بآسمه تقدَّستْ اسمائه ، و صلى الله على محمد و آل محمد ، اسماء الله الحسنى و أمثاله العليا و آياته الكبرى و حجته البالغه و نعمته السابغه ...
تعددت أقوال المخالفين كثيراً في آية التطهير و ذلك لأن أقوالهم لا تستند الى كتاب الله و لا الى سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه و آله « ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا » ،
و لطالما تعلقوا بحجة "السياق" لإثبات نزول آية التطهير في نساء النبي صلى الله عليه و آله ، و على الرغم ان لا حجية في ذلك ، و لكن لا بأس نجاريهم فيما يقولون ...
آية التطهير تقع بين الآيات : (( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ( 28 ) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ( 29 ) ... ))
فإن كانت آية التطهير قد نزلت مع هتين الآيتين و في نفس سياقهما فهذا يعني انها نزلتْ في اقل تقدير في السنة السابعه للهجره ، و ذلك للسبب التالي :
ففي تفسير الطبري : حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة، في قول الله(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ...) إلى قوله(عَظِيمًا) قالا أمره الله أن يخيرهنّ بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار. قال قتادة: وهي غيرة من عائشة في شيء أرادته من الدنيا، وكان تحته تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلمة بنت أبي أميَّة، وزينب بنت جحش . وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجُوَيرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفية بنت حُييّ بن أخطب . ( 1 )
و غيرها من المصادر التي تثبت وجود جميع نساء النبي (ص) عنده ، وقت نزول هذه الآيه ،
و قد تزوج رسول الله (ص) بآخر زوجاته و هي ( ميمونه بنت الحارث الهلاليه ) بمكه في عمرة القضاء . ( 2 ) .
في ذي القعده ، السنة السابعه للهجره على ما هو معروف مسطور في كتب التاريخ . ( 3 ) .
فهذا يعني ان آية التطهير ( بناءاً على وحدتها مع الآيات التي قبلها و بعدها ) لم تنزل ابداً قبل السنة السابعه للهجره ، اي قبل ان يكتمل عدد نساء النبي (ص) جميعهن تحت كنفه ! ،
و كان زواج رسول الله (ص) بميمونه في ذي القعده أي في أواخر السنة السابعه للهجره ، لذلك فإن الراجح و الاقوى ان الآيه لم تنزل في السنه السابعه للهجره ، بل نزلت بعد هذه السنه ... ! ،
و بناءاً على قولهم فإن حادثة الكساء هي بعد نزول آية التطهير التي نزلت بإعتقادهم في نساء رسول الله (ص) ، فتنحصر حادثة الكساء في السنة الثامنه للهجره او ما تلاها ! ، و هي الحادثة التي جمع فيها رسول الله (ص) نفسه و علياً و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم و آلهم تحت الكساء و دعى لهم و طلب من الله ان يذهب عنهم الرجس و يطهرهم تطهيرا ، و لم تأتِ و لا روايه واحده تقول ان رسول الله (ص) ضمَّ تحت الكساء غير هؤلاء الاربعه (ع) ابداً ، لا من طرق المخالفين و لا من طرقنا ... ! ،
و عندئذٍ نوجه سؤالاً للمخالفين مفاده : أين كانت السيده الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليها في حادثة الكساء ؟! ، و لِمَ لَمْ يدخلها رسول الله (ص) معهم تحت الكسا كما فعل مع شقيقيها الحسن و الحسين عليهما السلام ؟!؟ ،
و قد كانت السيدة زينب صلوات الله و سلامه عليها موجودةً في حادثة الكساء التي حدثت -على أقل تقدير- في السنة الثامنه للهجره ، لأن السيده صلوات الله عليها ، قد ولدت في السنة الخامسه للهجره :
فعن الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته الزينبية: ولدت زينب في حياة جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت لبيبة جزلة عاقلة لها قوة جنان، فإن الحسن ولد قبل وفاة جده بثمان سنين، والحسين بسبع سنين، وزينب الكبرى بخمس سنين .( 4 ) . ( أي بين السنة الخامسه و السادسه للهجره ، لأن رسول الله -ص- استشهد في بداية السنه الحادية عشره ) .
و في ( أعلام النساء ) : { سيدة جليلة، ذات عقل راجح، ورأي وفصاحة، وبلاغة، ولدت قبل وفاة جدّها بخمس سنين }( 5 ) .
و هذا يعني ان السيده زينب (ع) كانت حاضرةً و موجودةً عند حادثة الكساء و كان عمرها ثلاث سنوات او أكثر ، فلماذا لم تدخل مع جدها و ابيها و امها و اخويها عليهم و آلهم الصلاة و السلام تحت الكساء ؟؟! ،
لقد تذرعوا بمنع النبي (ص) لزوجاته من الدخول تحت الكساء بحجة وجود امير المؤمنين صلوات الله عليه ، و نساء النبي اجنبيات عنه (ع) و لا يجوز لهن الدخول معه ( على الرغم من شدة غرابة هذه المقوله ! ) ، و لكن بكل تأكيد فإن السيده زينب عليها صلوات الله و سلامه عليها لا يشملها هذا العذر ! ، فكل من كان تحت الكساء هم جدها و ابوها و اخويها و هم جميعاً محارم عليها !! ،
الا ان تكون آية التطهير و حادثة الكساء هي امر خاص ، خصه الله لأشخاص معينين اصطفاهم و طهرهم و لا علاقة للأمر بالقرابة و صلة الرحم ، و لذلك لم تدخل معهم السيده زينب (ع) على الرغم من ان قرابتها للنبي (ص) لا تختلف عن قرابة شقيقيها الحسنين (ع) ، إلا ان الفارق هو ان ابويها و اخويها كانوا اقرب الى الله منها و اخلص و اتقى مع ما لها صلى الله عليها من التقى و الورع و الإخلاص الذي يكاد ان يكون منقطع النظير ! ،
و الآن ينبغي عليهم امر من امرين :
إما ان يعترفوا ان آية التطهير نزلت منفردةً على حدة عن بقيت الآيات التي تسبقها و تعقبها ، و هي قد نزلت قبل ولادة السيده زينب (ع) و لذلك لم تكن معهم تحت الكساء ، و عندئذ نلجئ الى الروايات ، التي ليس فقط تثبت اختصاص آية التطهير بالخمسة الطاهره فقط ، بل تنفي صراحةً كون نساء النبي الاعظم صلى الله عليه و اله من اهل البيت ، كالروايه الوارده في مسلم ( نساؤه لسن من اهل بيته ) !! ،
و اما ان يتمسكوا بوحدة السياق و ان آية التطهير نزلت مع الآيات التي سبقتها لا منفصلةً عنها ، و يبقى السؤال ( لماذا لم تكن سيدتنا زينب الصديقه الصغرى عليها السلام مع جدها و اهله عليهم السلام تحت الكساء ؟!!! ) ،
و يكون الاستنتاج البديهي الواضح : ان لا علاقة للأمر بالقرابة و الصله بالنبي (ص) بل الله اعلم حيث يجعل رسالته ، و ان آية التطهير و ان نزلت مع الآيات التي تتحدث مع نساء النبي صلى الله عليه و آله الا ان ذلك لا يمنع من اختصاصها بالخمسة الطيبة الطاهره دون غيرهم ، فالإنتقال من امر الى امر آخر في الكلام لا ينافي البلاغه ، و ذلك كما في الآيه « انه من كيدكن ان كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين » ، و الا فلماذا لم تدخل السيده زينب (ع) معهم تحت الكساء ؟؟!!؟؟ .
و هنا قد يقولون : انه ليس من الثابت ولادة السيده زينب عليها السلام في السنة الخامسه للهجره ، فهناك من قال بولادتها في السنة التاسعه من الهجره ، و حادثة الكساء حدثت قبل هذه السنه ، ما يعني ان السيدة زينب عليها السلام لم تكن موجودةً ليدخلها النبي (ص) معهم في الكساء !! ،
و يكون الجواب :
اولاً : ان حادثة الكساء قد تكررت عدة مرات و لم تحدث مرةً واحده ، و ذلك ملاحظ من خلال الروايات الوارده من طرق الفريقين ، فمرةً كانت الحادثه في بيت ام سلمه رضوان الله عليها و كانت هي الراويه ، و مرةً كانت عائشه هي الراويه اي انها حدثت في بيتها ، و غيرها على اختلاف الروايات ، فلماذا لم يكرر النبي الأعظم صلى الله عليه و آله حادثة الكساء عند ولادة السيده زينب عليها السلام و كذلك اختها السيده ام كلثوم ؟؟! ، كما كررها عدة مرات مع علي و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام ؟؟! ، و قد كررها صلى الله عليه و آله مع نفس الاشخاص و من الاولى تكرارها مع اشخاص آخرين لإثبات انتمائهم لو كانوا ينتمون .
ثانياً : ليس من الثابت ولادة السيده زينب عليها السلام في السنه التاسعه للهجره ، فلعلها ولدت في السنه الخامسه ! ، و عندئذ يطرح السؤال مرةً اخرى ، فهناك اختلاف في تاريخ ولادتها ، و ترجيح قول على قول ينبغي ان يكون مع الدليل ! ، و بما ان هناك قول يقول بولادتها (ع) في السنة الخامسه ، فلابد من مراعاته و النظر اليه بعين الاهتمام و الاجابه على السؤال المطروح ، انه لماذا لم تدخل (ع) معهم ! ، لأنه لا يجوز إهماله بالكليه .
ثالثاً : قال الشيخ جعفر نقدي معلقاً على رواية تاريخ ولادتها عليها السلام في السنة التاسعه : وهذا القول غير صحيح لأنّ فاطمة ( عليها السّلام ) توفيت بعد والدها في السنة العاشرة أو الحادية عشر على اختلاف الروايات، فإذا كانت ولادة السيّدة زينب في السنة التاسعة وهي كبرى بناتها فمتى كانت ولادة اُمّ كلثوم، ومتى حملت بالمحسن و اسقطته لستة أشهر. وقال: والذي يترجّح عندنا هو أنّ ولادة زينب كانت في السنة الخامسة من الهجرة . ( 6 ) . ، بل عند المخالفين ان ( المحسن -ع- ) قد ولد و مات في حياة رسول الله (ص) ، و من المحال ان تحدث ولادتين خلال سنة او اكثر بقليل ! ، ما يعني ترجيح القول بولادة السيده زينب (ع) في السنة الخامسه او السادسه و بالتالي وجودها في حادثة الكساء .
رابعاً : اذا لم تكن السيدة زينب (ع) مولودةً في حادثة الكساء بناءاً على ان ولادتها في السنة التاسعه ، فإنها مما لاشك فيه قد كانت موجودةً في حادثة "المباهله" التي حدثت في السنه العاشره للهجره ، فقد قال ابن الجوزي { و في سنة عشره من الهجره ايضاً قدم العاقب و السيد من نجران، و كتب لهم رسول الله ( صلى الله عليه [ و آله ] و سلم ) كتاب صلح }( 7 ) . ،
و في المباهله و بالإتفاق ، اصطحب النبي (ص) معه علي و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام و لم يصطحب غيرهم ابداً ، و ذلك موجود في اصح كتبهم ( صحيح مسلم ) ، فلماذا لم يصطحب النبي (ص) السيده زينب (ع) معهم و قد تأكدت ولادتها في حادثة المباهله ؟؟! ، على الرغم من انها صلوات الله عليها منهم و فيهم ! ،
أليس في هذا اشارة اخرى الى اختصاص هؤلاء الاربعه صلوات الله عليهم بقرب من الله و رسوله لا علاقة له بالنسب و انما بالتقوى و الطاعه ، ما ميزهم عن اقرب الناس اليهم و فضله عليهم ! .
و الآن ... أليس في كل ذلك دلالةً على اختصاص علي و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم من الله ازكى الصلاة و أتم التسليم بآية التطهير و لفظ "أهل البيت" ، بعد ان لم تشاركهم في هذا اقرب الناس اليهم و هي مولاتنا السيده زينب (ع) ؟؟!! ....
نعم ... فإن السيدة زينب على فضلها و كمالها لكنها لا تصل الى كمال و منزلة جدها و اهل بيته ، كيف و لم يصل الى منزلتهم لا نبي مرسل و لا ملك مقرب ... و لكن تبقى السيدة زينب سيدةً من سادات الخلائق و شمساً من شموس الهدايه و نوراً من انوار جدها و أهل بيته ... صلوات الله عليها و على محبيها و لعن الله من سباها و من يحاول الآن تهديم مرقدها المقدس ... تبَّتْ ايديهم و حشرهم الله مع أبي لهب .
و الحمد لله على نعمة الولايه .
_____________________________________________
( 1 ) ( الموسوعه الشامله / تفسير الطبري / ص 252 ) .
( 2 ) ( زاد المعاد لابن القيم 1 / 113 ) .
( 3 ) ( السيره النبويه » ازواج النبي صلى الله عليه و آله » ( 11 ) ميمونه بنت الحارث الهلاليه ) .
( 4 ) ( العقيلة والفواطم - الحاج حسين الشاكري - الصفحة 23 / وفيات الأئمه (ع) / ص 431 ) .
( 5 ) ( أعلام النساء: عمر رضا كحالة: ج 2 ص 91 ) .
( 6 ) ( كتاب : زينب الكبرى (ع) / ص 18 ) .
( 7 ) ( المنتظم في تاريخ الامم - حوادث السنه العاشره - 4 / 3 ) .
تعليق