حَذَفَ عمر (حَيَّ على خير العمل) و أثبتها الشيعة
كانت فقرة (حَيَّ على خير العمل) فصلاً من الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وآله ، وعهد أبي بكر ، وقسمٍ من عهد عمر ، ثم حذفها عمر بحجة أن الناس قد يتصورون أن الصلاة خيرٌ من الجهاد ويتركون فتح البلاد ! واعترض عليه أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة والتابعين ، وكان ابنه عبد الله بن عمر يؤذن بها !
وقد ألف عدد من العلماء رسائل في إثبات كونها جزءً من الأذان الذي أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وعلمه إياه جبرئيل عليه السلام ، تزيد عن خمسين رسالة.
قال في الإيضاح / 201 : (ورويتم عن أبي يوسف القاضي ، رواه محمد بن الحسن وأصحابه ، عن أبي حنيفة قالوا : كان الأذان على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر ينادى فيه : حيَّ على خير العمل. فقال عمر بن الخطاب : إني أخاف أن يتكل الناس على الصلاة إذا قيل : حي على خير العمل ويدعوا الجهاد ! فأمر أن يطرح من الأذان حيَّ على خير العمل).
وفي دعائم الإسلام : 1 / 142 : (وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه قال : كان الأذان بحي على خير العمل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وبه أمروا في أيام أبى بكر وصدر من أيام عمر ، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إذا سمع الناس أن الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه ! وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه ، والعامة تروى مثل هذا ، وهم بأجمعهم إلى اليوم مصرون على اتِّباع عمر في هذا وترك اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله ! واحتجوا بقول عمر هذا ، وظاهر هذا القول يغني عن الإحتجاج على قائله ، وإنما أمر الله عز وجل بالأخذ عن رسوله صلى الله عليه وآله فقال : ﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ... ﴾ 1 ، وقال : ﴿ ... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 . وقال : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إتبعوا ولا تبتدعوا ، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار !
أفكان عمر عند هؤلاء الرعاع أعلم بمصالح الدين والمسلمين أم الله ورسوله ؟ وقد أنزل الله عز وجل في كتابه من الرغائب والحضَّ على الصلاة وعلى الجهاد ، وعلى كثير من أعمال البر ، ما أنزله ، وافترض فرائضه ! فهل لأحد أن يُسقط من كتاب الله عز وجل شيئاً مما حض به على فريضة من فرائضه ؟ أو هل وسع لأحد في ترك فريضة لأنه حض ورغب في غيرها أكثر مما حض ورغب فيها ؟! هذا ما لا يقوله عالم ولا جاهل ، ولا بلغنا عن أحد من الناس أنه توهمه... وفساد هذا القول أبين من أن يحتاج إلى الشواهد والدلائل... نسأل الله العصمة من الزيغ عن دينه والثبات على طاعته وطاعة أوليائه). انتهى.
وقال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد / 199 : (وفي رواية أخرى أنه قال : أيها الناس : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة الحج ، ومتعة النساء ، وحي على خير العمل) ! وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة وتبعهم في ذلك أولياؤهم جميعاً ، ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وإخبارهم في ذلك متواترة ) 4 .
(أورد القوشجي قول عمر : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أحرمهنَّ وأعاقبُ عليهنّ : متعة النساء ومتعة الحج وحيَّ على خير العمل ! ثم قال : إن ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه ، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الإجتهادية ليس ببدع !
وهو كلام عجيب حقاً فهل تحريم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ، كان رأياً واجتهاداً منه صلى الله عليه وآله حتى يعارضه القوشجي باجتهاد آخرين ؟!
وهل يصح اجتهاد عمر في مقابل النص القرآني والتشريع النبوي ؟!
وإذا كان عمر قد اجتهد في هذا الأمر ولنفرض أن الرسول صلى الله عليه وآله قد اجتهد فيه أيضاً نعوذ بالله من خطل القول ، فأيهما أحق أن يتبع ؟ وأيهما قال الله في حقه : ما آتاكم الرسول فخذوه ؟ وماذا على من ترك اجتهاد عمر لعمر وأخذ بالنص القرآني والتشريع الإلهي الوارد على لسان النبي الأمي ؟!
وماذا يصنع القوشجي بقول الرازي : إن ذلك يوجب تكفير الصحابة ، لأن من علم أن النبي (ص)حكمَ بإباحة المتعة ثم قال : إنها محرمةٌ محظورةٌ من غير نسخ لها ، فهو كافر بالله ؟! ومن الواضح أن القوشجي وصاحب المنار والرازي وغيرهم لم يستطيعوا أن يدركوا وجه العذر لعمر في إقدامه على تحريم المتعة وغيرها فتشبثوا بالطحلب ، بل صدر منهم ما فيه أيضاً نيل من كرامة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وتصغير لشأنه من حيث يعلمون أو من حيث لايعلمون) ! 5 .
أقول : ومن يوم حرَّم عمر ما فرضه النبي صلى الله عليه وآله تحركت شرطة الخلافة لقمع كل مسلم يطيع النبي صلى الله عليه وآله ولايطيع عمر! وما زالت شرطتهم وتهويلهم تطارد الشيعة باسم الدين الى يومنا هذا ! وكان مطلب الشيعة منهم أن يتركوهم يؤذنون في مساجدهم ومناطقهم كما يعتقدون ، ولم تفرض أي حكومة شيعية على أحد الأذان بحيَّ على خير العمل ! فالفرض والإجبار كان وما زال من عمل شرطة عمر والقبائل القرشية !
***
شريط تاريخي لجهاد الشيعة من أجل سنة النبي صلى الله عليه وآله
كافح الشيعة عصوراً طويلة من أجل هذا الفصل من الأذان ، حتى صار الأذان بحيَّ على خير العمل علامةً للإمامية والزيدية والإسماعيلية ، وشعاراً يرفعه الثوار على الحكومات ! وهذا شريط تاريخي يوضح إصرار الشيعة على سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وإصرار أتباع الخلافة على فرض سنة عمر بدلها !
***
في سير الذهبي : 15 / 164 : (قلت : ظهر هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والشام والحجاز والغرب بالدولة العبيدية ، وبالعراق والجزيرة والعجم بيني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ، ثم ضعف بدنه وأصابه فالج وخرس فعزلوه وأقاموا ابنه الطائع له ، وله السكة والخطبة وقليل من الأمور ، فكانت مملكة هذا المعز أعظم وأمكن... وأعلن الأذان بالشام ومصر بحي على خير العمل . فلله الأمر كله ).
***
وفي تاريخ أبي الفداء / 507 : (وفي هذه السنة (444)كانت الفتنة ببغداد بين السنية والشيعة ، وأعادت الشيعة الأذان بحي على خير العمل ، وكتبوا في مساجدهم محمد وعلي خير البشر) .
***
وفي النهاية : 12 / 96 : (وأعادت الروافض الأذان بحي على خير العمل ، وأذن به في سائر نواحي بغداد (في مساجدهم) في الجمعات والجماعات ، وخطب ببغداد للخليفة المستنصر العبيدي على منابرها وغيرها ، وضربت له السكة على الذهب والفضة وحوصرت دار الخلافة).
***
وفي النجوم الزاهرة : 5 / 281 : (وهي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة فيها أزال السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب دمشق من حلب الأذان بحي على خير العمل وسب الصحابة بها ، وقال : من عاد إليه قتلته ، فلم يعد أحد).
أقول : لم يكن الشيعة يسبُّون الصحابة ، نعم كانوا وما زالوا يلعنون ظالمي أهل البيت عليهم السلام ، وهو مبدأ متفق عليه ، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله ظالمي أهل بيته الطاهرين بأحاديث صحيحة عند الجميع ، بل لعنهم الله تعالى في صريح قرآنه بقوله : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ 6 ، وقد استدل أحمد بن حنبل بهذه الآية على لعن يزيد ، وروى كبار محدثيهم تفسيرها ببني أمية ، لكن بمجرد أن يقول الشيعي لعن الله ظالمي آل محمد ، يقولون له إنك تقصد أبا بكر وعمر ! إنك تلعن وتسب وتشتم الصحابة ، ويصورون الشيعة كأن شغلهم الشاغل في ليلهم ونهارهم شتم الصحابة ! وغرضهم من هذا التهريج أن يمنعوهم من لعن ظالمي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ومضطهديهم وقاتليهم !
***
وصف أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / 297 ، حركةً للعلويين في المدينة المنورة فقال : (فاجتمعوا ستة وعشرين رجلاً من ولد علي عليه السلام ، وعشرةٌ من الحاج ، ونفرٌ من الموالي ، فلما أذَّن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : أحد ، أحد ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذِّنْ بحيَّ على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها ، وسمعه العمري(حاكم المدينة من قبل المنصور العباسي) فأحس بالشر ، ودهش وصاح : أغلقوا البغلة (يقصد الباب) وأطعموني حبتي ماء ! قال علي بن إبراهيم في حديثه : فوُلده إلى الآن بالمدينة يُعرفون ببني حبتي ماء) !
***
وقال ابن الجوزي في المنتظم : 5 / 28 : (وفي أول يوم من شوال حضر الموكب النقباء والأشراف والقضاة والشهود ، فنهض بعض المتفقهة وأورد إخباراً في مدح الصحابة وقال : ما بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ ؟ والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة ؟! فطولع بما قال فخرج التوقيع بما معناه : أنهيَ ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال ذكر صاحبي رسول الله (ص) وتورطهم في هذه الجهالة ، واستمرارهم على هذه الضلالة ، التي استوجبوا بها النكال واستحقوا عظيم الخزي والوبال ، وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ، ولولا ما تدرَّع به من جلباب الحكم وأسباب يتوخاها ، لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال ، فليؤجر بإظهار شغل السنة في مقابر باب التبن ورَبْع الكًرْخ من ذكر الصحابة على الجنائز ، وحثهم على الجمعة والجماعة ، والتثويب بالصلاة خير من النوم ، وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة بمساجد السنة ، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد(الشيعي حاكم الحلة والمشهدين النجف وكربلاء)ليجري على هذه السيرة في بلاده ، ﴿ ... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 .
أقول : أنظر الى أسلوب الخلافة العدواني وأن حيثية هذا المرسوم الخلافي هو : إخمال ذكر الصحابة ، ومعناه أن الشيعة في مساجدهم ومناطقهم يذكرون أهل البيت عليهم السلام ، ولا شغل لهم بغيرهم ، فاعتبر ذلك إخمالاً لذكر أبي بكر وعمر وعثمان الذين يجب إحياء ذكرهم ! فحيثية المرسوم أن ذكر أبي بكر وعمر واجب (والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة) ؟! أي قادرة على إجبار الشيعة على مذهب الحكومة ! ومعناه أنه كلما أمكن الإجبار بالقوة وجب ! وهذه سياسة أتباع أبي بكر وعمر وبني أمية ، الى يومنا هذا !
ولا تعجب من ذلك فقد كانت سياسة الخلافة عدوانية ضد الشيعة وكانت تحرك لها الغوغاء ومؤرخوها يغطون جرائمها ويبكون من ظلم الشيعة لهم !
قال ابن الجوزي في المنتظم : 6 / 217 : (ثم دخلت سنة إحدى وستين وخمسمائة.. وظهر في هذه الأيام من الروافض أمر عظيم من ذكر الصحابة وسبهم ، وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحول العين ضربوه) ! 7 .
أقول : يقصد هذان الناصبيان أن الشيعة في مجالس عزائهم على الإمام الحسين عليه السلام يلعنون ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وقاتليهم ! ولم يبينا لماذا كان بعض الشيعة يضربون مكحول العين إذا دخل الى محلاتهم في الكَرْخ أو غيرها ! وهذا أسلوب أتباع الخلافة فهم يُغَطُّون جريمة المجرم ويظهرونه مظلوماً ويبكون عليه ! والقضية أن الشيعة يتخذون أيام عاشوراء أيام حزن ويلبسون السواد ويعقدون مجالس النوح والرثاء وذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام .
وكان أتباع الخلافة يعملون لتعطيل تلك المراسم ، بل كانوا يُظهرون الفرح ويلبسون الثياب الجديدة ويتخذون تلك الأيام عيداً ! ولم يكتفوا بذلك في بلادهم ومحلاتهم بل كانوا في بغداد والشام يلبسون الثياب الجديدة ويكتحلون ويذهبون الى محلات الشيعة ليغيضوهم بذلك ! فمن الطبيعي أن يواجه شباب الشيعة النواصب المكحَّلين والمكحَّلات الذين يَتَحَدَّوْنَهم !
ومن العجيب أن الدولة العباسية (الهاشمية) لم تمنع الشماتة والفرح بقتل الإمام الحسين عليه السلام الذي ثارت باسمه ، بل كانت تشجع النواصب على إظهار الفرح لإغاضة الشيعة ، ثم تدافع عنهم وتدعي أنهم مظلومون !
قال البكري في إعانة الطالبين : 2 / 301 ، وهو من كبار علماء السنة : (يكره الكحل يوم عاشوراء ، لأن يزيداً وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم ! وقيل بالإثمد لتقرَّ عينهما بفعله . قال العلامة الأجهوري : ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور فقال : لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي ولا عن أحد من الصحابة ، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين). انتهى. وهذا يدلك على أن عداءهم لأهل البيت عليهم السلام دفعهم الى تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله لتصحيح عمل يزيد وابن زياد وشيعتهما وجعل إظهار الفرح بيوم عاشوراء جزءً من الإسلام !
قال ابن حجر في الدراية : 1 / 280 : (قوله : وقد ندب النبي إلى الإكتحال يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه . أما الإكتحال فأخرجه البيهقي في الشُّعب في الثالث والعشرين منه ، من طريق جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رفعه (يعني الى
يتبع انشاء الله
كانت فقرة (حَيَّ على خير العمل) فصلاً من الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وآله ، وعهد أبي بكر ، وقسمٍ من عهد عمر ، ثم حذفها عمر بحجة أن الناس قد يتصورون أن الصلاة خيرٌ من الجهاد ويتركون فتح البلاد ! واعترض عليه أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة والتابعين ، وكان ابنه عبد الله بن عمر يؤذن بها !
وقد ألف عدد من العلماء رسائل في إثبات كونها جزءً من الأذان الذي أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وعلمه إياه جبرئيل عليه السلام ، تزيد عن خمسين رسالة.
قال في الإيضاح / 201 : (ورويتم عن أبي يوسف القاضي ، رواه محمد بن الحسن وأصحابه ، عن أبي حنيفة قالوا : كان الأذان على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر ينادى فيه : حيَّ على خير العمل. فقال عمر بن الخطاب : إني أخاف أن يتكل الناس على الصلاة إذا قيل : حي على خير العمل ويدعوا الجهاد ! فأمر أن يطرح من الأذان حيَّ على خير العمل).
وفي دعائم الإسلام : 1 / 142 : (وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه قال : كان الأذان بحي على خير العمل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وبه أمروا في أيام أبى بكر وصدر من أيام عمر ، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إذا سمع الناس أن الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه ! وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه ، والعامة تروى مثل هذا ، وهم بأجمعهم إلى اليوم مصرون على اتِّباع عمر في هذا وترك اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله ! واحتجوا بقول عمر هذا ، وظاهر هذا القول يغني عن الإحتجاج على قائله ، وإنما أمر الله عز وجل بالأخذ عن رسوله صلى الله عليه وآله فقال : ﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ... ﴾ 1 ، وقال : ﴿ ... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 . وقال : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إتبعوا ولا تبتدعوا ، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار !
أفكان عمر عند هؤلاء الرعاع أعلم بمصالح الدين والمسلمين أم الله ورسوله ؟ وقد أنزل الله عز وجل في كتابه من الرغائب والحضَّ على الصلاة وعلى الجهاد ، وعلى كثير من أعمال البر ، ما أنزله ، وافترض فرائضه ! فهل لأحد أن يُسقط من كتاب الله عز وجل شيئاً مما حض به على فريضة من فرائضه ؟ أو هل وسع لأحد في ترك فريضة لأنه حض ورغب في غيرها أكثر مما حض ورغب فيها ؟! هذا ما لا يقوله عالم ولا جاهل ، ولا بلغنا عن أحد من الناس أنه توهمه... وفساد هذا القول أبين من أن يحتاج إلى الشواهد والدلائل... نسأل الله العصمة من الزيغ عن دينه والثبات على طاعته وطاعة أوليائه). انتهى.
وقال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد / 199 : (وفي رواية أخرى أنه قال : أيها الناس : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة الحج ، ومتعة النساء ، وحي على خير العمل) ! وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة وتبعهم في ذلك أولياؤهم جميعاً ، ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وإخبارهم في ذلك متواترة ) 4 .
(أورد القوشجي قول عمر : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أحرمهنَّ وأعاقبُ عليهنّ : متعة النساء ومتعة الحج وحيَّ على خير العمل ! ثم قال : إن ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه ، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الإجتهادية ليس ببدع !
وهو كلام عجيب حقاً فهل تحريم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ، كان رأياً واجتهاداً منه صلى الله عليه وآله حتى يعارضه القوشجي باجتهاد آخرين ؟!
وهل يصح اجتهاد عمر في مقابل النص القرآني والتشريع النبوي ؟!
وإذا كان عمر قد اجتهد في هذا الأمر ولنفرض أن الرسول صلى الله عليه وآله قد اجتهد فيه أيضاً نعوذ بالله من خطل القول ، فأيهما أحق أن يتبع ؟ وأيهما قال الله في حقه : ما آتاكم الرسول فخذوه ؟ وماذا على من ترك اجتهاد عمر لعمر وأخذ بالنص القرآني والتشريع الإلهي الوارد على لسان النبي الأمي ؟!
وماذا يصنع القوشجي بقول الرازي : إن ذلك يوجب تكفير الصحابة ، لأن من علم أن النبي (ص)حكمَ بإباحة المتعة ثم قال : إنها محرمةٌ محظورةٌ من غير نسخ لها ، فهو كافر بالله ؟! ومن الواضح أن القوشجي وصاحب المنار والرازي وغيرهم لم يستطيعوا أن يدركوا وجه العذر لعمر في إقدامه على تحريم المتعة وغيرها فتشبثوا بالطحلب ، بل صدر منهم ما فيه أيضاً نيل من كرامة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وتصغير لشأنه من حيث يعلمون أو من حيث لايعلمون) ! 5 .
أقول : ومن يوم حرَّم عمر ما فرضه النبي صلى الله عليه وآله تحركت شرطة الخلافة لقمع كل مسلم يطيع النبي صلى الله عليه وآله ولايطيع عمر! وما زالت شرطتهم وتهويلهم تطارد الشيعة باسم الدين الى يومنا هذا ! وكان مطلب الشيعة منهم أن يتركوهم يؤذنون في مساجدهم ومناطقهم كما يعتقدون ، ولم تفرض أي حكومة شيعية على أحد الأذان بحيَّ على خير العمل ! فالفرض والإجبار كان وما زال من عمل شرطة عمر والقبائل القرشية !
***
شريط تاريخي لجهاد الشيعة من أجل سنة النبي صلى الله عليه وآله
كافح الشيعة عصوراً طويلة من أجل هذا الفصل من الأذان ، حتى صار الأذان بحيَّ على خير العمل علامةً للإمامية والزيدية والإسماعيلية ، وشعاراً يرفعه الثوار على الحكومات ! وهذا شريط تاريخي يوضح إصرار الشيعة على سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وإصرار أتباع الخلافة على فرض سنة عمر بدلها !
***
في سير الذهبي : 15 / 164 : (قلت : ظهر هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والشام والحجاز والغرب بالدولة العبيدية ، وبالعراق والجزيرة والعجم بيني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ، ثم ضعف بدنه وأصابه فالج وخرس فعزلوه وأقاموا ابنه الطائع له ، وله السكة والخطبة وقليل من الأمور ، فكانت مملكة هذا المعز أعظم وأمكن... وأعلن الأذان بالشام ومصر بحي على خير العمل . فلله الأمر كله ).
***
وفي تاريخ أبي الفداء / 507 : (وفي هذه السنة (444)كانت الفتنة ببغداد بين السنية والشيعة ، وأعادت الشيعة الأذان بحي على خير العمل ، وكتبوا في مساجدهم محمد وعلي خير البشر) .
***
وفي النهاية : 12 / 96 : (وأعادت الروافض الأذان بحي على خير العمل ، وأذن به في سائر نواحي بغداد (في مساجدهم) في الجمعات والجماعات ، وخطب ببغداد للخليفة المستنصر العبيدي على منابرها وغيرها ، وضربت له السكة على الذهب والفضة وحوصرت دار الخلافة).
***
وفي النجوم الزاهرة : 5 / 281 : (وهي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة فيها أزال السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب دمشق من حلب الأذان بحي على خير العمل وسب الصحابة بها ، وقال : من عاد إليه قتلته ، فلم يعد أحد).
أقول : لم يكن الشيعة يسبُّون الصحابة ، نعم كانوا وما زالوا يلعنون ظالمي أهل البيت عليهم السلام ، وهو مبدأ متفق عليه ، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله ظالمي أهل بيته الطاهرين بأحاديث صحيحة عند الجميع ، بل لعنهم الله تعالى في صريح قرآنه بقوله : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ 6 ، وقد استدل أحمد بن حنبل بهذه الآية على لعن يزيد ، وروى كبار محدثيهم تفسيرها ببني أمية ، لكن بمجرد أن يقول الشيعي لعن الله ظالمي آل محمد ، يقولون له إنك تقصد أبا بكر وعمر ! إنك تلعن وتسب وتشتم الصحابة ، ويصورون الشيعة كأن شغلهم الشاغل في ليلهم ونهارهم شتم الصحابة ! وغرضهم من هذا التهريج أن يمنعوهم من لعن ظالمي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ومضطهديهم وقاتليهم !
***
وصف أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / 297 ، حركةً للعلويين في المدينة المنورة فقال : (فاجتمعوا ستة وعشرين رجلاً من ولد علي عليه السلام ، وعشرةٌ من الحاج ، ونفرٌ من الموالي ، فلما أذَّن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : أحد ، أحد ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذِّنْ بحيَّ على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها ، وسمعه العمري(حاكم المدينة من قبل المنصور العباسي) فأحس بالشر ، ودهش وصاح : أغلقوا البغلة (يقصد الباب) وأطعموني حبتي ماء ! قال علي بن إبراهيم في حديثه : فوُلده إلى الآن بالمدينة يُعرفون ببني حبتي ماء) !
***
وقال ابن الجوزي في المنتظم : 5 / 28 : (وفي أول يوم من شوال حضر الموكب النقباء والأشراف والقضاة والشهود ، فنهض بعض المتفقهة وأورد إخباراً في مدح الصحابة وقال : ما بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ ؟ والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة ؟! فطولع بما قال فخرج التوقيع بما معناه : أنهيَ ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال ذكر صاحبي رسول الله (ص) وتورطهم في هذه الجهالة ، واستمرارهم على هذه الضلالة ، التي استوجبوا بها النكال واستحقوا عظيم الخزي والوبال ، وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ، ولولا ما تدرَّع به من جلباب الحكم وأسباب يتوخاها ، لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال ، فليؤجر بإظهار شغل السنة في مقابر باب التبن ورَبْع الكًرْخ من ذكر الصحابة على الجنائز ، وحثهم على الجمعة والجماعة ، والتثويب بالصلاة خير من النوم ، وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة بمساجد السنة ، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد(الشيعي حاكم الحلة والمشهدين النجف وكربلاء)ليجري على هذه السيرة في بلاده ، ﴿ ... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 .
أقول : أنظر الى أسلوب الخلافة العدواني وأن حيثية هذا المرسوم الخلافي هو : إخمال ذكر الصحابة ، ومعناه أن الشيعة في مساجدهم ومناطقهم يذكرون أهل البيت عليهم السلام ، ولا شغل لهم بغيرهم ، فاعتبر ذلك إخمالاً لذكر أبي بكر وعمر وعثمان الذين يجب إحياء ذكرهم ! فحيثية المرسوم أن ذكر أبي بكر وعمر واجب (والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة) ؟! أي قادرة على إجبار الشيعة على مذهب الحكومة ! ومعناه أنه كلما أمكن الإجبار بالقوة وجب ! وهذه سياسة أتباع أبي بكر وعمر وبني أمية ، الى يومنا هذا !
ولا تعجب من ذلك فقد كانت سياسة الخلافة عدوانية ضد الشيعة وكانت تحرك لها الغوغاء ومؤرخوها يغطون جرائمها ويبكون من ظلم الشيعة لهم !
قال ابن الجوزي في المنتظم : 6 / 217 : (ثم دخلت سنة إحدى وستين وخمسمائة.. وظهر في هذه الأيام من الروافض أمر عظيم من ذكر الصحابة وسبهم ، وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحول العين ضربوه) ! 7 .
أقول : يقصد هذان الناصبيان أن الشيعة في مجالس عزائهم على الإمام الحسين عليه السلام يلعنون ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وقاتليهم ! ولم يبينا لماذا كان بعض الشيعة يضربون مكحول العين إذا دخل الى محلاتهم في الكَرْخ أو غيرها ! وهذا أسلوب أتباع الخلافة فهم يُغَطُّون جريمة المجرم ويظهرونه مظلوماً ويبكون عليه ! والقضية أن الشيعة يتخذون أيام عاشوراء أيام حزن ويلبسون السواد ويعقدون مجالس النوح والرثاء وذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام .
وكان أتباع الخلافة يعملون لتعطيل تلك المراسم ، بل كانوا يُظهرون الفرح ويلبسون الثياب الجديدة ويتخذون تلك الأيام عيداً ! ولم يكتفوا بذلك في بلادهم ومحلاتهم بل كانوا في بغداد والشام يلبسون الثياب الجديدة ويكتحلون ويذهبون الى محلات الشيعة ليغيضوهم بذلك ! فمن الطبيعي أن يواجه شباب الشيعة النواصب المكحَّلين والمكحَّلات الذين يَتَحَدَّوْنَهم !
ومن العجيب أن الدولة العباسية (الهاشمية) لم تمنع الشماتة والفرح بقتل الإمام الحسين عليه السلام الذي ثارت باسمه ، بل كانت تشجع النواصب على إظهار الفرح لإغاضة الشيعة ، ثم تدافع عنهم وتدعي أنهم مظلومون !
قال البكري في إعانة الطالبين : 2 / 301 ، وهو من كبار علماء السنة : (يكره الكحل يوم عاشوراء ، لأن يزيداً وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم ! وقيل بالإثمد لتقرَّ عينهما بفعله . قال العلامة الأجهوري : ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور فقال : لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي ولا عن أحد من الصحابة ، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين). انتهى. وهذا يدلك على أن عداءهم لأهل البيت عليهم السلام دفعهم الى تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله لتصحيح عمل يزيد وابن زياد وشيعتهما وجعل إظهار الفرح بيوم عاشوراء جزءً من الإسلام !
قال ابن حجر في الدراية : 1 / 280 : (قوله : وقد ندب النبي إلى الإكتحال يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه . أما الإكتحال فأخرجه البيهقي في الشُّعب في الثالث والعشرين منه ، من طريق جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رفعه (يعني الى
يتبع انشاء الله
تعليق