حقيقة مصحف علي (عليه السلام) ؟
اتّفق المسلمون جميعاً على أن القرآن الكريم هو الكتاب المنزل من الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يطرأ عليه أي تغيير أو تبديل بالزيادة والنقصان، محفوظ بحفظ الله تعالى، وأن ما نسمعه أو نقرأه من شبهات التحريف اللغوي ما هي إلاّ آراء شاذة تبنّاها آحاد من الأمّة لم تلق قبولاً من قطاع الأمّة الواسع على مرّ التاريخ، وبقيت هذه الشبهات في حدود الآراء والتصورات ولم تسرِ إلى الواقع، حيث أن المسلمين جميعاً يتداولون قرآناً واحداً، لا فرق بين نسخه المطبوعة في مصر أو الحجاز أو إيران أو بقية الدول الإسلامية، وله آلاف الحفاظ في كل أنحاء العالم الإسلامي، ومع كل هذه الحقائق، تثار بين حين وآخر، بعض الشبهات حول وجود مصاحف أخرى تختلف عن هذا المصحف الشريف، وأن لبعض الطوائف قرآناً آخر، ومن هذه الشبهات: (مصحف علي) و (مصحف فاطمة) ، ويدعي أصحاب الشبهة أن هذين المصحفين يختلفان عن المصحف المتداول بين المسلمين .
مصدر الشبهة:
اعتمد القائلون باختلاف مصحف علي (عليه السلام) عن المصاحف المتداولة على عدة روايات استدلوا بظواهرها على شبهة الاختلاف :
1ـ عن جابر ، انه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (( ما ادّعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب والأئمة من بعده ))(1).
2ـ عن محمد بن سيرين قال : ولو أصيب ذلك الكتاب (مصحف علي) لكان فيه العلم(2).
3ـ وقال ابن النديم : رأيت عند أبي يعلى حمزة الحسيني مصحفاً بخط علي يتوارثه بنو حسن(3).
وقد وردت روايات أخرى فيها عبارة (مصحف علي) و(مصحف ابن مسعود) و(مصحف أُبي)(4).حقيقة مصحف علي (عليه السلام):
إن مصحف علي (عليه السلام) ليس فيه أي اختلاف عن المصاحف الأخرى التي كانت متداولة بين المسلمين ، وكانت أصلاً للمصاحف المتأخرة التي جُمعت في عهد الخلفاء ، وهي مصحف علي (عليه السلام) وأُبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود ، وامتاز مصحف علي (عليه السلام) عن بقية المصاحف بالزيادات التوضيحية من تفسير وتأويل ومن توضيح لأسباب النزول ، وهي ميزة امتاز بها الإمام علي (عليه السلام) عن غيره لمكانته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه أول من أسلم ، وقد رافق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ طفولته واستمر على هذه المرافقة إلى حين وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الحقيقة من الحقائق المشهورة عند المسلمين .
أخرج أبو نعيم عن ابن عباس قوله : كنّا نتحدث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهد إلى غيره(5).
وكان (عليه السلام) أعلم الناس بالقرآن ، كما ذكر السيوطي عن ابن مسعود أنه قال :
إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وأن علي بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن (6).
ومصحف علي (عليه السلام) قد زيد عن بقية المصاحف بزيادات تتعلق بالتفسير والتأويل ، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، وليس فيه زيادات أخرى كآيات أو سور ، وقد وضّح الإمام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة بقوله:
(( ما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ ، فكتبتها بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله تعالى ، وعلماً أملاه عليَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتبته منذ دعا الله لي ))(7) .
وما يقال من أنّ الخلفاء حذفوا بعض ما هو موجود في مصحف علي (عليه السلام) فإن صحت الرواية ، فالحذف يشمل التأويل والتفسير كما يقول الشيخ المفيد : (... هو حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) من تأويل القرآن وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله)(8).
والزيادات المذكورة ليست من القرآن الكريم كما يقول السيد الخوئي (قدس سره) :
(إن اشتمال قرآنه (عليه السلام) على زيادات ليست في القرآن الموجود ، وإن كان صحيحاً، إلاّ أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أسقطت بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل ، وما يؤول إليه الكلام ، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد)(9).
أما مصحف فاطمة (عليها السلام) ، فالمستفاد من أخبار كثيرة ، أنّه أيضاً بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط علي (عليه السلام) وكان أهل البيت (عليهم السلام) يذكرونه وينقلون عنه ، وأمّا التعبير عنه بالمصحف ، فالمقصود هو المعنى اللغوي ، ولا يتجاوز عن كونه كتاب حديث قام بإملائه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(10).
الأدلة على عدم اختلاف مصحف علي (عليه السلام) عن المصحف المتداول:
أولاً: القرآن الكريم: قال سبحانه وتعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر / 9 .
والادعاء بوجود قرآن آخر يخالف حقيقة الحفظ التي أكدّ عليها القرآن الكريم .
ثانياً: الروايات: دلت الروايات على أن القرآن الكريم لم يتعرض للتحريف اللغوي وهو التغيير والتبديل ، وإنّما تعرض للتحريف المعنوي من حيث التأويل وإرادة غير المعنى الموضوع كما عبّر عنه الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (( ... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه ))(11).
والقول بوجود قرآن آخر عند علي (عليه السلام) هو القول بالتحريف المنفي بالروايات .
ثالثاً: إجماع العلماء: أجمع العلماء على أن القرآن الكريم واحد كما أنزله الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو نفسه القرآن المتداول عند المسلمين في كل العصور ، ولم يخالف هذا الإجماع إلاّ أفراد قلائل من الأمّة لا يعتد بقولهم(12).
رابعاً: السيرة التاريخية: لو كان لعلي (عليه السلام) مصحف يختلف عن المصاحف المتداولة ، وأن الخلفاء حذفوا ما هو موجود من آيات معينة لاعترض على ذلك ، لأنّه كما قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (( علي مع القرآن والقرآن مع علي )) .
وهو معروف بالشدة في ذات الله ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، فكيف لا يعترض وهو يجد حذفاً في القرآن الكريم ، وقد كانت له حرية كاملة في الاعتراض .
ولو فرضنا أنّ الخلفاء لم يستجيبوا له ، فإنه حينما آلت إليه الخلافة يستطيع أن يثبت ما حذف من القرآن الكريم ولم يحدث ذلك منه (عليه السلام).
وأهم من كل هذه الأدلة ، الدليل القائل بأنّ القرآن كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما ذكر من روايات تنص على أن القرآن قد جمع في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، لا ينافي الجمع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن الجمع في عهدهم إلاّ استنساخ نسخ جديدة ، كما يفعل في الكتب بطبع طباعات جديدة ، تختلف عن السابقة من حيث الحجم والعدد وغير ذلك.
وقد أمر أهل البيت (عليهم السلام) المسلمين باتّباع هذا القرآن المتداول عند المسلمين ، باعتباره القرآن المنزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يتعرض للتحريف بالزيادة أو النقيصة.
خلاصة القول : إن مصحف علي (عليه السلام) لا يختلف عن المصاحف المتداولة ، إلاّ من حيث اشتماله على زيادات تفسيرية وتوضيحية فقط ، وفي عصرنا الحاضر ، لا وجود لما يسمى بمصحف علي .
وقد كتبنا عن ذلك حينما قرأنا بعض المواضيع التي يثيرها أعداء الإسلام لبلبلة الصف الإسلامي، وإشاعة الإضطراب في صفوفه ، في الوقت الذي أجمع عليه المسلمون سنّة وشيعة ، على صيانة القرآن من التحريف وشهد بعضهم للبعض الآخر بهذه الحقيقة .
ــــــــــــــ
1. الكليني / الوافي / ج2 / كتاب الحجّة / باب76 / ص130 .
2. السيوطي / تاريخ الخلفاء / ص185 .
3. ابن النديم / الفهرست / ص48 .
4. ابن الحلي / تذكرة الفقهاء / ج1/115 .
5. ابن نعيم/ حلية الأولياء /ج1/68 .
6. الزركشي / الإتقان في علوم القرآن /ج4/233 .
7. الكليني / الكافي / 1/64 .
8. الشيخ المفيد / أوائل المقالات / ص94 .
9. الخوئي / البيان في تفسير القرآن / ص223 .
10. السبحاني / الخاتمية / ص24 / إصدار المؤتمر العالمي الثامن للوحدة الإسلامية .
11. الكليني / الكافي /ج 8/53 .
12. محمد هادي معرفة / صيانة القرآن من التحريف .
بقلم: صلاح الدين إبراهيم
اتّفق المسلمون جميعاً على أن القرآن الكريم هو الكتاب المنزل من الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يطرأ عليه أي تغيير أو تبديل بالزيادة والنقصان، محفوظ بحفظ الله تعالى، وأن ما نسمعه أو نقرأه من شبهات التحريف اللغوي ما هي إلاّ آراء شاذة تبنّاها آحاد من الأمّة لم تلق قبولاً من قطاع الأمّة الواسع على مرّ التاريخ، وبقيت هذه الشبهات في حدود الآراء والتصورات ولم تسرِ إلى الواقع، حيث أن المسلمين جميعاً يتداولون قرآناً واحداً، لا فرق بين نسخه المطبوعة في مصر أو الحجاز أو إيران أو بقية الدول الإسلامية، وله آلاف الحفاظ في كل أنحاء العالم الإسلامي، ومع كل هذه الحقائق، تثار بين حين وآخر، بعض الشبهات حول وجود مصاحف أخرى تختلف عن هذا المصحف الشريف، وأن لبعض الطوائف قرآناً آخر، ومن هذه الشبهات: (مصحف علي) و (مصحف فاطمة) ، ويدعي أصحاب الشبهة أن هذين المصحفين يختلفان عن المصحف المتداول بين المسلمين .
مصدر الشبهة:
اعتمد القائلون باختلاف مصحف علي (عليه السلام) عن المصاحف المتداولة على عدة روايات استدلوا بظواهرها على شبهة الاختلاف :
1ـ عن جابر ، انه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (( ما ادّعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب والأئمة من بعده ))(1).
2ـ عن محمد بن سيرين قال : ولو أصيب ذلك الكتاب (مصحف علي) لكان فيه العلم(2).
3ـ وقال ابن النديم : رأيت عند أبي يعلى حمزة الحسيني مصحفاً بخط علي يتوارثه بنو حسن(3).
وقد وردت روايات أخرى فيها عبارة (مصحف علي) و(مصحف ابن مسعود) و(مصحف أُبي)(4).حقيقة مصحف علي (عليه السلام):
إن مصحف علي (عليه السلام) ليس فيه أي اختلاف عن المصاحف الأخرى التي كانت متداولة بين المسلمين ، وكانت أصلاً للمصاحف المتأخرة التي جُمعت في عهد الخلفاء ، وهي مصحف علي (عليه السلام) وأُبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود ، وامتاز مصحف علي (عليه السلام) عن بقية المصاحف بالزيادات التوضيحية من تفسير وتأويل ومن توضيح لأسباب النزول ، وهي ميزة امتاز بها الإمام علي (عليه السلام) عن غيره لمكانته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه أول من أسلم ، وقد رافق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ طفولته واستمر على هذه المرافقة إلى حين وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الحقيقة من الحقائق المشهورة عند المسلمين .
أخرج أبو نعيم عن ابن عباس قوله : كنّا نتحدث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهد إلى غيره(5).
وكان (عليه السلام) أعلم الناس بالقرآن ، كما ذكر السيوطي عن ابن مسعود أنه قال :
إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وأن علي بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن (6).
ومصحف علي (عليه السلام) قد زيد عن بقية المصاحف بزيادات تتعلق بالتفسير والتأويل ، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، وليس فيه زيادات أخرى كآيات أو سور ، وقد وضّح الإمام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة بقوله:
(( ما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ ، فكتبتها بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله تعالى ، وعلماً أملاه عليَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتبته منذ دعا الله لي ))(7) .
وما يقال من أنّ الخلفاء حذفوا بعض ما هو موجود في مصحف علي (عليه السلام) فإن صحت الرواية ، فالحذف يشمل التأويل والتفسير كما يقول الشيخ المفيد : (... هو حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) من تأويل القرآن وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله)(8).
والزيادات المذكورة ليست من القرآن الكريم كما يقول السيد الخوئي (قدس سره) :
(إن اشتمال قرآنه (عليه السلام) على زيادات ليست في القرآن الموجود ، وإن كان صحيحاً، إلاّ أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أسقطت بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل ، وما يؤول إليه الكلام ، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد)(9).
أما مصحف فاطمة (عليها السلام) ، فالمستفاد من أخبار كثيرة ، أنّه أيضاً بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط علي (عليه السلام) وكان أهل البيت (عليهم السلام) يذكرونه وينقلون عنه ، وأمّا التعبير عنه بالمصحف ، فالمقصود هو المعنى اللغوي ، ولا يتجاوز عن كونه كتاب حديث قام بإملائه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(10).
الأدلة على عدم اختلاف مصحف علي (عليه السلام) عن المصحف المتداول:
أولاً: القرآن الكريم: قال سبحانه وتعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر / 9 .
والادعاء بوجود قرآن آخر يخالف حقيقة الحفظ التي أكدّ عليها القرآن الكريم .
ثانياً: الروايات: دلت الروايات على أن القرآن الكريم لم يتعرض للتحريف اللغوي وهو التغيير والتبديل ، وإنّما تعرض للتحريف المعنوي من حيث التأويل وإرادة غير المعنى الموضوع كما عبّر عنه الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (( ... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه ))(11).
والقول بوجود قرآن آخر عند علي (عليه السلام) هو القول بالتحريف المنفي بالروايات .
ثالثاً: إجماع العلماء: أجمع العلماء على أن القرآن الكريم واحد كما أنزله الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو نفسه القرآن المتداول عند المسلمين في كل العصور ، ولم يخالف هذا الإجماع إلاّ أفراد قلائل من الأمّة لا يعتد بقولهم(12).
رابعاً: السيرة التاريخية: لو كان لعلي (عليه السلام) مصحف يختلف عن المصاحف المتداولة ، وأن الخلفاء حذفوا ما هو موجود من آيات معينة لاعترض على ذلك ، لأنّه كما قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (( علي مع القرآن والقرآن مع علي )) .
وهو معروف بالشدة في ذات الله ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، فكيف لا يعترض وهو يجد حذفاً في القرآن الكريم ، وقد كانت له حرية كاملة في الاعتراض .
ولو فرضنا أنّ الخلفاء لم يستجيبوا له ، فإنه حينما آلت إليه الخلافة يستطيع أن يثبت ما حذف من القرآن الكريم ولم يحدث ذلك منه (عليه السلام).
وأهم من كل هذه الأدلة ، الدليل القائل بأنّ القرآن كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما ذكر من روايات تنص على أن القرآن قد جمع في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، لا ينافي الجمع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن الجمع في عهدهم إلاّ استنساخ نسخ جديدة ، كما يفعل في الكتب بطبع طباعات جديدة ، تختلف عن السابقة من حيث الحجم والعدد وغير ذلك.
وقد أمر أهل البيت (عليهم السلام) المسلمين باتّباع هذا القرآن المتداول عند المسلمين ، باعتباره القرآن المنزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يتعرض للتحريف بالزيادة أو النقيصة.
خلاصة القول : إن مصحف علي (عليه السلام) لا يختلف عن المصاحف المتداولة ، إلاّ من حيث اشتماله على زيادات تفسيرية وتوضيحية فقط ، وفي عصرنا الحاضر ، لا وجود لما يسمى بمصحف علي .
وقد كتبنا عن ذلك حينما قرأنا بعض المواضيع التي يثيرها أعداء الإسلام لبلبلة الصف الإسلامي، وإشاعة الإضطراب في صفوفه ، في الوقت الذي أجمع عليه المسلمون سنّة وشيعة ، على صيانة القرآن من التحريف وشهد بعضهم للبعض الآخر بهذه الحقيقة .
ــــــــــــــ
1. الكليني / الوافي / ج2 / كتاب الحجّة / باب76 / ص130 .
2. السيوطي / تاريخ الخلفاء / ص185 .
3. ابن النديم / الفهرست / ص48 .
4. ابن الحلي / تذكرة الفقهاء / ج1/115 .
5. ابن نعيم/ حلية الأولياء /ج1/68 .
6. الزركشي / الإتقان في علوم القرآن /ج4/233 .
7. الكليني / الكافي / 1/64 .
8. الشيخ المفيد / أوائل المقالات / ص94 .
9. الخوئي / البيان في تفسير القرآن / ص223 .
10. السبحاني / الخاتمية / ص24 / إصدار المؤتمر العالمي الثامن للوحدة الإسلامية .
11. الكليني / الكافي /ج 8/53 .
12. محمد هادي معرفة / صيانة القرآن من التحريف .
بقلم: صلاح الدين إبراهيم
تعليق