مُكَمِليّة النظر الحسّي في المعرفة المُرَكّبة :2:
________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
وعجّلَ اللهُ تعالى فرجَ وليه الأعظم الحجة بن الحسن روحي فداه
إنه قوي عزيز
لقد تبيّن في البحث السابق أنَّ العقل وحَراكه النظري هو المُدرِك والحاكم في تعاطيه مع القضايا مُطلقا.
ذلك بواسطة الإعتماد على المُدخلات المعرفيّة الستة سالفة الذكر
وأما تعاطيه مع القضايا الحسيّة فهذا ما يعتمد فيه على النظر الحسي وحَراكه الخارجي بوصفه مُدخلا معرفيا وموضوعيا يتحرك في منطقة المحسوسات الظاهرية
فالعقل إنما يدرك المحسوسات خارجا بفعل طريقيّة الحواس الظاهرية كالسمع والبصر والذوق واللمس والشم
لذا قيلَ من فقدَ حساً فقد فقد علما
ومن الواضح أنّ فقد الحس الظاهري لايعني بالضرورة إعطابه
بل يعني عدم إعمال خيار النظر الحسي في التعاطي مع القضايا مطلقا تلقيا وتحسسا وتبصرا وإعتبارا
لذا نبه القرآن الكريم على هذه الحقيقة
قال تعالى
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)الأعراف
بمعنى
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا" خَلَقْنَا "لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس كانت لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقُهُونَ بِهَا" الْحَقّ
وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا" دَلَائِل قُدْرَة اللَّه بَصَر اعْتِبَار "وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا" الْآيَات وَالْمَوَاعِظ سَمَاع تَدَبُّر وَاتِّعَاظ
"أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ" فِي عَدَم الْفِقْه وَالْبَصَر وَالِاسْتِمَاع
"بَلْ هُمْ أَضَلّ" مِنْ الْأَنْعَام لِأَنَّهَا تَطْلُب مَنَافِعهَا وَتَهْرُب مِنْ مَضَارّهَا وَهَؤُلَاءِ يَقْدَمُونَ عَلَى النَّار مُعَانَدَة .
ويتحمّل النظر الحسي مسؤولية كبيرة في تشكيل المعرفة المركبة عند الإنسان قيمةً ومُعطىً وسلوكاً وأثرا
بحيث يتوجب الأخذ به خياراً صائبا وسليما في القبول والرفض أوالإتباع أوالتأسيس و التطبيق
قال اللهُ تعالى
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)الإسراء
أي لاتتبع خياراً آخرا غير خيار الحس الظاهري والحس الباطني
و الفؤاد (وأخصه العقل )
لتأخذ بغير ذلك من دون علم أو معرفة صحيحة وقويمة حتى تكون مسؤولا عن ذلك كله .
والنظر الحسي إنما يكون خياره الإستقائي المعرفي مُتحدداً قطعا
في منطقة الآثار والمعلولات والمدلولات أيّاً كانت هذه لفظية أو عقليّة أو وضعية
فبفعل حَراك النظر الحسي في منطقة الآثار الخارجية وجودا ينكشف المُؤثّر جزما
كما في المثال الشهير (الأثرُ يدلُ على المسير)
بمعنى أنّك عندما ترى آثار أقدام ما فسينكشف لك جزما وجود مؤثر وماشٍ ما قد ترك أثره .
والقرآن الكريم قد نبه على ذلك في ضرورة إعمال خيار النظر الحسي خارجا وفي الواقع الموضوعي شدّا للإنسان إلى ما هو قريب منه حسا وتبصرا وإدراكا
قال تعالى
فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)الروم
والإنسان إذا أدرك بفعل إعماله خيار النظر الحسي في منطقة الآثار قيمة المؤثّر وقدرته في نطاق الحسيات
فيقيناً أنه سيذعن بوجود المؤثر وفاعليته الوجودية في المبدأ والمنتهى مُطلقا .
فالذي يقدر على إحياء الأرض الموات بعد موتها كيف لايقدر على إحياء من خلقهم منها بعد موتهم وهو على كل شيء قدير ؟
وكذلك الحال في مُعطيات النظر الحسي في منطقة المعلولات الخارجية والموضوعية في الواقع العيني حساً وإدراكا
إذ النظر الحسي قادرٌ على التحرك تبصرا وتحسسا وتلقيا من منطقة المعلولات إلى عللها الأصلية والواقعية بفعل العلم بالمعلول مما يكون سببا في العلم بعلته واقعا
ومثال ذلك ما إذا شاهدتَ دُخاناً من بعيد فستعلم بوجود نار ما وهي علة الدخان صدورا ووجودا.
وهنا ممكن للنظر الحسي أن يؤسس في خياراته لقضية أوليّة يدركها العقل البشري
وهي أنّ ( كل معلول لابد له من علّة في وجوده وتحققه )
وهذه قضية بديهية تُعرف ب(إستحالة تخلف المعلول عن علته )
ليدرك الإنسان في النتيجة يقيناً بضرورة وجود العلة الموجبة لوجوده في المبدأ والمنتهى كمخلوق وموجود بعد أن كان نسيا منسيا .
وهذا ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)العنكبوت
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف .
تعليق