بســـم الله الرحــــــمن الرحيــــــــم
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يكن له ندٌّ ولا ولد , ثمَّ الصلاة على نبيه المصطفى ، وآله الميامين الشرفا ، الذين خصّهم الله بآية التطهير . يقول تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
سلام من السلام عليكم
وردت الفقرة التالية في دعاء كميل
إلهي وسيّدي وربّي، أتُراك معذبي بنارك بعد توحيدك)
الهمزة: للاستفهام الإنكاري، و «تُرى»: مضارع «رأى»، وقياسه: «ترأى» في مضارعه، كـ «تخشى»، ولكن العرب أجمعت على حذف الهمزة من مضارعه، فقالوا: يرى، يريان، يرون، من الرؤية.
والكاف مفعوله الأوّل، وجملة: (معذّبي بنارك) مفعوله الثاني، وكلمة (بعد) من ظروف الغايات.
وتوحيده تعالى تمييزه عن خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة، فهو تعالى واحد; إذ ليس له شريك واحد; لأ نّه بسيط وليس له جزء.
النسبة بين الأحدية والواحدية
وبين الأحدية والواحدية ـ كما قرّر في محلّه ـ عموم من وجه; لاجتماعهما في الحقّ البسيط الصرف المحض، وفي العقول، سيّما على مذهب الإشراقيين; لأ نّهم يقولون: إنّها وجودات وأنوار بحتة لا ماهية لها، والتفاوت بينها وبين الوجود الواجبي بالشدّة والعضف.
وكذا في النوع البسيط الّذي هو هيولى عالم العناصر على طريقة المشّائين، حيث إنّها مخالفة بالنوع لهيولى عالم الأفلاك، فلا شريك لها من نوعها، وهي بسيطة; لأنّ جنسها مضمّن في فصلها، وفصلها مضمّن في جنسها، وإن كان لها شريك في جنسها ووجودها، وكان لها أجزاء عقلية، كما عرفت بأ نّها جوهر مستعد، أو ماهية ووجود.
وتفارق الأحدية عن الواحدية في النقطة، من حيث انتفاء الأجزاء المقدارية عنها. وكذا في الأعراض من الماهيات التامّة، من حيث انتفاء الأجزاء الخارجية عنها، وإن كان لها الأجزاء العقلية. وكذا في الأجناس العالية والفصول الأخيرة من الماهيات الناقصة، من حيث انتفاء الأجزاء العقلية عنها.
وتفارق الواحدية عن الأحدية في الأجرام الفلكية من الأفلاك الكلّية والجزئية والكواكب السيارة وغيرها، إذ كلّ منها نوعه منحصر في فرده، ولا شريك له في نوعه، وإن كان لها شريك في جنسها ووجودها، ولو اعتبر النفي بالكلّية كانتا من الصفات المختصة بالله تعالى; لأنّ ما سواه من الموجودات لا يخلو من شيء منها من الشريك في الوجود، بخلافه تعالى فإنّه لا شريك له في الوجود، كما لا ثاني له في الموجود.
وما من موجود إلاّ وهو زوج تركيبي له ماهية ووجود، بخلافه تعالى; إذ لا ماهية له، بل ماهيته إنيّته وتأكّد وجوده ووجوبه.
برهان أحديته وواحديته تعالى
وأمّا بيان أحديته تعالى وكونه وجوداً صرفاً; لأ نّه إن كان ذاته مركّبة من الأجزاء مطلقاً فلا يخلو: إمّا أن تكون الأجزاء موجودة بوجود واحد، أو بوجودات متعدّدة.
الأوّل: تكون أجزاء عقلية من الجنس والفصل والماهية والوجود.
والثاني: قسمان; فإنّ الأجزاء مع كونها موجودة بوجودات متعددة، إمّا أن تكون متّحدة في الوضع فهي الأجزاء الخارجية من المادّة والصورة، وإمّا غير متّحدة في الوضع وهي الأجزاء المقدارية.
فهو تعالى بريء عن جميع هذه; لأ نّه ليس جسماً حتى تكون له المادّة والصورة، وكذا الأجزاء المقدارية الّتي من لواحق الجسم، وليس نوعاً حتى تكون له الجنس والفصل، وكذا لا ماهية له حتى تكون له الأجزاء التحليلية العقلية، بل هو وجود صرف، والوجود بسيط محض.
في الاستدلال على توحيده تعالى:
وأمّا بيان واحديته تعالى ونفي الشريك عنه، فكما قيل في المشهور: إنّه لو كان الواجب لذاته متعدّداً لابدّ من امتياز كلّ منهما عن الآخر، فإمّا أن يكون امتياز كلّ منهما عن الآخر بذاته، فيكون مفهوم وجوب الوجود محمولا عليهما بالحمل العرضي، وكلّ عرضي معلّل، وقد قرّر بطلانه.
وإمّا أن يكون الامتياز ببعض الذات فيلزم التركيب، وكلّ مركّب محتاج إلى الأجزاء، وكلّ محتاج ممكن، هذا خلف.
وإمّا أن يكون الامتياز بالأمر الزائد على ذاتيهما، فذلك الزائد إمّا أن يكون معلولا لذاتيهما، وهو مستحيل; لأنّ الذاتين إن كانتا واحدة كان التعيين أيضاً واحداً، فلا تعدّد، هذا خلف. وإن كانتا متعددتين كان وجوب الوجود عارضاً لهما، وقد ظهر بطلانه.
وإمّا أن يكون معلولا لغيرهما، لزم الافتقار في التعيّن إلى الغير، وكلّ مفتقر إلى غيره في تعيّنه مفتقر إليه في وجوده; إذ التعيّن إمّا عين الوجود أو مساوق له، فيكون ممكناً، هذا خلف.
فقد ثبت توحيد واجب الوجود بالذات جلّ برهانه.
وقد ذكر الحكماء حججاً وبراهين كثيرة على توحيده تعالى، والحال أ نّه غنيّ عن الحجج والبراهين، بل ذاته بذاته برهانه ودليل على ذاته، كما في الدعاء: (يامن دلّ على ذاته بذاته)
وفيه أيضاً: (عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي الّتي توصل إليك)
(اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، واُولي الأمر منكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
فقوله: (بعد توحيدك) أي بعد توحيدي إيّاك، اُضيف المصدر إلى المفعول. يريد أ نّك تعذّب بنارك الموحّدين والعارفين بحقّك؟! لا والله، أنت أجلّ وأرفعُ من أن تعذّب موحّديك، وتولّه مفرديك ومحبيك.
تعليق