النهضة الحسينية في النفس البشرية
مقدمة :
هذه مقدمة الكتاب الذي كتبته قبل ثسع سنوات , في ايام التحصيل في النجف الاشرف مركز الفيض العلوي , ويقع هذا البحث في سبعٍ وعشرين فصلا, وخاتمة , وكان هذا السفر الذي بين يديك هو ماكنت اشعر به , واستشعره في اعماقي في سن الخامسة والعشرين تجاه النهضة الحسينة , وكلما قرأت نصا او خطابا لأبي عبد الله الحسين عليه السلام مع المعسكر المادي والمعادي كنت احاول ان افسره تفسيرا معنويا في عالم النفس والقلب واعماق الانسان ، ويمكن ان اسميه دراسة أخلاقية عن عاشوراء الذات , وقد استفدت كثيرا في هذا المضمار ,ووصلت الى نتائج كثيرة وهي من اثار وبركات الامام الحسين عليه السلام , وكانت المسودة الاولى قد كتبتها في ثلاث اماكن مقدسة الحرم الحسيني , والعلوي , وفي الطريق الى كربلاء العشق والولاء لابي الضيم الحسين عليه السلام .
الإنسانية عليها أن تفهم عن عاشوراء الحسين (عليه السلام) وواقعة الطف أنها ليست محددة ً في زمن معين ، ومختصة ٍ بوقتٍ دون آخر كما هي سنة 61هـ فحسب .
بل عليها أن تعلم أن الملحمة الحسينية هي عبارة عن صراع مستمر على مدى العصور والأزمنة وليست لها نهاية ، وموعد للانتهاء ، فالملحمة والصراع مستمران ما دام الإنسان موجودا ً في ساحة الوجود ، فإذا سقط الجسد صريعا ً بخروج تلك الروح منه هذا في حال عندما يشرب الفرد من كأس الموت فإن الصراع العاشورائي سوف ينتهي بانتهاء تلك الأنفاس الصاعدة والنازلة.
عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) حركة ْ فريدة ْ من نوعها ، وإن المفكرين والعلماء وأرباب التفكير يقفون أمامها وقفة َّ متأملٍ ودارس ٍ لحقيقة عاشوراء ، هذه النهضة الحسينية التي قادها ذلك الرجل العظيم والولي الصالح الذي تـَخَرَجَ من مدرسة النبوة وهي التي تتلقى الأوامر والنواهي من الله تبارك وتعالى.
من تلك المدرسة الإلهية التي أدبتْ النبي الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) وهو القائل (( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) (1)
أخذتْ الأقلام بالكتابة من العلماء والمفكرين والقادة الأجلاء عن عاشوراء سيد الشهداء (عليه السلام) بالاتجاهات المتعددة والمتنوعة فبعضهم تبنى الاتجاه التأريخي ، والآخر أختار الاتجاه العقائدي في حركة وانطلاقة عاشوراء ، والآخر أخذ عاشوراء من زاوية سياسية ، بينما البعض خاض وفسرَّها بأنها حركة غيبية بلحاظ أن الإمام المعصوم (سلام الله عليه) يأخذ الأوامر من عالم الغيب.
أما الاتجاه الذي نتبناه هو المسلك العقائدي الأخلاقي الذي يحتاج إليه كل مكلف ، فيكون هذا الاتجاه يفسر رحلة الإمام الحسين (عليه السلام ) بأنها عملية الاظهار لما طمس لدعائم الاسلام وللعقيدة وللسلوك والأخلاق الإلهية, ولهذا اشار الى هذا المهنى الامام الحسين عليه السلام بشكل واضح وصريح (انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي))(2)
وإن ما قام به الإمام الحسين (عليه الاف التحية والثناء) هو ما بُعثَ به الأنبياء والرسل ، باعتبار أن دعوة جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) كانت من أجل تتميم تلك المكارم الأخلاقية السماوية
ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) : (( إنما بعثت لأ ُتمم مكارم الأخلاق )). (3) (4)
نجد في عاشوراء الجوانب التأريخية والعقائدية ، ونجد ايضا الجوانب الرسالية والفكرية.
أما الانطلاقة والصرخة الحسينية ألأخلاقية لم تدرس بالصورة التي يجب أن تكون ، وأن تتحقق في ساحة الخارج ، وهذا مع العلم إن الاتجاه والمسلك الأخلاقي لحركة سيد الشهداء(عليه السلام) هو أهم من تلك الجوانب التي تقدمت ْ ، لأن الفكر والعقيدة والسياسة إذا تجردت عن الأخلاق فإنها تكون فاقدة التأثير والإصلاح ، وفي النتيجة النجاح والصلاح فيما يخص شؤون وأمور الأمة.
إن حركة الإمام الحسين (عليه السلام) الأخلاقية العقائدية واقعة في طول بعثة الأنبياء من ادم الى الخاتم عليهم الاف التحية والسلام وليس في عرضه ، هذا باعتبار أن الأنبياء أرادوا من البشرية أن يكونوا بمستوى عال ٍ وسام ٍ من السلوك والأخلاق والتكامل والعلاقة مع الله تبارك وتعالى. يقول العالم الأخلاقي الكبير الشيخ حسين البحراني طاب ثراه: (( إن تمام مكارم الأخلاق هو فائدة البعثة التي ما صلح الوجود إلا بها )) (5).
عزيزي القارئ الكريم إن هذه المحاولة تقوم بعونه تعالى بعملية إظهار النهضة الحسينية بأسلوب أخلاقي بعيد عن الغموض واستعمال الألفاظ التي تبعد القريب وتـُـفسر عاشوراء ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) على الصعيد الأخلاقي العقائدي ، فتكون مهمة هذا الكتاب الذي بين يديك جعل الفرد يعيش ذلك الصراع الداخلي العاشورائي على نحو الاستمرار وليس بوقت ٍ دون آخر.
يقع هذا البحث في محورين (المحور الأول) : يصور الصراع والمعركة مع قوى الباطل على الصعيد النظري ، وكيفية ذلك ؟هو أن يتسلح الفرد بالآيات القرآنية والروايات والأدعية (6) التي وردت عن أهل بيت العصمةِ والطهارة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) والتي لها علاقة ومساس مباشر في هذه المعركة .
(المحور الثاني) : الدخول واقتحام المعركة على الصعيد العملي والتصدي لجميع قوى الباطل من الجن والانس والنفس الأمارة بالسوء والشياطين والأهواء الفاسدة ، وحب مغريات الحياة الدنيا.
بحيث يجعل العقل هو الحاكم في هذه المملكة لا الأهواء الفاسدة .
الإنسانية عليها أن تعيش في مدة إقامتها في هذه الدنيا معيشة عاشورائية ، ويعيشون الصراع العاشورائي والمعركة في نفوسهم الأمارة بالسوء ، وهذا الجانب هو الذي نسميه بالأخلاقي العقائدي ، حيث يصور للفرد وجوب الثورة في أعماقه . وقلب نظام الأخلاق الفاسدة (7) ، وإقامة دولة الأخلاق العادلة الصالحة . وهذا ليس من السهل ، نعم من الأمور السهلة على الإنسان أن يقوم بعملية وضع راية سوداء أو حمراء على قبب الأئمة (عليهم السلام) كقبة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) .
لكن من الصعب عليه أن يضع راية الحق وراية العقيدة والتوحيد والاستقامة على قبة القلب والبصيرة ، ويقوم بعملية الثورة والإطاحة بذلك النظام الظالم والحاكم الدكتاتوري المعشعش في داخله برئاسة النفس الإمارة بالسوء ، والشياطين ، والأهواء الفاسدة وينصب مكانها الحاكم العادل المبسوط اليد وهو النبي والحجة الباطنية ألا وهو العقل البشري . (8)
فالعقل العملي حاكم عادل وكل قضاياه صادقة ، ركزه الله تعالى فينا لنفعنا وهدايتنا وليس فيه خطأ ، وهـو الــــذي يـحــكــم بــحــســن الــعـــدل وبـــقـبح الظلم(9)
يقول السيد الخميني )'طاب ثراه): (( العقل وهو القوة العاقلة أي القوة الروحانية التي هي بدافع الذات مجردة وبدافع الفطرة مائلة إلى الخيرات والكمالات ، وداعية إلى العدل والإحسان ))(10)
وإن النفس الأمارة بالسوء ، هي عبارة عن حاكم باطل وكل مافيها شر وباطل وقد تصبح الها خصوصا إذا ((أتخذ إلههُ هواه )) (11). ، على العكس من العقل العملي فهو خير محض وحق وهادي الى الرشاد .
من خلال هذه المعركة علينا أن نحدد المسلك الأخلاقي ونأخذ الدروس من حركة الحسين (عليه السلام) حتى نتمتع بالقرب من حضرة المقام المحمدي يوم القيامة .
ورد عن النبي)صلى الله عليه واله وسلم ) إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحسنكم أخلاقا ً ) (12) .
ورد عن الامام علي (عليه السلام): (( ذهاب العقل ما بين الهوى والشهوة )) (13)
يقول أحد الحكماء : (( إذا أردت أن يكون العقل غالبا ً للهوى فلا تعمل بقضاء الشهوة )) (14) .
فلهذا نقول إن داخل الإنسان هو عبارة عن أرض كربلاء ومعركة الطف ، وصراع عاشوري ما بين العقل والشهوة وهذه الأرض يجري عليها في كل زمان معركة ما بين الحق والباطل ، وما بين العقل والشهوة ,بين النور والظلام,بين الخير والشر,بين الفضائل والرذائل, بين الروح الانسانية والروح الشيطانية الحيوانية وهذا هو الصراح الحقيقي بين المرتبط بالامام الحسين عليه والسلام وبين اتباع الفكر الاموي في كل عصر ومصر.
. فالعقل له جنود وهم وزراءه أمثال الخير والإيمان والتصديق والرجاء ومن يعرف جنود العقل والجهل فإنه سائر في طريق الهداية.
فعن سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل فقال (عليه السلام): (أعرفوا العقل وجنوده والجهل وجنوده تهتدوا).(15)
فهذا هو الصراع الحقيقي والمعركة الحقيقية ما بين الخير وقوى الشر ، وما بين الطاعة والمعصية فإذا أتضح لك ذلك وقد سلمتْ بأن المعركة موجودة فأعلم عزيزي القارئ الكريم إن حالنا الآن كحال ذلك القائد العسكري الذي خرج لحرب الإمام الحسين (عليه السلام) ألا وهو الحر بن يزيد الرياحي (عليه الرحمة والرضوان) حينما كان يعيش الصراع في داخله ما بين أن يشترك بدم السبط الإمام الحسين (عليه السلام) ويأخذ المنصب الدنيوي وهو الذي يشفي غليل كل جنود الجهل في باطنه ، ويحصل على بعض الجوائز البغيضة من السلطة الأموية و بين أن يكون ممن التحق وركب سفينة النجاة التي توصل إلى العبودية وإلى التلذذ الحقيقي في ارتداء لباس العبودية والطاعة لله تبارك وتعالى ، والتي توصل الفرد وتسحبه إلى ساحل الأمان . (16)
فما علينا إلا وأن نتبع تلك القافلة التي قائدها الإمام الحسين (عليه السلام) لنكون في الدرجة والمنزلة العليا مع الرسل والأنبياء والأولياء.
و لا يفوتني أن أشكر جهد الأستاذ السيد علي كاظم الموسوي الكاظمي الذي طالما كان يحثني على كتابة هكذا يحوث مرتبطة بالقضية الحسينة خصوصا مع بيان اثار ها في النفس البشرية وأسأل الله تعالى وببركة أنفاس أهل بيت العصمة والطهارة )صلوات الله تعالى عليهم اجمعين) أن تنال هذه الأسطر الرعاية والعناية منهم ، هذا وأمد يد الحاجة والضراعة إلى الغني المطلق في أن يتقبل هذا العمل والبضاعة القليلة من عبده الفقير لانه يقبل القليل ويعفو عن الكثير ، ويعطي الكثير بالقليل ، وأرجو أن لا يكون كلامي هذا من نافلة القول والحمد لله أولا ً وآخرا ً .
المصادر
__________________________________________________ ___________-
1_بحار الأنوار :14/ ص326 , الكشف والبيان للثعلبي :13/ ص332-تفسير الرازي :14 , 396 .
2-بحار الانوار :44 , 329,الفتوح لابن اعثم :5 ,43,مناقب ال ابي طالب3 ,241
3_بحار الأنوار :ج 68 , 382 , المحجة البيضاء :ج5 89.
4_ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنَّ الله تبارك وتعالى خصَّ رسوله بمكارم ألأخلاق فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم فاحمدوا الله عز وجل وارغبوا إليه في الزيادة منها : فذكرها عشرة : اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروّة) - انظر تحف العقول :ص362,وسائل الشيعة :ج15, 180
5_الطريق إلى الـله تعالى :12
6__يقول السيد الخميني (طاب ثراه) : إن الأدعية تعين الإنسان على الوصول إلى الكمال المطلق. السفر إلى الملكوت :76
7_ بحسب تعبير محمد شعاع فاخر صاحب كتاب الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية.
8 _اشارة الى قول الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام): ((يا هشام إن لله حجتين ، حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأما الباطنة فالعقول)) أصول الكافي باب العقل والجهل :ج1 ص16.
9_العقل العملي هو الذي يدرك به مايعمل بخلاف العقل النظري وهو الذي يدرك به مايعلم فيكون ملاك العقل العملي هو العمل وملاك العقل النظري هو العلم فالعقل واحد ولكن المعقول متعدد كل بحسبه.
10_جنود العقل ص17
11_لفرقان 43 , الجاثية 23.
12_المحجة البيضاء :ج5 ص89.بحار الانوارج101 ص 310
13_ غرر الحكم :ص65.مستدرك الوسائل: ج11ص192
14_ مجموعة ورام :ج1 ص96.
15- جنود العقل والجهل :ص14.
16- إشارة إلى قول الإمام الهادي (عليه السلام) في زيارة الجامعة الكبيرة (وأمِـنَ مَن لجأ إليكم) بحار الانوار :ج99 ص 130,من لايحضره الفقيه :ج2ص613
مقدمة :
هذه مقدمة الكتاب الذي كتبته قبل ثسع سنوات , في ايام التحصيل في النجف الاشرف مركز الفيض العلوي , ويقع هذا البحث في سبعٍ وعشرين فصلا, وخاتمة , وكان هذا السفر الذي بين يديك هو ماكنت اشعر به , واستشعره في اعماقي في سن الخامسة والعشرين تجاه النهضة الحسينة , وكلما قرأت نصا او خطابا لأبي عبد الله الحسين عليه السلام مع المعسكر المادي والمعادي كنت احاول ان افسره تفسيرا معنويا في عالم النفس والقلب واعماق الانسان ، ويمكن ان اسميه دراسة أخلاقية عن عاشوراء الذات , وقد استفدت كثيرا في هذا المضمار ,ووصلت الى نتائج كثيرة وهي من اثار وبركات الامام الحسين عليه السلام , وكانت المسودة الاولى قد كتبتها في ثلاث اماكن مقدسة الحرم الحسيني , والعلوي , وفي الطريق الى كربلاء العشق والولاء لابي الضيم الحسين عليه السلام .
الإنسانية عليها أن تفهم عن عاشوراء الحسين (عليه السلام) وواقعة الطف أنها ليست محددة ً في زمن معين ، ومختصة ٍ بوقتٍ دون آخر كما هي سنة 61هـ فحسب .
بل عليها أن تعلم أن الملحمة الحسينية هي عبارة عن صراع مستمر على مدى العصور والأزمنة وليست لها نهاية ، وموعد للانتهاء ، فالملحمة والصراع مستمران ما دام الإنسان موجودا ً في ساحة الوجود ، فإذا سقط الجسد صريعا ً بخروج تلك الروح منه هذا في حال عندما يشرب الفرد من كأس الموت فإن الصراع العاشورائي سوف ينتهي بانتهاء تلك الأنفاس الصاعدة والنازلة.
عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) حركة ْ فريدة ْ من نوعها ، وإن المفكرين والعلماء وأرباب التفكير يقفون أمامها وقفة َّ متأملٍ ودارس ٍ لحقيقة عاشوراء ، هذه النهضة الحسينية التي قادها ذلك الرجل العظيم والولي الصالح الذي تـَخَرَجَ من مدرسة النبوة وهي التي تتلقى الأوامر والنواهي من الله تبارك وتعالى.
من تلك المدرسة الإلهية التي أدبتْ النبي الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) وهو القائل (( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) (1)
أخذتْ الأقلام بالكتابة من العلماء والمفكرين والقادة الأجلاء عن عاشوراء سيد الشهداء (عليه السلام) بالاتجاهات المتعددة والمتنوعة فبعضهم تبنى الاتجاه التأريخي ، والآخر أختار الاتجاه العقائدي في حركة وانطلاقة عاشوراء ، والآخر أخذ عاشوراء من زاوية سياسية ، بينما البعض خاض وفسرَّها بأنها حركة غيبية بلحاظ أن الإمام المعصوم (سلام الله عليه) يأخذ الأوامر من عالم الغيب.
أما الاتجاه الذي نتبناه هو المسلك العقائدي الأخلاقي الذي يحتاج إليه كل مكلف ، فيكون هذا الاتجاه يفسر رحلة الإمام الحسين (عليه السلام ) بأنها عملية الاظهار لما طمس لدعائم الاسلام وللعقيدة وللسلوك والأخلاق الإلهية, ولهذا اشار الى هذا المهنى الامام الحسين عليه السلام بشكل واضح وصريح (انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي))(2)
وإن ما قام به الإمام الحسين (عليه الاف التحية والثناء) هو ما بُعثَ به الأنبياء والرسل ، باعتبار أن دعوة جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) كانت من أجل تتميم تلك المكارم الأخلاقية السماوية
ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) : (( إنما بعثت لأ ُتمم مكارم الأخلاق )). (3) (4)
نجد في عاشوراء الجوانب التأريخية والعقائدية ، ونجد ايضا الجوانب الرسالية والفكرية.
أما الانطلاقة والصرخة الحسينية ألأخلاقية لم تدرس بالصورة التي يجب أن تكون ، وأن تتحقق في ساحة الخارج ، وهذا مع العلم إن الاتجاه والمسلك الأخلاقي لحركة سيد الشهداء(عليه السلام) هو أهم من تلك الجوانب التي تقدمت ْ ، لأن الفكر والعقيدة والسياسة إذا تجردت عن الأخلاق فإنها تكون فاقدة التأثير والإصلاح ، وفي النتيجة النجاح والصلاح فيما يخص شؤون وأمور الأمة.
إن حركة الإمام الحسين (عليه السلام) الأخلاقية العقائدية واقعة في طول بعثة الأنبياء من ادم الى الخاتم عليهم الاف التحية والسلام وليس في عرضه ، هذا باعتبار أن الأنبياء أرادوا من البشرية أن يكونوا بمستوى عال ٍ وسام ٍ من السلوك والأخلاق والتكامل والعلاقة مع الله تبارك وتعالى. يقول العالم الأخلاقي الكبير الشيخ حسين البحراني طاب ثراه: (( إن تمام مكارم الأخلاق هو فائدة البعثة التي ما صلح الوجود إلا بها )) (5).
عزيزي القارئ الكريم إن هذه المحاولة تقوم بعونه تعالى بعملية إظهار النهضة الحسينية بأسلوب أخلاقي بعيد عن الغموض واستعمال الألفاظ التي تبعد القريب وتـُـفسر عاشوراء ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) على الصعيد الأخلاقي العقائدي ، فتكون مهمة هذا الكتاب الذي بين يديك جعل الفرد يعيش ذلك الصراع الداخلي العاشورائي على نحو الاستمرار وليس بوقت ٍ دون آخر.
يقع هذا البحث في محورين (المحور الأول) : يصور الصراع والمعركة مع قوى الباطل على الصعيد النظري ، وكيفية ذلك ؟هو أن يتسلح الفرد بالآيات القرآنية والروايات والأدعية (6) التي وردت عن أهل بيت العصمةِ والطهارة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) والتي لها علاقة ومساس مباشر في هذه المعركة .
(المحور الثاني) : الدخول واقتحام المعركة على الصعيد العملي والتصدي لجميع قوى الباطل من الجن والانس والنفس الأمارة بالسوء والشياطين والأهواء الفاسدة ، وحب مغريات الحياة الدنيا.
بحيث يجعل العقل هو الحاكم في هذه المملكة لا الأهواء الفاسدة .
الإنسانية عليها أن تعيش في مدة إقامتها في هذه الدنيا معيشة عاشورائية ، ويعيشون الصراع العاشورائي والمعركة في نفوسهم الأمارة بالسوء ، وهذا الجانب هو الذي نسميه بالأخلاقي العقائدي ، حيث يصور للفرد وجوب الثورة في أعماقه . وقلب نظام الأخلاق الفاسدة (7) ، وإقامة دولة الأخلاق العادلة الصالحة . وهذا ليس من السهل ، نعم من الأمور السهلة على الإنسان أن يقوم بعملية وضع راية سوداء أو حمراء على قبب الأئمة (عليهم السلام) كقبة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) .
لكن من الصعب عليه أن يضع راية الحق وراية العقيدة والتوحيد والاستقامة على قبة القلب والبصيرة ، ويقوم بعملية الثورة والإطاحة بذلك النظام الظالم والحاكم الدكتاتوري المعشعش في داخله برئاسة النفس الإمارة بالسوء ، والشياطين ، والأهواء الفاسدة وينصب مكانها الحاكم العادل المبسوط اليد وهو النبي والحجة الباطنية ألا وهو العقل البشري . (8)
فالعقل العملي حاكم عادل وكل قضاياه صادقة ، ركزه الله تعالى فينا لنفعنا وهدايتنا وليس فيه خطأ ، وهـو الــــذي يـحــكــم بــحــســن الــعـــدل وبـــقـبح الظلم(9)
يقول السيد الخميني )'طاب ثراه): (( العقل وهو القوة العاقلة أي القوة الروحانية التي هي بدافع الذات مجردة وبدافع الفطرة مائلة إلى الخيرات والكمالات ، وداعية إلى العدل والإحسان ))(10)
وإن النفس الأمارة بالسوء ، هي عبارة عن حاكم باطل وكل مافيها شر وباطل وقد تصبح الها خصوصا إذا ((أتخذ إلههُ هواه )) (11). ، على العكس من العقل العملي فهو خير محض وحق وهادي الى الرشاد .
من خلال هذه المعركة علينا أن نحدد المسلك الأخلاقي ونأخذ الدروس من حركة الحسين (عليه السلام) حتى نتمتع بالقرب من حضرة المقام المحمدي يوم القيامة .
ورد عن النبي)صلى الله عليه واله وسلم ) إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحسنكم أخلاقا ً ) (12) .
ورد عن الامام علي (عليه السلام): (( ذهاب العقل ما بين الهوى والشهوة )) (13)
يقول أحد الحكماء : (( إذا أردت أن يكون العقل غالبا ً للهوى فلا تعمل بقضاء الشهوة )) (14) .
فلهذا نقول إن داخل الإنسان هو عبارة عن أرض كربلاء ومعركة الطف ، وصراع عاشوري ما بين العقل والشهوة وهذه الأرض يجري عليها في كل زمان معركة ما بين الحق والباطل ، وما بين العقل والشهوة ,بين النور والظلام,بين الخير والشر,بين الفضائل والرذائل, بين الروح الانسانية والروح الشيطانية الحيوانية وهذا هو الصراح الحقيقي بين المرتبط بالامام الحسين عليه والسلام وبين اتباع الفكر الاموي في كل عصر ومصر.
. فالعقل له جنود وهم وزراءه أمثال الخير والإيمان والتصديق والرجاء ومن يعرف جنود العقل والجهل فإنه سائر في طريق الهداية.
فعن سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل فقال (عليه السلام): (أعرفوا العقل وجنوده والجهل وجنوده تهتدوا).(15)
فهذا هو الصراع الحقيقي والمعركة الحقيقية ما بين الخير وقوى الشر ، وما بين الطاعة والمعصية فإذا أتضح لك ذلك وقد سلمتْ بأن المعركة موجودة فأعلم عزيزي القارئ الكريم إن حالنا الآن كحال ذلك القائد العسكري الذي خرج لحرب الإمام الحسين (عليه السلام) ألا وهو الحر بن يزيد الرياحي (عليه الرحمة والرضوان) حينما كان يعيش الصراع في داخله ما بين أن يشترك بدم السبط الإمام الحسين (عليه السلام) ويأخذ المنصب الدنيوي وهو الذي يشفي غليل كل جنود الجهل في باطنه ، ويحصل على بعض الجوائز البغيضة من السلطة الأموية و بين أن يكون ممن التحق وركب سفينة النجاة التي توصل إلى العبودية وإلى التلذذ الحقيقي في ارتداء لباس العبودية والطاعة لله تبارك وتعالى ، والتي توصل الفرد وتسحبه إلى ساحل الأمان . (16)
فما علينا إلا وأن نتبع تلك القافلة التي قائدها الإمام الحسين (عليه السلام) لنكون في الدرجة والمنزلة العليا مع الرسل والأنبياء والأولياء.
و لا يفوتني أن أشكر جهد الأستاذ السيد علي كاظم الموسوي الكاظمي الذي طالما كان يحثني على كتابة هكذا يحوث مرتبطة بالقضية الحسينة خصوصا مع بيان اثار ها في النفس البشرية وأسأل الله تعالى وببركة أنفاس أهل بيت العصمة والطهارة )صلوات الله تعالى عليهم اجمعين) أن تنال هذه الأسطر الرعاية والعناية منهم ، هذا وأمد يد الحاجة والضراعة إلى الغني المطلق في أن يتقبل هذا العمل والبضاعة القليلة من عبده الفقير لانه يقبل القليل ويعفو عن الكثير ، ويعطي الكثير بالقليل ، وأرجو أن لا يكون كلامي هذا من نافلة القول والحمد لله أولا ً وآخرا ً .
المصادر
__________________________________________________ ___________-
1_بحار الأنوار :14/ ص326 , الكشف والبيان للثعلبي :13/ ص332-تفسير الرازي :14 , 396 .
2-بحار الانوار :44 , 329,الفتوح لابن اعثم :5 ,43,مناقب ال ابي طالب3 ,241
3_بحار الأنوار :ج 68 , 382 , المحجة البيضاء :ج5 89.
4_ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنَّ الله تبارك وتعالى خصَّ رسوله بمكارم ألأخلاق فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم فاحمدوا الله عز وجل وارغبوا إليه في الزيادة منها : فذكرها عشرة : اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروّة) - انظر تحف العقول :ص362,وسائل الشيعة :ج15, 180
5_الطريق إلى الـله تعالى :12
6__يقول السيد الخميني (طاب ثراه) : إن الأدعية تعين الإنسان على الوصول إلى الكمال المطلق. السفر إلى الملكوت :76
7_ بحسب تعبير محمد شعاع فاخر صاحب كتاب الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية.
8 _اشارة الى قول الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام): ((يا هشام إن لله حجتين ، حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأما الباطنة فالعقول)) أصول الكافي باب العقل والجهل :ج1 ص16.
9_العقل العملي هو الذي يدرك به مايعمل بخلاف العقل النظري وهو الذي يدرك به مايعلم فيكون ملاك العقل العملي هو العمل وملاك العقل النظري هو العلم فالعقل واحد ولكن المعقول متعدد كل بحسبه.
10_جنود العقل ص17
11_لفرقان 43 , الجاثية 23.
12_المحجة البيضاء :ج5 ص89.بحار الانوارج101 ص 310
13_ غرر الحكم :ص65.مستدرك الوسائل: ج11ص192
14_ مجموعة ورام :ج1 ص96.
15- جنود العقل والجهل :ص14.
16- إشارة إلى قول الإمام الهادي (عليه السلام) في زيارة الجامعة الكبيرة (وأمِـنَ مَن لجأ إليكم) بحار الانوار :ج99 ص 130,من لايحضره الفقيه :ج2ص613
تعليق