إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الندم على الذنب و النفس اللوامة الحلقة الثالثة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الندم على الذنب و النفس اللوامة الحلقة الثالثة

    في الصورة الأولى نجد عوارض وأخطاراً تنتاب الفرد و تعم غيره من جراء الاستمرار في إجرامه نستعرض على سبيل المثال بعضاً منها :
    1 ـ خطر اليأس :
    إن المجرم الذي يستلذ طعم الإجرام ، و يرى أن القيام به متأصل في نفسه و غير قابل للزوال ، و لا يملك أي أمل في تطهير نفسه ومغفرة الله له يستمر في ارتكاب الجرائم بجسارة و جرأة كبيرتين لا يتورع من القيام بأي عمل مخالف ، و بديهي أن إنساناً كهذا يصبح فرداً خطراً في المجتمع بدلاً من أن يكون عضواً نافعاً فيه ، ذلك لفقدانه الأمل في المغفرة ، و اليأس من العودة إلى الصواب ، و لجرأته في الذنوب . . . و هكذا يكون خطراً شديداً على مجتمعه .
    2 ـ إتهام الأبرياء :
    إن المجرم يحاول ـ لتبرئة نفسه ، و بسبب الآلام الوجدانية التي يلاقيها ـ أن يتهم الأبرياء ، و ينسب جرائمه إليهم . . . و هذا العمل بنفسه يعدّ جريمة أكبر من ارتكاب الجريمة ذاتها ، إذ من الممكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى نشوء الاختلالات الاجتماعية ، و المفاسد التي لا تدرأ ، أو أن يعرّض أرواح الناس , أموالهم إلى أخطار شديدة .
    « إن الجرائم تضمن أخطاراً كبيرة لمجتمع ، و الإحساس بالإجرام يمكن أن يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض النفسية التي منشؤها حب البراءة والتي تنتهي إلى تحطيم الكيان الاجتماعي ، و إذا دققنا في الموضوع وجدنا أن هذه الأعراض الناشة من حب البراءة ، تقود الإنسان إلى اتهام الآخرين، و أن الأبرياء الذين يرمون بالتهم الكاذبة يقفون بدورهم موقفاً دفاعياً ضد تلك الاتهامات و هكذا تولد موجة من التهم والمواقف الدفاعية التي لاحظنا بعض النماذج الحية منها . . . و أخيراً تنتهي هذه الحالات بهدم العنصر الأخلاقي و القيم المثلى في المجتمع الذي تحدث فيه » 32 .

    3 ـ غفران الذنوب :
    عندما تكون نوعية الذنب مهمة جداً، و لا يملك المذنب أملاً في المغفرة و العفو الإلهي فإن الضغط الشديد الذي يلاقيه من الوجدان الأخلاقي يؤدي به إلى الجنون و يبعث به إلى ارتكاب الجرائم الخطيرة ، و يفقد مجتمع بأسره راحته و هدوءه من جراء جرائمه التي لا تعد و لا تحصر . أما في الصورة الثانية عندما يندم المذنب على ما ارتكبه بفضل إرشادات الأنبياء ، و يطمئن إلى المغفرة و العفو ، و يظهر ندمه و توبته بلسان لاعتذار إلى المقام الالهي ... حينذاك تحل عقدته الباطنية ، و يهدأ وجدانه ، و يتخلص من اللوم الباطني و يستمر في حياته بروح مطمئنة هادئة و بهذه الصورة يمكن الوقوف أمام سقوط عضو من أعضاء المجتمع .
    « عندما تمد الأيدي إلى أحضان الوجدان ، و عندما يقر المجرم بذنبه ، و يستعد لإصلاح نفسه ... فان الأمل في الرحمة و المغفرة يطفئ الإحساس بالجريمة ، و يولد فيه الهدوء و السكينة حيث يستطيع بهما أن يخرج رأسه بفخار من كابوس الإجرام الفضيع ، و ينسى بذلك ماضيه » 33 .
    * * *
    على أن التوبة الحقيقية و المغفرة للذنوب و الفرار من الضغط الوجداني تستلزم بعض القواعد و الأسس المعنوية و النفسية ، و بدونها لا يمكن الحصول على الاطمئنان النفسي ، و الفرار من دنس الجريمة و هي :
    1 ـ الإقرار بالذنب :
    على المذنب أن يقر و يعترف بذنبه تجاه المقام الإلهي بصراحة ، و يطلب منه العفو والمغفرة . إن الإقرار بالذنب يستطيع أن يزيل درن الذنب ، و يجلب رحمة الله الواسعة ، و يقنع الوجدان الأخلاقي الناظر بعين الواقع ، و يحل العقدة الباطنية ، و يخلص الإنسان من الضغط المتواصل للنفس اللوامة .
    أما الذين يرتكبون الذنوب ، و لا يعترفون بإجرامهم بسبب الأنانية و الكبرياء لا يتوفقون للتوبة الحقيقية ، ويكونون مشمولين للعذاب الإلهي و مصابين بمضايقة الوجدان ، و اللوم و التقريع المستمرين منه .
    « عن أبي جعفر عليه السلام : والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به » 34 و قد ورد عنه ـ أي الامام الباقر ( ع ) ـ أيضاً : « ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين : أن يقروا له بالنعم فيزيدهم ، و بالذنوب فيغفرها لهم » 35 .
    يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام : « حسن الاعتراف يهدم الاقتراف » 36 .
    * * *
    2 ـ رجاء المغفرة :
    يجب على المذنب أن يكون مطمئناً إلى رحمة الله الواسعة وراجياً لعفوه ومغفرته ، لأنه لو لم تكن فيه هذه الحالة النفسية والاعتقاد الواقعي لا يستطيع أن يزيل و صمة الاجرام بالتوبة و الاعتذار ، و لا يتسنى له التخلص من تأنيب الضمير.
    لقد وضع الاسلام الناس في مركز وسط بين الخوف و الرجاء فحث المستقيمين في سلوكهم على عدم الاعتداد و العجب بالنفس ، و ان لا يروا أنفسهم بأمن من عذاب الله لحظة واحدة ، وأوصى المذنبين أيضاً بأن لا ييأسوا ، بل يعمروا قلوبهم بالرحمة من الله دائماً.
    يقول الامام الصادق ( عليه السلام ) بهذا الصدد : « إن من الكبائر عقوق الوالدين ، و اليأس من روح الله ، و الأمن لمكر الله » 37 .
    إن ميدان الخوف والرجاء في الروايات الاسلامية واسع جداً ، فمهما كان المذنبون غارقين في المعاصي يجب عليهم أن لا ييأسوا من رحمة الله . يقول الامام أمير المؤمنين لولده ( عليه السلام ) مذكراً إياه برحمة الله التي لا تتناهى ومغفرته التي لا تقف عند حد ... « وارج الله رجاءً أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك » 38 .
    فليس للمسلم المذنب أن ييأس من فيض رحمة الله ، مهما عظمت ذنوبه ... ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ 39 .
    * * *
    الندم و طلب المغفرة :
    إن على المذنب بعد الاقرار بالذنب ، و رجاء المغفرة ، أن يطلب العفو و الغفران في كمال الصدق مظهراً ندمه الواقعي على أفعاله السيئة ، و طبيعي أن يغفر الله الذنب مهما كان عظيماً في ظروف مثل تلك ، و هذا هو معنى التوبة الحقيقية . فإذا أظهر شخص الاستغفار بلسانه ولم يكن نادماً في قلبه على اعماله البذئية ، فانه لم يتب توبة حقيقية ولا تطهر نفسه.
    يقول الامام الرضا ( عليه السلام ) بهذا الصدد : « من استغفر الله بلسانه ولم يندم بقلبه ، فقد استهزأ بنفسه » 40 .
    إن المذنبين الذين يتوفقون للتوبة الحقيقية و يخلصون أنفسهم بذلك ـ و في ظل العنايات الالهية ـ من دنس الذنوب ، يحوزون على ضمائر هادئة و أرواح مطمئنة ، فلا يحسون بالحقارة والضعة في نفوسهم بعد ذلك و لا يسمعون تأنيباً من الضمير ، و يبلغ بهم التنزه عن الذنوب إلى درجة أنهم يصبحون كأن لم يقترفوا ذنباً أصلاً ، يقول الامام الصادق ( عليه السلام ) « التائب من الذنب كمن لا ذنب له » 41 .
    ***
    الايمان و تدارك الخطأ :
    لا بد من التنبيه إلى هذه النقطة ، و هي أن الشرط الأول للتوبة الحقيقية و غفران الذنب هو الايمان بالله . إن الذي لا يملك رصيداً قوياً من الايمان أو أنه مادي و منكر لله أساساً ، لا يوفق لتطهير نفسه عن طريق التوبة و غفران الذنوب ، فهو يلاقي الجزاء الصارم من تأنيب الضمير وكابوس الوجدان حتى آخر عمره ، إن السبب في الاختلالات الروحية أو الجنون الذي يحصل للبعض من جراء تعذيب الضمير إنما هو فقدان عنصر الايمان عندهم ، و عدم إحساسهم بوجود ملجأ معنوي . و لذلك فهم لا يستطيعون حل العقدة النفسية المتفاقمة في نفوسهم عن طريق التوبة و الاستغفار . و لقد شاهدنا كثيراً من هؤلاء في عصرنا الحاضر ، كما أنهم كانوا موجودين في العصور السابقة أيضاً .
    كيف يستطيع عمر بن سعد ( و هو الذي يظهر تزلزل العقيدة في كلماته ، و يبدو وتردده في الأصول الاسلامية المسلم بها ) أن يطهر نفسه عن طريق التوبة الحقيقية ؟!.
    و على العكس من ذلك ، فإن الذين تتألق في نفوسهم جذوة من الايمان والاعتقاد بالله ، إذا ارتكبوا ذنوباً كبيرة فإن أدنى التفاتة نحو الله و الاستغفار منه كاف في تخليصهم من ورطة المعصية ، و إذا كان يأسهم من رحمة الله على أثر الغفلة أو الجهل فبمجرد أن يطلعهم على ذلك مرشد ديني عظيم نجدهم يرفعون أكف التضرع نحو الله تائبين نادمين ، و الله يتقبل توبتهم و يغفر لهم ذنوبهم .
    إن في القصة الآتية أجلى شاهد على ذلك :
    « كان علي بن الحسين عليه السلام في الطواف ، فنظر في ناحية المسجد إلى جماعة ، فقال : ما هذه الجماعة ؟ قالوا : هذا محمد بن شهاب الزهري ، اختلط عقله فليس يتكلم فأخرجه أهله لعله إذا رأى الناس أن يتكلم فلما قضى عليه السلام طوافه خرج حتى دنا منه ، فلما رآه محمد بن شهاب عرفه ، فقال له علي بن الحسين عليه السلام : ما لك ؟ قال : وليت ولاية فأصبت دماً فدخلني ما ترى . فقال له علي بن الحسين : لأنا عليك من يأسك من رحمة الله أشد خوفاً مني عليك مما أتيت . ثم قال له : أعطهم الدية . فقال : فعلت فأبوا . قال : إجعلها صرراً ، ثم انظر مواقيت الصلاة فألقها في دارهم » 42 .
    فنجد أن الامام عليه السلام يحل مشكلة اليأس عند ذلك الوالي الذي قتل شخصاً بغير حق فأصيب بالجنون . بعلاج نفسي بسيط ... و لذا نجد أن الغربيين يهتمون بهذه العلاجات . و في ذلك يقول الأستاذ ( هنري باروك ) فيما مضى من حديث :
    « إن تعذيب الضمير مؤلم جداً ، فقد يظهر بمظهر الندم الذي لا يمكن تهدئته إلا بتدارك الخطأ أو الدية . و لهذا فإن لغفران الذنوب دوراً كبيراً و أهمية عظمية في الأديان السماوية » 43 .

    1. a. b. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآية : 43 ، الصفحة : 363 .
    2. القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 242 .
    3. القران الكريم : سورة القيامة ( 75 ) ، الآية : 1 و 2 ، الصفحة : 577 .
    4. أنديشه هاى فرويد : 51 .
    5. اداب النفس للعينائي : 2 / 111 ، نقلاً عن إرشاد المفيد : 142 .
    6. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 70 .
    7. نهج البلاغة : 105 .
    8. الكافي لثقة الإسلام الكليني : 2 / 335 .
    9. الكافي : 2 / 336 .
    10. سفينة البحار للقمي : 728 مادة هوى .
    11. المصدر السابق : 728 .
    12. غرر الحكم و درر الكلم للآمدي : 287 ، طبعة إيران .
    13. المصدر نفسه : 227 ، طبعة النجف الأشرف .
    14. المصدر نفسه : 234 ، طبعة النجف .
    15. راه ورسم زندكى تأليف ألكسيس كارل : 39 .
    16. الكافي للكليني : 2 / 454 .
    17. المحجة البيضاء في إحياء الأحياء للفيض الكاشاني : 3 / 371 .
    18. المحجة البيضاء : 3 / 371 .
    19. تحف العقول : 74 .
    20. وسائل الشيعة للحر العاملي : 3 / 202 .
    21. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 83 ، الصفحة : 12 .
    22. أمالي الصدوق : 153 .
    23. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 92 .
    24. جريدة إطلاعات الايرانية العدد 10377 .
    25. جريدة اطلاعات الايرانية العدد 10382.
    26. جريدة اطلاعات الايرانية العدد 10392 .
    27. ثمرات الأوراق لابن الحموي : 2 / 106 . هامش المستطرف المطبعة الميمنية القاهرة 1314 هـ .
    28. الكافي : 2 / 451 .
    29. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 63 .
    30. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 66 .
    31. جه ميدانيم ؟ بيماريهاى روحى وعصب : 66 .
    32. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 66.
    33. بيمهاريهاي روحي و عصبي : 67 .
    34. الكافي 2 / 426 .
    35. الكافي : 2 / 426 .
    36. الارشاد للمفيد : 142.
    37. الكافي للكليني : 2 / 277 .
    38. مجموعة ورام : 1 / 50 .
    39. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 464 .
    40. مجموعة ورام : 2 / 110 .
    41. سفينة البحار للقمي / مادة غفر : 322 .
    42. مجموعة ورام : 2 / 4 .
    43. كتاب الطفل بين الوراثة و التربية للشيخ محمد تقي الفلسفي : المحاضرة الثالثة عشر .
    حسين منجل العكيلي

  • #2
    وفقك الباري أستاذنا
    sigpic
    إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
    ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
    ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
    لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة من نسل عبيدك احسبني ياحسين مشاهدة المشاركة
      وفقك الباري أستاذنا
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      اشكر مرورك المبارك


      حسين منجل العكيلي

      تعليق


      • #4

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أنصار المذبوح مشاهدة المشاركة
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
          اشكرك بارك الله فيك
          وجزيت خيرا
          حسين منجل العكيلي

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X