إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني


    لابدّ أن نحصل على رؤية تجاه النظام القائم في معارف ديننا وإرشاداته

    يحتاج الإنسان بين الحين والآخر أن ينظم ويرتّب ذهنه، كما هو الحال في أجهزة الحاسوب حيث نحتاج تارة إلى تعديل ملفاته ومسح بعضها وإعادة تنسيقها وتبويبها. فإذا لم نقم بتنظيم وفهرسة معلومات الجهاز بشكل صحيح، لن نقدر على استخدامها بالشكل المطلوب بطبيعة الحال. وهذا ما يحدث في ذهن الإنسان أيضا؛ حيث إننا نعرف الكثير من المعارف والإرشادات الدينية ولكن ينبغي أن ننظمها في الذهن.
    إنّ تبعثر المعلومات في الذهن يسبّب الضياع ويمنعنا من الوصول إلى أيّ هدف مطلوب. فأحد أهدافنا في هذه السلسلة من الجلسات هي أن نبحث عن خيط يلمّ خرز الفضائل والإرشادات والمعارف الدينية في سبحة واحدة. فلولا هذا الخيط لانفرطت خرز هذه السبحة. فلابدّ أن نحصل على رؤية تجاه النظام القائم في معارف ديننا وإرشاداته.

    إن تنظيم المعارف الدينية حول محور رئيس واحد، يمكننا من صرف طاقتنا بشكل صحيح، وأن لا نفرط بإمكاناتنا

    فإذا استطعنا أن ننظّم جميعَ الإرشادات الدينيّة حول محور رئيسيّ واحد، عند ذلك سوف نعرف في ماذا نصبّ كل طاقتنا. وحينئذ سوف لا نفرّط بوقتنا وإمكاناتنا وسوف نعرف ما يجب الحفاظ عليه ولا شك في أن مثل هذه المراقبة تثمر وتصيب الهدف.
    إن كثيرا من المعارف الدينية ولا سيّما المعارف الأخلاقية مبعثرة وغير منظّمة لدى هواتها كما أن أكثر الكتب الأخلاقيّة والمعنويّة لا تعالج هذا التبعثر وأحيانا تزيد في تناثرها وبعثرتها. إن كثيرا من الكتب الأخلاقية تسطّر مجموعة من الفضائل والرذائل الأخلاقية معا بيد أنها لا توضح العلاقة القائمة بينها بشكل دقيق.

    بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقية لدى هواة هذه الأبحاث، لا يدرى من أية فضيلة لابدّ أن ننطلق إلى تحصيل الفضائل./ تبعثر المعارف الدينية أحد الدواعي للابتعاد عن الدين

    كما أنه بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقية لدى أذهان هواتها، لا يدرى في كثير من الأحيان من أية فضيلة لابدّ أن ننطلق إلى تحصيل الفضائل. وهذا ما يسبب أزمة لدى الإنسان ويجعله في حيرة من أمره. بينما نجد في معارفنا الدينية نظاما تتناسق فيه جميع المعارف، بيد أن عدم إدراك هذا النظام جعلنا نتعامل مع هذه المعارف بضعف أو نعتبر العمل بهذه الأحكام والمعارف أشبه بالمستحيل.
    إن أحد أسباب ابتعاد البعض عن الدين هو هذا التبعثر وعدم التناسق الذي شاهدوه في المعارف الإسلامية.
    ومن جانب آخر إنّ فهم النظام القائم في المعارف الدينية يبدو ضروريا على من هم بصدد النّشاط الثقافي حتى لا يتحيّرون في أمرهم عند تشخيص الأولويات وتحديد ما يجب تناوله قبل أي موضوع آخر.

    إن تنسيق معلوماتنا الدّينيّة في نظام واحد يزيدنا شوقا واندفاعا في حركتنا، ويمكّننا من مراقبة أنفسنا، كما أنه يضمن النتيجة لمراقباتنا

    الكلام الأوّل الذي نقف عنده كضرورة هو أننا بصدد تنسيق معارفنا ومعلوماتنا الدينية. فإن هذا التنسيق يعالج مشكلتنا في تحديد الأهداف ويزيدنا شوقا واندفاعا في حركتنا. كما أن هذا النظام يقوينا على مراقبة النفس ويجعل هذه المراقبات مثمرة صائبة.

    لابدّ لنا من هذا النظام في سبيل تقييم أنفسنا

    إن بعض ما يسببه هذا التشتّت والتبعثر في المعارف هو أن بعض الناس أناس صالحون بيد أنهم في جهل من محاسن وجودهم، وفي المقابل ترى بعض الناس سيئين ولكن يعتبرون أنفسهم صالحين، وهذا ما هو ناتج من عدم انتظام المعارف في أذهان الناس. فنحن بحاجة إلى هذا النظام حتى في سبيل تقييم أنفسنا.

    إن فهم هذا النظام ضروري حتى أثناء مناجاتنا مع الله/ فيا ترى من أي نقص نتوب إلى الله؟

    إن فهم هذا النظام ضروري حتى أثناء مناجاتنا مع الله، إذ أثناء ما يستغفر الإنسان ويناجي ربه، لابدّ أن يعرف النقص والتقصير الذي ينبغي أن يتوب منه إلى الله. ينبغي للإنسان أن يعرف مرضه كي يبحث عن الدواء ببصيرة وروية.

    يتبع إن شاء الله...

    التعديل الأخير تم بواسطة alkafeel; الساعة 29-09-2014, 06:38 PM.

  • #2

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جهد مبارك وموضوع متميز
    احسنت بارك الله فيــــــــــــــــــك

    حسين منجل العكيلي

    تعليق


    • #3
      الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني1-2

      إن جهاد النفس هو ذاك الخيط الرابط بين خرز الفضائل كلّها/ إن خط العمل في ديننا هو جهاد النفس

      لقد استخدم نبينا الأعظم(ص) عبارة لجهاد النفس بودّي أن أستخدمها في مقام التعريف بموضوع بحثنا. إن الجهاد في سبيل الله من أهمّ الأعمال وأروعها وواحدة من النتائج التي قد يصل إليها الإنسان أثناء الجهاد هي الشهادة في سبيل الله وما تشتمل عليه من أجواء الحبّ والعشق. ولكن أثناء ما كان يرجع الرسول الأعظم(ص) من مثل هذا الجهاد، عبّر عن الجهاد وما ينطوي عليه من شهادة وتضحية وفداء بالجهاد الأصغر ثم حرّض المسلمين بالخوض في الجهاد الأكبر. إذن موضوع كلامنا في هذه الأبحاث هو «جهاد النفس» الذي أعتبره الخيط الرابط بين خرز الفضائل برمّتها. هذه هي الاستراتيجية الرئيسة في التربية الدينية وسوف نتناولها بالبحث والنقاش وندرس ماهيتها وكيفيتها بالتفصيل إن شاء الله.

      إن مدى قيمة كل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس/ مدى تلوّث الإنسان مرتبط بمقدار أخطائه في عملية جهاد النفس

      إن الموضوع الرئيس في التربية الدينية هو جهاد النفس؛ لا مواضيع أخرى كالحسد والتكبر والخمول والحرص والحسرة والصدق والرأفة وغيرها من فضائل ورذائل. طبعا من المؤكد أن قد تبادرت في أذهانكم بعض الأسئلة والاستفسارات عن سبب هذا التحديد. فلعلكم تسألون إذن ما هو شأن الولاية مع ما تشتمل عليه من أهيمة بالغة؟ ولماذا لم نستبدل جهاد النفس بالعبادة ولم نقل أن هذا الخيط يتمثل بالعبادة؟
      فسوف نبحث ذلك في جلسات طويلة ونشير إلى موقع كل من العبادة والولاية وبعض الفضائل المهمة في المنظومة الدينية. ولكن إن خط العمل في التربية الدينية هو محاربة الأميال النفسانية. إن مدى قيمة كل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس. وفي المقابل يرتبط مدى تلوّثه بالذنوب والرذائل بمقدار أخطائه في عملية جهاد النفس. هذا هو المعيار المهم في تقييم الناس فلا يمكن تقييمهم من خلال مدى صدقهم وكذبهم ومدى تواضعهم وكبرهم وحسب، بل يتمّ ذلك من خلال ميزان جهاده أو تبعيته لنفسه. فإن فشل أحد في عملية جهاد النفس، سوف يظهر فشله في ظهور بعض الرذائل كالحسد والكبر والحرص وغيرها. وإذا نجح الإنسان في عملية جهاد النفس، سوف يظهر بعض هذا النجاح في التزامه بأوقات الصلاة ويظهر بعضه في أخلاقه الطيبة مع الآخرين، وهكذا يظهر في باقي الفضائل والمحاسن.

      ما هي العلاقة بين شهر رمضان وموضوع جهاد النفس؟

      بإمكاننا أن نتحدث عدة جلسات لنبيّن ما هي العلاقة بين شهر رمضان وموضوع جهاد النفس، وهل من المناسب أن نطرح هذا الموضوع في هذا الشهر أم لا؟ ولكني أكتفي بنقل كلمة للإمام الخميني(ره) حيث إنكم تودّونه وتعتقدون به وأعفيكم عن استماع عدة جلسات في سبيل إثبات شدة الترابط بين موضوع جهاد النفس وشهر رمضان.
      لقد قال الإمام الخميني(ره): «كلكم ضيوف الله، والضيافة بالترك. فإن كانت في الإنسان ذرة من هوى النفس، فهو لم يدخل في هذه الضيافة وإن دخلها فلم يستفد من هذه الضيافة.» ثم أضيفوا كلام الإمام هذا إلى حكمة النبي سليمان بن داوود (ع) حيث قال: «إِنَّ الْغَالِبَ لِهَوَاهُ أَشَدُّ مِنَ الَّذِي يَفْتَحُ‏ الْمَدِينَةَ وَحْدَه‏».[مجموعة ورام/ ج1/ ص60] فاعرف أنت مدى صعوبة الطريق أمامنا. ولا شك بأننا لا نريد أن نحرم من بركات هذا الشهر.
      ثم يضيف الإمام ويقول: «كل هذه الجعجعة التي تشاهدونها في العالم فهي لعدم انتفاع الناس بهذه الضيافة، وعدم دخولهم في هذه الضيافة، وعدم تلبيتهم لدعوة الله».

      القواسم المشتركة بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر:


      النورانية والأجواء المعنوية/ في أجواء الجهاد الأكبر نستطيع أن نعيش نفس تلك الأجواء المعنوية والروحانية التي كان يعيشها المجاهدون في أيام الدفاع المقدس

      نفس الأجواء الممتعة والجميلة التي يعيشها المجاهدون في الجهاد الأصغر، يمكن أن نعيشها في الجهاد الأكبر وفي خضمّ محاربة النفس. حتى أن الصفاء والجمال الذي يشتمل عليه أجواء الجهاد الأكبر هي أكبر وألصق بالفؤاد من أجواء الجهاد الأصغر. نحن نستطيع في أجواء الجهاد الأكبر أن نعيش نفس تلك الأجواء المعنوية والروحانية التي كان يعيشها المجاهدون في أيام الدفاع المقدس. حتى أن في خضم الجهاد الأكبر نستطيع أن نعيش أجواء أكثر معنوية ونورانية. وأنتم تعلمون أن الإمام الخميني(ره) هذا الرجل العظيم الذي قامت هذه الثورة المباركة والعظيمة على أكتافه وببركة وجوده، وتربّى آلاف الشهداء تحت ظله، إنما كان بطلا في ساحة الجهاد الأكبر.
      وأنا أتألم عندما أرى بعض الإخوة من المجاهدين يتحدثون بتحسر عن أيام الجبهة ومعنوياتها وروحانياتها وكأنه ذهبت تلك الأيام ولا فرصة بعد لهذا الجيل حتى يعيش الروحانية والأجواء المعنوية. فهذا كلام باطل من أسره؛ إذ لم يمنع الله نعمه عن عباده ولا يظلم أحدا بل يضاعف نعمه على عباده. فإن هذه الفرصة التي أعطاها الله للجميع في ساحة الجهاد الأكبر أثمن بكثير من فرصة الجهاد الأصغر.
      في أجواء الجهاد الأصغر كنا نشعر بمحبة الله ولطفه بعد ما كنا نضحي بأنفسنا وأموالنا، أما في الجهاد الأكبر وبعد ما نضحي بأميالنا وأهوائنا، نشعر بمزيد من رضا الله ولطفه ونكسب نورا أقوى من النور الذي نكسبه في أجواء الجهاد الأصغر.

      تعليق


      • #4
        الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني1-3

        الشعور بخطر العدو/ لابد من رصد العدو في الجهاد الأكبر كما هو الحال في الجهاد الأصغر، لكي تتمكن من مراقبة نفسك وتستعين بربك

        القاسم المشترك الآخر بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر هو تواجد العدو، والخطر الذي يهددنا من جانبه. فعندما تشعر بوجود العدو في الجهاد الأصغر وتلتفت إلى الخطر الذي يهددك من جانبه، تلتجأ إلى الله وتشعر بالروحانية والمعنوية حينئذ. وكذلك الحال في الجهاد الأكبر حيث لابد لك أن ترى العدو فيه كي تتمكن من مراقبة نفسك وتستعين بربك.
        فقد قال رسول الله(ص): «أَعْدَى عَدُوِّ?َ نَفْسُ?َ‏ الَّتِی بَیْنَ‏ جَنْبَیْ?»[عدة الداعي/ص314]. وفي المقابل إن العدو الخارجي في الجهاد الأكبر وهو الشيطان الرجيم يبدو ضعيفا من خلال آيات القرآن؛ (إِنَّ ?َیْدَ الشَّیْطانِ ?انَ ضَعیفاً)[نساء/76] ولكن لابدّ من أخذه على مأخذ الجدّ.

        صعوبة العمل والحاجة إلى الشجاعة/ إن الشجاعة التي يحتاجها الإنسان في الجهاد الأكبر أكثر من الشجاعة التي يحتاجها في الجهاد الأصغر

        كلا الجهادين الأكبر والأصغر هي من الأعمال الشاقة والتي تحتاج إلى شجاعة. وأقسم بالله إن الشجاعة التي يحتاجها الإنسان في الجهاد الأكبر أكثر من الشجاعة التي يحتاجها في الجهاد الأصغر. إن خوف فقدان «اللذة» وخوف فقدان «الجاه والسمعة» وخوف فقدان «الفرصة»، يترك أثره السلبيّ على شجاعة الإنسان وهذه هي من مصاعب الجهاد الأكبر. إنه لجهاد أكبر حقا.
        وأولئك الذين خاضوا في ساحة الجهاد الأكبر ونجحوا في هذا الميدان، ينظرون إلى ساحة الجهاد الأصغر كما ننظر نحن إلى المقبلات فلا نهتمّ بالمقبلات كما نهتمّ بالطعام الرئيسي في المائدة. وكذلك حال الإنسان المحترف في ساحة الجهاد الأكبر، فإنه بكل سهولة ينزل إلى ميدان الجهاد الأصغر ولا يبالي.
        ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه ارتقى المنبر في أيّام شبابه وألقى محاضرة جيّدة. فاستحسن الحضور محاضرته ومدحوه. بعد ذلك امتنع الإمام عن إلقاء المحاضرات لمدّة أربع سنين عقابا لنفسه بعد أن وجدها طربت لمدح الآخرين وانتعشت لثنائهم. بينما نحن إن نحصل على مثل هذا المدح نزداد اندفاعا ونعتبره علامة النجاح والتوفيق في العمل. فانظر مدى الفارق الكبير بين الإمام وبيننا. طيب لماذا ينبغي أن نخالف نفوسنا بهذه الشدة؟ فهذا ما سوف نتناوله في الأبحاث القادمة إن شاء الله.

        عشق الله وحبّ الآخرة/ إن الاهتمام بالله وبالآخرة في الجهاد الأكبر أكثر من الجهاد الأصغر

        لقد قال الإمام الخميني(ره) أن القوات التعبئة هي مدرسة العشق وكان يؤكد سماحته على عشق الله وحبّه في موسم الجهاد الأصغر وأيّام الدفاع المقدس. ولكن يزداد هذا الاهتمام بالله وبالآخرة في الجهاد الأكبر. فالذي كان يعشق ربه في الجهاد الأصغر ويبكي من فراقه ويناجي الله شوقا إلى لقائه، سيزداد شعورا بهذا الحب والعشق في خضم الجهاد الأكبر.
        لقد روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي وَ عَظَمَتِي وَ بَهَائِي وَ عُلُوِّ ارْتِفَاعِي لَایُؤْثِرُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ‏ هَوَایَ‏ عَلى‏ هَوَاهُ فِی شَیْ‏ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا إِلَّا جَعَلْتُ غِنَاهُ فِی نَفْسِهِ، وَ هِمَّتَهُ فِی آخِرَتِهِ و و ضَمَّنتُ السَّماواتِ و الأرضَ رِزقَهُ، و ?ُنتُ لَهُ مِن وَراءِ تِجارَةِ ?ُلِّ تاجِرٍ»[الكافي/ج2/ ص137] وقد رويت هذه الرواية بتعابير مشابهة عن غيره من أئمة أهل البيت(ع).
        ولا يخفى عليكم بأني قضيت ثلاثين سنة من عمري في دراسة القضايا الأخلاقية وبودي أن أقدم لكم تقريرا عن نتيجة ما حصلت عليه في هذه السنين الثلاثين في ثلاثين ليلة في شهر رمضان هذا. ولكني أعترف أمامكم بأني لم أفهم هذا الحديث إلى الآن وكلما قرأته طوال هذه السنين الطويلة شعرت بأني لم أفهم مغزى هذا الحديث جيدا.
        والعجيب هو أن الشرط في كسب هذه البركات هو أن يؤثر الإنسان هوى الله على هواه في أمر واحد وقضية واحدة لا في حياته كلّها؛ «فِی شَیْ‏ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا». ومعنى هذا الحديث هو أنّ كلّ الأعمال الصالحة التي قمنا بها واعتبرناها من مصاديق جهاد النفس وإيثار هوى الله على هوى نفسنا فهي ليست كذلك ولا قيمة لها بحيث تؤول إلى تلك النتيجة المباركة المذكورة في الرواية.
        فيبدو ـ والله العالم ـ أننا انتقينا الأعمال الصالحة التي تنسجم مع أهوائنا وقمنا بها، فلم نؤثر هوى الله على هوى نفسنا بالشكل الصحيح حتى لمرة واحدة.
        سوف نتناول هذا الموضوع في الجلسات القادمة إن شاء الله وهو أن لماذا نحن بأمس الحاجة إلى محبة أهل البيت. طبعا أنا في الليلة الأخيرة وبعد ما وقفنا عند الموضوع ساعات طوال، سوف أقول لكم كلمة بودي أن أقولها في هذه الليلة الأولى. وهو أن ليس شيء يعين الإنسان على غلبة هواه بقدر حبّ أهل البيت(ع). فإن هذا العامل أقوى العوامل وأجدرها بنصرك على نفسك. وسوف نلتقى غدا يوم القيامة بالتأكيد ونرى صحة ما قلته لكم.

        صلى الله عليك يا فاطمة الزهراء

        ولكن اسمحوا لي أن أقول لكم أن في تلك اللحظات التي كان الشباب يقلعون فيها من كل التعلقات والأواصر عشقا بالشهادة ولقاء الله، كانوا ينطلقون بعدما يسمعون مصائب الزهراء(س) فكانوا يذهبون نصرة للزهراء وانتقاما من أعدائها.
        فإنك في تلك اللحظات التي تتدرب فيها على حبّ أهل البيت(ع) وتحاول أن تزداد حبّا لهم، تكسب اللياقة والكفاءة اللازمة لاستلام نصرتهم ومعونتهم عند الحملة في الجهاد الأكبر، كما كان المجهادون يستعدون للحملات بذكر أهل البيت(ع).
        وأولئك الذين عاشوا أيام البجهة وأيام الدفاع المقدس يعرفون جيدا أن ليس أحد من المعصومين قد نصر المجاهدين بقدر فاطمة الزهراء(س). فلنستفتح حملتنا ضد أهواء النفس في أول ليلة من شهر رمضان بذكر الزهراء(س).

        تعليق


        • #5
          الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2-1

          إليك ملخص الجلسة الثانية من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

          غربة مفهوم «الجهاد الأكبر» في معرفة الإنسان/ لا فائدة لمعرفة الإنسان واختياره بدون «الجهاد الأكبر»

          في مقام الإجابة عن سؤال «ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟» عادة ما تسلّط الأضواء على كون الإنسان يشتمل على العقل والمعرفة والإرادة والاخيار دون الحيوان. أما السؤال الأهم هو أنّ ما الفائدة من هذه الخصائص كالإرادة والاختيار والمعرفة التي تميّز بها الإنسان عن «الحيوان» و «المَلَك» وتفضّل عليهما؟ ولماذا حظينا بالمعرفة والإرادة والاختيار؟
          إن «المعرفة» و«الإرادة» من المفاهيم المشهورة جدا في حياة الإنسان. ولكن هناك مفهوم آخر مهمّش وغريب، ولولاه لم تبق فائدة للمعرفة والاختيار وهو «الجهاد الأكبر».
          إن الجهاد الأكبر مفهوم غريب وعادة ما يهمّش في معرفة الإنسان وتعريفه. فيا ترى لماذا حظينا بالإرادة والاختيار وما ينبغي أن نختار بها؟ فهل أن موقعنا سواء بالنسبة إلى مختلف الخيارات؟ ولماذا يحظى اختيار الإنسان بقيمة وثمن؟ وهل عملية اختيار الإنسان أمر تابع للصدفة؟

          إن قيمة اختيار الإنسان تابعة لاختياره ما يكره، وإلا فلا يفرق حينئذ عن اختيار الحيوان

          إن لم تؤخذ نزعات الإنسان بعين الاعتبار، يصبح «حرية اختيار» الإنسان مفهوما مضحكا لا معنى له. فإن نزعات الإنسان ورغباته هي التي تحدد نسبة الإنسان تجاه مختلف خياراته، ولن يكون اختيار الإنسان قيّما إلا إذا اختار ما يكره وما لا يحبّ، وإلا فلا فرق حينئذ بين اختياره وبين اختيار الحيوان.

          الإنسان موجود خلق من أجل مجاهدة أهوائه

          الإنسان موجود خلق من أجل مجاهدة أهوائه، وإلا فتبقى مواهب الإنسان كاختياره وحريته ومعرفته مواهب بلا فائدة. إن هوية الإنسان وذاته والأساس في تعريفه هو أن يجاهد رغباته وأهواءه. وأنا لا أدري لماذا لا يؤخذ جهاد النفس في مقام تعريف الإنسان وبيان أحد مقوّمات ذات الإنسان.

          إنّ مصداقية معرفة الإنسان واختياره لا تكون إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته

          لو لم يكن لدى الإنسان ميل إلى أيّ مفردة من الخيارات الممكنة، لما بقت مصداقية لاختياره وحريّته. فهو عندئذ كالخروف إذا خيّرته بين مفهومي السعادة والشقاء لا يميل إلى أي واحد من خياراته. ولو كان الإنسان يميل إلى أحد أطراف الخيارات، دون الخيار المقابل، لجرى نفس الكلام أيضا في انتفاء الاختيار عن الإنسان. وسوف يكون شأنه كشأن الخروف أيضا فإنك أن خيّرته بين أكل العشب أو أكل الحديد لن يختار الحديد أبدا بل يختار العشب دون أي ترديد. فلا تكون مصداقيّة لمعرفة الإنسان واختياره إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته. وفي مثل هذا الاختيار تتبلور كرامة الإنسان. ففي الواقع إن الإنسان عادة ما يختار خياره المفضّل من بين مجموعة من الرغائب والمطلوبات.
          السؤال الآخر هو أن كيف يجب أن تكون نسبة هذه الأميال والرغائب مع بعض لكي يتحقق الاختيار ويكون ذا قيمة؟ فإذا كانت هذه الرغائب والأميال المختلفة تستهوينا وتجرّنا إلى نفسها بشكل مساوٍ بلا أن يكون أحدهم أقوى جذابية من غيره، تبقى المشكلة على حالها ولم يتحقق الاختيار ويبقى الإنسان بلا فارق يفرقه عن الحيوان. كما إذا كان ميلنا إلى أحد أطراف الرغائب أكثر من غيره، سنختاره دائما بطبيعة الحال وسينتفي الاختيار كذلك.

          إن أطروحة الله سبحانه وتعالى لتحقق اختيار الإنسان هو جعل «الرغائب القيّمة الخفيّة» في مقابل «الرغائب غير القيّمة الظّاهرة»

          لقد أعدّ الله سبحانه وتعالى نظاما لطيفا جدا لتحقق اختيار الإنسان، وهو أن قد جعل للإنسان نوعين من الرغائب، قسم منها أعمق وأمتن وأقوى وأكثر قيمة ولكنها أخفى، وقسم آخر سطحيّة وأقل قيمة وأخفّ وأقلّ لذة ولكنّها أجلى وأوضح. وهنا يتبلور الاختيار وهو أن تمرّ مرور الكرام من رغباتك الجليّة السطحية وتشتغل برغباتك العميقة والقيّمة الكامنة. وهذه هي نقطة انطلاق الإنسان في حركته الإنسانيّة وهنا تتبلور هويته الإنسانية وأساسا هذه هي فلسفة وجود الإنسان.

          يتبع إن شاء الله...

          تعليق


          • #6
            الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2-2

            «هوى النّفس» هي رغبات الإنسان السطحية والدانية

            لا يتحقق الاختيار إلا في هذه الحالة وهي أن يغضّ الإنسان طرفه عن إحدى رغباته الدانية والمجرّبة والملموسة والسطحيّة، ثم يركن إلى إحدى رغباته العميقة. فإن هذه الرغائب الدانية والسطحية هي ما يسمّى بهوى النفس.
            إن فلسفة خلقك كإنسان هي أن تختار من بين هاتين الرغبتين. إن هاتين الرغبتين ليست سواء وإلا لبقيتَ متحيرا بينهما. ثم إنها رغبتان وليست رغبة واحدة، وإلا لما كان للاختيار قيمة وثمن. ثم إن إحداهما أثقل وألصق بالفؤاد، فهي تأمّن عشقك وما تهواه، وتبعث في قلبك هيجانا وحماسا، ثم تمتعك بلذة أمتع، وتنفعك بمصلحة أكبر، كما أنها تهديك إلى رشدك وتشعر بالسعادة في أجوائها، ولكنها خفيّة كامنة، بل تهلك حتى تكشف هذه العلائق الكامنة. وفي مقابل هذه الرغبة هناك رغبة لا قيمة لها وسطحية، تجدها في نفسك بسرعة وتستطيع أن تجربها أو تعيشها بأسرع ما يكون.
            لقد خلق الإنسان لهذا الأمر وحسب. ومن أجله أعطي المعرفة ومن أجله منح الاختيار ومن أجله حظي بالإرادة ومن أجله أعطي الحريّة. هذا هو معنى الإنسان الذي يشتمل على نوعين من الرغبات؛ الرغبات الدانية وهي «هوى النفس»، والرغبات العالية وهي «النزعات الفطرية».
            لقد قال الإمام الخميني(ره) في خصوص التجافي عن العلائق السطحيّة والركون إلى العلائق العميقة: «كل شيء منّا وراجع إلينا وهو رد فعل لنا. لابد أن ننتبه جميعا إلى أن آفة الإنسان هي هوى نفسه، وهي موجودة في الجميع ومستقاة من فطرة التوحيد، حيث إن الفطرة هي فطرة التوحيد وفطرة الميل إلى الكمال. فإن الإنسان يطلب الكمال المطلق وهو لا يدري. يزعم أنه يطلب الجاه ولكن بعد أن وصل إليه يشعر بأنه ليس ذاك الأمر الذي يطلبه. فلو جمعوا العالم بأسره وأعطوه للإنسان لن يقنع. تلاحظون أن القوى التي تحظى بقوة عالية هم أكثر طلبا لها، وأكثر سعيا لتنمية قدرتهم. فإنهم لو سيطروا على الفضاء والبحار والأرض والسماء لن يقنعوا. فإن لم يسيطر الإنسان على نفسه، سوف يقضي عليه جموحه الذي لا حدّ له. لابدّ من صدّ هذا الجموح والسيطرة على النفس... والأهواء النفسانية التي هي مصدر كل أنواع هذا الفساد». [صحيفه امام/ج19/ص376].
            ناجو ربكم ـ أعزائي ـ في جوف الليل ولتكن مناجاتكم بتفكّر؛ (يَتَفَكَّرُونَ في‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْض). إن بعض المؤمنين ليسوا من أهل التفكر، بل قد اكتفوا بالتمتع بمناجاة ربّهم وهذه ليست بحالة جيدة أبدا. أنا لا أريد أن أتكلم بكلمة جارحة لبعض الإخوة المتدينين الذين قد يعيشون أجواء روحانية ومعنوية في عباداتهم ولكنهم لم يتعودوا على التفكّر.
            قد يتبادر في ذهن بعض الإخوة أن أين تناسب هذه الأبحاث النظرية الفكرية مع ليالي شهر رمضان ولا سيما أول ليلة جمعة من شهر رمضان ونحن جئنا لنستمع ما يعيننا على تجربة أجواء معنوية وروحية مع الله، فما هذه الأبحاث؟! فأقول لهم: حاولوا أن تبكوا وتسكبوا الدموع بهذه الأبحاث. فإن «أولي الألباب» الذين تتحدث عنهم الآية، (يَتَفَكَّرُونَ في‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْض) ثم يخرجون بنتيجة رائعة بعد تفكّرهم هذا فيقولون: (ِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلا سُبحانَك) فإنك لم تخلق العالم باطلا ولم تخلقنا عبثا، بل خلقتنا لنجاهد هوانا ومن أجل هذا الجهاد قد أعطيتنا الاختيار والمعرفة وكرامة الإنسانية. ولولا ذلك لكنّا كالبهائم، أو كنا كالملائكة لا نجاهد أنفسنا. ثم يقولون: (سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّار)[آل عمران/191]. فيا له من طريق رائع يسلكونه بتفكرهم في جوف الليل!

            لقد خلق الإنسان لكي يتجافى عن رغباته السطحية

            لقد خلق الإنسان لكي يتجافى عن رغباته السطحية. لابد أن نضع هذه الرغبات السطحية على جانب. فإن وراء هذه الرغبات السطحية شيء آخر لابدّ من كشفه. فعلى سبيل المثال قد تكون حاجتك السطحيّة هي أن تملك بيتا، بيد أن الحاجة العميقة التي وراءها هي لقاء الله. فلابد من كشف تلك الرغبات الكامنة. إن إنسانية الإنسان بمجاهدة هذه العلائق السطحية، ولكن لابد أن تكون هذه المجاهدة ضمن برنامج صحيح. فإن أراد الإنسان برنامجا لجهاد النفس، ندعوه إلى الإسلام فقد أعطى الإسلام هذا البرنامج.
            التقيت ذات يوم في بيتي بأحد أساتذة الجامعة الفرنسيين الذي كان أصله من الجزائر وكان مديرا متقاعدا في اليونسكو، فدار بيننا حديث إلى أن قال لي: هل تعلم متى يدخل الفرنسيون في دين الإسلام، وما هو موسم إسلامهم هناك؟ فقلت له: لا أدري. فقال: في شهر رمضان! ثم ذكر السبب قائلا: لأن في شهر رمضان يشاهدون المسلمين لا يشربون ولا يأكلون بالرغم من عطشهم وجوعهم، فيستحسنون هذا الدين ويميلون إليه. فكأنهم يقولون بلسان حالهم: نريد أن ندخل في هذا الدين كي لا نأكل كما تعتلف البهائم. فإذا أكلنا وشربنا ما طاب لنا كل حين، نشعر كأنما أصبحنا كالحيوانات. ونشعر بأنك أيها المسلم إنسان لأنك لا تأكل وتشرب كل ما طاب لك واشتهيتَه. فإن هذا الجهاد بحد ذاته هو من اللقطات الجميلة والرائعة في العالم ولهذا استهوت الكثير من الفرنسيين غير المسلمين ودعتهم إلى الإسلام.

            يتبع إن شاء الله...

            تعليق


            • #7
              الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2-3

              الأساليب المتعارفة في كتابة القصص والروايات غير إنسانية

              ولكن في مقابل هذه الحقيقة الجميلة، تجد أن قالب القصص والروايات والأسلوب المتعارف في كتابتها قائم على أساس مشتهيات بطل القصّة، ثم تكتب أحداث القصّة ومنعطفاتها ليرى المشاهد أو القارئ متى يصل بطل القصّة إلى أمنيته ومراده، فهل سينال ما رامه أم سيرجع خائبا. فإن مثل هذه القصّة تعيسة وغير إنسانية من أصلها، فكيف تريد أن تجعلها قصة إسلامية؟! هل يمكن لهذه القصّة التي قامت أركانها على أهواء بطلها ومثابرته من أجل ما يهواه أن تصبح قصّة إسلامية إنسانيّة بمجرد تطعيمها ببعض المظاهر أو الأفعال الإسلاميّة؟! وهل تصبح هذه القصّة إسلامية إذا صحبناها بصوت أذان أو قبّة مسجد؟!

              إذا تجافينا عن الرغبات الواضحة وركنّا إلى العلائق الخفية فقد تحقق بهذا «الجهاد الأكبر»

              إنما يتحقق الاختيار عندما تكون بين خيارين، أحدهما أثمن وأكثر قيمة ولكنه أخفى من نظيره، والآخر أقل قيمة ولكنه أجلى وأوضح من نظيره. فإنك إن مررت مرور الكرام عن الرغبة الواضحة وصولا إلى الرغبة الخفيّة فقد حققت الجهاد الأكبر وجهاد النفس الذي هو خيط سبحة جميع الفضائل والمكارم. يقول أمير المؤمنين(ع): «نِظَامُ‏ الدِّینِ‏ مُخَالَفَةُ الْهَوَى»(غررالح?م/حدیث32) وقال في مجال آخر: «رَأْسُ الدِّینِ مُخَالَفَةُ الْهَوَى‏» (غررالح?م/حدیث35)
              وقد قال النبي الأعظم(ص) حول أبواب جهنم: «...وَ عَلَى الْبَابِ الْخَامِسِ مَ?ْتُوب: لَا تَتَّبِعِ‏ الْهَوَى‏ فَالْهَوَى‏ مُجَانِبُ الْإِیمَان»(الروضة في فضائل أمیر المؤمنین(ع)/ص177)

              إن جهاد النفس أمر عسير

              طبعا إن جهاد النفس أمر عسير. فقد جاء في الحديث القدسي: «یَمُوتُ النَّاسُ مَرَّةً وَ یَمُوتُ‏ أَحَدُهُمْ‏ فِی‏ ?ُلِ‏ یَوْمٍ‏ سَبْعِینَ مَرَّةً مِنْ مُجَاهَدَةِ أَنْفُسِهِمْ وَ مُخَالَفَةِ هَوَاهُم» (میزان الح?مة/الحديث 2916)‏.
              كم مرة متّ اليوم؟! فإن قلت: كانت الأوضاع ماشية، فلم تمش الأوضاع على مرامك، بل كنت أنت تمشي على ما تهواه نفسك. أو لعلك كنت منسابا مع الدنيا وتيّاراتها. ولعلك تقول: لم أعثر اليوم على مواطن جهاد النفس، مع أني لم أرتكب ذنبا ولم أترك واجبا... وهذا يعني أنك لم تستطع أن تجد مواطن جهاد النفس من شدّة استئناسك بنفسك وأهوائك. فلابدّ أن تفتش عنها وتنقب بين دفائن وجودك لتجدها، إذ لم تُظهر نفسُك الأمارة نفسَها دائما، فلابدّ من التنقيب عنها وكشفها. فهل زعمت أن أرباب جهاد النفس الذين يموتون في اليوم الواحد سبعين مرّة، هم أناس ملوثون إلى هذا الحدّ حيث يشتهون الفجور والذنوب سبعين مرة في اليوم؟! كلا! بل إنهم يبحثون عن خفايا أهوائهم ويحاربونها؛ تلك الأهواء التي استأنسنا بها نحن واعتدنا عليها وألفناها. بيد أنه يذهب مفتشا عنها غير منفكّ عن محاربتها.

              خطة الله سبحانه في تسهيل عملية جهاد النفس

              ماذا يمكن أن يقوم به الله سبحانه لتسهيل عملية جهاد النفس علينا؟ لا بأس أن تتأملوا في هذا الموضوع وسوف أطرح في الجلسات القادمة بعض الأساليب التي يستخدمها الله تعالى لتعبيد طريق جهاد النفس لسالكيه.
              ولكن أروع الطرق وأكثرها تأثيرا وكفاءة وألصقها بالفؤاد هو أن يُظهر لنا واحدة من تلك الرغبات الفطريّة الخفيّة ويفعّلها ثم يقول لنا: تنحّ عن رغباتك الدانية والرخيصة بحبّ هذا الحبيب الغالي الذي كان حبّه كامنا في زمرة سائر رغباتك الفطرية الخفيّة. فلا سبيل في هذا العالم إلا حبّ أولياء الله. ومع أن حبّ أولياء الله حبّ مشهود وظاهر، وتجد في نفسك هذا الحبّ بكلّ وضوح، حيث تشعر بحرارتها في حرم الإمام الرضا(ع) وعندما تزور الحسين(ع) لا تريد أن تخرج ويضيق صدرك شوقا عندما ترجع من كربلاء الحسين(ع).
              سيدي يا أبا عبد الله! انظر إلى هوانا هذا حين نهواك، فإنه الحبّ والهوى الوحيد الذي في غاية الحسن والروعة بالرغم من ظهورة. إن الله سبحانه قد أظهر لنا بعض النزعات الفطرية ليأخذ بأيدينا ويهدينا بحافزها وطاقتها، ولكن من أروعها هو حبّ أهل البيت(ع). فما أن تتردد على حرم الحسين(ع) برجلك أو بقلبك تتعلق به وتعجز عن وصف مدى حبك للحسين(ع). ثم تحضر مجالس الوعظ والذكر منتظرا نعي الخطيب على الحسين(ع). ولعلك تبتهج بحلول شهر رمضان لكونه يعطيك الفرصة الكافية لاستماع مصائب الحسين(ع) لمدة ثلاثين ليلة متتالية. ولعل هذه الفرصة الرائعة هي إحدى علامات رحمة هذا الشهر المبارك للناس، إذ أن الحسين(ع) هو رحمة الله الواسعة.
              إن هذه الليلة هي أول ليلة جمعة من شهر رمضان فيا ليتنا كنا نقضيها في كربلاء؛ في ذاك الحرم العظيم وبجوار تلك الأجساد المرملة بالدماء وتلك الأجساد المقطعة التي لا تزال مدماة بدم عبيط. عندما يتوجه جمع من الموالين إلى حرم سيد الشهداء، كأنه يعبق المكان بعطر حرم الحسين(ع)، ويزدهر المكان بنور الحسين(ع).
              ماذا تفعل يا موالي إن ضاق صدرك لهفة إلى سيد الشهداء(ع)؟ فلعلك تذهب إلى مجلس من مجالس الحسين(ع) لتستمع مصائبه وتبكي عليه، أما العقيلة زينب فكلما كانت تشتاق إلى أخيها الحسين(ع) كانت تنحّي قليلا من ستار المحمل، لترى قمرها المنير في لياليها الظلماء. عندما يكون البدر في ليلة تمامه لا تُرى النجوم حوله، أما إذا كان هلالا فبإمكانك أن ترى النجوم حول الهلال، ولهذا كانت ترى زينب نجوما حول هلالها، من رأس أخيها العباس وابن أخيها علي الأكبر والقاسم وغيرهم من نجوم بني هاشم.
              ما هذه المصائب التي كانت تجرعها زينب؟ كأن هذه القصة كلها هي قصة زينب وهي الرميّة لجميع سهام بلايا كربلاء. كأن العالم بأسره مشاهد ومتفرج ليُظهر الله أمته زينب ويباهي بعشقها وصبرها في هذا الدرب... إن واقعة كربلاء هي قصة زينب في الواقع ونحن مشاهدون.

              ألا لعنة الله على القوم الظالمين

              تعليق


              • #8
                الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3-1

                إليك ملخص الجلسة الثالثة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع)في مدينة طهران.

                إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إنتاج قوة مضافة

                لقد خلقنا من أجل أن نحدث تغييرا وتحولا في أنفسنا ونستعين بذلك على إنتاج قيمة مضافة، إذ الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إنتاج قوة مضافة. فعلى سبيل المثال إنه قادر على استخدام بعض النباتات والأعواد اليابسة المهملة لإنتاج بعض الصنائع اليدوية كالسلال، وهذا ما يمثّل ضربا من إنتاج القوة المضافة.
                وإن ما ننتجه من قوة مضافة هو الذي سوف يوصلنا إلى الكمال وهو الذي يقربنا إلى الله، وبه سوف نفوز بالجنة. ومن أهم تجليّات هذا الإنتاج هو أننا قادرون على تحديد نوع حياتنا الأبدية بأنفسنا. نحن لسنا أولي تأثير كبير على كيفيّة حياتنا الدنيوية، إذ قد قدّر معظمها مسبقا، بينما نملك الحريّة والاختيار في اختيار نوع حياتنا الأخرويّة وكيفيّتها، وبإنتاج القيمة المضافة إنما نحدّد نوع حياتنا الأخرويّة. فالجنة التي سوف نفوز بها غدا إن شاء الله ليست مجرد أجر وحسب بل هي أكثر من ذلك، لأن الإنسان الذي يبني لنفسه بيتا ثم يسكن فيه، لا ينظر إلى بيته كجائزة حصل عليها بعد معاناته في بناء البيت، بل يراه نتيجة عمله.
                أحد أسباب رهبة يوم القيامة هو أن الإنسان سيدرك كم كان له دور وأثر مباشر في تحديد جزئيّات وتفاصيل حياته الأخرويّة. لقد تمّ القرار الإلهي على أن نكون نحن أصحاب التأثير المباشر على مليارات السنين المؤبدة وغير المحدودة، وذلك عبر إنتاج القيمة المضافة.

                إن نطاق اختيارنا في هذه الدنيا ضيّق ومحدود جدا إلا في...

                لقد تم تصميم جزء كبير من حياتنا الدنيوية على يد الله سبحانه دون إدخال إرادتنا ومشيئتنا في ذلك. فقد اختار والدينا وجسمنا وشكلنا ومواهبنا وكثيرا من مقدرات حياتنا بلا أن يكون لنا دخل في هذه الشؤون. نعم، إن مدى تأثيرنا في هذه الحياة غير معدوم على الإطلاق ولكنه في نطاق ضيق جدا.
                أما الشيء المطلق وغير المحدود الذي نملكه في هذه الحياة الدنيا هو فكرنا وفهمنا، ومن هذا القبيل أميالنا ورغائبنا القلبية. إن الدنيا وما فيها هي بمثابة المعرض، وليس شأننا في هذا المعرض إلا أن نؤشر ونختار ونسجّل بعض الموارد في قائمة الرغبات المادية والمعنوية. ولكن لا مجال للانتفاع والحصول على ما سجلناه واخترناه في هذه الدنيا، إذ أنها معرض ليس إلا.
                وما نحصل عليه في هذه الدنيا من النعم المادية والمعنوية فهي كالشطيرة التي يقدّمها لك صاحب المعرض لتتقوّى بها على مشاهدة باقي أقسام المعرض. فعندما تقوم للصلاة بين يدي ربك، حتى وإن كنت خاشعا في صلاتك ومتمتعا بها، في الواقع أنت كنت تؤشر وتختار بعض البضائع في معرض الدنيا. فكأنك كنت تعبّر عن رغبتك في لقاء الله، حتى تحصل على مزيد من هذا اللقاء في الجنّة. فإذا اخترت هذا الشيء في هذا المعرض سوف تدعى إلى لقاء الله باستمرار، كما سوف تحظى بلقاءات أمتع وأرفع.
                وكذا الحال في الزواج والأكل والشرب وباقي ملذّات العيش، فإن ما نملكه في هذه الدنيا هو أن نختار ونؤشر ونوصّي، ولن نحصل على شيء من هذه البضائع في الدنيا إلا الحد الأدنى.
                أما بالنسبة إلى الحياة الآخرة الأبدية اللانهائية فإن لنا اختيارا كبيرا في نطاق واسع جدا، وما أعظمها من حقيقة. إن القيمة المضافة التي نستطيع أن ننتجها هي ليست مجرد نقود وأموال، بل نحن قادرون على تحديد مصيرنا ومؤثرون في مقدرات عالمنا الكبير. وسوف نشاهد مدى تأثيرنا الكبير بمجرد دخولنا في الجنة وسوف نعيش هذا الواقع إلى الأبد.
                وقد تعترينا الرهبة والدهشة بعد ما نشاهد مدى تأثيرنا في ذاك العالم، ولا سيّما إن كنا غير مؤمنين بمدى هذا التأثير. فلا تزعموا أن مدى تأثيرنا في الآخرة بمقدار تأثيرنا في هذه الدنيا. وفي المقابل لا تتوهموا أنكم قادرون على التأثير في مقدرات هذه الدنيا، ولكن كل لحظات حياتنا في هذه الدنيا تؤثّر في جميع تلك الحياة الأبدية في الآخرة.

                يتبع إن شاء الله...

                تعليق


                • #9
                  الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3-2

                  إن تصور أكثر الناس عن الجنة تصور خاطئ

                  إن تصور أكثر الناس عن الجنة تصور خاطئ، فهم يتصورون أن الجنّة ليست بمحل حياة طيّبة. بل هي محلّ يمكث ساكنوها فيها عَطَلةً بَطَلة ولا شأن لهم فيها سوى استلام الجوائز والتمتع بالنعم. فكأننا بأحدهم يجلس تحت ظل شجرة في الجنّة فما يلبث ساعة إلا ويأتيه غلام بملعقة من عسل لذيذ ويقدّمها له، ثم يأتي الآخر ويقدم له كأسا من لبن. فما إن ينتهي من وجبة العسل واللبن يقفز في نهر من عسل. ثم يخرج من النهر ويتكئ على أريكة تحت ظلال أشجار الجنة، وإذا بحورية تأتي وتمرّخ كتفيه. ثم يأتى له بعد التمريخ طبق من دجاج. وبعد أن ينسف الطبق يقدّم له ملعقة من عسل مرة أخرى... وهكذا إلى أبد الآبدين. فإنّ مثل هذه الحياة تحطّم الإنسان ولا يكاد أن يطيقها أسبوعا واحدا فضلا عن أبد الآبدين. ولا شك أننا مخطئون في هذا التصوّر عن حياة الجنّة.
                  لقد قال الله سبحانه في القرآن: (وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوان‏)[العنكبوت:64]. إذن سوف تكون لنا في الجنة حياة بكل ما تعنيه الكلمة من تعاقيد ومنعطفات وأحداث وجَمال. إن هذا التصور الخاطئ قد دفع بعض الشباب ليسأل: ألى متى نجلس ونتمشى في بساتين الجنان وعلى ضفة أنهارها؟ أفلا نملّ ونضجر من تلك الأجواء الرتيبة؟! أو يتساءل: إن هذه الحياة الدنيا مع كل ما تشتمل عليه من مواجهات ونزاعات وأحداث وملاحم وقضايا، تُضجِر الإنسان وتملّه، فما بالك بالحياة الآخرة الرتيبة التي لا يواجه فيها الإنسان أي قضية تحتاج إلى حلّ أو علاج؟! وكل هذه الأسئلة ناتجة من تصورنا الخاطئ عن حياة الآخرة.
                  إن واقع الأمر هو أننا سوف نكون أحياء في الجنة وسوف نعيش حياة راقية هناك. فعلى سبيل المثال إن من خصائص حياة الآخرة هي أننا سوف نحظى بطاقة هائلة في الجنان، فهل يعقل أن تكون طاقتنا الهائلة من أجل لعق العسل وحسب؟!

                  نحن نبذل معظم طاقتنا من أجل حل مشاكل حياتنا الدنيوية، بيد أن جلّ «اختيارنا» هو مختصّ بتحديد كيفية حياتنا الأخروية

                  لقد خلقنا من أجل إنتاج القيمة المضافة، وإن مفعول هذه القيمة المضافة هو تحديد نوع حياتنا الأخرويّة. فما ننتجه في هذه الدنيا من قيمة مضافة فهو يؤثر بشكل مباشر في كيفية حياتنا الآخرة لا الدنيا. ونحن سوف نموت ونحيى مئة مرة حسرة ونتمنى أن نرجع إلى الدنيا ونقول: لقد أدركنا الآن ما كان يجب علينا، حيث كنا نسعى وراء سراب لحلّ مشاكلنا الدنيوية، وكنّا نجرب مختلف الطرق والوسائل في سبيل تعديل حال هذه الدنيا التعيسة. ولكن هيهات فما اهتدينا إلى ذلك سبيلا.
                  فلماذا لا نعتبر ولا نعي هذه الحقيقة وهي أن الدنيا ليست بأيدينا ولا دور لنا فيها تقريبا. ولا شأن لنا فيها سوى إنتاج القيمة المضافة التي بها نصنع حياتنا الآخرة؟ من هذا المنطلق أعمروا بيوتكم فإنكم في حال صنعها وهندستها الآن، وإنكم الآن في حال تعيين مساحة أرض قصركم، كما أنكم الآن تختارون جيرانكم وأصحابكم، ومضافا إلى ذلك أنتم تحددون مستوى منطقتكم في الجنة. إنكم سوف تعيشون في تلك الجنة ما لن تقدروا على إحصاء عقودها المليارية في مليارات السنين، وإنها لحياة أضخم وأكبر وأوسع وأرقى جدا من أن تتمدّد في بستان بلا شغل ولا عمل، ثم تستقبل ملاعق العسل وأكواب اللبن بين الساعة والأخرى.

                  ليست «القيمة المضافة» بمعنى ما نفهمه من الأجر والثواب

                  الحياة الحقيقية والأصيلة هي في الآخرة، لأن الحياة في هذه الدنيا مصحوبة بالممات، فإننا نطوي جزء كبيرا منها في النوم، أما هناك فنحن صاحون دوما. وتارة نتثاقل عن أداء الأعمال وتارة نتكاسل، بينما في الحياة الأخروية لا ننفك عن النشاط والطاقة دوما. نحن أصحاب الأمر والقرار في كيفية حياتنا الأخروية وهذا هو معنى إنتاج القيمة المضافة. فما إن نذكر «القيمة المضافة» لا يقتصر ذهنكم على الأجر والثواب، مع أنه أجر وثواب أيضا، ولكنه أجر في نطاقه الواسع جدا، بمعنى أنك قادر على تنظيم آخرتك في هذه الدنيا. فلابد من ترجمة كلمة الأجر والثواب على أساس ذاك العالم العظيم اللانهائي.

                  يتبع إن شاء الله...

                  تعليق


                  • #10
                    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3-3

                    إن فهم هذه الحقيقة يحلّ لنا بعض أسئلتنا الكلامية

                    كل ما موجود في هذه الدنيا فهو وسيلة لنتمكن به من إنتاج القيمة المضافة، وهنا منطلق بحثنا. إن ميزة آدم الذي خلقه الله هو القدرة على إنتاج القيمة المضافة. فكان الملائكة في غفلة عن هذه الحقيقة وهذا ما دفعهم للاستفسار عن سبب خلق آدم والآدميّين، إذ وجدوا أن من شأن هذا الكائن بما يشتمل عليه من حريّة وقوّة وشهوات، أن يسفك الدماء وأن يستغلّ قدراته وإمكاناته في الفساد. فلمّا طرحوا سؤالهم، قال الله لهم: إنّي أعلم ما لا تعلمون.
                    ولعلّ إحدى الحقائق التي كانت قد خفيت عن علم الملائكة هو مدى قيمة إنتاج القيمة المضافة، فإنّ قيمتها وثمنها يستحقّ خلق الناس حتى إذا فسد وأفسد جمع منهم. وهذا ما لم يفهمه كثير من الناس أيضا. حيث يسأل بعضهم، هل كان يستحق خلق الإنسان بغية إنتاج القيمة المضافة مثلَ هذه المظالم والإجرام وسفك الدماء؟ نعم يستحق.
                    فإن كنت ترى عدم استحقاقه، قل لي أين موقعك الآن في هذا العالم وما الذي تراه الآن حتى تقيّم وتستنتج؟! ألك ميزان يقارن بين قيمة خلق الإنسان والظلم الذي ارتكبه في العالم؟! فإذا أردت أن تخرج بنتيجة أدقّ لابد أن تتأمل بمزيد من الدقّة، ثم تحاول أن تدرك الحياة الأخروية، كما ينبغي أن تشاهد قيمة أولئك الذين أنتجوا القيمة المضافة وعاشوا في أجوائها. فإن استطعت أن ترى هذه الحقائق سوف تقرّ باستحقاق خلق الإنسان على رغم ما قد يرتكبه من إجرام.

                    أطيلوا الفكر والتأمل في المعاد

                    نحن الآن وفي كل آن من حياتنا نعيّن ونحدّد كيفية حياتنا الأخروية وذلك من خلال آمالنا وأهوائنا وأدعيتنا وسلوكنا وأفكارنا وأقوالنا وبكل فعل نقوم به.
                    نحن ـ أيّها الإخوة ـ بأمسّ الحاجة إلى تغيير رؤيتنا عن المعاد. فقد استوقفني بحث المعاد في هذه الليلة ولا أدري كيف أمرّ من موضوع المعاد وأدخل في بحثنا؟ إن إدراك المعاد يمثّل إحدى مشاكلنا فلابدّ من إطالة الفكر والتأمل فيه. فلا ينفع الإيمان بالله وبأنبيائه ورسله ما لم يؤمن الإنسان بالمعاد.
                    فإن لم نأخذ المعاد وحياة الآخرة بعين الاعتبار، يصبح كل شيء عبثا بلا معنى. والمعاد، هو أصل الحياة. على أي حال لا مجال لنا للوقوف عند موضوع المعاد فلابد من مغادرته. اللهم! أنر أبصارنا برؤية المعاد. فمن أجل أن أشرح لك يا إلهي كيف تنر أبصارنا، دعني أقرأ هذه الرواية. وبالتأكيد إنك عالم بكل الحقائق وتعلم كيف تنير أبصارنا إن شئت ذلك، ولكن لعلّ بعض الإخوة لم يدركوا المقصود من هذا الدعاء ولم ينتبهوا إلى مستواه الرفيع فلا بأس أن أقرأ لهم هذه الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين(ع) حيث يصف المتقين: «فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ ?َمَنْ‏ قَدْ رَآهَا فَهُمْ‏ فِیهَا مُنَعَّمُونَ‏ وَ هُمْ وَ النَّارُ ?َمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ»(نهج البلاغة/الخطبة193). فلنشاهد الآخرة هكذا. ويا حبذا لو استطعنا أن نرى الجنة أيضا ولا نار جهنم فحسب. إذ غاية ما يناله بعض ضعاف النفوس هو أن ينتبه إلى نار جهنّم، فيصبّ كل اهتمامه بالخلاص منها بلا أن يهتمّ بالجنّة. فيقول: حسبي أن أخلص من نار جهنّم ولا يهمّني بعد أين ما حُشِرت وسكنت. أما أنتم فحاولوا أن تتألموا من نار جهنم بدافع شوقكم إلى الجنّة. فانظروا إلى نار جهنّم كمانع مزعج حال بينكم وبين الجنّة. فلابد أن يصحب الخوفَ من النار شوقُ الجنة.

                    ما دور العلم في إنتاج القيمة المضافة؟

                    فلنرجع إلى موضوعنا إذ قد ابتعدنا عنه كثيرا. لابد أن ننظر إلى موضوع جهاد النفس كهدف خلقة الإنسان. إذ خلق الإنسان لكي ينتج القيمة المضافة، وبالتأكيد إن نطاق هذه القيمة التي يستطيع الإنسان إنتاجها نطاق واسع جدا، فإنه سوف يكون أبديا في حياة الآخرة وهو الذي يحدد مصيره ويتحكم في كيفية حياته.
                    انطلاقا من مدى تأثير القيمة المضافة في نوع حياتنا الأخروية، يتبادر هذا السؤال وهو أن كيف يمكن إنتاج القيمة المضافة. أرجو أن تطيلوا الوقوف عند هذا السؤال. بودي أن تطيلوا التفكير حتى يتكوّن حزن في قلوبكم ثم تنقلبوا إلى ربكم وتناجونه بهذا الحزن في ليالي مناجاتكم. فلا تبكوا بلا سبب وغمّ ولا تكونوا بلا حزن وغمّ معنوي، فإنّ البهائم لا يحزنون لشيء وحاشاكم أن تكونوا مثلَهم. ولكن بودّي أن يكون حزنكم مستوحى من هذه المعرفة ومن التأمل في هذا الموضوع.
                    كيف يمكن للإنسان أن ينتج القيمة المضافة؟ إذا أردت أن أفتح الموضوع بالتفصيل سوف لا أقدر على إنهائه حتى بعد خمس ساعات، ولكن أحاول أن أطرحه بإيجاز.

                    يتبع إن شاء الله...

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X