الحسن و الحسين عليهما السلام من الخلفاء الإثنى عشر
من القواسم المشتركة الأخرى بين روايات ( الخلفاء الإثنى عشر ) ، و التي تقترب بنا نحو تشخيص هؤلاء الخلفاء ، و تحديد هويتهم ، الأحاديث التي وردت بنفس المضمون ، و نصَّت على أنَّ كلاً من الحسن و الحسين ( عَلَيهما السَّلامُ ) من ضمن هؤلاء ( الخلفاء الإثنى عشر ) .
فتارة يرد الخطاب من قبل رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) موجَّهاً للحسين بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) بأنَّه سيِّد ، و إمام ، و حجَّة ، و أنَّ بقية الخلفاء التسعة هم من ولده و ذريته ( عَليهِ السَّلامُ ) .
و تارة يرد الخطاب بخصوص الحسن و الحسين ( عَلَيهما السَّلامُ ) بأنَّهما مع تسعة خلفاء معصومين يشكلون بمجموعهم ( الخلفاء الإثنى عشر ) المقصودين بالحديث المذكور .
و قد ترد الإشارة إلى الحسن بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ضمن الخطاب الموجه للحسين بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و ذلك بالنصّ على كون الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) أخا سيّد ، و أخا إمام ، و أخا حجَّة ، و ما تبقى من الخلفاء متمّمون لعدد ( الخلفاء الإثنى عشر ) .
و ورد في بعض روايات ( الخلفاء الإثنى عشر ) ذكرهم بالترتيب ، إبتداءاً بالإمام علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و من ثمَّ الحسن بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و من ثمَّ الحسين بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و من ثمَّ الخلفاء التسعة من ولد الحسين ( عَليهِمُ السَّلامُ ) .
و نجد ضمن مصادر مدرسة الخلفاء المعتبرة مجموعة كبيرة من الروايات التي تسير بنفس هذا الإتجاهات المذكورة ، و تعضد بذلك ما تمَّت استفادته آنفاً من حديث ( الخلفاء الإثنى عشر ) ، و يمكن لنا استفادة هذا المعنى من خلال طائفتين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن :
الطائفة الأولى :
هي الأحاديث التي عبَّر فيها رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بأن كلاً من الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) منه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، فمن ذلك ما ورد في ( مسند أحمد ) عن ( المقدام بن معدي كرب ) أنَّه قال :
( وضع رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الحسن في حجره و قال :
ـ هذا مني ) 1 .
و عن ( البراء بن عازب ) :
( أنَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ و سَلَّمَ قال للحسن أو الحسين :
ـ هذا مني ) 2 .
و روى ( البخاري ) ، و ( الترمذي ) ، و ( ابن ماجة ) ، و ( أحمد ) ، و ( الحاكم ) ، عن ( يعلى بن مرة ) عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أنَّه قال :
( حسينٌ منِّي ، و أنا من حسين ، أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حسيناً ) 3 .
فمن خلال هذه التعبيرات يمكن الإستيحاء بأنَّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يريد أن يبين للأمة الإسلامية ، و لجميع الناس أنَّ موقع الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) من الرسالة الإسلامية يعبِّر عن الإمتداد الواقعي لمهامه ، و ممارساته التشريعية ، و هما الفرع المتفرع عنه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) لأداء هذه الوظيفة المقدّسة ، و النيابة عنه ، في سدِّ حاجة المجتمع ، و تلبية شؤونه الدينيَّة ، بعد أبيهما علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و لا يُعقل أن يُراد أنَّهما ( عَليهِما السَّلامُ ) منه بمعنى القرابة المألوفة ، و الإمتداد النسبي ، لأنَّ هذا الأمر واضح ، و جلي ، و لا يضيف حقيقة جديدة ، لا سيَّما إذا ما لاحظنا أنَّ هذا التعبير ورد بعينه و لفظه بحقِّ الإمام علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و قد حفَّ ذلك بقرائن تفيد بأن النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يريد من كلمة : ( منِّي ) النيابة عنه في تبليغ أحكام الإسلام .
يقول العلاّمة المحقق ( مرتضي العسكري ) بشأن هذه الطائفة من الأحاديث :
( إنَّ قول رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) : ( منِّي ) في هذه الروايات بحقِّ الحسنين ، نظير قوله بحق ِّأبيهما الإمام علي ، أراد في جميعهما أنَّهم منه في مقام تبليغ أحكام الإسلام ) 4 .
و لنعد إلى ما ذكره من قرائن بخصوص إطلاق هذه اللفظة على علي ( عَليهِ السَّلامُ ) حيث يقول :
( إن لفظ : ( منِّي ) في حديث : ( أنتَ منِّي بمنزلة هارون من موسى ) يوضِّح المراد من هذا اللفظ في أحاديث الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) الأخرى ، و ذلك أنَّ هارون لما كان شريك موسى في النبوة ، و وزيره في التبليغ ، و كان علي من خاتم الأنبياء بمنزلة هارون من موسى باستثناء النبوة ، يبقى لعلي الوزارة في التبليغ .
و كذلك بيَّن الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) المراد من لفظ : ( منِّي ) في حديثه يوم عرفات في حجة الوداع حيث قال : ( علي منِّي ، و أنا من علي ، لا يؤدِّي عنِّي إلاّ أنا أو علي ) 5 .
و على هذا فإنَّ الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) فسَّر لفظ : ( منِّي ) في هذه الأحاديث بكلِّ وضوح و جلاء ، و صرَّح ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أن القصد منه أنَّه ( عَليهِ السَّلامُ ) منه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) في مقام التبليغ عن الله ( جل و علا ) إلى المكلفين بلا واسطة ، و من ثمَّ يتضح معنى ( منِّي ) في أحاديث الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) في حق الإمام علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و الذي ورد في بعضها غير مفسَّر ، ( مثل ما ورد في رواية بريدة في خبر الشكوى أنَّ الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال له : لا تقع في علي فإنَّه منِّي و 6 . . ، و رواية عمران بن حصين : إنَّ علياً منِّي 7 . . ) 8 .
الطائفة الثانية :
هي الأحاديث الواردة عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و التي نصَّت علي كون الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) سبطين من الأسباط ، فعلى الرغم من أنَّ ( السبط ) يعني الحفيد إلاّ أنَّ إرادة هذا المعنى المختص من خلال تكرار هذه الأحاديث بألفاظ متعددة بعيد جداً ، إذ لا يوجد طائل لهذا النوع من البيان ، بل يُعدُّ لغواً من القول الذي ننزه عنه رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) الذي قال الله ( جل و علا ) بشأنه :
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 9 .
فمن المفترض في الكلام الصادر عن حامل الرسالة ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أن يضيف في بيانه حقيقة جديدة ، أو يؤكِّد على مطلب شرعي معيَّن ، أو يوجِّه المسلمين نحو ارتكازات واقعية ينبغي لهم اعتمادها ، و السير على هداها ، لا أن يأتي و يقول للناس تكراراً و مراراً : إنَّ الحسن و الحسين حفيداي ، أو إنَّ فاطمة ابنتي ، أو إنَّ علياً ابن عمي ، أو أنَّ العباس عمي ، فإنَّ هذا الكلام حتى بفرض صدوره عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بهذه الكيفية لا بدَّ أن يكون منطويا على حقيقة أعمق و أبعد ، يمكن استفادتها من خلال القرائن ، و المواقف التي تحفُّ بالكلام عادة .
و هناك حقيقة إضافية في خصوص ما نحن فيه تؤكِّد لنا أنّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يريد من مقولته هذه ما هو أبعد من هذا المعنى السطحي للكلمة ، و ذلك من خلال إلقاء نظرة فاحصة و دقيقة في هذه الطائفة من الأحاديث ، فنقرأ لـ ( البخاري ) ، و ( الترمذي ) ، و ( ابن ماجة ) ، و ( أحمد ) ، و ( الحاكم ) روايتهم عن ( يعلي بن مرة ) أنَّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال :
( حسين منِّي ، و أنا من حسين ، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) 10 .
و نقرأ له ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أيضاً قوله :
( الحسن و الحسين سبطان من الأسباط ) 11 .
و ورد عن ( أبي رمثة ) أنَّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال :
( حسين منِّي ، و أنا منه ، هو سبط ٌمن الأسباط ) 12 .
و في رواية أخرى :
( الحسن و الحسين سبطان من الأسباط ) 13 .
و عن ( البراء بن عازب ) عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أنَّه قال :
( حسين منِّي ، و أنا منه ، أحب اللهُ من أحبَّه ، الحسن و الحسين سبطان من الأسباط ) 11 .
فمن الملاحظ في جميع هذه الروايات أنَّها لم ترد عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بلسان : ( الحسين سبطي ) ، أو ( الحسن و الحسين سبطاي ) ، لكي يأتي التفسير السابق ، و إنَّما جعل النبي ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) كلاً من الحسن و الحسين مصداقاً من مصاديق عنوانٍ كلّي مألوف في الخطابات الشرعيَّة ، و هو عنوان ( الأسباط ) ، فنصَّ ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على أنَّهما من ( الأسباط ) ، و في طائفة أخرى من الأحاديث نصَّ ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على أنَّهما ( سبطا هذه الأمَّة ) شأنهما في ذلك شأن الأمم السابقة .
فنحن بحاجة إذن إلى الرجوع إلى مدلول هذا العنوان الكلّي ، و استفادة معناه من الخطابات الشرعيَّة ، لنصل بالنتيجة إلى معنى كون الحسن و الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) سبطين من الأسباط ، أو سبطي هذه الأمَّة .
و لا ينبغي الإرتياب في أنَّ المصدر الشرعي الأول الذي يتصدر لائحة المراجع الإسلامية هو القرآن الكريم ، كما أنَّ من غير الطبيعي على المحقق و الباحث التوقف طويلاً عند هذه المفردة الشرعية الواردة بكثرة في الكتاب العزيز ، و من ثمَّ انتزاع فذلكة التطبيق الوارد في أحاديث النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) .
فعند مطالعة الآيات التي ورد فيها هذا العنوان ، نجدُ أنَّـه قد ورد في بعض الأنبياء السابقين لنبي الإسلام محمد ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و بما أنَّ نبينا ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) هو خاتم الأنبياء ، و لا نبيَّ بعده ، فهذا يعني أن الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) سيقومان بالنسبة للرسالة الإسلامية بنفس الدور الذي قام به ( الأسباط ) من قبل بالنسبة للشرائع السماويَّة السابقة ، و يتوليان خلافة النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و النيابة عنه في أمور التشريع و شؤونه بعد أبيهما علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) كما تقدم إثباته .
و من غير الخفي علينا أنَّ النبوة التي كانت شأنا من شؤون ( الأسباط ) و مختصاتهم كما صرَّح بذلك القرآن الكريم 14 ، و لا يمكن أن يتصف بها الخليفة و النائب عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، أو يحمل آثارها و خواصَّها ، باعتبار أنَّ جميع الرسالات و الشرائع قد ختمت بالرسالة الإسلامية الخالدة ، و جميع النبوات قد ختمت و انتهت إلى نبوته ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، كما هو واضح لدى الجميع ، فيبقى من عنوان ( الأسباط ) إذن ما عدا وصف النبوة و خواصِّها جميعُ المهام التي اضطلع بها ( الأسباط ) ، و مارسوها و تميَّزوا بها عن بقية الناس بالنسبة إلى الرسالات السماوية السابقة ، و هي تتلخص بتبليغ أحكام الله ( جل و علا ) ، و المحافظة عليها ، و الذبّ عنها حتى النفس الأخير .
و لو طبَّقنا هذه النتيجة على الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) وفقا لما ورد في أحاديث النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، لأنتهينا علميّاً إلى القول بأنَّ وظيفة الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) تعبِّر عن الإمتداد الشرعي لوظيفة رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و أنَّهما ( عَليهِما السَّلامُ ) يمارسان نفس المهام التي مارسها ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، ما عدا صفة النبوّة و خصائصها التي استأثر بها ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) عن بقية ( الخلفاء الإثنى عشر ) من بعده ، و منهما الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) بالضرورة .
و يمكن ان نلتمس من خلال أحاديث رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ما يعزّز هذا المعنى و يؤيده ، و لعلَّ من أبرز هذه الأحاديث و أوضحها دلالة على المقصود ( حديث المنزلة ) الذي نصَّ فيه رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على كون الإمام علي ( عَليهِ السَّلامُ ) منه بمنزلة هارون من موسى ، فيمكن لهذا الحديث أن يوضِّح لنا هذه النقطة بجلاء ، و يفكك لنا بين عنوان النبوَّة و بين أداء الأحكام الشرعية ، و النيابة عنه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بهذا الشأن ، إذ قد ورد في ذيل الحديث أن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قد قال :
( إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي ) .
و في بعض النصوص أنَّه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال :
( إلاّ أنَّه لا نبوة بعدي ) 15 .
فهذا يدل على بقاء مهام الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) محفوظة و قائمة في خلفائه الإثنى عشر ، و منهم الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) على الرَّغم من أنَّه لا نبوَّة بعده ، لأنَّ مهمة هارون بالنسبة إلى موسى معروفة لدى الجميع ، فكذلك منزلة الإمام علي ( عَليهِ السَّلامُ ) من الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) هي نفس المنزلة المذكورة ما عدا النبوة ، و بتطبيق هذا المعنى على الأسباط ننتهي إلى نفس النتيجة ، فيأخذ الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) بعد أبيهما نفس وظائف التبليغ عن الله ( جل و علا ) التي كان يمارسها ( الأسباط ) ما عدا عنوان النبوة و خصائصها ، كالوحي إليه بصورة مباشرة مثلاً .
يقول العلاّمة ( مرتضى العسكري ) في بيان هذا المطلب :
( وكذلك نرى أنَّ قوله في حقهما أنَّهما سبطان من الأسباط ، لا يعني أنَّهما حفيدان ، كما أنَّ جميع البشر ما عداهما حفده ، فهذا هذر من القول حاشا رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) منه ، بل انَّ الألف و اللام في الأسباط للعهد الذهني من القرآن الكريم ، أى : أنَّهما من الأسباط المذكورين في كتاب الله في قوله ( جل و علا ) :
﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ 16 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى ... ﴾ 17 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ ... ﴾ 18 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ... ﴾ 19 .
و عليه فإنَّ الألف و اللام في ( الأسباط ) في حديث رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بحق الحسنين للعهد الذهني عند المسلمين من هذه الآيات ، و أنَّ قول رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) في حقهما نظير قوله في حق أبيهما : إنَّه منِّي بمنزلة هارون من موسى ، و قد شرح الله سبحانه تلك المنزلة فيما حكى عن موسى أنَّه قال :
﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ 20 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ 21 ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ... ﴾ 22 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ ... وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ 23 .
و فيما أخبر سبحانه عنهما و قال :
﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ 24 .
و قال :
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ 25 .
في هذه الآيات جعل الله هارون رداءاً لموسى و وزيراً و شريكاً في النبوة استخلفه موسى في قومه ، فلما نصَّ خاتم الأنبياء على أنَّ علياً منه بمنزلة هارون من موسى ، و استثنى من كلّ ذلك النبوة ، و أنَّه لا نبي بعده ، بقي منها للإمام علي ردء ، و وزارة ، و مشاركة في التبليغ على عهد الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و من بعده الخلافة في
يتبع انشاء الله في الحلقة 2
من القواسم المشتركة الأخرى بين روايات ( الخلفاء الإثنى عشر ) ، و التي تقترب بنا نحو تشخيص هؤلاء الخلفاء ، و تحديد هويتهم ، الأحاديث التي وردت بنفس المضمون ، و نصَّت على أنَّ كلاً من الحسن و الحسين ( عَلَيهما السَّلامُ ) من ضمن هؤلاء ( الخلفاء الإثنى عشر ) .
فتارة يرد الخطاب من قبل رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) موجَّهاً للحسين بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) بأنَّه سيِّد ، و إمام ، و حجَّة ، و أنَّ بقية الخلفاء التسعة هم من ولده و ذريته ( عَليهِ السَّلامُ ) .
و تارة يرد الخطاب بخصوص الحسن و الحسين ( عَلَيهما السَّلامُ ) بأنَّهما مع تسعة خلفاء معصومين يشكلون بمجموعهم ( الخلفاء الإثنى عشر ) المقصودين بالحديث المذكور .
و قد ترد الإشارة إلى الحسن بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ضمن الخطاب الموجه للحسين بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و ذلك بالنصّ على كون الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) أخا سيّد ، و أخا إمام ، و أخا حجَّة ، و ما تبقى من الخلفاء متمّمون لعدد ( الخلفاء الإثنى عشر ) .
و ورد في بعض روايات ( الخلفاء الإثنى عشر ) ذكرهم بالترتيب ، إبتداءاً بالإمام علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و من ثمَّ الحسن بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و من ثمَّ الحسين بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و من ثمَّ الخلفاء التسعة من ولد الحسين ( عَليهِمُ السَّلامُ ) .
و نجد ضمن مصادر مدرسة الخلفاء المعتبرة مجموعة كبيرة من الروايات التي تسير بنفس هذا الإتجاهات المذكورة ، و تعضد بذلك ما تمَّت استفادته آنفاً من حديث ( الخلفاء الإثنى عشر ) ، و يمكن لنا استفادة هذا المعنى من خلال طائفتين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن :
الطائفة الأولى :
هي الأحاديث التي عبَّر فيها رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بأن كلاً من الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) منه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، فمن ذلك ما ورد في ( مسند أحمد ) عن ( المقدام بن معدي كرب ) أنَّه قال :
( وضع رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الحسن في حجره و قال :
ـ هذا مني ) 1 .
و عن ( البراء بن عازب ) :
( أنَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ و سَلَّمَ قال للحسن أو الحسين :
ـ هذا مني ) 2 .
و روى ( البخاري ) ، و ( الترمذي ) ، و ( ابن ماجة ) ، و ( أحمد ) ، و ( الحاكم ) ، عن ( يعلى بن مرة ) عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أنَّه قال :
( حسينٌ منِّي ، و أنا من حسين ، أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حسيناً ) 3 .
فمن خلال هذه التعبيرات يمكن الإستيحاء بأنَّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يريد أن يبين للأمة الإسلامية ، و لجميع الناس أنَّ موقع الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) من الرسالة الإسلامية يعبِّر عن الإمتداد الواقعي لمهامه ، و ممارساته التشريعية ، و هما الفرع المتفرع عنه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) لأداء هذه الوظيفة المقدّسة ، و النيابة عنه ، في سدِّ حاجة المجتمع ، و تلبية شؤونه الدينيَّة ، بعد أبيهما علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و لا يُعقل أن يُراد أنَّهما ( عَليهِما السَّلامُ ) منه بمعنى القرابة المألوفة ، و الإمتداد النسبي ، لأنَّ هذا الأمر واضح ، و جلي ، و لا يضيف حقيقة جديدة ، لا سيَّما إذا ما لاحظنا أنَّ هذا التعبير ورد بعينه و لفظه بحقِّ الإمام علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و قد حفَّ ذلك بقرائن تفيد بأن النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يريد من كلمة : ( منِّي ) النيابة عنه في تبليغ أحكام الإسلام .
يقول العلاّمة المحقق ( مرتضي العسكري ) بشأن هذه الطائفة من الأحاديث :
( إنَّ قول رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) : ( منِّي ) في هذه الروايات بحقِّ الحسنين ، نظير قوله بحق ِّأبيهما الإمام علي ، أراد في جميعهما أنَّهم منه في مقام تبليغ أحكام الإسلام ) 4 .
و لنعد إلى ما ذكره من قرائن بخصوص إطلاق هذه اللفظة على علي ( عَليهِ السَّلامُ ) حيث يقول :
( إن لفظ : ( منِّي ) في حديث : ( أنتَ منِّي بمنزلة هارون من موسى ) يوضِّح المراد من هذا اللفظ في أحاديث الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) الأخرى ، و ذلك أنَّ هارون لما كان شريك موسى في النبوة ، و وزيره في التبليغ ، و كان علي من خاتم الأنبياء بمنزلة هارون من موسى باستثناء النبوة ، يبقى لعلي الوزارة في التبليغ .
و كذلك بيَّن الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) المراد من لفظ : ( منِّي ) في حديثه يوم عرفات في حجة الوداع حيث قال : ( علي منِّي ، و أنا من علي ، لا يؤدِّي عنِّي إلاّ أنا أو علي ) 5 .
و على هذا فإنَّ الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) فسَّر لفظ : ( منِّي ) في هذه الأحاديث بكلِّ وضوح و جلاء ، و صرَّح ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أن القصد منه أنَّه ( عَليهِ السَّلامُ ) منه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) في مقام التبليغ عن الله ( جل و علا ) إلى المكلفين بلا واسطة ، و من ثمَّ يتضح معنى ( منِّي ) في أحاديث الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) في حق الإمام علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و الذي ورد في بعضها غير مفسَّر ، ( مثل ما ورد في رواية بريدة في خبر الشكوى أنَّ الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال له : لا تقع في علي فإنَّه منِّي و 6 . . ، و رواية عمران بن حصين : إنَّ علياً منِّي 7 . . ) 8 .
الطائفة الثانية :
هي الأحاديث الواردة عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و التي نصَّت علي كون الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) سبطين من الأسباط ، فعلى الرغم من أنَّ ( السبط ) يعني الحفيد إلاّ أنَّ إرادة هذا المعنى المختص من خلال تكرار هذه الأحاديث بألفاظ متعددة بعيد جداً ، إذ لا يوجد طائل لهذا النوع من البيان ، بل يُعدُّ لغواً من القول الذي ننزه عنه رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) الذي قال الله ( جل و علا ) بشأنه :
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 9 .
فمن المفترض في الكلام الصادر عن حامل الرسالة ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أن يضيف في بيانه حقيقة جديدة ، أو يؤكِّد على مطلب شرعي معيَّن ، أو يوجِّه المسلمين نحو ارتكازات واقعية ينبغي لهم اعتمادها ، و السير على هداها ، لا أن يأتي و يقول للناس تكراراً و مراراً : إنَّ الحسن و الحسين حفيداي ، أو إنَّ فاطمة ابنتي ، أو إنَّ علياً ابن عمي ، أو أنَّ العباس عمي ، فإنَّ هذا الكلام حتى بفرض صدوره عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بهذه الكيفية لا بدَّ أن يكون منطويا على حقيقة أعمق و أبعد ، يمكن استفادتها من خلال القرائن ، و المواقف التي تحفُّ بالكلام عادة .
و هناك حقيقة إضافية في خصوص ما نحن فيه تؤكِّد لنا أنّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يريد من مقولته هذه ما هو أبعد من هذا المعنى السطحي للكلمة ، و ذلك من خلال إلقاء نظرة فاحصة و دقيقة في هذه الطائفة من الأحاديث ، فنقرأ لـ ( البخاري ) ، و ( الترمذي ) ، و ( ابن ماجة ) ، و ( أحمد ) ، و ( الحاكم ) روايتهم عن ( يعلي بن مرة ) أنَّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال :
( حسين منِّي ، و أنا من حسين ، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) 10 .
و نقرأ له ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أيضاً قوله :
( الحسن و الحسين سبطان من الأسباط ) 11 .
و ورد عن ( أبي رمثة ) أنَّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال :
( حسين منِّي ، و أنا منه ، هو سبط ٌمن الأسباط ) 12 .
و في رواية أخرى :
( الحسن و الحسين سبطان من الأسباط ) 13 .
و عن ( البراء بن عازب ) عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) أنَّه قال :
( حسين منِّي ، و أنا منه ، أحب اللهُ من أحبَّه ، الحسن و الحسين سبطان من الأسباط ) 11 .
فمن الملاحظ في جميع هذه الروايات أنَّها لم ترد عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بلسان : ( الحسين سبطي ) ، أو ( الحسن و الحسين سبطاي ) ، لكي يأتي التفسير السابق ، و إنَّما جعل النبي ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) كلاً من الحسن و الحسين مصداقاً من مصاديق عنوانٍ كلّي مألوف في الخطابات الشرعيَّة ، و هو عنوان ( الأسباط ) ، فنصَّ ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على أنَّهما من ( الأسباط ) ، و في طائفة أخرى من الأحاديث نصَّ ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على أنَّهما ( سبطا هذه الأمَّة ) شأنهما في ذلك شأن الأمم السابقة .
فنحن بحاجة إذن إلى الرجوع إلى مدلول هذا العنوان الكلّي ، و استفادة معناه من الخطابات الشرعيَّة ، لنصل بالنتيجة إلى معنى كون الحسن و الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) سبطين من الأسباط ، أو سبطي هذه الأمَّة .
و لا ينبغي الإرتياب في أنَّ المصدر الشرعي الأول الذي يتصدر لائحة المراجع الإسلامية هو القرآن الكريم ، كما أنَّ من غير الطبيعي على المحقق و الباحث التوقف طويلاً عند هذه المفردة الشرعية الواردة بكثرة في الكتاب العزيز ، و من ثمَّ انتزاع فذلكة التطبيق الوارد في أحاديث النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) .
فعند مطالعة الآيات التي ورد فيها هذا العنوان ، نجدُ أنَّـه قد ورد في بعض الأنبياء السابقين لنبي الإسلام محمد ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و بما أنَّ نبينا ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) هو خاتم الأنبياء ، و لا نبيَّ بعده ، فهذا يعني أن الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) سيقومان بالنسبة للرسالة الإسلامية بنفس الدور الذي قام به ( الأسباط ) من قبل بالنسبة للشرائع السماويَّة السابقة ، و يتوليان خلافة النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و النيابة عنه في أمور التشريع و شؤونه بعد أبيهما علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) كما تقدم إثباته .
و من غير الخفي علينا أنَّ النبوة التي كانت شأنا من شؤون ( الأسباط ) و مختصاتهم كما صرَّح بذلك القرآن الكريم 14 ، و لا يمكن أن يتصف بها الخليفة و النائب عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، أو يحمل آثارها و خواصَّها ، باعتبار أنَّ جميع الرسالات و الشرائع قد ختمت بالرسالة الإسلامية الخالدة ، و جميع النبوات قد ختمت و انتهت إلى نبوته ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، كما هو واضح لدى الجميع ، فيبقى من عنوان ( الأسباط ) إذن ما عدا وصف النبوة و خواصِّها جميعُ المهام التي اضطلع بها ( الأسباط ) ، و مارسوها و تميَّزوا بها عن بقية الناس بالنسبة إلى الرسالات السماوية السابقة ، و هي تتلخص بتبليغ أحكام الله ( جل و علا ) ، و المحافظة عليها ، و الذبّ عنها حتى النفس الأخير .
و لو طبَّقنا هذه النتيجة على الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) وفقا لما ورد في أحاديث النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، لأنتهينا علميّاً إلى القول بأنَّ وظيفة الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) تعبِّر عن الإمتداد الشرعي لوظيفة رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و أنَّهما ( عَليهِما السَّلامُ ) يمارسان نفس المهام التي مارسها ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، ما عدا صفة النبوّة و خصائصها التي استأثر بها ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) عن بقية ( الخلفاء الإثنى عشر ) من بعده ، و منهما الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) بالضرورة .
و يمكن ان نلتمس من خلال أحاديث رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ما يعزّز هذا المعنى و يؤيده ، و لعلَّ من أبرز هذه الأحاديث و أوضحها دلالة على المقصود ( حديث المنزلة ) الذي نصَّ فيه رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على كون الإمام علي ( عَليهِ السَّلامُ ) منه بمنزلة هارون من موسى ، فيمكن لهذا الحديث أن يوضِّح لنا هذه النقطة بجلاء ، و يفكك لنا بين عنوان النبوَّة و بين أداء الأحكام الشرعية ، و النيابة عنه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بهذا الشأن ، إذ قد ورد في ذيل الحديث أن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قد قال :
( إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي ) .
و في بعض النصوص أنَّه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال :
( إلاّ أنَّه لا نبوة بعدي ) 15 .
فهذا يدل على بقاء مهام الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) محفوظة و قائمة في خلفائه الإثنى عشر ، و منهم الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) على الرَّغم من أنَّه لا نبوَّة بعده ، لأنَّ مهمة هارون بالنسبة إلى موسى معروفة لدى الجميع ، فكذلك منزلة الإمام علي ( عَليهِ السَّلامُ ) من الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) هي نفس المنزلة المذكورة ما عدا النبوة ، و بتطبيق هذا المعنى على الأسباط ننتهي إلى نفس النتيجة ، فيأخذ الحسن و الحسين ( عَليهِما السَّلامُ ) بعد أبيهما نفس وظائف التبليغ عن الله ( جل و علا ) التي كان يمارسها ( الأسباط ) ما عدا عنوان النبوة و خصائصها ، كالوحي إليه بصورة مباشرة مثلاً .
يقول العلاّمة ( مرتضى العسكري ) في بيان هذا المطلب :
( وكذلك نرى أنَّ قوله في حقهما أنَّهما سبطان من الأسباط ، لا يعني أنَّهما حفيدان ، كما أنَّ جميع البشر ما عداهما حفده ، فهذا هذر من القول حاشا رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) منه ، بل انَّ الألف و اللام في الأسباط للعهد الذهني من القرآن الكريم ، أى : أنَّهما من الأسباط المذكورين في كتاب الله في قوله ( جل و علا ) :
﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ 16 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى ... ﴾ 17 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ ... ﴾ 18 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ... ﴾ 19 .
و عليه فإنَّ الألف و اللام في ( الأسباط ) في حديث رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بحق الحسنين للعهد الذهني عند المسلمين من هذه الآيات ، و أنَّ قول رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) في حقهما نظير قوله في حق أبيهما : إنَّه منِّي بمنزلة هارون من موسى ، و قد شرح الله سبحانه تلك المنزلة فيما حكى عن موسى أنَّه قال :
﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ 20 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ 21 ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ... ﴾ 22 .
و قوله ( جل و علا ) :
﴿ ... وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ 23 .
و فيما أخبر سبحانه عنهما و قال :
﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ 24 .
و قال :
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ 25 .
في هذه الآيات جعل الله هارون رداءاً لموسى و وزيراً و شريكاً في النبوة استخلفه موسى في قومه ، فلما نصَّ خاتم الأنبياء على أنَّ علياً منه بمنزلة هارون من موسى ، و استثنى من كلّ ذلك النبوة ، و أنَّه لا نبي بعده ، بقي منها للإمام علي ردء ، و وزارة ، و مشاركة في التبليغ على عهد الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و من بعده الخلافة في
يتبع انشاء الله في الحلقة 2
تعليق