بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
لعل من أهم الروابط الاسرية هي العلاقات الحميمية بين الاخوة في الاسرة الواحدة وترتفع،وتسمو،وترتقي هذه العلاقة كلما كانت مبنية على أسس إسلامية ملؤها الايمان الرسالي بالاهداف السامية التي يحملها الاخوة معاً ،ولطالما تصادمت المآرب الدنيوية من البواكير الاولى للتأريخ في الصراع بين الاخوة بوجود ثناية الشر والخير في النفس البشرية بدءاً من قابيل وقتله لأخيه هابيل حينما سولت له نفسه الامارة بالسوء للإعتداء على أخيه،وعند إخوة النبي يوسف (عليه السلام) حينما دفعتهم الغيرة من قربه إلى أبيه وما يحظى من حب خاص أدى لتسَول لهم أنفسهم الغدر به والادعاء بالافتراء بأكله من الذئب و رميه بغياهب الجب، وهناك عشرات من الحالات الانسانية بمر العصور والازمنة لقتل الولد لوالده أو الشقيق لشقيقه في العصور الاموية الدموية،والعباسية المنفلتة، والمعاصرة الغادرة بدافع الوصول الى كرسي الحكم، أو الاستحواذ على المال إلخ... أما الأخوة الايمانية المثالية في التضحية من أجل المباديء ..والقيم.. والمثل العليا.. هي ماقدمه الامام العباس(عليه السلام)من تفانٍ وفداءٍ وتضحية ٍ وعطاءٍ وجودٍ أمسى وأصبح محط إعجاب جميع البشرية في التضحية المقدسة لساقي العطاشى، والكفيل، وصاحب الراية، وحامل القربة، والاخ المواسي لأخيه الذي قدم للبشرية دروساً في الإقدام ..والمبدئية.. والاصرار.. أمام قلوب طبع عليها الشيطان،طمعاً بنيل مغانم زائلة، واستحوذ على ضمائرهم الخاوية تزلفاً للماكر يزيد ودهاقنة الرذيلة ابن زياد ومن عشعش في مخيلته سوء الاختيار الخاطئ لفسطاط الظلم والانضواء تحت راية الشر لعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحرملة ومن سار بركبهم .وأي متأمل لهذا الضرغام سيرجح الصفات الوراثية المستمدة من يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين ومولى المؤمنين النموذج الانساني الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) ومن أخواله الفرسان ليغدو الاسد الهمام في الدفاع عن الحق الذي إدخره وتمثله وذاب فيه ليصبح عنوان تضحية اللهم صل على محمد وال محمد
ورمز من رموز الشهادة فالصفات التي جُبل عليها ساقي الماء، البسالة في الفداء ، بالوقوف بوجه الذئاب الضارية التي لم تشبع غريزتها الا بتقطيع أوصال الاجساد الطاهرة المطهرة لتلقى ربها بجنان الخلد ،وبحب عشاق الحرية والفضيلة الذين يلهجون بذكرهم آناء الليل وأطراف النهار على مدى التأريخ ولتصبح نبراساً يستضاء بها لكل طالب للحرية من كل الاديان، والعقائد، والاجناس ،فهذا لعمري هو الفوز الالهي الذي حققه الكفيل، وساقي العطاشى، وسادن الماء.. ،فشهداء الطف يقفون على منصة التأريخ لتعليم الانسانية طلب الحرية بالدماء الزاكيات التي أريج ضوع عطرالشهادة ينساب منها كالياسمين والمسك للإنسانية لتسيرعلى منهجهم.. وهديهم.. ومبادئهم.. فلسفة خلودهم هو لبقاء الاسلام المحمدي الاصيل حياً وإلا لعاث بنو أميه خراباً وإيغالاً بسفك الدماء،فكانت مقدمات لثورات أخر هدت البيت الاموي وزعزعت أركانه كثورة التوابين وثأر المختار و سلمان بن صرد الخزاعي ،، وثورة زيد بن علي،، وثورات العلويون المتكررة حتى رفع العباسيون راياتهم للإطاحة بخصومهم (يالثارات آل محمد) شتان بين نقيضين من هو طامع ومن هو مضحٍ، ومن طالب دنيا وحطامها ،ومن طالب خلود سرمدي، وبين فاسق وفاسد وشرير وبين من هو مؤمن وبّر ونبيل...صراع الحق انتصر بالدم على السيف وتلك الامثال للإنسانية جمعاء(ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون)169 ال عمران
وقال الامام جعفر الصادق (عليه السلام) ( إن العباس بن علي (عليه السلام) كفلقة قمر ، إذا ركب رجلاه يخطان في الأرض خطا ، وقد كان جميلاً كالقمر الزاهر والبدر الطالع بتمامه ، وقد أكد جماله الإمام المهدي (عجل الله فرجه وسهل مخرجه) في زيارة الناحية : (السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له الوافي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد وحكيم بن الطفيل الطائي. وقال الامام جعفر الصادق بحقه ايضاً:كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع أخيه الحسين -عليه السلام-وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً.. إن التأريخ الجهادي لسادن الماء ، وقمر العشيرة، وقطيع الكفين ، منذ صباه لملازمته مع أخيه الامام الحسن المجتبى(عليه السلام)ومن أروع الدروس التي تعلمها أبو الفضل العباس-عليه السلام- من أخيه السبط هي الكيفية في التعامل مع طغاة العصر أمثال معاوية ،وكيفية تعامل القائد مع الفتن،وقد كان ابو الفضل العباس -عليه السلام- قائداً في جيش الامام الحسن -عليه السلام- الذي جهز لقتال معاوية وجيشه المارقين،وظل طيلة حياته ملازماً له كظله حتى شهادته مسموماً...وسمي ((سبع القنطرة)) في حرب النهروان حينما أبت جدارته وبسالته وفروسيته في حراسة الجسر الذي أوكله وأناط مهمة حمايته له من قبل أمير المؤمنين وسيد الموحدين الامام علي-عليه السلام- وقد نجح قمر العشيرة وسبع القنطرة بمهمته، فلم يدع الخوارج ليعبروا عليه بل صمد امامهم بصارمه ،فقد نافح وكافح مع ابيه الخوارج الذين أخبر عنهم نبينا المصطفى محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- ومايؤول من أمرهم وانهم يخرجون من الدين كما تخرج الرمية من السهم، فبعد أن صلى أمير المؤمنين -عليه السلام- صلاة الظهر وأمرهم بالمسير إليهم وهم دون القنطرة،ثم حمل عليهم بأصحابه حملة رجل واحد،وذلك بع أن أتم الامام علي -عليه السلام- الحجة عليهم واستتابهم مما جنوه من قتل عبد الله بن خباب وبقر بطن زوجته وإخراج طفلها وقتله!!! فرجع منهم ثمانية آلاف وبقي أربعة آلاف لم يتوبوا،وقالوا له لنقتلنك كما قتلناه!!.
فحمل الامام -عليه السلام- واختلطوا ،فلم يكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم،ولم يفلت منهم إلا تسعة أنفس، فرجلان هربا إلى خراسان والى أرض سجستان وبهما نسلهما،ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يسمى السن،ورجلان صارا الى بلاد عمان وفيها نسلهما إلى الان ورجلان صارا الى بلاد اليمن ،ورجل آخر هرب إلى البر ثم بعد ذلك دخل الكوفة وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي -لعنه الله-قاتل الامام علي بن ابي طالب -عليه السلام- كما انه لم يقتل من أصحاب الامام -عليه السلام- الا تسعة، فكان كما أ خبر به أمير المؤمنين -عليه السلام- تماماً دون زيادة أو نقصان..وفي معركة (صفين)إشترك مع أبيه أمير المؤمنين -عليه السلام- وقد أبدى بطولة استثنائيةً فريدةً حينما قارع الابطال،فقد تمكن معاوية وجيشه من نهر الفرات ليمنعوا جيش الامام علي بن أبي طالب-عليه السلام- فأزاحهم ابو الفضل بعدما إنتدب الامام -عليه السلام- الامام الحسين سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة -عليه السلام- فحمل مع مجموعة من الفرسان وكان يعضده أخوه أبو الفضل العباس -عليه السلام- حتى حرروا المشرعة والفرات وأزاحوا جيش معاوية عن الماء الذي حرموا المسلمين المؤمنين منه، ومن مواقفه أبي الفضل-عليه السلام-الشجاعة في صفين ، خروجه مبارزاً بين الصفّين،وعلى وجهه نقاب،فهابه الناس وخافوا منه، فأنتدب معاوية له أبا الشعثاء الذي أنف من الخروج إليه وقال:
إن أهل الشام يعدونني بألف فارس فلا يليق بي أن أخرج إليه، ولكن سوف أبعث له أحد أولادي ،وكانوا سبعة،وكلما خرج إليه واحد منهم قتله، حتى أتى عليهم جميعاً ،فغضب أبو الشعثاء غضباً شديداً وامتلأ على هذا الشاب غيظاً وحنقاً وقال:لأخرجن إليه ولأثكلن بقتله والديه،ثم خرج يشتد نحوه حتى إذا اقترب منه حمل عليه، فابتدره أبو الفضل العباس(عليه السلام) بضربة قاضية أتت عليه وألحقته بأولاده السبعة،عندها خافه جيش معاوية وهابوه ولم يجرأ أحدّ منهم بعد ذلك على مقارعته وقتاله،ولا على مبارزته ومنازلته،مما اضطره للرجوع الى الخلف... وقد توج جهاده في سبيل الله وعلى هدى رسول الله وعلى خطى وصي رسول الله أمير المؤمنين في واقعة كربلاء ،فبالطفوف تجلت وأفصحت عن قدرات المجاهد الحقيقية، بعد أن فرق الجمع الحارس للمشرعة لمنع الحسين وعياله من الماء ، فلم يهب ذلك الجمع الذي ذكره المؤرخون أربعة آلاف فارس، غاص في أوساطهم ونزل بعد أن صاروا سماطين ، وغرف من الماء أراد أن يشرب تذكر عطش الحسين وعياله والوصية التي أوصاه بها سيد الوصيين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ، نفض الماء من يده وملأ القربة بعد أن ارتجز قائلاً:
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنتي أو تكوني
وبعده لا كنت أو تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين باردا المعين
والله ما هذا فعال ديني
ولا فعال إمام صادق اليقين إن الدلالات التي تشي وتفصح عن المروءة ،والحلم،والفروسية،والنبل التي جسدها سادن الماء أصبحت مثار إعجاب..وإلهام، الشعراء،والادباء،والكتاب وقد استلهمت في الفن التشكيلي،والفن المسرحي ..وفي المؤتمر التأسيسي الاول لمسرحة الشعائر الحسينية في كربلاء المقدسة المنعقد في2009/11/13تناول العديد من الاكاديميين والباحثين ضرورة تقديم الاعمال المسرحية في التعزية والتشابيه بالنظر الى بطولة العباس-عليه السلام- أو موقف زينب -عليها السلام- أو أصحاب الحسين -عليه السلام- كالحر وكل الشهداء ،ان استلهام الدروس الفكرية وتوظيف الطقوس والمشاعر والشعائر لإبراز الاخوة الحقيقية التي كان نموذجها الفريد في التأريخ الانساني هو العباس بن علي بن ابي طالب-عليه السلام- فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً...