بسم الله الرحمن الرحيم
" وأورد على ذلك الفخر الرازي بأن الاستدلال بالآية على عدم لياقة الظالم بالفعل بمنصب الامامة واضح، ولكن الاستدلال بها على عدم لياقة الظالم سابقا بمنصب الامامة لا يتم الا على القول بوضع المشتق للاعم وهو قولخلاف المشهور، فبناءا على الصحيح من وضع المشتق للاخص تختص الآية بنفي اللياقة عن الظالم الفعلي دون غيره، فلا يتم الاستدلال بها على العصمة .
والجواب عن هذا الايراد: إن الاستدلال بالآية على نفي لياقة غير المعصوم بالامامة تام وإن قلنا بوضع المشتق للاخص، وتماميته بوجهين :
أ - إن مناسبة الحكم للموضوع قرينة عرفية ارتكازية تقتضي كفاية حدوث الظلم ولو آنا ما باطنا أو ظاهرا لعدم تقلد منصب الامامة الذي هو أعلى منصب في الاسلام، ويؤيد ذلك الارتكاز العقلائي فإن كثيرا من الدول تمنع من تقلدبعض المناصب المهمة من قبل من كانت له سابقة مخلة بالشرف، والنصوص الشرعية ترشد لذلك أيضا، ففي حسنة زرارة عن الباقر عليه السلام " لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والابرص والمجنون والمحدود وولد
الزنا والاعرابي لا يؤم المهاجرين " فإذا كانت إمامة الجماعة منصبا لا يليق به من له سابقة سيئة فكيف بأعظم منصب في الاسلام، فتكون الآية بناءا على هذه القرينة شاملة للظالم سابقا والظالم فعلا ودالة على اعتبار العصمة في الامامة، سواءا قلنا بأن مبدأ الظلم أخذ على نحو المضي - والحدوث فالاطلاق حقيقي حينئذ، أو قلنا بأن المبدأ أخذ على نحو الفعلية مع لحاظ حال الجري والنسبة فالاطلاق مجازي بناءا على الوضع للاخص، إذن فكون الاطلاق في الآية حقيقيا أم مجازيا لا ينافي الاستدلال بها على اعتبار العصمة.
ب - ما نقل عن بعض الاعلام، وحاصله: أن مطلوب إبراهيم عليه السلام لا يخلو من أربعة وجوه:
1 - طلب الامامة للظالم فعلا.
2 - طلب الامامة للظالم مستقبلا.
3 - طلب الامامة للظالم سابقا.
4 - طلب الامامة لمن لم يظلم أصلا.
لا يمكن أن يكون مطلوبه الوجه الاول والثاني، لان إبراهيم عليه السلام عاقل عارف بأهمية منصب الامامة فكيف يطلب تقليده للظالم بالفعل أو في المستقبل، فإن ذلك تعريض بمنصب الامامة للضياع والخطر. ولا يمكن أن يكون مطلوبه خصوص الوجه الرابع وهو من لم يظلم أصلا، باعتبار نفي الآية اعطاء المنصب للظالم ولولا شمول طلبه للظالم لما نفته الآية المباركة، فتعين أن يكون مطلوبه اعطاء الامامة للعادل فعلا سواءا صدر منه ظلم في السابق أم لا، فلما جاء التصريح الالهي بنفي لياقة الظالم بمنصب الامامة عرف أن المراد بالظالم المنفي هو الظالم سابقا فقط وبقية الوجوه خارجة موضوعا كما ذكرنا، فتتم دلالة الآية حينئذ على اعتبار العصمة في الامام، سواءا كان الاطلاق فيها حقيقيا بلحاظ حال التلبس أو مجازيا بلحاظ حال الجري والنسبة.
" انتهى ما افاده حفظه الله في الرافد /266
اقول : ما افاده دام ظله متين جدا ولنا تعليقات في المقام :
1/ ذكر الاشكال قبل الرازي الجصاص في احكام القران 1 / 88 / ط دار احياء التراث العربي حيث قال :
" وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُ أَغْبِيَاءِ الرافضة بِقَوْلِهِ تَعَالَى [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] فِي رَدِّ إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ حِينَ كَانَا مُشْرِكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا جَهْلٌ مُفْرِطٌ لِأَنَّ هَذِهِ السِّمَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الظُّلْمِ فَأَمَّا التَّائِبُ مِنْهُ فَهَذِهِ السِّمَةُ زَائِلَةٌ عَنْهُ فَلَا جَائِزَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ فَزَالَتْ الصِّفَةُ زَالَ الْحُكْمُ .." اهـ
2/ يرد على الجصاص هذا ـ بعد صرف النظر عن الشتائم ـ ومن بعده الرازي مضافا الى ما ذكره السيد دام ظله :
ان القاعدة التي ذكرها ليست كلية ( = اعني قاعدة زوال الحكم بزوال الصفة المعلق عليها ) بل منتقضة بمثل قوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور : 2] و قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة : 38] وغيرهما فهل يقبل عاقل تطبيق القاعدة في هاتين الايتين وما يشبهها ؟ !
3/ كل ما مر بناء على زوال صفة الظلم عن الثلاثة واما بناء على تلبسهم بالفعل الى حين الممات فلا يرد شيء مما مر .
" وأورد على ذلك الفخر الرازي بأن الاستدلال بالآية على عدم لياقة الظالم بالفعل بمنصب الامامة واضح، ولكن الاستدلال بها على عدم لياقة الظالم سابقا بمنصب الامامة لا يتم الا على القول بوضع المشتق للاعم وهو قولخلاف المشهور، فبناءا على الصحيح من وضع المشتق للاخص تختص الآية بنفي اللياقة عن الظالم الفعلي دون غيره، فلا يتم الاستدلال بها على العصمة .
والجواب عن هذا الايراد: إن الاستدلال بالآية على نفي لياقة غير المعصوم بالامامة تام وإن قلنا بوضع المشتق للاخص، وتماميته بوجهين :
أ - إن مناسبة الحكم للموضوع قرينة عرفية ارتكازية تقتضي كفاية حدوث الظلم ولو آنا ما باطنا أو ظاهرا لعدم تقلد منصب الامامة الذي هو أعلى منصب في الاسلام، ويؤيد ذلك الارتكاز العقلائي فإن كثيرا من الدول تمنع من تقلدبعض المناصب المهمة من قبل من كانت له سابقة مخلة بالشرف، والنصوص الشرعية ترشد لذلك أيضا، ففي حسنة زرارة عن الباقر عليه السلام " لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والابرص والمجنون والمحدود وولد
الزنا والاعرابي لا يؤم المهاجرين " فإذا كانت إمامة الجماعة منصبا لا يليق به من له سابقة سيئة فكيف بأعظم منصب في الاسلام، فتكون الآية بناءا على هذه القرينة شاملة للظالم سابقا والظالم فعلا ودالة على اعتبار العصمة في الامامة، سواءا قلنا بأن مبدأ الظلم أخذ على نحو المضي - والحدوث فالاطلاق حقيقي حينئذ، أو قلنا بأن المبدأ أخذ على نحو الفعلية مع لحاظ حال الجري والنسبة فالاطلاق مجازي بناءا على الوضع للاخص، إذن فكون الاطلاق في الآية حقيقيا أم مجازيا لا ينافي الاستدلال بها على اعتبار العصمة.
ب - ما نقل عن بعض الاعلام، وحاصله: أن مطلوب إبراهيم عليه السلام لا يخلو من أربعة وجوه:
1 - طلب الامامة للظالم فعلا.
2 - طلب الامامة للظالم مستقبلا.
3 - طلب الامامة للظالم سابقا.
4 - طلب الامامة لمن لم يظلم أصلا.
لا يمكن أن يكون مطلوبه الوجه الاول والثاني، لان إبراهيم عليه السلام عاقل عارف بأهمية منصب الامامة فكيف يطلب تقليده للظالم بالفعل أو في المستقبل، فإن ذلك تعريض بمنصب الامامة للضياع والخطر. ولا يمكن أن يكون مطلوبه خصوص الوجه الرابع وهو من لم يظلم أصلا، باعتبار نفي الآية اعطاء المنصب للظالم ولولا شمول طلبه للظالم لما نفته الآية المباركة، فتعين أن يكون مطلوبه اعطاء الامامة للعادل فعلا سواءا صدر منه ظلم في السابق أم لا، فلما جاء التصريح الالهي بنفي لياقة الظالم بمنصب الامامة عرف أن المراد بالظالم المنفي هو الظالم سابقا فقط وبقية الوجوه خارجة موضوعا كما ذكرنا، فتتم دلالة الآية حينئذ على اعتبار العصمة في الامام، سواءا كان الاطلاق فيها حقيقيا بلحاظ حال التلبس أو مجازيا بلحاظ حال الجري والنسبة.
" انتهى ما افاده حفظه الله في الرافد /266
اقول : ما افاده دام ظله متين جدا ولنا تعليقات في المقام :
1/ ذكر الاشكال قبل الرازي الجصاص في احكام القران 1 / 88 / ط دار احياء التراث العربي حيث قال :
" وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُ أَغْبِيَاءِ الرافضة بِقَوْلِهِ تَعَالَى [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] فِي رَدِّ إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ حِينَ كَانَا مُشْرِكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا جَهْلٌ مُفْرِطٌ لِأَنَّ هَذِهِ السِّمَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الظُّلْمِ فَأَمَّا التَّائِبُ مِنْهُ فَهَذِهِ السِّمَةُ زَائِلَةٌ عَنْهُ فَلَا جَائِزَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ فَزَالَتْ الصِّفَةُ زَالَ الْحُكْمُ .." اهـ
2/ يرد على الجصاص هذا ـ بعد صرف النظر عن الشتائم ـ ومن بعده الرازي مضافا الى ما ذكره السيد دام ظله :
ان القاعدة التي ذكرها ليست كلية ( = اعني قاعدة زوال الحكم بزوال الصفة المعلق عليها ) بل منتقضة بمثل قوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور : 2] و قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة : 38] وغيرهما فهل يقبل عاقل تطبيق القاعدة في هاتين الايتين وما يشبهها ؟ !
3/ كل ما مر بناء على زوال صفة الظلم عن الثلاثة واما بناء على تلبسهم بالفعل الى حين الممات فلا يرد شيء مما مر .
تعليق