الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-5
إن الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي نعيشها من أجله
بعد أن عشق الإنسان ربّه ورغب في تحمل البلاء من أجله، لم يعطَ حق اختيار البلاء بل الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي لابدّ أن يعيشها من أجله. ولا شك في أن هذا القانون عامّ يشمل جميع الناس ولا العشاق فقط.
أيّها السادة! هل تريدون أن تتصدقوا؟ أجيبوني بنعم. إن كنتم تريدون أن تتصدقوا فاسمحوا لي أن آتي بيوتكم وأختار بنفسي البضاعة لتتصدقوا بها، فهل توافقون على ذلك؟! من المؤكّد أنّكم لا توافقون على ذلك إذ تريدون أن تتصدقوا بما تشاءون لا بما يختاره غيركم. ولكن الله سبحانه يمتحنكم ويقدر لكم المشاكل كيف ما يشاء، وهو يعرف جيدا كيف يبتليكم ويفرض عليكم المحن والمشاكل، إنه يعرف ثغرات حياتكم ويعرف نقاط ضعفكم، وأحيانا يأخذ إسماعيلكم أضحيةً.
طبعا إن الله أرحم الراحمين وهو يراعي قابليتنا وإيماننا، فلا يخف منكم أحد، إذ نحن غير مؤهلين لمثل هذه الامتحانات الصعبة، فلا تقلقوا على مستقبلكم وما سوف يفعله الله بكم. وقد سبق أن قرأت عليكم تلك الرواية التي تقول: «لَوْ لَا إِلْحَاحُ هَذِهِ الشِّيعَةِ عَلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لَنَقَلَهُمْ مِنَ الْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا إِلَى مَا هُوَ أَضْيَقُ مِنْهَا»[الكافي/ج2/ص264]
إن الله قد سمح لشخص واحد أن يتجرع البلاء إلى آخره، وهو الحسين(ع)، ولم يعط هذه الفرصة لأحد آخر أبدا. لم يسمح لإبراهيم الخليل(ع) أن يتجرع البلاء بشكل مباشر ولم يسمح لشخص آخر أبدا ولكنه قد سمح للحسين(ع). فأنت الذي تعشق الحسين(ع) وبودك أن تفدي بروحك من أجل الحسين(ع) هل تعلم لماذا أخذ الحسين(ع) من قلبك هذا المأخذ؟ وهل تعرف سبب حبك الشديد هذا للحسين(ع)؟ لأن فطرتك وذاتك تتلهف للحسين(ع) إذ أن الحسين قدوة إنسانيتك وقد جسد الإنسانية بأروع صورها، وهي ليست إلا حب تجرع البلاء من أجل الله، وأنت مفطور على هذا الحبّ، فلابدّ أن تحبّ الحسين(ع).
كيف نصل إلى هذا المقام؟
هناك طريقان:
الطريق الأول هو هذا الكلام الذي تحدثنا به في جلساتنا الماضية. اعترف بمرارة الدنيا لتقدر على التجافي عنها ولئلا تصرف كل همك بإصلاحها. طبعا لا بأس أن يقوم الإنسان بإصلاح دنياه بمقتضى تكليفه، ولكن لا تصرف وجودك في هذه الدنيا البالية. دعها فإنها لا تصلح بشكل كامل. ارفع همتك عن مستوى هذه الدنيا وطهّر قلبك عن التعلق بها وصدّق بمرارتها ولا تصادق من أهلها أحدا ولا تأنس بأحد من أهلها، دعها ولا تفتش عن راحتك وقرارك فيها. هذا هو الطريق الأوّل.
أما الطريق الثاني فهو عقد القلب بالله سبحانه، فدرّب نفسك شيئا فشيئا على عشق الله. وقد جعل الله سبحانه المعصومين الأربعة عشر تسهيلا لحبّه. فإن صعب عليك حبّ الله وعشقه، فاعشق الحسين(ع) لتصل عن طريق عشقه إلى عشق الله. واللطم على الصدور في هذا المسار يمثل سلوكا عرفانيا رائعا. فهو شعار ورمز لمن أحبّ أن يتحمل البلاء في سبيل الحبيب.
إني آسف عليكم جدا إذ لم تدركوا أيام الجبهة والدفاع المقدّس. فلأنقل لكم بعض المشاهد التي عشتها هناك بصفة إنسان شاهد وحسب. كنا نعيش ساعات وأياما تحت قصف القنابل والرصاص، ومن كثرة الشضايا والقنابل والرصاص كنّا نشعر بأنا تحت المطر وكان مطرا من نور. فعندما تنتهي تلك الأيام ونشعر بالأمان ينقبض قلبنا ونشعر بأنه قد اسودّ لقلة البلاء. وقد سمعتم كثيرا أن الشباب المجاهدين عندما كانوا يرجعون إلى مدنهم كان يضيق صدرهم. إذ أن فطرة الإنسان تتلهف للبلاء والشدّة في سبيل الحبيب والمعشوق.
ما هو الأسلوب الأفضل في التعامل مع نعم الله؟
إن هذا الإنسان الذي يلتذّ في البلاء، إذا أنعم الله عليه وخفف عنه البلاء يمتلئ نورا ويصل إلى أوج اللذة وينغمر في حالة الشكر لله. أتذكر أحد المجاهدين في أيام الجبهة كان لا يستطيع أن يأكل شيئا بعد انتهاء الحملة ورجوع القوات إلى الوراء. فسألته عن السبب، فقال: «إني كنت أحصي ديوني لله تحت قصف القنابل في المعركة وكنت أشعر بالخجل والدين لله، فكيف بي الآن وأنا في حالة الأمان الذي أشعر فيه بتصاعد ديوني لله سبحانه؟ وقال: ما زال صدري ضائقا من كثرة ديوني لله فهل أكثّرها؟» كان بودّه أن يضحي من أجل الله ويتقطع قطعة قطعة في سبيل الله، لا أن يأكل ويتنعّم ويتمتّع. فقلت له: أما تسمّي باسم الله قبل الطعام؟ قال: بلى. فقلت: إذن كلْ الطعام إذ لا يتشدّد الله بهذه الدرجة، والله يحب أن يتمتع عبده بنعمه. بعد ذلك كان يجلس على مائدة الطعام ويناجي ربه قليلا ويبكي قليلا ثم يأكل جيدا. فكان يأكل إرضاء لربّه كالولد الذي يأكل ما طبخت له أمه لتفرح أمّه. إن مثل هؤلاء يستطيعون أن يأكلوا من أجل الله فقط، أما الباقي فيأكلون مثل البهائم. لا يستطيع أحد أن يأكل من أجل الله، بل الكل يأكلون تلبية لنفسهم. وإنما الإنسان الذي يتحبب إلى الله في خضمّ البلاء، هو الذي يعرف كيف يتمتع بنعم الله.
صلى الله عليك يا أبا عبد الله
إن عشّاق الله يودّون أن يتلقّوا البلاء في سبيل الله، ولكنّ الله لم يسمح لأحد أن يتجرع كأس البلاء إلى آخره إلا الحسين(ع)، فقد أعطاه الحرية الكاملة لتحمل البلاء وكانت تأتي البلايا على الحسين(ع) واحدا بعد الآخر في يوم عاشوراء. هناك قاعدة تقول: كلما ازداد الإنسان نورا ومقاما وقربا من الله، ازداد حظا من هذا النوع من البلاء. فبما أن الحسين(ع) كان يزداد نورا ومقاما كلما كان يقترب من ظهور عاشوراء وعصر عاشوراء كان يزداد بلاؤه وتشتدّ مصائبه.
لقد استشهد أصحاب الحسين(ع) جميعا وبقي وحيدا، فأخذ يودّع أهله وعياله في الخيام وينزل إلى الميدان. في هذه اللحظات إذا كان ينزل بلاء على الحسين(ع) يفترض أن يكون أصعب من جميع المصائب التي تلقّاها من الصبح لحدّ ذاك الوقت. أنتم أيها الشباب قد لا تستطيعون أن تفهموا شدّة هذا البلاء باعتباركم لم تصبحوا آباءً، ولكن الآباء ولا سيما أولئك الذين لهم بنات صغار، وخاصة إذا كانت بنتهم في التاسعة أو العاشرة من عمرها يدركون شدّة هذه المصيبة نوعا ما. بعد أن ودّع الحسين(ع) النساء جميعا وأراد أن ينطلق إلى الميدان جاءته بنته سكينة وقالت له: «ردّنا إلى حرم جدّنا» إن هذه الكلمة بوحدها تكاد أن تقطع فؤاد الأب الغيور الذي لا سبيل له إلا أن يترك بناته بين قوم سفلة مجرمين.
ألا لعنة الله على القوم الظالمين
إن الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي نعيشها من أجله
بعد أن عشق الإنسان ربّه ورغب في تحمل البلاء من أجله، لم يعطَ حق اختيار البلاء بل الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي لابدّ أن يعيشها من أجله. ولا شك في أن هذا القانون عامّ يشمل جميع الناس ولا العشاق فقط.
أيّها السادة! هل تريدون أن تتصدقوا؟ أجيبوني بنعم. إن كنتم تريدون أن تتصدقوا فاسمحوا لي أن آتي بيوتكم وأختار بنفسي البضاعة لتتصدقوا بها، فهل توافقون على ذلك؟! من المؤكّد أنّكم لا توافقون على ذلك إذ تريدون أن تتصدقوا بما تشاءون لا بما يختاره غيركم. ولكن الله سبحانه يمتحنكم ويقدر لكم المشاكل كيف ما يشاء، وهو يعرف جيدا كيف يبتليكم ويفرض عليكم المحن والمشاكل، إنه يعرف ثغرات حياتكم ويعرف نقاط ضعفكم، وأحيانا يأخذ إسماعيلكم أضحيةً.
طبعا إن الله أرحم الراحمين وهو يراعي قابليتنا وإيماننا، فلا يخف منكم أحد، إذ نحن غير مؤهلين لمثل هذه الامتحانات الصعبة، فلا تقلقوا على مستقبلكم وما سوف يفعله الله بكم. وقد سبق أن قرأت عليكم تلك الرواية التي تقول: «لَوْ لَا إِلْحَاحُ هَذِهِ الشِّيعَةِ عَلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لَنَقَلَهُمْ مِنَ الْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا إِلَى مَا هُوَ أَضْيَقُ مِنْهَا»[الكافي/ج2/ص264]
إن الله قد سمح لشخص واحد أن يتجرع البلاء إلى آخره، وهو الحسين(ع)، ولم يعط هذه الفرصة لأحد آخر أبدا. لم يسمح لإبراهيم الخليل(ع) أن يتجرع البلاء بشكل مباشر ولم يسمح لشخص آخر أبدا ولكنه قد سمح للحسين(ع). فأنت الذي تعشق الحسين(ع) وبودك أن تفدي بروحك من أجل الحسين(ع) هل تعلم لماذا أخذ الحسين(ع) من قلبك هذا المأخذ؟ وهل تعرف سبب حبك الشديد هذا للحسين(ع)؟ لأن فطرتك وذاتك تتلهف للحسين(ع) إذ أن الحسين قدوة إنسانيتك وقد جسد الإنسانية بأروع صورها، وهي ليست إلا حب تجرع البلاء من أجل الله، وأنت مفطور على هذا الحبّ، فلابدّ أن تحبّ الحسين(ع).
كيف نصل إلى هذا المقام؟
هناك طريقان:
الطريق الأول هو هذا الكلام الذي تحدثنا به في جلساتنا الماضية. اعترف بمرارة الدنيا لتقدر على التجافي عنها ولئلا تصرف كل همك بإصلاحها. طبعا لا بأس أن يقوم الإنسان بإصلاح دنياه بمقتضى تكليفه، ولكن لا تصرف وجودك في هذه الدنيا البالية. دعها فإنها لا تصلح بشكل كامل. ارفع همتك عن مستوى هذه الدنيا وطهّر قلبك عن التعلق بها وصدّق بمرارتها ولا تصادق من أهلها أحدا ولا تأنس بأحد من أهلها، دعها ولا تفتش عن راحتك وقرارك فيها. هذا هو الطريق الأوّل.
أما الطريق الثاني فهو عقد القلب بالله سبحانه، فدرّب نفسك شيئا فشيئا على عشق الله. وقد جعل الله سبحانه المعصومين الأربعة عشر تسهيلا لحبّه. فإن صعب عليك حبّ الله وعشقه، فاعشق الحسين(ع) لتصل عن طريق عشقه إلى عشق الله. واللطم على الصدور في هذا المسار يمثل سلوكا عرفانيا رائعا. فهو شعار ورمز لمن أحبّ أن يتحمل البلاء في سبيل الحبيب.
إني آسف عليكم جدا إذ لم تدركوا أيام الجبهة والدفاع المقدّس. فلأنقل لكم بعض المشاهد التي عشتها هناك بصفة إنسان شاهد وحسب. كنا نعيش ساعات وأياما تحت قصف القنابل والرصاص، ومن كثرة الشضايا والقنابل والرصاص كنّا نشعر بأنا تحت المطر وكان مطرا من نور. فعندما تنتهي تلك الأيام ونشعر بالأمان ينقبض قلبنا ونشعر بأنه قد اسودّ لقلة البلاء. وقد سمعتم كثيرا أن الشباب المجاهدين عندما كانوا يرجعون إلى مدنهم كان يضيق صدرهم. إذ أن فطرة الإنسان تتلهف للبلاء والشدّة في سبيل الحبيب والمعشوق.
ما هو الأسلوب الأفضل في التعامل مع نعم الله؟
إن هذا الإنسان الذي يلتذّ في البلاء، إذا أنعم الله عليه وخفف عنه البلاء يمتلئ نورا ويصل إلى أوج اللذة وينغمر في حالة الشكر لله. أتذكر أحد المجاهدين في أيام الجبهة كان لا يستطيع أن يأكل شيئا بعد انتهاء الحملة ورجوع القوات إلى الوراء. فسألته عن السبب، فقال: «إني كنت أحصي ديوني لله تحت قصف القنابل في المعركة وكنت أشعر بالخجل والدين لله، فكيف بي الآن وأنا في حالة الأمان الذي أشعر فيه بتصاعد ديوني لله سبحانه؟ وقال: ما زال صدري ضائقا من كثرة ديوني لله فهل أكثّرها؟» كان بودّه أن يضحي من أجل الله ويتقطع قطعة قطعة في سبيل الله، لا أن يأكل ويتنعّم ويتمتّع. فقلت له: أما تسمّي باسم الله قبل الطعام؟ قال: بلى. فقلت: إذن كلْ الطعام إذ لا يتشدّد الله بهذه الدرجة، والله يحب أن يتمتع عبده بنعمه. بعد ذلك كان يجلس على مائدة الطعام ويناجي ربه قليلا ويبكي قليلا ثم يأكل جيدا. فكان يأكل إرضاء لربّه كالولد الذي يأكل ما طبخت له أمه لتفرح أمّه. إن مثل هؤلاء يستطيعون أن يأكلوا من أجل الله فقط، أما الباقي فيأكلون مثل البهائم. لا يستطيع أحد أن يأكل من أجل الله، بل الكل يأكلون تلبية لنفسهم. وإنما الإنسان الذي يتحبب إلى الله في خضمّ البلاء، هو الذي يعرف كيف يتمتع بنعم الله.
صلى الله عليك يا أبا عبد الله
إن عشّاق الله يودّون أن يتلقّوا البلاء في سبيل الله، ولكنّ الله لم يسمح لأحد أن يتجرع كأس البلاء إلى آخره إلا الحسين(ع)، فقد أعطاه الحرية الكاملة لتحمل البلاء وكانت تأتي البلايا على الحسين(ع) واحدا بعد الآخر في يوم عاشوراء. هناك قاعدة تقول: كلما ازداد الإنسان نورا ومقاما وقربا من الله، ازداد حظا من هذا النوع من البلاء. فبما أن الحسين(ع) كان يزداد نورا ومقاما كلما كان يقترب من ظهور عاشوراء وعصر عاشوراء كان يزداد بلاؤه وتشتدّ مصائبه.
لقد استشهد أصحاب الحسين(ع) جميعا وبقي وحيدا، فأخذ يودّع أهله وعياله في الخيام وينزل إلى الميدان. في هذه اللحظات إذا كان ينزل بلاء على الحسين(ع) يفترض أن يكون أصعب من جميع المصائب التي تلقّاها من الصبح لحدّ ذاك الوقت. أنتم أيها الشباب قد لا تستطيعون أن تفهموا شدّة هذا البلاء باعتباركم لم تصبحوا آباءً، ولكن الآباء ولا سيما أولئك الذين لهم بنات صغار، وخاصة إذا كانت بنتهم في التاسعة أو العاشرة من عمرها يدركون شدّة هذه المصيبة نوعا ما. بعد أن ودّع الحسين(ع) النساء جميعا وأراد أن ينطلق إلى الميدان جاءته بنته سكينة وقالت له: «ردّنا إلى حرم جدّنا» إن هذه الكلمة بوحدها تكاد أن تقطع فؤاد الأب الغيور الذي لا سبيل له إلا أن يترك بناته بين قوم سفلة مجرمين.
ألا لعنة الله على القوم الظالمين
تعليق