لله فهو لرسوله ، و ما لرسـوله فهـو لذي القربـى ، و أنّها و علـيّ و وُلدهما ذوو القربى الّذين قـال الله تـعالـى فيهـم : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 4
فنظر أبو بكر بن أبي قحافة إلى عمر بن الخطّاب و قال : ما تقول ؟
فقال عمر : و مَن اليتامى و المساكين و أبناء السبيل ؟!
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : اليتامى الّذين يأتمّون بالله و برسوله و بذي القربى ، و المساكين الّذين أُسكنوا معهم في الدنيا و الآخرة ، و ابن السبيل الذي يسلك مسلكهم .
قال عمر : فإذاً الخمس و الفيء كلّه لكم و لمواليكم و أشياعكم ؟!
فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : أمّا فدك فأوجبها الله لي و لولدي دون موالينا و شيعتنا ، و أمّا الخمس فقسّمه الله لنا و لموالينا و أشياعنا كما يقرأ في كتاب الله .
قال عمر : فما لسائر المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان ؟!
قالت فاطمة : إنْ كانوا موالينا و من أشياعنا فلهم الصدقات التي قسّمها الله و أوجبها في كتابه فقال الله عزّ و جلّ : ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ ... ﴾ 5 إلى آخر القصّة .
قال عمر : فدك لكِ خاصّة و الفيء لكم و لأوليائكم ؟! ما أحسب أصحاب محمّـد يرضون بهذا !!
قالت فاطمة : فإنّ الله عزّ و جلّ رضي بذلك ، و رسوله رضي به ، و قسّم على الموالاة و المتابعة لا على المعاداة و المخالفة ، و من عادانا فقد عادى الله ، و من خالفنا فقد خالف الله ، و من خالف الله فقد استوجب من الله العذاب الأليم و العقاب الشديد في الدنيا و الآخرة .
فقال عمر : هاتي بيّنة يا بنت محمّـد على ما تدّعين ؟!
فقالت فاطمة ( عليه السلام ) : قد صدّقتم جابر بن عبـد الله و جرير بن عبـد الله ولم تسألوهما البيّنة ! و بيّنتي في كتاب الله .
فقال عمر : إنّ جابراً و جريراً ذكرا أمراً هيّناً ، و أنت تدّعين أمراً عظيماً يقع به الردّة من المهاجرين و الأنصار !
فقالت ( عليها السلام ) : إنّ المهاجرين برسول الله و أهل بيت رسول الله هاجروا إلى دينه ، و الأنصار بالإيمان بالله و رسوله و بذي القربى أحسنوا ، فلا هجرة إلاّ إلينا ، و لا نصرة إلاّ لنا ، و لا اتّباع بإحسان إلاّ بنا ، و من ارتدّ عنّا فإلى الجاهلية " 6 .
فها هي بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تمحّص عن الضابطة القرآنية في حسن الصحبة و سوئها ، و هي على الموالاة و المتابعة لرسول الله و أهل بيته لا المعاداة لهم و المخالفة ، و أنّ الهجرة تحقّقت بهم ، و النصرة بنصرة الله و رسـوله و ذي القربى ، فلا هجرة إلاّ إليهم لا إلى غيرهم ، و لا نصرة إلاّ لهم لا عليهم ، و لا اتّباع بإحسان إلاّ باتّباع سبيلهم و صراطهم . . ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 7 ، سبيل و صراط المطهّرين من المعصية و الذنوب ، و من الضلالة و الجهل و العمى . .
و دلّلت على ذلك بأن قرن تعالى بين رسوله و بين ذي القربى في مواطن ، كما في اختصاص الخمس و الفيء ـ الذي وصفه عمر بأنّه أمراً عظيماً ـ بالله و رسوله و ذي القربى ، لمكان اللام ، دون اليتامى و المساكين و ابن السبيل ، و التفرقة للدلالة على أنّ ملكية التصرّف هي شأنه تعالى و رسوله و ذي القربى ، و أنّ مودّة ذوي القربى المفترضة في الكتاب كأجر لكلّ الرسالة هو موالاتهم و مجانبة عدائهم و مخالفتهم ، فمدار حسن الصحبة على ذلك و سوئها على خلافه
و لقـد أنصف أحمد بن حنبل ; إذ يروي عنه الفقيه الحنبلي ابن قدامـة عند قوله : " و أمّـا حمل أبي بكر و عمر ( رض ) على سهم ذي القربـى في سبيل الله ، فقد ذُكر لأحمد فسكت و حرّك رأسه ولم يذهب إليه ، و رأى أنّ قول ابن عبّـاس و من وافقه أَوْلى ; لموافقته كتاب الله و سُـنّة رسول الله صلّى الله عليه [ و آله ] و سلّم ، فإنّ ابن عبّـاس لمّا سئل عن سهم ذي القربى فقال : إنّا كنّا نزعم أنّه لنا فأبى ذلك علينا قومنا ; و لعلّه أراد بقوله ( أبى ذلك علينا قومنا ) فِعل أبي بكر و عمر ( رض ) في حملهما عليه في سبيل الله و من تبعهما على ذلك ، و متى اختلف الصحابة و كان قول بعضهم يوافق الكتاب و السُـنّة كان أَوْلى ، و قول ابن عبّـاس موافق للكتاب و السُـنّة " 8 .
و روى البخاري بسنده عن عائشة ، في كتاب المغازي باب 38 باب غزوة خيبر : إنّ فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ممّا أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر . .
فقال أبو بكر : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : إنّا لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّـد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من هذا المال ، و إنّي والله لا أُغيّر من صدقة رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و لأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً ، فوجدت فاطمة فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، و عاشت بعد النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليٌّ ليلا ، ولم يؤذن بها أبو بكر ، و صلّى عليها 9 .
و رواه مسلم في صـحيحه بنفس ألفاظه ، و أحمد في مسـنده 10 .
و في هذه الرواية التي هي من طرقهم 11 ، و نظيراتها ممّا رووها ، فضلا عن طرقنا ، ما يدلّ على إنّها ( عليها السلام ) كانت ساخطة على أبي بكر و عمر ، منكرة لخلافتهم و إمامتهم إلى أن توفّيت ( عليها السلام ) ، مع إنّ من مات ولم يبايع أو لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية و كفر و ضلال ، ممّا يدلّ على نفي إمامتهم و خلافتهم ، لكونها مطهّرة في القرآن من كلّ رجس ، و هي سـيّدة نساء العالمين ، و أنّ الله يرضى لرضاها و يغضب لغضبها .
و الغـريب في دعـوى أبي بكر بكـون الخمـس و الفيء الخاصّ برسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و ذي القربى صدقة ، فإنّ الناظر على الصدقة الجارية أيضاً هو الوارث لا الأجنبي ، فإنّ ولاية النظارة على الصدقات الجارية أيضاً هي من نصيب الوارث ، فكيف يمنعها عن الوارث ؟!!
و في موضع آخر 12 قالت ( عليها السلام ) في معرض خطبتها المعروفة تجاه المهاجرين :
قالت ـ بعد الثناء على الله تعالى بأبلغ ثناء ، و ذِكر نعمة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) على هدايته للأُمّة ، و كثرة و شدّة بلاء ابن عمّ النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عليّ بن أبي طالب في إرساء الدين ـ : و أنتم في بُلَهْنِيَة من العيش ـ أي سعة ـ وادعون آمنون ، حتّى إذا اختار الله لنبيّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) دار أنبيائه ظهرت حسيكة النفاق ، و سمل جلباب الدين ، و نطق كاظم الغاوين ، و نبع خامل الآفلين ، و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخاً بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين ، و للغرّة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافاً ، و أحمشكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، و أوردتموها غير شربكم .
هذا ، و العهد قريب ، و الكلم رحيب ، و الجرح لمّا يندمل ، بداراً زعمتم خوف الفتنة . . ﴿ ... أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ 13 ، فهيهات منكم ! و أنّى بكم ؟! و أنّى تؤفكون ؟! و هذا كتاب الله بين أظهركم ، و زواجره بيّنة ، و شواهده لائحة ، و أوامره واضحة ، أرغبةً عنه تدبرون ؟! أم بغيره تحكمون ؟! ﴿ ... بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ 14 ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ 15 .
ثمّ لم تريثوا إلاّ ريث أن تسكن نغرتها ، تشربون حسواً ، و تسرون في ارتغاء ، و نصبر منكم على مثل حزّ المُدى ، و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا . . ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ 16 ؟!
ويهاً معشر المهاجرين ! أَأُبتـزّ إرث أبي ؟! أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي ؟! لقد جئتَ شيئاً فريّاً . . فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، و الزعيم محمّـد و الموعد القيامة ، و عند الساعة يخسر المبطلون و ﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ 17 .
ثمّ انحرفت إلى قبر النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و هي تقول :
قد كـان بعدك أنبـاء و هنبثة *** لو كنت شـاهدها لم تكـثر الخطـبُ
إنّا فقـدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختلّ قومُـك فاشهدهم فقد نكـبوا
تجهمتنارجـال و استـخفّ بنا *** بعد النبيّ و كلّ الخـيـر مغـتصـبُ
سيعـلم المتولى ظـلم حامتنـا *** يـوم القيـامـة أن سـوف ينـقلبُ
فقـد لقينا الذي لم يلقـه أحد *** مـن البـريـة لا عجـم ولا عـربُ
و قالت ( عليها السلام ) 18 تجاه الأنصار : معشر البقية ، و أعضاد الملّة ، و حصون الإسـلام ! مـا هذه الغميـزة في حقّي ، و السِـنة عن ظلامتي ؟! أما كان رسـول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : المرء يُحفظ في ولده ؟! سرعان ما أجدبتم فأكديتم ، و عجلان ذا إهانة ، تقولون : مات رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ! فخطب جليل استوسع وهيه ، و استنهر فتقه ، و بعد وقته ، و أظلمت الأرض لغيبته ، و اكتأبت خيرة الله لمصيبته ، و خشعت الجبال ، و أكدت الآمال ، و أُضيع الحريم ، و أُزيلت الحرمة عند مماته ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
و تلك نازلة علنَ بها كتاب الله في أفنيتكم ، في ممساكم و مصبحكم ، يهـتف بها فـي أسماعـكم ، و قبله حلّت بأنبياء الله عزّ و جلّ و رسله : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ 19 .
إيهاً بني قيلة ! أَأُهضم تراث أبي و أنتم بمرأىً منه و مسمع ؟! تلبسكم الدعوة ، و تشملكم الحيرة ، و فيكم العدد و العدّة ، و لكم الدار ، و عندكم الجنن ، و أنتم الأُلى نخبة الله التي انتخب لدينه ، و أنصار رسوله و أهل الإسـلام و الخيرة التي اختار لنا أهل البيت ، فباديتم العرب ، و ناهضتم الأُمم ، و كافحتم البهم ، لا نبرح نأمركم و تأتمرون ، حتّى دارت لكم بنا رحا الإسلام ، و درّ حلب الأنام ، و خضعت نعرة الشرك ، و باخت نيران الحرب ، و هدأت دعوة الهرج ، و استوسق نظام الدين ، فأنّى حرتم بعد البيان ، و نكصتم بعد الإقدام ، و أسررتم بعد الإعلان ، لقوم ﴿ ... نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ﴾ 20 ؟!
ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط و القبض ، و ركنتم إلى الدعة فعجتم عن الدين ، و مججتم الذي وعيتم ، و دسعتم الذي سوّغتم فـ ﴿ ... إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ 21 .
ألا و قد قلت الذي قلته على معرفة منّي بالخذلان الذي خامر صدوركم ، و استشعرته قلوبكم ، و لكن قلته فيضة النفس ، و نفثة الغيظ ، و بثّة الصدر ، و معذرة الحجّة ، فدونكموها فاحتقبوها ، مدبرة الظهر ، ناكبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة بشنار الأبد ، موصولة بـ ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾ 22 ، فبعين الله ما تفعلون . . ﴿ ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ 23 ، و أنا ابنة ﴿ ... نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ 24 فـ ﴿ ... اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ﴾ 25 ﴿ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ 26 .
ثمّ إنّها ( عليها السلام ) تشير في استنهاضها الأنصار إلى بيعتهم ، بيعة العقبة لرسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، حين عاهدوه على أن يمنعوه و ذرّيّته ممّا يمنعون منه أنفسهم و ذراريهم .
و كانت تقول عندما دار بها عليٌّ ( عليه السلام ) على أتان و الحسـنين ( عليهما السلام ) معها على بيوت المهاجرين و الأنصار : يا معشر المهاجرين و الأنصار ! انصروا الله فإنّي ابنة نبيّكم و قد بايعتم رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يوم بايعتموه أن تمنعوه و ذرّيّته ممّا تمنعون منه أنفسكم و ذراريكم ، فَفُوا لرسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ببيعتكم 27 .
و قالت ( عليها السلام ) عندما اجتمع عندها نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ! كيف أصبحت عن علّتك ؟
يتبـــــــــــــــــــــــع
روي عن المفـضّـل بن عمـر ، قـال : " قال مولاي جعفـر الصادق ( عليه السلام ) : لمّا وُلّي أبو بكر بن أبي قحافة . .
ثمّ سرد ( عليه السلام ) منعه فاطمة و عليّ و أهل بيته الخمس و الفيء و فدكاً ، و مجيء فاطمة لمحاجّة أبي بكر بقوله تعالى : ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ... ﴾ 1 و أنّها و وُلدها أقرب الخلائق إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و بقوله تعالى : ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ ... ﴾ 2 و قوله تعالى : ﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ... ﴾ 3 و أنّ ما لله فهو لرسوله ، و ما لرسـوله فهـو لذي القربـى ، و أنّها و علـيّ و وُلدهما ذوو القربى الّذين قـال الله تـعالـى فيهـم : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 4
فنظر أبو بكر بن أبي قحافة إلى عمر بن الخطّاب و قال : ما تقول ؟
فقال عمر : و مَن اليتامى و المساكين و أبناء السبيل ؟!
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : اليتامى الّذين يأتمّون بالله و برسوله و بذي القربى ، و المساكين الّذين أُسكنوا معهم في الدنيا و الآخرة ، و ابن السبيل الذي يسلك مسلكهم .
قال عمر : فإذاً الخمس و الفيء كلّه لكم و لمواليكم و أشياعكم ؟!
فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : أمّا فدك فأوجبها الله لي و لولدي دون موالينا و شيعتنا ، و أمّا الخمس فقسّمه الله لنا و لموالينا و أشياعنا كما يقرأ في كتاب الله .
قال عمر : فما لسائر المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان ؟!
قالت فاطمة : إنْ كانوا موالينا و من أشياعنا فلهم الصدقات التي قسّمها الله و أوجبها في كتابه فقال الله عزّ و جلّ : ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ ... ﴾ 5 إلى آخر القصّة .
قال عمر : فدك لكِ خاصّة و الفيء لكم و لأوليائكم ؟! ما أحسب أصحاب محمّـد يرضون بهذا !!
قالت فاطمة : فإنّ الله عزّ و جلّ رضي بذلك ، و رسوله رضي به ، و قسّم على الموالاة و المتابعة لا على المعاداة و المخالفة ، و من عادانا فقد عادى الله ، و من خالفنا فقد خالف الله ، و من خالف الله فقد استوجب من الله العذاب الأليم و العقاب الشديد في الدنيا و الآخرة .
فقال عمر : هاتي بيّنة يا بنت محمّـد على ما تدّعين ؟!
فقالت فاطمة ( عليه السلام ) : قد صدّقتم جابر بن عبـد الله و جرير بن عبـد الله ولم تسألوهما البيّنة ! و بيّنتي في كتاب الله .
فقال عمر : إنّ جابراً و جريراً ذكرا أمراً هيّناً ، و أنت تدّعين أمراً عظيماً يقع به الردّة من المهاجرين و الأنصار !
فقالت ( عليها السلام ) : إنّ المهاجرين برسول الله و أهل بيت رسول الله هاجروا إلى دينه ، و الأنصار بالإيمان بالله و رسوله و بذي القربى أحسنوا ، فلا هجرة إلاّ إلينا ، و لا نصرة إلاّ لنا ، و لا اتّباع بإحسان إلاّ بنا ، و من ارتدّ عنّا فإلى الجاهلية " 6 .
فها هي بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تمحّص عن الضابطة القرآنية في حسن الصحبة و سوئها ، و هي على الموالاة و المتابعة لرسول الله و أهل بيته لا المعاداة لهم و المخالفة ، و أنّ الهجرة تحقّقت بهم ، و النصرة بنصرة الله و رسـوله و ذي القربى ، فلا هجرة إلاّ إليهم لا إلى غيرهم ، و لا نصرة إلاّ لهم لا عليهم ، و لا اتّباع بإحسان إلاّ باتّباع سبيلهم و صراطهم . . ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 7 ، سبيل و صراط المطهّرين من المعصية و الذنوب ، و من الضلالة و الجهل و العمى . .
و دلّلت على ذلك بأن قرن تعالى بين رسوله و بين ذي القربى في مواطن ، كما في اختصاص الخمس و الفيء ـ الذي وصفه عمر بأنّه أمراً عظيماً ـ بالله و رسوله و ذي القربى ، لمكان اللام ، دون اليتامى و المساكين و ابن السبيل ، و التفرقة للدلالة على أنّ ملكية التصرّف هي شأنه تعالى و رسوله و ذي القربى ، و أنّ مودّة ذوي القربى المفترضة في الكتاب كأجر لكلّ الرسالة هو موالاتهم و مجانبة عدائهم و مخالفتهم ، فمدار حسن الصحبة على ذلك و سوئها على خلافه
و لقـد أنصف أحمد بن حنبل ; إذ يروي عنه الفقيه الحنبلي ابن قدامـة عند قوله : " و أمّـا حمل أبي بكر و عمر ( رض ) على سهم ذي القربـى في سبيل الله ، فقد ذُكر لأحمد فسكت و حرّك رأسه ولم يذهب إليه ، و رأى أنّ قول ابن عبّـاس و من وافقه أَوْلى ; لموافقته كتاب الله و سُـنّة رسول الله صلّى الله عليه [ و آله ] و سلّم ، فإنّ ابن عبّـاس لمّا سئل عن سهم ذي القربى فقال : إنّا كنّا نزعم أنّه لنا فأبى ذلك علينا قومنا ; و لعلّه أراد بقوله ( أبى ذلك علينا قومنا ) فِعل أبي بكر و عمر ( رض ) في حملهما عليه في سبيل الله و من تبعهما على ذلك ، و متى اختلف الصحابة و كان قول بعضهم يوافق الكتاب و السُـنّة كان أَوْلى ، و قول ابن عبّـاس موافق للكتاب و السُـنّة " 8 .
و روى البخاري بسنده عن عائشة ، في كتاب المغازي باب 38 باب غزوة خيبر : إنّ فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ممّا أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر . .
فقال أبو بكر : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : إنّا لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّـد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من هذا المال ، و إنّي والله لا أُغيّر من صدقة رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و لأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً ، فوجدت فاطمة فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، و عاشت بعد النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليٌّ ليلا ، ولم يؤذن بها أبو بكر ، و صلّى عليها 9 .
و رواه مسلم في صـحيحه بنفس ألفاظه ، و أحمد في مسـنده 10 .
و في هذه الرواية التي هي من طرقهم 11 ، و نظيراتها ممّا رووها ، فضلا عن طرقنا ، ما يدلّ على إنّها ( عليها السلام ) كانت ساخطة على أبي بكر و عمر ، منكرة لخلافتهم و إمامتهم إلى أن توفّيت ( عليها السلام ) ، مع إنّ من مات ولم يبايع أو لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية و كفر و ضلال ، ممّا يدلّ على نفي إمامتهم و خلافتهم ، لكونها مطهّرة في القرآن من كلّ رجس ، و هي سـيّدة نساء العالمين ، و أنّ الله يرضى لرضاها و يغضب لغضبها .
و الغـريب في دعـوى أبي بكر بكـون الخمـس و الفيء الخاصّ برسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و ذي القربى صدقة ، فإنّ الناظر على الصدقة الجارية أيضاً هو الوارث لا الأجنبي ، فإنّ ولاية النظارة على الصدقات الجارية أيضاً هي من نصيب الوارث ، فكيف يمنعها عن الوارث ؟!!
و في موضع آخر 12 قالت ( عليها السلام ) في معرض خطبتها المعروفة تجاه المهاجرين :
قالت ـ بعد الثناء على الله تعالى بأبلغ ثناء ، و ذِكر نعمة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) على هدايته للأُمّة ، و كثرة و شدّة بلاء ابن عمّ النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عليّ بن أبي طالب في إرساء الدين ـ : و أنتم في بُلَهْنِيَة من العيش ـ أي سعة ـ وادعون آمنون ، حتّى إذا اختار الله لنبيّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) دار أنبيائه ظهرت حسيكة النفاق ، و سمل جلباب الدين ، و نطق كاظم الغاوين ، و نبع خامل الآفلين ، و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخاً بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين ، و للغرّة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافاً ، و أحمشكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، و أوردتموها غير شربكم .
هذا ، و العهد قريب ، و الكلم رحيب ، و الجرح لمّا يندمل ، بداراً زعمتم خوف الفتنة . . ﴿ ... أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ 13 ، فهيهات منكم ! و أنّى بكم ؟! و أنّى تؤفكون ؟! و هذا كتاب الله بين أظهركم ، و زواجره بيّنة ، و شواهده لائحة ، و أوامره واضحة ، أرغبةً عنه تدبرون ؟! أم بغيره تحكمون ؟! ﴿ ... بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ 14 ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ 15 .
ثمّ لم تريثوا إلاّ ريث أن تسكن نغرتها ، تشربون حسواً ، و تسرون في ارتغاء ، و نصبر منكم على مثل حزّ المُدى ، و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا . . ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ 16 ؟!
ويهاً معشر المهاجرين ! أَأُبتـزّ إرث أبي ؟! أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي ؟! لقد جئتَ شيئاً فريّاً . . فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، و الزعيم محمّـد و الموعد القيامة ، و عند الساعة يخسر المبطلون و ﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ 17 .
ثمّ انحرفت إلى قبر النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و هي تقول :
قد كـان بعدك أنبـاء و هنبثة *** لو كنت شـاهدها لم تكـثر الخطـبُ
إنّا فقـدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختلّ قومُـك فاشهدهم فقد نكـبوا
تجهمتنارجـال و استـخفّ بنا *** بعد النبيّ و كلّ الخـيـر مغـتصـبُ
سيعـلم المتولى ظـلم حامتنـا *** يـوم القيـامـة أن سـوف ينـقلبُ
فقـد لقينا الذي لم يلقـه أحد *** مـن البـريـة لا عجـم ولا عـربُ
و قالت ( عليها السلام ) 18 تجاه الأنصار : معشر البقية ، و أعضاد الملّة ، و حصون الإسـلام ! مـا هذه الغميـزة في حقّي ، و السِـنة عن ظلامتي ؟! أما كان رسـول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : المرء يُحفظ في ولده ؟! سرعان ما أجدبتم فأكديتم ، و عجلان ذا إهانة ، تقولون : مات رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ! فخطب جليل استوسع وهيه ، و استنهر فتقه ، و بعد وقته ، و أظلمت الأرض لغيبته ، و اكتأبت خيرة الله لمصيبته ، و خشعت الجبال ، و أكدت الآمال ، و أُضيع الحريم ، و أُزيلت الحرمة عند مماته ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
و تلك نازلة علنَ بها كتاب الله في أفنيتكم ، في ممساكم و مصبحكم ، يهـتف بها فـي أسماعـكم ، و قبله حلّت بأنبياء الله عزّ و جلّ و رسله : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ 19 .
إيهاً بني قيلة ! أَأُهضم تراث أبي و أنتم بمرأىً منه و مسمع ؟! تلبسكم الدعوة ، و تشملكم الحيرة ، و فيكم العدد و العدّة ، و لكم الدار ، و عندكم الجنن ، و أنتم الأُلى نخبة الله التي انتخب لدينه ، و أنصار رسوله و أهل الإسـلام و الخيرة التي اختار لنا أهل البيت ، فباديتم العرب ، و ناهضتم الأُمم ، و كافحتم البهم ، لا نبرح نأمركم و تأتمرون ، حتّى دارت لكم بنا رحا الإسلام ، و درّ حلب الأنام ، و خضعت نعرة الشرك ، و باخت نيران الحرب ، و هدأت دعوة الهرج ، و استوسق نظام الدين ، فأنّى حرتم بعد البيان ، و نكصتم بعد الإقدام ، و أسررتم بعد الإعلان ، لقوم ﴿ ... نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ﴾ 20 ؟!
ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط و القبض ، و ركنتم إلى الدعة فعجتم عن الدين ، و مججتم الذي وعيتم ، و دسعتم الذي سوّغتم فـ ﴿ ... إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ 21 .
ألا و قد قلت الذي قلته على معرفة منّي بالخذلان الذي خامر صدوركم ، و استشعرته قلوبكم ، و لكن قلته فيضة النفس ، و نفثة الغيظ ، و بثّة الصدر ، و معذرة الحجّة ، فدونكموها فاحتقبوها ، مدبرة الظهر ، ناكبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة بشنار الأبد ، موصولة بـ ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾ 22 ، فبعين الله ما تفعلون . . ﴿ ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ 23 ، و أنا ابنة ﴿ ... نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ 24 فـ ﴿ ... اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ﴾ 25 ﴿ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ 26 .
ثمّ إنّها ( عليها السلام ) تشير في استنهاضها الأنصار إلى بيعتهم ، بيعة العقبة لرسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، حين عاهدوه على أن يمنعوه و ذرّيّته ممّا يمنعون منه أنفسهم و ذراريهم .
و كانت تقول عندما دار بها عليٌّ ( عليه السلام ) على أتان و الحسـنين ( عليهما السلام ) معها على بيوت المهاجرين و الأنصار : يا معشر المهاجرين و الأنصار ! انصروا الله فإنّي ابنة نبيّكم و قد بايعتم رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يوم بايعتموه أن تمنعوه و ذرّيّته ممّا تمنعون منه أنفسكم و ذراريكم ، فَفُوا لرسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ببيعتكم 27 .
و قالت ( عليها السلام ) عندما اجتمع عندها نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ! كيف أصبحت عن علّتك ؟
يتبـــــــــــــــــــــــع
تعليق