أبو طالب عليه السلام مؤمن قريش
إيمان أبي طالب عليه السلام عند أهل البيت عليهم السلام :
لا بد لنا هنا من الحديث بإيجاز عن موضوع ما زال بين أخذ ورد بين المسلمين ألا وهو إيمان أبي طالب «رحمه الله» ، فمن مؤيد ، ومن منكر .
فأما أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم ، فإنهم مجمعون على إيمانه وإسلامه «عليه السلام» 1 ، بل في بعض الأحاديث عنهم «عليهم السلام» : أنه من الأوصياء 2 ، وأن نوره يطغى في يوم القيامة على كل نور ، ما عدا نور النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة «عليهم السلام» ، والسيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام» 3 .
أهل البيت عليهم السلام أدرى :
والأحاديث الدالة على إيمانه ، والواردة عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام» لا تنحصر بما ذكرناه في هذه الدراسة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة 4 .
وقد ذكر العلامة المجلسي في كتابه العظيم «بحار الأنوار» والطبسي في كتاب «منية الراغب» وكذلك الخنيزي في كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» وصاحب كتاب : «مواهب الواهب» وغيرهم الشيء الكثير جداً مما يدل على إيمانه صلوات الله وسلامه عليه . .
ونحن سوف نقتصر في هذا المعرض على أقل القليل من ذلك ونحيل من أراد التوسع إلى كتاب البحار الآنف الذكر ، وإلى غيره . .
غير أننا نقول هنا : إن هذه الأخبار هي من الكثرة والصراحة بحيث تعطي الانطباع الحاسم عما لأبي طالب من شأن عظيم ، ومقام كريم عند الله تعالى .
وواضح : أن أهل البيت أدرى بما فيه من كل أحد .
يقول ابن الأثير : «وما أسلم من أعمام النبي «صلى الله عليه وآله» غير حمزة والعباس ، وأبي طالب عند أهل البيت» 5 .
تآليف في إيمان أبي طالب عليه السلام :
وعدا عن ذلك ، فما أكثر الأدلة الدالة على إيمانه ، وقد أُلف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب من السنة والشيعة على حد سواء .
وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : «أبو طالب مؤمن قريش» للأستاذ عبد الله الخنيزي ، الذي كاد أن يدفع مؤلفه حياته ثمناً له ، حين حاول الوهابيون اتخاذ ذلك ذريعة للتخلص منه ، فتداركه الله برحمته ، وتخلص من شرهم .
هذا عدا عن البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخص بالذكر هنا ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الأميني قدس سره . . 6 .
وقد نقل العلامة الأميني عن جماعة من أهل السنة : أنهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في أسنى المطالب 7 والأجهوري ، والإسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : شهاب الأخبار ، والتلمساني في حاشية الشفاء ، والشعراني ، وسبـط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .
بل لقد حكم عدد منهم ـ كابن وحشي والأجهوري ، والتلمساني ـ بأن من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر 8 .
من أدلة إيمان أبي طالب عليه السلام :
ونحن نذكر فيما يلي طرفاً من الأدلة على إيمان أبي طالب ، فنقول :
أهل البيت عليهم السلام أعرف :
وقد تقدم بعض ما روي عن الأئمة «عليهم السلام» ، والنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» مما يدل على إيمانه ، وقد قلنا :
إن أهل البيت أدرى بما فيه ، وأعرف بأمر كهذا من كل أحد .
التضحيات والمواقف :
ويدل على ذلك أيضاً : ما تقدم من مناصرته للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وتحمله المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته بمكانته في قومه ، وحتى بولده ، وتوطينه نفسه على خوض حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس في سبيل هذا الدين . .
ولو كان كافراً ؛ فلماذا يتحمل كل ذلك؟!
ولماذا لم نسمع عنه ولو كلمة عتاب أو تذمر مما جرَّه عليه النبي محمد «صلى الله عليه وآله»؟! .
واحتمال : أن يكون قد طمع بمقام دنيوي أعظم .
يرده : أن الطامع إنما يسعى للحفاظ على حياته لينال ما طمع به ، أما أبو طالب فكان على استعداد لأن يقتل هو وجميع أولاده ، وعشيرته في سبيل هذا الدين .
تشنيع الأعداء :
وقد استدل سبط ابن الجوزي على إيمانه بأنه لو كان أبو الإمام علي «عليه السلام» كافراً لكان شنع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعدائه «عليه السلام» ، مع أنه «عليه السلام» كان يذمهم ، ويزري عليهم بكفر الآباء والأمهات ، ورذالة النسب 9 .
أشعاره الصريحة بالإيمان :
أما تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً؛ فإنها كلها ناطقة بإيمانه وإسلامه .
ويمكننا أن ندَّعي : أن هذه التصريحات قد جاءت بعد قضية إسلام حمزة ، أو بعد الهجرة إلى الحبشة .
أما قبل ذلك فكان «عليه السلام» يعمل بالتقية أمام قريش على الخصوص .
ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : إن كل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، من حيث مجموعها 10 .
فمن الشواهد على توحيده ، قوله :
مليك الناس ليس له شريك *** هو الوهاب ، والمبدي المعـيد
ومن تحت السـماء له بحق *** ومن فوق الـسماء لـه عبيد
ومن الشواهد على إيمانه بنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، نذكر :
1ـ ألم تعلموا : أنا وجـدنا محمداً *** نبياً كمـوسى خط في أول الكتب
2 ـ نبي أتاه الوحي مـن عند ربه *** ومن قال : لا ، يقرع بها سن نادم
3 ـ يا شاهد الله عـلي فـاشهد *** إني عـلـى ديـن النـبي أحمـد
4 ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه *** علـيك نـزل من ذي العزة الكتب
5 ـ أنت الـنبي محمد *** قـرم أغـر مـسـوَّد
6 ـ أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب *** على نبي كمـوسى أو كـذي النون
7 ـ وظـلم نبي جاء يدعو إلى الهدى *** وأمر أتى من عند ذي الـعرش قيم
8 ـ لقد أكرم الله النـبـي محـمداً *** فـأكرم خلق الله في الناس أحمـد
9 ـ وخـيـر بنـي هاشـم أحمـد *** رسـول الإله عـلـى فـتـرة 11
10ـ والله لا أخـذل الـنــبي ولا *** يـخـذلـه من بني ذو حسـب
11 ـ وقال «رحمه الله» يخاطب ملك الحبشة ، ويدعوه إلى الإسلام :
أتعلـم ملك الحبش أن محمـداً نبياً *** كـمـوسى و المسيح ابن مـريـم
أتى بالهدى مثل الذي أتيـا بــه *** فكـل بأمـر الله يهــدي ويعصـم
وإنـكـم تتلـونـه في كتـابكم *** بصدق حـديث لا حـديث الترجـم
فــلا تجعلوا لله نـداً فـأسلموا *** فــإن طـريــق الحـق ليس بمظلم
12 ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة «رحمه الله» :
فـصـبراً أبا يعلى على دين أحمد *** وكن مظهراً للـديـن وفـقت صابرا
وحط من أتى بالحق من عنـد ربه *** بصدق وعـزم لا تكن حمز كـافـرا
فقـد سرني أن قلت : إنـك مؤمن *** فكن لـرسول الله في الله نــاصرا
و باد قريشـاً في الذي قد أتـيـته *** جهـاراً ، وقل : ما كان أحمد ساحرا
13 ـ نصرت الرسول رسول المليك *** ببيض تـلالاً كـلـمع الـبـروق
أذب و أحمـى رسـول الإلـــه *** حمايــة حـام علـيـه شفـيق
14 ـ لقد علموا : أن ابننا لا مكذب *** لدينـا ولا نعبـأ بقـول الأباطـل
15 ـ أقـيم على نصـر النبي محمد *** أقاتـل عنه بـالقنـا والقـنـابـل
16 ـ أنت ابن آمنـة النبي محمـد *** عـندي بمـثـل مـنــازل الأولاد
17 ـ ألا إن أحمد قد جــاءهم *** بحق ولـم يـأتـهــم بـالـكـذب
18 ـ أوصي بنصر نبي الخير مشهده *** علياً ابني وشيخ القوم عبــاســـا
19ـ ودعوتني وعلمت أنك صادق *** ولـقــد صدقت وكنت ثـم أمينـا
ولـقـد عـلمت بأن دين محمد من *** خـيـر أديـان الـبريـة ديـنــا
وأشعار أبي طالب «عليه السلام» الناطقة بإيمانه كثيرة ، وقد اقتصرنا منها على هذا القدر؛ لنفسح المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ، ويقال في هذا الموضوع .
مدائح أبي طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله :
قال المعتزلي : «قلت : كان صديقنا علي بن يحيى البطريق «رحمه الله» يقول : لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب ، وهو شيخ قريش ، ورئيسها ، وذو شرفها ، يمدح ابن أخيه محمداً وهو شاب قد ربي في حجره ، وهو يتيمه ومكفوله ، وجارٍ مجرى أولاده بمثل قوله :
وتـلقوا ربيـع الأبطحين محمـداً *** على ربـوة في رأس عـنقـاء عيطل
وتـأوي إلـيه هـاشم إن هاشماً *** عرانين كـعـب آخـر بـعـد أول
ومثل قوله :
وأبـيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثـمال اليـتـامى عصمـة للأرامـل
يـطيف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عـنـده في نـعمة وفـواضـل
فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس ، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء .
فإذا تصورت : أنه شعر أبي طالب ، ذاك الشيخ المبجل العظيم في النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، وهو شاب مستجير به ، معتصم بظله من قريش ، قد رباه في حجره غلاماً ، وعلى عاتقه طفلاً ، وبين يديه شاباً ، يأكل من زاده ، ويأوي إلى داره ، علمت موضع خاصية النبوة وسرها ، وأن أمره كان عظيماً» 12 .
كما أن قصيدته اللامية تلك التي يقول فيها :
وأبـيـض يـسـتـسـقى . . الخ . . . . . . . .
وهي طويلة ، وكان بنو هاشم يعلمونها أطفالهم 13 ، فيها الكثير مما يدل على إيمانه العميق الصادق ، وقد ذكرها ابن هشام وابن كثير ، وغيرهما .
وهي ظاهرة الدلالة على عظمة الرسول «صلى الله عليه وآله» في نفس أبي طالب «عليه السلام» ، وهي عظمة أوجبت خضوع قلبه له «صلى الله عليه وآله» ، وتعامله معه تعامل التابع ، المؤمن المصدق ، والمسرور بهذا الإيمان ، والمبتهج بذلك التصديق ، والملتذ بذلك الانقياد .
النار محرمة على أبي طالب عليه السلام :
ومما يدل على إيمانه ما روي عنه «صلى الله عليه وآله» : أن الله عز وجل قال له على لسان جبرائيل : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك .
أما الصلب فعبد الله ، وأما البطن فآمنة ، وأما الحجر فعمه ، يعني أبا طالب «عليه السلام» ، وفاطمة بنت أسد ، وبمعناه غيره مع اختلاف يسير 14 .
النبي صلى الله عليه و آله يحب عقيلاً حبين :
ومما يدل دلالة واضحة على إيمانه : حب النبي «صلى الله عليه وآله» إياه ، حتى لقد روي عن ابن عباس؛ قال : قال علي «عليه السلام» للنبي «صلى الله عليه وآله» : إنك لتحب عقيلاً .
قال : إي والله إني لأحبه حبين ، حباً له ، وحباً لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك . . الخ . . 15 .
ورسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحب أعداء الله سبحانه ، ولا يحب إلا من يحبه الله .
كان على دين الله :
وكان الإمام علي «عليه السلام» يعجبه أن يروى شعر أبي طالب «عليه السلام» ، وأن يدوَّن ، وقال : تعلموه ، وعلموه أولادكم ، فإنه كان على دين الله ، وفيه علم كثير 16 .
المسلم المؤمن :
إيمان أبي طالب عليه السلام عند أهل البيت عليهم السلام :
لا بد لنا هنا من الحديث بإيجاز عن موضوع ما زال بين أخذ ورد بين المسلمين ألا وهو إيمان أبي طالب «رحمه الله» ، فمن مؤيد ، ومن منكر .
فأما أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم ، فإنهم مجمعون على إيمانه وإسلامه «عليه السلام» 1 ، بل في بعض الأحاديث عنهم «عليهم السلام» : أنه من الأوصياء 2 ، وأن نوره يطغى في يوم القيامة على كل نور ، ما عدا نور النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة «عليهم السلام» ، والسيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام» 3 .
أهل البيت عليهم السلام أدرى :
والأحاديث الدالة على إيمانه ، والواردة عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام» لا تنحصر بما ذكرناه في هذه الدراسة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة 4 .
وقد ذكر العلامة المجلسي في كتابه العظيم «بحار الأنوار» والطبسي في كتاب «منية الراغب» وكذلك الخنيزي في كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» وصاحب كتاب : «مواهب الواهب» وغيرهم الشيء الكثير جداً مما يدل على إيمانه صلوات الله وسلامه عليه . .
ونحن سوف نقتصر في هذا المعرض على أقل القليل من ذلك ونحيل من أراد التوسع إلى كتاب البحار الآنف الذكر ، وإلى غيره . .
غير أننا نقول هنا : إن هذه الأخبار هي من الكثرة والصراحة بحيث تعطي الانطباع الحاسم عما لأبي طالب من شأن عظيم ، ومقام كريم عند الله تعالى .
وواضح : أن أهل البيت أدرى بما فيه من كل أحد .
يقول ابن الأثير : «وما أسلم من أعمام النبي «صلى الله عليه وآله» غير حمزة والعباس ، وأبي طالب عند أهل البيت» 5 .
تآليف في إيمان أبي طالب عليه السلام :
وعدا عن ذلك ، فما أكثر الأدلة الدالة على إيمانه ، وقد أُلف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب من السنة والشيعة على حد سواء .
وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : «أبو طالب مؤمن قريش» للأستاذ عبد الله الخنيزي ، الذي كاد أن يدفع مؤلفه حياته ثمناً له ، حين حاول الوهابيون اتخاذ ذلك ذريعة للتخلص منه ، فتداركه الله برحمته ، وتخلص من شرهم .
هذا عدا عن البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخص بالذكر هنا ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الأميني قدس سره . . 6 .
وقد نقل العلامة الأميني عن جماعة من أهل السنة : أنهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في أسنى المطالب 7 والأجهوري ، والإسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : شهاب الأخبار ، والتلمساني في حاشية الشفاء ، والشعراني ، وسبـط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .
بل لقد حكم عدد منهم ـ كابن وحشي والأجهوري ، والتلمساني ـ بأن من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر 8 .
من أدلة إيمان أبي طالب عليه السلام :
ونحن نذكر فيما يلي طرفاً من الأدلة على إيمان أبي طالب ، فنقول :
أهل البيت عليهم السلام أعرف :
وقد تقدم بعض ما روي عن الأئمة «عليهم السلام» ، والنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» مما يدل على إيمانه ، وقد قلنا :
إن أهل البيت أدرى بما فيه ، وأعرف بأمر كهذا من كل أحد .
التضحيات والمواقف :
ويدل على ذلك أيضاً : ما تقدم من مناصرته للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وتحمله المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته بمكانته في قومه ، وحتى بولده ، وتوطينه نفسه على خوض حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس في سبيل هذا الدين . .
ولو كان كافراً ؛ فلماذا يتحمل كل ذلك؟!
ولماذا لم نسمع عنه ولو كلمة عتاب أو تذمر مما جرَّه عليه النبي محمد «صلى الله عليه وآله»؟! .
واحتمال : أن يكون قد طمع بمقام دنيوي أعظم .
يرده : أن الطامع إنما يسعى للحفاظ على حياته لينال ما طمع به ، أما أبو طالب فكان على استعداد لأن يقتل هو وجميع أولاده ، وعشيرته في سبيل هذا الدين .
تشنيع الأعداء :
وقد استدل سبط ابن الجوزي على إيمانه بأنه لو كان أبو الإمام علي «عليه السلام» كافراً لكان شنع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعدائه «عليه السلام» ، مع أنه «عليه السلام» كان يذمهم ، ويزري عليهم بكفر الآباء والأمهات ، ورذالة النسب 9 .
أشعاره الصريحة بالإيمان :
أما تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً؛ فإنها كلها ناطقة بإيمانه وإسلامه .
ويمكننا أن ندَّعي : أن هذه التصريحات قد جاءت بعد قضية إسلام حمزة ، أو بعد الهجرة إلى الحبشة .
أما قبل ذلك فكان «عليه السلام» يعمل بالتقية أمام قريش على الخصوص .
ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : إن كل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، من حيث مجموعها 10 .
فمن الشواهد على توحيده ، قوله :
مليك الناس ليس له شريك *** هو الوهاب ، والمبدي المعـيد
ومن تحت السـماء له بحق *** ومن فوق الـسماء لـه عبيد
ومن الشواهد على إيمانه بنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، نذكر :
1ـ ألم تعلموا : أنا وجـدنا محمداً *** نبياً كمـوسى خط في أول الكتب
2 ـ نبي أتاه الوحي مـن عند ربه *** ومن قال : لا ، يقرع بها سن نادم
3 ـ يا شاهد الله عـلي فـاشهد *** إني عـلـى ديـن النـبي أحمـد
4 ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه *** علـيك نـزل من ذي العزة الكتب
5 ـ أنت الـنبي محمد *** قـرم أغـر مـسـوَّد
6 ـ أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب *** على نبي كمـوسى أو كـذي النون
7 ـ وظـلم نبي جاء يدعو إلى الهدى *** وأمر أتى من عند ذي الـعرش قيم
8 ـ لقد أكرم الله النـبـي محـمداً *** فـأكرم خلق الله في الناس أحمـد
9 ـ وخـيـر بنـي هاشـم أحمـد *** رسـول الإله عـلـى فـتـرة 11
10ـ والله لا أخـذل الـنــبي ولا *** يـخـذلـه من بني ذو حسـب
11 ـ وقال «رحمه الله» يخاطب ملك الحبشة ، ويدعوه إلى الإسلام :
أتعلـم ملك الحبش أن محمـداً نبياً *** كـمـوسى و المسيح ابن مـريـم
أتى بالهدى مثل الذي أتيـا بــه *** فكـل بأمـر الله يهــدي ويعصـم
وإنـكـم تتلـونـه في كتـابكم *** بصدق حـديث لا حـديث الترجـم
فــلا تجعلوا لله نـداً فـأسلموا *** فــإن طـريــق الحـق ليس بمظلم
12 ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة «رحمه الله» :
فـصـبراً أبا يعلى على دين أحمد *** وكن مظهراً للـديـن وفـقت صابرا
وحط من أتى بالحق من عنـد ربه *** بصدق وعـزم لا تكن حمز كـافـرا
فقـد سرني أن قلت : إنـك مؤمن *** فكن لـرسول الله في الله نــاصرا
و باد قريشـاً في الذي قد أتـيـته *** جهـاراً ، وقل : ما كان أحمد ساحرا
13 ـ نصرت الرسول رسول المليك *** ببيض تـلالاً كـلـمع الـبـروق
أذب و أحمـى رسـول الإلـــه *** حمايــة حـام علـيـه شفـيق
14 ـ لقد علموا : أن ابننا لا مكذب *** لدينـا ولا نعبـأ بقـول الأباطـل
15 ـ أقـيم على نصـر النبي محمد *** أقاتـل عنه بـالقنـا والقـنـابـل
16 ـ أنت ابن آمنـة النبي محمـد *** عـندي بمـثـل مـنــازل الأولاد
17 ـ ألا إن أحمد قد جــاءهم *** بحق ولـم يـأتـهــم بـالـكـذب
18 ـ أوصي بنصر نبي الخير مشهده *** علياً ابني وشيخ القوم عبــاســـا
19ـ ودعوتني وعلمت أنك صادق *** ولـقــد صدقت وكنت ثـم أمينـا
ولـقـد عـلمت بأن دين محمد من *** خـيـر أديـان الـبريـة ديـنــا
وأشعار أبي طالب «عليه السلام» الناطقة بإيمانه كثيرة ، وقد اقتصرنا منها على هذا القدر؛ لنفسح المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ، ويقال في هذا الموضوع .
مدائح أبي طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله :
قال المعتزلي : «قلت : كان صديقنا علي بن يحيى البطريق «رحمه الله» يقول : لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب ، وهو شيخ قريش ، ورئيسها ، وذو شرفها ، يمدح ابن أخيه محمداً وهو شاب قد ربي في حجره ، وهو يتيمه ومكفوله ، وجارٍ مجرى أولاده بمثل قوله :
وتـلقوا ربيـع الأبطحين محمـداً *** على ربـوة في رأس عـنقـاء عيطل
وتـأوي إلـيه هـاشم إن هاشماً *** عرانين كـعـب آخـر بـعـد أول
ومثل قوله :
وأبـيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثـمال اليـتـامى عصمـة للأرامـل
يـطيف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عـنـده في نـعمة وفـواضـل
فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس ، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء .
فإذا تصورت : أنه شعر أبي طالب ، ذاك الشيخ المبجل العظيم في النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، وهو شاب مستجير به ، معتصم بظله من قريش ، قد رباه في حجره غلاماً ، وعلى عاتقه طفلاً ، وبين يديه شاباً ، يأكل من زاده ، ويأوي إلى داره ، علمت موضع خاصية النبوة وسرها ، وأن أمره كان عظيماً» 12 .
كما أن قصيدته اللامية تلك التي يقول فيها :
وأبـيـض يـسـتـسـقى . . الخ . . . . . . . .
وهي طويلة ، وكان بنو هاشم يعلمونها أطفالهم 13 ، فيها الكثير مما يدل على إيمانه العميق الصادق ، وقد ذكرها ابن هشام وابن كثير ، وغيرهما .
وهي ظاهرة الدلالة على عظمة الرسول «صلى الله عليه وآله» في نفس أبي طالب «عليه السلام» ، وهي عظمة أوجبت خضوع قلبه له «صلى الله عليه وآله» ، وتعامله معه تعامل التابع ، المؤمن المصدق ، والمسرور بهذا الإيمان ، والمبتهج بذلك التصديق ، والملتذ بذلك الانقياد .
النار محرمة على أبي طالب عليه السلام :
ومما يدل على إيمانه ما روي عنه «صلى الله عليه وآله» : أن الله عز وجل قال له على لسان جبرائيل : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك .
أما الصلب فعبد الله ، وأما البطن فآمنة ، وأما الحجر فعمه ، يعني أبا طالب «عليه السلام» ، وفاطمة بنت أسد ، وبمعناه غيره مع اختلاف يسير 14 .
النبي صلى الله عليه و آله يحب عقيلاً حبين :
ومما يدل دلالة واضحة على إيمانه : حب النبي «صلى الله عليه وآله» إياه ، حتى لقد روي عن ابن عباس؛ قال : قال علي «عليه السلام» للنبي «صلى الله عليه وآله» : إنك لتحب عقيلاً .
قال : إي والله إني لأحبه حبين ، حباً له ، وحباً لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك . . الخ . . 15 .
ورسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحب أعداء الله سبحانه ، ولا يحب إلا من يحبه الله .
كان على دين الله :
وكان الإمام علي «عليه السلام» يعجبه أن يروى شعر أبي طالب «عليه السلام» ، وأن يدوَّن ، وقال : تعلموه ، وعلموه أولادكم ، فإنه كان على دين الله ، وفيه علم كثير 16 .
المسلم المؤمن :
له تتمه انشاء الله
تعليق