فاطمة الزهراء (ع) مَجمَعُ الفضائل و المكارم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد
جمع الله في فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كل فضيلة و مَكرُمه و حباها بالمجد كله ، فلم تبقَ فضيلة او كرامة نالتها امرأة من نساء العالمين الا اعطاها الله لفاطمة عليها السلام على أكمل وجهٍ و اتم صوره ، ثم خصها الله تعالى بكمٍّ هائل من الفضائل و المزايا بما لم تشاركها فيه اي إمرأة من نساء العالمين ، بل ان للزهراء عليها السلام فضائل امتازت بها على الخلائق كلها و حُبيت من خلالها بنعم جمت ان تحصى او تحصر ! .
و فيما يلي فضائل بعض سيدات النساء و مشاركة الزهراء عليها السلام لهنَّ ، و ليس الموضوع للمقارنه بين الزهراء (ع) و بين اولئك النسوة الصالحات (ع) بل لإثبات ان ما من فضيلة نالتها أنثى الا و توفرت بالزهراء (ع) و بشكل اكمل ايضاً ، و الا فإن فاطمة (ع) لا تقاس ابداً ابداً بأي مخلوق مَلَكاً كان ام بشر ، ذكراً ام انثى ، نبياً ام صالحاً ، تقاس فقط بأبيها و بعلها و بنيها الاحد عشر معصوماً :
اولاً : حواء عليها السلام زوج النبي آدم عليه السلام ، و من فصائلها :
1- ان الله خلقها من فاضل طينة النبي آدم (ع) كما جاء في الروايه عن الباقر عليه السلام أنه سئل، من أي شيء خلق الله حواء ؟ فقال : { أي شيئ يقولون هذا الخلق؟ قلت: يقولون إن الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم، فقال: كذبوا، أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله من اي شيء خلقها؟ فقال: أخبرني ابي عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تبارك وتعالى قبضة قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء } ( 1 ) . و في هذا فضيلة كبيره لحواء بإعتبارها خلقت من طينة نبي معصوم مطهر و لابدَّ أن تكون طينته طاهرة زكيه ، و حواء خلقت من هذه الطينة الزكيه .
2- كونها أول إمرأه خُلقتْ ، بل هي ثاني مخلوقه من البشر خلقها الله بعد زوجها آدم عليه السلام .
3- سكنتْ الجنة في حياتها الأولى قبل موتها و خوضها الحساب في يوم القيامه ، متنعمةً بنعيمها ، مباحٌ لها كل شيء فيها الا الشحرة التي نهاهما الله عنها .
و قد تحققت هذه الفضائل جميعها في الزهراء عليها السلام و في صورة أتم و أكمل من تحققها في حواء .
1- خلقُها من طينةٍ زكيه : إن كانت حواء قد خلقت من طينةٍ طاهره فقد خلقت الزهراء صلوات الله عليها من طينةٍ ازكى و اطهر و أفضل ، ففي بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام قال << إن الله عز وجل خلق محمدا صلى الله عليه وآله وعترته من طينة العرش فلا ينقص منهم واحد ولا يزيد منهم واحد >> . ( 2 ) .
و عن الامام الصادق (ع) ايضاً قال { خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقنا نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لاحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيبا الا الأنبياء والمرسلين فلذلك صرنا نحن وهم الناس وصار سائر الناس هجما في النار والى النار } ( 3 ) . أي ان طينة محمد و آله صلى الله عليهم هي ارقى من طينة الانبياء ، لأن طينة الانبياء هي طينة شيعة اهل البيت (ع) التي هي دون الطينة الطاهره التي خلق اهل البيت (ع) منها ! ، و حواء (ع) خلقت من طينة النبي آدم (ع) التي هي دون الطينة التي خلقت منها الزهراء (ع) بإعتبارها من آل محمد (ص) الذين خلقوا من نور الله ! .
2- كونها اول إمرأه خلقت : فلقد تواتر في الروايات ان اول ما خلق الله هم محمد و آله عليهم السلام قبل ان يخلق الخلق بآلاف السنين ، فالزهراء صلوات الله عليها قد سبقت حواء بالخِلقة و الإيجاء بآلاف السنوات ، هذا بالنسبة لروح الزهراء و نورها ، أما عن صورتها البشريه فكذلك هي قد سبقت حواء (ع) ايضاً ...
عن أنس عن النبيّ صلى اللَّه عليه؛ قال : { 'إنّ آدم صلوات اللَّه عليه؛ نظر في الجنّة فلم ير صورةً مثل صورته؛ فقال: إلهي ليس في الجنّة صورة مثل صورتي؟ فأخبره اللَّه تعالى؟ و أشارإلى جنّة الفردوس؛ فرآى قصراً من ياقوتة بيضاء فدخلها فرآى خمس صور مكتوب على كلّ صورة اسمه تعالى و اسمها ، هكذا : أنا المحمود و هذا أحمد؟ و أنا الأعلى و هذا عليّ و أنا الفاطر و هذه فاطمة؛ و أنا المحسن و هذا حسن؛ و أنا ذوالإحسان و هذا حسين } ،
فآدم (ع) لم يرَ صورةً مثل صورته لأنه البشر الوحيد ، و لكن الله عرض عليه صور خمسة اهل الكساء (ع) الذين هم بشر مثله و قد سبقوه بالخِلقه .
3- سكنها بالجنه : عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص) : { لما خلق الله آدم عليه السلام وحواء تبخترا في الجنة وقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منا، فبينما هما كذلك إذا هما بصورة جارية لم يَرَ الراؤون أحسن منها، لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار، على رأسها تاج وفي أذنيها قرطان فقالا: يا رب ما هذه الجارية؟ قال: صورة فاطمة بنت محمد سيدة ولدك. فقالا: ما هذا التاج على رأسها؟ قال: هذا بَعْلُها علي بن أبي طالب. قال: فما هذان القرطان؟ قال: ابناها الحسن والحسين، وجُد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام } ( 4 ) .
فالزهراء عليها السلام قد سكنت الجنة بجمالها و جلالها قبل ان يخلق آدم و حواء عليهما السلام .
ثانياً : أم النبي موسى عليه و عليها السلام ، و فضائلها :
1- كونها اُمّاً لنبيين كريمين احدهما من انبياء أولي العزم و هما موسى و هارون عليهما صلوات الله ، و هذا يلزم منه ان تكون طاهرةً مطهره ، ذات رحم زكي .
2- ان الله أوحى إليها « أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ » .
أما الزهراء (ع) :
1- فإنها أم إمامين ، هما الحسن و الحسين صلوات الله عليهما و هما سيدا شباب اهل الجنه ، و كل مَن في الجنة شباب ، بما فيهم الانبياء (ع) ، أي ان الحسن و الحسين (ع) سيدا كل اهل الجنه من نبي و غير نبي ، الا من خرج بإستثناء صريح كجدهما و ابوهما و امهما صلى الله عليهم و آلهم ، و الامامة اعلى و اشرف من النبوة و الرساله ، و الحسن و الحسين عليهما السلام اشرف و افضل من موسى و هارون عليهما السلام ، و لذا ينبغي ان يوفر الله لهما رَحماً اطهر و اماً افضل ... فكانت هي الزهراء عليها السلام .
2- في الوحي و تكليم الملائكة لها : أما الزهراء عليها السلام فكانت الملائكة دائمة النزول اليها و تكليمها ، بل ان سيد الملائكة جبرائيل عليه السلام كان خادماً لها ، و قد ورد عن المعصومين (ع) ان الملائكة كانت تنزل على الزهراء (ع) و تسلم عليها و تقول لها كما تقول لمريم (ع) كما كان سيد الملائكه (ع) ينزل عليها بعد شهادة والدها صلى الله عليه و آله ليسليها و يخفف عنها ، فالزهراء ليس فقط يوحى اليها ، بل ان الملائكة تخدمها و تسليها .
ثالثاً : السيدة آسيه عليها السلام ، إمرأة فرعون ، فضائلها :
1- هي سيدة من سيدات نساء العالمين .
2- صبرها على ظلم زوجها و بطشه .
3- إن الله بنا لها بيتاً في الجنه إستجابةً لدعائها .
و هذه الفضائل و المزايا قد سبقتها اليها فاطمة الزهراء (ع) :
1- سيدة النساء : فإن آسيه عليها السلام كانت سيدة نساء عالمها ، بينما الزهراء عليها السلام كانت سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين ، بل انها كانت سيدة الخلق جميعهم الا ابوها و بعلها صلى الله عليهما و آلهما ، و كانت طاعتها مفروضة على كل ما خلق الله .
2- صبرها على الظلم : فلاشك ان الصبر على المصائب من اعظم الفضائل و المكارم ، بل هي من الامور التي يتفاضل فيها الخلق فيما بينهم ، و قد كانت الزهراء عليها السلام اعظم امرأة صبت عليها المصائب و البلايا حتى قالت في شعرها المعروف { صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنها *** صُبَّتْ على الأيام صِرنَ لَياليا } ، و مصائب الزهراء اشهر من ان تذكر ، فهي المقتولة رفساً و وكزاً بالرماح و ضرباً بالسياط و عصراً بين الباب و الحائط حتى اسقط جنينها و كسرت اضلاعها ووو ... الخ ...
3- البيت في الجنه : فإن الزهراء عليها السلام لها كل الجنه تدخل فيها من تشاء من شيعتها و اوليائها ، و عن اهل بيت العصمة (ع) ان مهر الزهراء (ع) كان الجنه فعن الباقر (عليه السلام) قال: ( وجعلت نحلتها من علي (عليه السلام) خمس الدنيا وثلث الجنة وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله : فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك ). ( 5 ) .
وفي رواية أخرى: ( إن الله تعالى أمهر فاطمة ربع الدنيا فربعها لها و أمهرها الجنة والنار فتدخل أوليائها الجنة وأعدائها النار ). ( 6 ) .
فالجنةً هي اصلاً لفاطمة عليها السلام ، اما مسكنها (ع) في الجنه ، فكما جاء في الاخبار هي اعلى درجات الجنان :
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) : إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة. فسألنا النبي(ص) عن الوسيلة فقال: هي درجتي في الجنة ، وهي ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً وهي ما بين مرقاة جوهر ، إلى مرقاة زبرجد ، إلى مرقاة ياقوت ، إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فضة . فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين ، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد ، إلا قال طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته . فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق: هذه درجة محمد ... ) ( 7 ) .
و الخبر واضح الدلاله ان درجة رسول الله (ص) هي اعلى درجه من بين جميع الخلق حتى يغبطه عليها جميع النبيين و الملائكه ،
و قد جاء ثابتاً ان علياً و فاطمه و الحسنين عليهم السلام مع رسول الله (ص) في الجنه ، فقد روى ابن مردويه عن النبي (ص) : (في الجنة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة. قالوا: يا رسول الله ، من يسكن معك فيها ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين ). ( 8 ) .
و قد تبين من الخبر السابق ان الوسيلة هي اعلى درجات الجنان .
وفي المناقب : ( قالوا: من يَسْكُنُ معك فيها ( أي درجة الوسيله ) يا رسول الله؟ قال: فاطمة وبعلها والحسن والحسين ) . ( 9 ) .
و قد قال عمر معترفاً (( فاطمه و علي و الحسن و الحسين في خظيرة القدس ، في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز و جل )) ( 10 ) .
فإن كان لآسيه (ع) بيتاً في الجنه بعد ان دَعت الله ، فإن الجنة كلها مهر الزهراء و لها بيتٌ سقفه عرش الرحمن في اعلى درجة من درجات الجنه بصحبة ابيها سيد الخلق صلى الله عليه و آله .
رابعاً : السيدة مريم عليها السلام ، و فضائلها :
1- كونها من سيدات نساء العالمين .
2- كونها معصومة بنص الكتاب ، فقد لا تكون مريم عليها السلام وحدها المعصومه ، الا انها تميزت بكون عصمتها بنص الكتاب .
3- عدم نزول دم الحيض عليها ، فقد وروى الصدوق بسنده عن عمر بن علي(ع) عن أبيه علي(ع): أن النبي (ص) سُئل ما البتول؟! فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول، وفاطمة بتول؟
قال : { البتول التي لن تر حمرة قط ـ أي لم تحض ـ فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء } ( 11 ) .
4- كونها عليها السلام عذراء ، و انها بقيت على بكارتها حتى موتها ، و لذلك سميت بـ ( مريم العذراء ) .
5- كونها والدة نبي من اولي العزم .
6- ذُكر اسمها صراحةً في كتاب الله .
7- مخاطبة الملائكة لها .
8- نزول مائده من السماء عليها .
9- وَصفُ القرآن لها بالـ "صدِّيقه" «ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام» .
10- وَصفُ القرآن لها انها "احصنت فرجها" « وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا » .
11- ان الله نَفَخ فيها من روحه و بشرها بكلمةٍ منه « وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا » و قال تعالى « إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ » .
12- وَصف القرآن لها إنها من القانتين و انها صدَّقتْ كلمات ربها و كتبه « وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ » .
في تحقق هذه الفضائل في فاطمة الزهراء (ع) على وجهٍ أكمل و صورةٍ أتم و خاصيةٍ أبهى :
1- كونها سيدة النساء : فقد ثبت ان فاطمه عليها السلام هي سيدة نساء العالمين من الاولين و الآخرين ، بينما كانت مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها فعن المفضل بن عمر ، قال : { قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين ، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال : ذاك لمريم ، كانت سيدة نساء عالمها ، و فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين } ( 12 ) .
و عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قلت : يا رسول الله أرشدني إلى النجاة ، فقال : { يا ابن سمرة ، إذا اختلفت الأهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب فإنه إمام أمتي وخليفتي عليهم من بعدي ، . . . وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين .. } ( 13 ).
و غيرها الكثير من الأحاديث التي تبين بشكل قاطع أفضلية الزهراء (ع) على جميع النساء .
2- كونها معصومة بنص الكتاب : فإن الله قد عَصَم فاطمة الزهراء (ع) بنص الكتاب ايضاً ، و لا تختلف عصمة الزهراء الثابتة قرآنياً عن عصمة مريم الثابتة قرآنياً ايضاً ، بل ان عصمة الزهراء (ع) ارقى من عصمة مريم (ع) ، فقد قال تعالى في عصمة مريم (ع) ، « ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين » و قال في عصمة فاطمه « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا » ، و عصمة فاطمة القرآنيه أعظم و أرقى من عصمة مريم (ع) لأن عصمة فاطمه في آية التطهير :
أولاً:أَظهَر الله فيها إرادته بقوله ( إنما يريد الله ) و هذه عباره تدل على العظمه لما في إرادته من قَهرٍ و قوه ، مضافاً الى اداة الحصر ( إنما ) ما يدل على وجودِ عصمةٍ استثنائة في هذه الآيه ، و ليس ذلك في عصمة مريم عليها السلام .
ثانياً:قوله تعالى ( ليذهب عنكم الرجس ) ، دلالةً على ان الرجس مذهوب عنهم اساساً ، لأن *عنكم* ليس بالضروره تستعمل في شيء قد تحقق ، كالقول (( أبعد الله عنكم المرض )) ، و ليس بالضروره ان يكون المرض متحقق عندئذٍ .
ثالثاً:و قوله (( يطهركم تطهيرا )) ، يدل على الطهارة المطلقه و الشامله ، و ليس هناك اطلاق في عصمة مريم (ع) على وزن *تطهيرا* .
3- عدم نزول دم الحيض عليها : و هذا بلا شك واقع متحقق في فاطمة صلوات الله عليها ، بل انه في الزهراء اشمل منه و اكمل مما في مريم (ع) ، و ذلك لأن طهارة فاطمه عليها السلام من الحيض هو بسبب :
اولاً: كونها صلوات الله عليها "حوراء إنسيه"
ثانياً: كونها إبنة نبي ( صلى الله عليه و آله )
ثالثاً: كونها قد طهرها الله ، و لا يجتمع الدم مع الطهاره .
أما مريم عليها السلام ، فقد إمتنع عنها الحيض ، لسببين ، لأنها مطهره اولاً و لأنها إبنة نبي ، الا انها لم تكن حوراءاً إنسيه ، و لذلك فإن الزهراء عليها السلام قد تفوقت على مريم من حيث اشتركت معها ، على ان كون مريم (ع) إبنة نبي مُختَلف فيه ، فنبوة عمران عليه السلام ليست ثابتة ... !
و ما جاء في ذلك من أخبار :
في كونها "حوراء" : عن زيد بن علي، عن أبيه، عن زينب بنت علي عليه السلام قالت: { حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وقد كنت شهدت فاطمة قد ولدت بعض ولدها فلم ير لها دم فقلت: يا رسول الله إن فاطمة ولدت فلم نر لها دما؟ قال: ـ إن فاطمة خلقت حورية إنسية . } ( 14 ) .
و في ذخائر العقبى ، وعن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) قال : { قال رسول الله ( صلّى اله عليه وآله وسّلم ) : « إنّ أبنتي فاطمة حوراء آدمية ؛ إذ لم تحض ولم تطمث ، وإنّما سمّاها فاطمة ؛ لأنّ الله فطمها ومحبّيها من النار » } ( 15 ) .
و خصلة "الحوراء" لم تتحقق في مريم (ع) بل هي خاصة بالحوراء الزهراء صلوات الله عليها .
في كونها "إبنة نبي" روى الصدوق بسنده عن عمر بن علي ( ع ) عن أبيه علي ( ع ) : أن النبي ( ص ) سئل ما البتول ؟ ! فإنا سمعناك يا رسول الله تقول : إن مريم بتول ، وفاطمة بتول ؟ قال : البتول التي لن تر حمرة قط - أي لم تحض - فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء ( 16 ) .
و في الكافي الشريف عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال : { إن فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة وإن بنات الانبياء لا يطمثن } ( 17 ) .
و هذه الخصله تتحقق في مريم اذا ثبت كون والدها عمران نبي ! .
في كونها "طاهره" و هي الخصلة التي تحققت في مريم (ع) ايضاً ، الا ان طهارة الزهراء تفوق طهارة مريم و ذلك للفرق بين الآيتين التي دلت على عصمتيهما : في ذخائر العقبى عن اسماء بنت عميس (رض) قالت : عن رسول الله (ص) : « أما علمت إنّ أبنتي طاهرة مطهّرة لايرى لها دمّ في طمث ولا ولادة » . ( 18 ) .
و في مصباح الأنوار عن أبي جعفر عن آبائه ( عليهم السّلام ) قال : « إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس ، وطهارتها من كلّ رفث ، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً » ( 19 ) .
و عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : { حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية، لأنها طاهرة لا تحيض } ( 20 ) .
4- كونها عذراء باقيةً على ذلك طول حياتها : نقلاً عن ( موقع الميزان للدفاع عن الصديقة الشهيده فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ) : {{ فإن كان المراد أن فاطمة كانت باكرا في وقت ما ، فليس في ذلك فضيلة وصفة خاصة ; فالأغلب على ذاك بل المراد دوام البكارة مع الزوجية والإيلاد ، فتكون كرامة لفاطمة وفضيلة خاصة من خصائص الزهراء ( عليها السلام ) .
وهو من معاني البتول كما مضى في قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة بتول لأنها ترجع بكرا كل ليلة ، ومريم بتول لأنها ولدت عيسى بكرا .
قال المرحوم الفيض في الصافي ذيل قوله تعالى ( فجعلناهن أبكارا ) يعني دائما.
وفي كتاب الإحتجاج سئل الصادق ( عليه السلام ) : فكيف تكون الحوراء في كل ما آتاها زوجها عذراء ؟ قال : إنها خلقت من الطيب – وفي حديث من تربة الجنة النورانية – لا تعتريها عاهة ، ولا تخالط جسمها آفة .
وهذا من فضل الله تعالى عليها ومن مزاياها الخاصة في الآخرة والأولى .
وقد مر في الكلام عن الألقاب السابقة قوله ( عليه السلام ) : « فما كمل أحد من النساء إلا أربعة ، خيرهن فاطمة ( عليها السلام ) » فلا بد أن تكون فاطمة كاملة في أنوثتها لا يعتريها نقص ، ومن الكمالات الممدوحة في النساء غاية المدح دوام البكارة مع المباشرة وهكذا كانت فاطمة ( عليها السلام ) .
وبعبارة أخرى كانت صفات الحور العين من عدم الحيض ودوام البكارة ظاهرة في تلك المخدرة العظمى .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أعطاني الله فاطمة العذراء ترجع كل ليلة بكرا ، ولم يعط ذلك أحد من النبيين ، والحسن والحسين ( عليهما السلام ) ولم يعط أحد مثلهما ، وأعطاني صهرا مثلي ، وأعطاني الحوض وقسمة الجنة والنار ولم يعط الملائكة ، وجعل شيعته في الجنة ، وأعطاني أخا مثلي وليس لأحد أخ مثلي » . هذا ما أخبرنا به السيد المختار والأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ، وقد أخبرونا حقا وقالوا صدقا .}} ( إنتهى ) ،
و الروايات الوارده في ذلك عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول:
{ إنّ الله تعالى اطلع الى الأرض اطّلاعة من عرشه بلا كيف ولا زوال، فاختارني وجعلني سيّد الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين، وأعطاني ما لم يعط لأحد، وهو الركن والمقام والحوض والزمزم والمعشر الأعلى والجمرات العظام يمينه الصَّفا ويساره المَروة، وأعطاني الله ما لم يُعط أحداً من النّبيّين والملائكة المُقَرّبين، قلنا: وماذا يا رسول الله؟ قال: أعطاني عليّاً وأعطاه العذراء البتول ترجع كلّ ليلة بكراً لم يعطه ذلك أحَداً من النّبيّين، والحسن والحسين ولم يعط أحداً مثلهما، وأعطاه صهراً مثلي وليس لأحد مثلي صهراً، وأعطاه الحوض وجَعَل إليه قسمة الجنّة والنار ولم يعط ذلك الملائكة، وجعل شيعته في الجنّة، وأعطاه أخاً مثلي وليس لأحد أخ مثلي.
أيّها الناس، مَن أراد أن يُطفىء غضب الله وأن يقبل الله عمله فلينظر إلى عليّ، فالنظر إليه يزيدُ في الإيمان، وإنّ حُبّه يُذيب السيّئات كما تذيب النار الرصاص . } ( 21 ) .
و ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « سمّيت فاطمة بتولاً لأنّها تبتّلت وتقطّعت عمّا هو معتاد العورات في كلّ شهر ، ولأنّها ترجع كلّ ليلة بكراً . وسمّيت مريم بتولاً لأنّها ولدت عيسى بكراً » ( 22 )
.
بل ان تلك الفضيله هي خاصة بالزهراء دون مريم من بعض النواحي ، و لذلك قال رسول الله (ص) في الحديث السابق « وأعطاني الله ما لم يُعط أحداً من النّبيّين والملائكة المُقَرّبين، قلنا: وماذا يا رسول الله؟ قال: أعطاني عليّاً وأعطاه العذراء البتول ترجع كلّ ليلة بكراً لم يعطه ذلك أحَداً من النّبيّين » ، ذلك لأن فاطمة عليها السلام تعود كل يوم بكرا كما جاء في الحديث ، بينما لم يكن ذلك في مريم ، اي ان المعجزه تتحقق في فاطمه كل ليلة و هذا تفوق على مريم عليها السلام ، و من حيث اشتركت فاطمة (ع) مع مريم (ع) فقد فاقتها ! .
5- كونها والدة نبي من أولي العزم : و قد تقدم الكلام في ذلك بشأن والدة موسى (ع) ، فإن للزهراء ولدين هما سيدا أهل الجنة و قائدا الخلق و حبيبا الله و صفوته من خلائقه ، الحسن و الحسين سيدا عيسى و سيدا جميع الانبياء و المرسلين الا جدهما صلى الله عليه و آله ، ثم إن رسول الله (ص) قد كناها (ع) بـ ( أم أبيها ) ، فهي عليعا السلام أم محمد صلى الله عليه و آله سيد الانبياء و المرسلين .
6- ذكر اسمها صراحةً في القرآن : و قد ذكر بعضهم الحكمة من ذكر إسم مريم عليها السلام في القرآن : فإن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في الملإ ، ولا يبتذلون أسمائهن ؛ بل يُكنُّون عن الزوجة بالعرس والأهل والعيال ونحو ذلك ؛ فإن ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسمائهن عن الذكر والتصريح بها ؛ فلما قالت النصارى في مريم ما قالت وفي ابنها صرح الله باسمها ، ولم يكن عنها بالأموة والعبودية التي هي صفة لها ؛ وأجرى الكلام على عادة العرب في ذكر إمائها . و كذلك اعتقاد أن عيسى عليه السلام لا أب له واجب ، فإذا تكرر اسمه منسوبا للأم استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الأب عنه ، وتنزيه الأم الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله . ،
فأما الامر الاول فهو يشير الى عظمة الزهراء (ع) و أن الله اراد صيانتها لكونها افضل من مريم (ع) ، و بإعتبار ان الزهراء (ع) من حَرَ الله ، أي من حُرُماته التي يجب ان تُصان و تُحفظ ، و قد وردت عدة اخبار عنهم (ع) تبين انهم "حرم الله" و منها عن جابر (رض) عن الباقر (ع) { ... ونحن شجرة النبوة ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة ومصابيح العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ، و وديعة الله جل اسمه في عباده ، وحرم الله الاكبر وعهده المسؤل عنه ، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده ، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، نحن الاسمآء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا ... } ( 23 ) .
أما الحكمة الثانيه و هي لإثبات ان عيسى (ع) لا اباً له و تنزيه مريم عليها السلام مما رموها به اليهود اخزاهم الله ، فهو أمر غير واقع في الزهراء (ع) ، و تكون النتيجه ان ذكر مريم (ع) في القرآن لحكمة حاليه ينبغي تبيانها ، و هي ان مريم امة الله و ليس كما قالت النصارى انها إله ، و الثانيه انها (ع) طاهرة و ليس كما قالت اليهود ، و هذا كله لم يتوفر في الزهراء (ع) ..! .
7- خطاب الملائكة لها : قد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : { إنّما سميت فاطمة عليها السلام محدّثة ، لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك و طهّرك و اصطفاك على نساء العالمين . يا فاطمة ، اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين ، فتحدّثهم و يحدّثونها . فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة علي نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها و إنّ الله عزَّ و جلَّ جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين } . ( 24 ) .
و في قول الامام (ع) { لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران } ، دلالةً على تكرار هذا الحدث بشكل دائم ، لأن من إستخدامات *كان* الدلاله على الإستمراريه ، كقوله تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ) ، و هذا ما لم يحدث مع مريم (ع) ، فالآيه الخاصه بمريم لا تفيد استمرارية مخاطبة الملائكه لمريم ، بل قد يبدو من ظاهرها انه حَدث و وقع مرةً واحده ! .
- الملائكة تسلم على الزهراء (ع) و تقف بين يديها : عن أبي بصير قال : { سألت أبا جعفر محمد بن علي (صلوات الله عليه ) عن مصحف فاطمة، فقال : أنزل عليها بعد موت أبيها. قلت: ففيه شئ من القرآن؟ فقال : ما فيه شئ من القرآن. قلت: فصفه لي : قال : له دفتان من زبرجدتين على طول الورق وعرضه حمراوين. قلت: جعلت فداك فصف لي ورقه. قال : ورقه من در أبيض، قيل له: كن فكان ...... و لما أراد الله أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، فهبطوا به وهي قائمة تصلي، فما زالوا قياما حتى قعدت ولما فرغت من صلاتها سلموا عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام، و وضعوا المصحف في حجرها، فقالت: لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام ... } ( 25 )
فانظر الى تأدب الملائكه في حضرة الزهراء (ع) و كيف بدئوا السلام عليها و استمروا على وقفتهم حتى انهت الزهراء صلاتها ، فقتقدموا اليها بنفسهم و وضعوا المصحف في حجرها ! ، سلام الله عليها و عليهم .
- سيد الملائكه (ع) يؤنس فاطمه (ع) : عن أبي عبيده عن ابي عبد الله الصادق (ع) : { ان فاطمه مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها } ( 26 ) .
- سيد الملائكه يدعو أن يكون خادماً لفاطمه (ع) : عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : { افتخر إسرافيل على جبرائيل فقال أنا خير منك ، قال ولم أنت خير مني ؟ قال لأني صاحب الثمانية حملة العرش وأنا صاحب النفخة في الصور وأنا أقرب الملائكة إلى الله تعالى قال جبرائيل عليه السلام أنا خير منك فقال بما أنت خير مني ؟ قال لأني أمين الله على وحيه وأنا رسوله إلى الأنبياء والمرسلين
وأنا صاحب الخسوف والقذوف وما أهلك الله أمة من الأمم إلا على يدي فاختصما إلى الله تعالى فأوحى إليهما اسكتا فوعزتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما قالا يا رب أو تخلق خيرا منا ونحن خلقنا من نور ؟ قال الله تعالى نعم ، وأوحى إلى حجب القدرة : "انكشفي" فانكشف فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب لا إله إلا الله ، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله ، فقال جبرائيل يا رب فإني أسألك بحقهم عليك إلا جعلتني خادمهم قال الله تعالى قد جعلت فجبرائيل من أهل البيت وإنه لخادمنا } ( 27 ) .
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد
جمع الله في فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كل فضيلة و مَكرُمه و حباها بالمجد كله ، فلم تبقَ فضيلة او كرامة نالتها امرأة من نساء العالمين الا اعطاها الله لفاطمة عليها السلام على أكمل وجهٍ و اتم صوره ، ثم خصها الله تعالى بكمٍّ هائل من الفضائل و المزايا بما لم تشاركها فيه اي إمرأة من نساء العالمين ، بل ان للزهراء عليها السلام فضائل امتازت بها على الخلائق كلها و حُبيت من خلالها بنعم جمت ان تحصى او تحصر ! .
و فيما يلي فضائل بعض سيدات النساء و مشاركة الزهراء عليها السلام لهنَّ ، و ليس الموضوع للمقارنه بين الزهراء (ع) و بين اولئك النسوة الصالحات (ع) بل لإثبات ان ما من فضيلة نالتها أنثى الا و توفرت بالزهراء (ع) و بشكل اكمل ايضاً ، و الا فإن فاطمة (ع) لا تقاس ابداً ابداً بأي مخلوق مَلَكاً كان ام بشر ، ذكراً ام انثى ، نبياً ام صالحاً ، تقاس فقط بأبيها و بعلها و بنيها الاحد عشر معصوماً :
اولاً : حواء عليها السلام زوج النبي آدم عليه السلام ، و من فصائلها :
1- ان الله خلقها من فاضل طينة النبي آدم (ع) كما جاء في الروايه عن الباقر عليه السلام أنه سئل، من أي شيء خلق الله حواء ؟ فقال : { أي شيئ يقولون هذا الخلق؟ قلت: يقولون إن الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم، فقال: كذبوا، أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله من اي شيء خلقها؟ فقال: أخبرني ابي عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تبارك وتعالى قبضة قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء } ( 1 ) . و في هذا فضيلة كبيره لحواء بإعتبارها خلقت من طينة نبي معصوم مطهر و لابدَّ أن تكون طينته طاهرة زكيه ، و حواء خلقت من هذه الطينة الزكيه .
2- كونها أول إمرأه خُلقتْ ، بل هي ثاني مخلوقه من البشر خلقها الله بعد زوجها آدم عليه السلام .
3- سكنتْ الجنة في حياتها الأولى قبل موتها و خوضها الحساب في يوم القيامه ، متنعمةً بنعيمها ، مباحٌ لها كل شيء فيها الا الشحرة التي نهاهما الله عنها .
و قد تحققت هذه الفضائل جميعها في الزهراء عليها السلام و في صورة أتم و أكمل من تحققها في حواء .
1- خلقُها من طينةٍ زكيه : إن كانت حواء قد خلقت من طينةٍ طاهره فقد خلقت الزهراء صلوات الله عليها من طينةٍ ازكى و اطهر و أفضل ، ففي بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام قال << إن الله عز وجل خلق محمدا صلى الله عليه وآله وعترته من طينة العرش فلا ينقص منهم واحد ولا يزيد منهم واحد >> . ( 2 ) .
و عن الامام الصادق (ع) ايضاً قال { خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقنا نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لاحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيبا الا الأنبياء والمرسلين فلذلك صرنا نحن وهم الناس وصار سائر الناس هجما في النار والى النار } ( 3 ) . أي ان طينة محمد و آله صلى الله عليهم هي ارقى من طينة الانبياء ، لأن طينة الانبياء هي طينة شيعة اهل البيت (ع) التي هي دون الطينة الطاهره التي خلق اهل البيت (ع) منها ! ، و حواء (ع) خلقت من طينة النبي آدم (ع) التي هي دون الطينة التي خلقت منها الزهراء (ع) بإعتبارها من آل محمد (ص) الذين خلقوا من نور الله ! .
2- كونها اول إمرأه خلقت : فلقد تواتر في الروايات ان اول ما خلق الله هم محمد و آله عليهم السلام قبل ان يخلق الخلق بآلاف السنين ، فالزهراء صلوات الله عليها قد سبقت حواء بالخِلقة و الإيجاء بآلاف السنوات ، هذا بالنسبة لروح الزهراء و نورها ، أما عن صورتها البشريه فكذلك هي قد سبقت حواء (ع) ايضاً ...
عن أنس عن النبيّ صلى اللَّه عليه؛ قال : { 'إنّ آدم صلوات اللَّه عليه؛ نظر في الجنّة فلم ير صورةً مثل صورته؛ فقال: إلهي ليس في الجنّة صورة مثل صورتي؟ فأخبره اللَّه تعالى؟ و أشارإلى جنّة الفردوس؛ فرآى قصراً من ياقوتة بيضاء فدخلها فرآى خمس صور مكتوب على كلّ صورة اسمه تعالى و اسمها ، هكذا : أنا المحمود و هذا أحمد؟ و أنا الأعلى و هذا عليّ و أنا الفاطر و هذه فاطمة؛ و أنا المحسن و هذا حسن؛ و أنا ذوالإحسان و هذا حسين } ،
فآدم (ع) لم يرَ صورةً مثل صورته لأنه البشر الوحيد ، و لكن الله عرض عليه صور خمسة اهل الكساء (ع) الذين هم بشر مثله و قد سبقوه بالخِلقه .
3- سكنها بالجنه : عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص) : { لما خلق الله آدم عليه السلام وحواء تبخترا في الجنة وقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منا، فبينما هما كذلك إذا هما بصورة جارية لم يَرَ الراؤون أحسن منها، لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار، على رأسها تاج وفي أذنيها قرطان فقالا: يا رب ما هذه الجارية؟ قال: صورة فاطمة بنت محمد سيدة ولدك. فقالا: ما هذا التاج على رأسها؟ قال: هذا بَعْلُها علي بن أبي طالب. قال: فما هذان القرطان؟ قال: ابناها الحسن والحسين، وجُد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام } ( 4 ) .
فالزهراء عليها السلام قد سكنت الجنة بجمالها و جلالها قبل ان يخلق آدم و حواء عليهما السلام .
ثانياً : أم النبي موسى عليه و عليها السلام ، و فضائلها :
1- كونها اُمّاً لنبيين كريمين احدهما من انبياء أولي العزم و هما موسى و هارون عليهما صلوات الله ، و هذا يلزم منه ان تكون طاهرةً مطهره ، ذات رحم زكي .
2- ان الله أوحى إليها « أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ » .
أما الزهراء (ع) :
1- فإنها أم إمامين ، هما الحسن و الحسين صلوات الله عليهما و هما سيدا شباب اهل الجنه ، و كل مَن في الجنة شباب ، بما فيهم الانبياء (ع) ، أي ان الحسن و الحسين (ع) سيدا كل اهل الجنه من نبي و غير نبي ، الا من خرج بإستثناء صريح كجدهما و ابوهما و امهما صلى الله عليهم و آلهم ، و الامامة اعلى و اشرف من النبوة و الرساله ، و الحسن و الحسين عليهما السلام اشرف و افضل من موسى و هارون عليهما السلام ، و لذا ينبغي ان يوفر الله لهما رَحماً اطهر و اماً افضل ... فكانت هي الزهراء عليها السلام .
2- في الوحي و تكليم الملائكة لها : أما الزهراء عليها السلام فكانت الملائكة دائمة النزول اليها و تكليمها ، بل ان سيد الملائكة جبرائيل عليه السلام كان خادماً لها ، و قد ورد عن المعصومين (ع) ان الملائكة كانت تنزل على الزهراء (ع) و تسلم عليها و تقول لها كما تقول لمريم (ع) كما كان سيد الملائكه (ع) ينزل عليها بعد شهادة والدها صلى الله عليه و آله ليسليها و يخفف عنها ، فالزهراء ليس فقط يوحى اليها ، بل ان الملائكة تخدمها و تسليها .
ثالثاً : السيدة آسيه عليها السلام ، إمرأة فرعون ، فضائلها :
1- هي سيدة من سيدات نساء العالمين .
2- صبرها على ظلم زوجها و بطشه .
3- إن الله بنا لها بيتاً في الجنه إستجابةً لدعائها .
و هذه الفضائل و المزايا قد سبقتها اليها فاطمة الزهراء (ع) :
1- سيدة النساء : فإن آسيه عليها السلام كانت سيدة نساء عالمها ، بينما الزهراء عليها السلام كانت سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين ، بل انها كانت سيدة الخلق جميعهم الا ابوها و بعلها صلى الله عليهما و آلهما ، و كانت طاعتها مفروضة على كل ما خلق الله .
2- صبرها على الظلم : فلاشك ان الصبر على المصائب من اعظم الفضائل و المكارم ، بل هي من الامور التي يتفاضل فيها الخلق فيما بينهم ، و قد كانت الزهراء عليها السلام اعظم امرأة صبت عليها المصائب و البلايا حتى قالت في شعرها المعروف { صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنها *** صُبَّتْ على الأيام صِرنَ لَياليا } ، و مصائب الزهراء اشهر من ان تذكر ، فهي المقتولة رفساً و وكزاً بالرماح و ضرباً بالسياط و عصراً بين الباب و الحائط حتى اسقط جنينها و كسرت اضلاعها ووو ... الخ ...
3- البيت في الجنه : فإن الزهراء عليها السلام لها كل الجنه تدخل فيها من تشاء من شيعتها و اوليائها ، و عن اهل بيت العصمة (ع) ان مهر الزهراء (ع) كان الجنه فعن الباقر (عليه السلام) قال: ( وجعلت نحلتها من علي (عليه السلام) خمس الدنيا وثلث الجنة وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله : فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك ). ( 5 ) .
وفي رواية أخرى: ( إن الله تعالى أمهر فاطمة ربع الدنيا فربعها لها و أمهرها الجنة والنار فتدخل أوليائها الجنة وأعدائها النار ). ( 6 ) .
فالجنةً هي اصلاً لفاطمة عليها السلام ، اما مسكنها (ع) في الجنه ، فكما جاء في الاخبار هي اعلى درجات الجنان :
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) : إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة. فسألنا النبي(ص) عن الوسيلة فقال: هي درجتي في الجنة ، وهي ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً وهي ما بين مرقاة جوهر ، إلى مرقاة زبرجد ، إلى مرقاة ياقوت ، إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فضة . فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين ، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد ، إلا قال طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته . فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق: هذه درجة محمد ... ) ( 7 ) .
و الخبر واضح الدلاله ان درجة رسول الله (ص) هي اعلى درجه من بين جميع الخلق حتى يغبطه عليها جميع النبيين و الملائكه ،
و قد جاء ثابتاً ان علياً و فاطمه و الحسنين عليهم السلام مع رسول الله (ص) في الجنه ، فقد روى ابن مردويه عن النبي (ص) : (في الجنة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة. قالوا: يا رسول الله ، من يسكن معك فيها ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين ). ( 8 ) .
و قد تبين من الخبر السابق ان الوسيلة هي اعلى درجات الجنان .
وفي المناقب : ( قالوا: من يَسْكُنُ معك فيها ( أي درجة الوسيله ) يا رسول الله؟ قال: فاطمة وبعلها والحسن والحسين ) . ( 9 ) .
و قد قال عمر معترفاً (( فاطمه و علي و الحسن و الحسين في خظيرة القدس ، في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز و جل )) ( 10 ) .
فإن كان لآسيه (ع) بيتاً في الجنه بعد ان دَعت الله ، فإن الجنة كلها مهر الزهراء و لها بيتٌ سقفه عرش الرحمن في اعلى درجة من درجات الجنه بصحبة ابيها سيد الخلق صلى الله عليه و آله .
رابعاً : السيدة مريم عليها السلام ، و فضائلها :
1- كونها من سيدات نساء العالمين .
2- كونها معصومة بنص الكتاب ، فقد لا تكون مريم عليها السلام وحدها المعصومه ، الا انها تميزت بكون عصمتها بنص الكتاب .
3- عدم نزول دم الحيض عليها ، فقد وروى الصدوق بسنده عن عمر بن علي(ع) عن أبيه علي(ع): أن النبي (ص) سُئل ما البتول؟! فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول، وفاطمة بتول؟
قال : { البتول التي لن تر حمرة قط ـ أي لم تحض ـ فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء } ( 11 ) .
4- كونها عليها السلام عذراء ، و انها بقيت على بكارتها حتى موتها ، و لذلك سميت بـ ( مريم العذراء ) .
5- كونها والدة نبي من اولي العزم .
6- ذُكر اسمها صراحةً في كتاب الله .
7- مخاطبة الملائكة لها .
8- نزول مائده من السماء عليها .
9- وَصفُ القرآن لها بالـ "صدِّيقه" «ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام» .
10- وَصفُ القرآن لها انها "احصنت فرجها" « وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا » .
11- ان الله نَفَخ فيها من روحه و بشرها بكلمةٍ منه « وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا » و قال تعالى « إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ » .
12- وَصف القرآن لها إنها من القانتين و انها صدَّقتْ كلمات ربها و كتبه « وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ » .
في تحقق هذه الفضائل في فاطمة الزهراء (ع) على وجهٍ أكمل و صورةٍ أتم و خاصيةٍ أبهى :
1- كونها سيدة النساء : فقد ثبت ان فاطمه عليها السلام هي سيدة نساء العالمين من الاولين و الآخرين ، بينما كانت مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها فعن المفضل بن عمر ، قال : { قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين ، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال : ذاك لمريم ، كانت سيدة نساء عالمها ، و فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين } ( 12 ) .
و عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قلت : يا رسول الله أرشدني إلى النجاة ، فقال : { يا ابن سمرة ، إذا اختلفت الأهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب فإنه إمام أمتي وخليفتي عليهم من بعدي ، . . . وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين .. } ( 13 ).
و غيرها الكثير من الأحاديث التي تبين بشكل قاطع أفضلية الزهراء (ع) على جميع النساء .
2- كونها معصومة بنص الكتاب : فإن الله قد عَصَم فاطمة الزهراء (ع) بنص الكتاب ايضاً ، و لا تختلف عصمة الزهراء الثابتة قرآنياً عن عصمة مريم الثابتة قرآنياً ايضاً ، بل ان عصمة الزهراء (ع) ارقى من عصمة مريم (ع) ، فقد قال تعالى في عصمة مريم (ع) ، « ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين » و قال في عصمة فاطمه « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا » ، و عصمة فاطمة القرآنيه أعظم و أرقى من عصمة مريم (ع) لأن عصمة فاطمه في آية التطهير :
أولاً:أَظهَر الله فيها إرادته بقوله ( إنما يريد الله ) و هذه عباره تدل على العظمه لما في إرادته من قَهرٍ و قوه ، مضافاً الى اداة الحصر ( إنما ) ما يدل على وجودِ عصمةٍ استثنائة في هذه الآيه ، و ليس ذلك في عصمة مريم عليها السلام .
ثانياً:قوله تعالى ( ليذهب عنكم الرجس ) ، دلالةً على ان الرجس مذهوب عنهم اساساً ، لأن *عنكم* ليس بالضروره تستعمل في شيء قد تحقق ، كالقول (( أبعد الله عنكم المرض )) ، و ليس بالضروره ان يكون المرض متحقق عندئذٍ .
ثالثاً:و قوله (( يطهركم تطهيرا )) ، يدل على الطهارة المطلقه و الشامله ، و ليس هناك اطلاق في عصمة مريم (ع) على وزن *تطهيرا* .
3- عدم نزول دم الحيض عليها : و هذا بلا شك واقع متحقق في فاطمة صلوات الله عليها ، بل انه في الزهراء اشمل منه و اكمل مما في مريم (ع) ، و ذلك لأن طهارة فاطمه عليها السلام من الحيض هو بسبب :
اولاً: كونها صلوات الله عليها "حوراء إنسيه"
ثانياً: كونها إبنة نبي ( صلى الله عليه و آله )
ثالثاً: كونها قد طهرها الله ، و لا يجتمع الدم مع الطهاره .
أما مريم عليها السلام ، فقد إمتنع عنها الحيض ، لسببين ، لأنها مطهره اولاً و لأنها إبنة نبي ، الا انها لم تكن حوراءاً إنسيه ، و لذلك فإن الزهراء عليها السلام قد تفوقت على مريم من حيث اشتركت معها ، على ان كون مريم (ع) إبنة نبي مُختَلف فيه ، فنبوة عمران عليه السلام ليست ثابتة ... !
و ما جاء في ذلك من أخبار :
في كونها "حوراء" : عن زيد بن علي، عن أبيه، عن زينب بنت علي عليه السلام قالت: { حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وقد كنت شهدت فاطمة قد ولدت بعض ولدها فلم ير لها دم فقلت: يا رسول الله إن فاطمة ولدت فلم نر لها دما؟ قال: ـ إن فاطمة خلقت حورية إنسية . } ( 14 ) .
و في ذخائر العقبى ، وعن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) قال : { قال رسول الله ( صلّى اله عليه وآله وسّلم ) : « إنّ أبنتي فاطمة حوراء آدمية ؛ إذ لم تحض ولم تطمث ، وإنّما سمّاها فاطمة ؛ لأنّ الله فطمها ومحبّيها من النار » } ( 15 ) .
و خصلة "الحوراء" لم تتحقق في مريم (ع) بل هي خاصة بالحوراء الزهراء صلوات الله عليها .
في كونها "إبنة نبي" روى الصدوق بسنده عن عمر بن علي ( ع ) عن أبيه علي ( ع ) : أن النبي ( ص ) سئل ما البتول ؟ ! فإنا سمعناك يا رسول الله تقول : إن مريم بتول ، وفاطمة بتول ؟ قال : البتول التي لن تر حمرة قط - أي لم تحض - فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء ( 16 ) .
و في الكافي الشريف عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال : { إن فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة وإن بنات الانبياء لا يطمثن } ( 17 ) .
و هذه الخصله تتحقق في مريم اذا ثبت كون والدها عمران نبي ! .
في كونها "طاهره" و هي الخصلة التي تحققت في مريم (ع) ايضاً ، الا ان طهارة الزهراء تفوق طهارة مريم و ذلك للفرق بين الآيتين التي دلت على عصمتيهما : في ذخائر العقبى عن اسماء بنت عميس (رض) قالت : عن رسول الله (ص) : « أما علمت إنّ أبنتي طاهرة مطهّرة لايرى لها دمّ في طمث ولا ولادة » . ( 18 ) .
و في مصباح الأنوار عن أبي جعفر عن آبائه ( عليهم السّلام ) قال : « إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس ، وطهارتها من كلّ رفث ، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً » ( 19 ) .
و عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : { حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية، لأنها طاهرة لا تحيض } ( 20 ) .
4- كونها عذراء باقيةً على ذلك طول حياتها : نقلاً عن ( موقع الميزان للدفاع عن الصديقة الشهيده فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ) : {{ فإن كان المراد أن فاطمة كانت باكرا في وقت ما ، فليس في ذلك فضيلة وصفة خاصة ; فالأغلب على ذاك بل المراد دوام البكارة مع الزوجية والإيلاد ، فتكون كرامة لفاطمة وفضيلة خاصة من خصائص الزهراء ( عليها السلام ) .
وهو من معاني البتول كما مضى في قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة بتول لأنها ترجع بكرا كل ليلة ، ومريم بتول لأنها ولدت عيسى بكرا .
قال المرحوم الفيض في الصافي ذيل قوله تعالى ( فجعلناهن أبكارا ) يعني دائما.
وفي كتاب الإحتجاج سئل الصادق ( عليه السلام ) : فكيف تكون الحوراء في كل ما آتاها زوجها عذراء ؟ قال : إنها خلقت من الطيب – وفي حديث من تربة الجنة النورانية – لا تعتريها عاهة ، ولا تخالط جسمها آفة .
وهذا من فضل الله تعالى عليها ومن مزاياها الخاصة في الآخرة والأولى .
وقد مر في الكلام عن الألقاب السابقة قوله ( عليه السلام ) : « فما كمل أحد من النساء إلا أربعة ، خيرهن فاطمة ( عليها السلام ) » فلا بد أن تكون فاطمة كاملة في أنوثتها لا يعتريها نقص ، ومن الكمالات الممدوحة في النساء غاية المدح دوام البكارة مع المباشرة وهكذا كانت فاطمة ( عليها السلام ) .
وبعبارة أخرى كانت صفات الحور العين من عدم الحيض ودوام البكارة ظاهرة في تلك المخدرة العظمى .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أعطاني الله فاطمة العذراء ترجع كل ليلة بكرا ، ولم يعط ذلك أحد من النبيين ، والحسن والحسين ( عليهما السلام ) ولم يعط أحد مثلهما ، وأعطاني صهرا مثلي ، وأعطاني الحوض وقسمة الجنة والنار ولم يعط الملائكة ، وجعل شيعته في الجنة ، وأعطاني أخا مثلي وليس لأحد أخ مثلي » . هذا ما أخبرنا به السيد المختار والأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ، وقد أخبرونا حقا وقالوا صدقا .}} ( إنتهى ) ،
و الروايات الوارده في ذلك عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول:
{ إنّ الله تعالى اطلع الى الأرض اطّلاعة من عرشه بلا كيف ولا زوال، فاختارني وجعلني سيّد الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين، وأعطاني ما لم يعط لأحد، وهو الركن والمقام والحوض والزمزم والمعشر الأعلى والجمرات العظام يمينه الصَّفا ويساره المَروة، وأعطاني الله ما لم يُعط أحداً من النّبيّين والملائكة المُقَرّبين، قلنا: وماذا يا رسول الله؟ قال: أعطاني عليّاً وأعطاه العذراء البتول ترجع كلّ ليلة بكراً لم يعطه ذلك أحَداً من النّبيّين، والحسن والحسين ولم يعط أحداً مثلهما، وأعطاه صهراً مثلي وليس لأحد مثلي صهراً، وأعطاه الحوض وجَعَل إليه قسمة الجنّة والنار ولم يعط ذلك الملائكة، وجعل شيعته في الجنّة، وأعطاه أخاً مثلي وليس لأحد أخ مثلي.
أيّها الناس، مَن أراد أن يُطفىء غضب الله وأن يقبل الله عمله فلينظر إلى عليّ، فالنظر إليه يزيدُ في الإيمان، وإنّ حُبّه يُذيب السيّئات كما تذيب النار الرصاص . } ( 21 ) .
و ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « سمّيت فاطمة بتولاً لأنّها تبتّلت وتقطّعت عمّا هو معتاد العورات في كلّ شهر ، ولأنّها ترجع كلّ ليلة بكراً . وسمّيت مريم بتولاً لأنّها ولدت عيسى بكراً » ( 22 )
.
بل ان تلك الفضيله هي خاصة بالزهراء دون مريم من بعض النواحي ، و لذلك قال رسول الله (ص) في الحديث السابق « وأعطاني الله ما لم يُعط أحداً من النّبيّين والملائكة المُقَرّبين، قلنا: وماذا يا رسول الله؟ قال: أعطاني عليّاً وأعطاه العذراء البتول ترجع كلّ ليلة بكراً لم يعطه ذلك أحَداً من النّبيّين » ، ذلك لأن فاطمة عليها السلام تعود كل يوم بكرا كما جاء في الحديث ، بينما لم يكن ذلك في مريم ، اي ان المعجزه تتحقق في فاطمه كل ليلة و هذا تفوق على مريم عليها السلام ، و من حيث اشتركت فاطمة (ع) مع مريم (ع) فقد فاقتها ! .
5- كونها والدة نبي من أولي العزم : و قد تقدم الكلام في ذلك بشأن والدة موسى (ع) ، فإن للزهراء ولدين هما سيدا أهل الجنة و قائدا الخلق و حبيبا الله و صفوته من خلائقه ، الحسن و الحسين سيدا عيسى و سيدا جميع الانبياء و المرسلين الا جدهما صلى الله عليه و آله ، ثم إن رسول الله (ص) قد كناها (ع) بـ ( أم أبيها ) ، فهي عليعا السلام أم محمد صلى الله عليه و آله سيد الانبياء و المرسلين .
6- ذكر اسمها صراحةً في القرآن : و قد ذكر بعضهم الحكمة من ذكر إسم مريم عليها السلام في القرآن : فإن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في الملإ ، ولا يبتذلون أسمائهن ؛ بل يُكنُّون عن الزوجة بالعرس والأهل والعيال ونحو ذلك ؛ فإن ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسمائهن عن الذكر والتصريح بها ؛ فلما قالت النصارى في مريم ما قالت وفي ابنها صرح الله باسمها ، ولم يكن عنها بالأموة والعبودية التي هي صفة لها ؛ وأجرى الكلام على عادة العرب في ذكر إمائها . و كذلك اعتقاد أن عيسى عليه السلام لا أب له واجب ، فإذا تكرر اسمه منسوبا للأم استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الأب عنه ، وتنزيه الأم الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله . ،
فأما الامر الاول فهو يشير الى عظمة الزهراء (ع) و أن الله اراد صيانتها لكونها افضل من مريم (ع) ، و بإعتبار ان الزهراء (ع) من حَرَ الله ، أي من حُرُماته التي يجب ان تُصان و تُحفظ ، و قد وردت عدة اخبار عنهم (ع) تبين انهم "حرم الله" و منها عن جابر (رض) عن الباقر (ع) { ... ونحن شجرة النبوة ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة ومصابيح العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ، و وديعة الله جل اسمه في عباده ، وحرم الله الاكبر وعهده المسؤل عنه ، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده ، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، نحن الاسمآء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا ... } ( 23 ) .
أما الحكمة الثانيه و هي لإثبات ان عيسى (ع) لا اباً له و تنزيه مريم عليها السلام مما رموها به اليهود اخزاهم الله ، فهو أمر غير واقع في الزهراء (ع) ، و تكون النتيجه ان ذكر مريم (ع) في القرآن لحكمة حاليه ينبغي تبيانها ، و هي ان مريم امة الله و ليس كما قالت النصارى انها إله ، و الثانيه انها (ع) طاهرة و ليس كما قالت اليهود ، و هذا كله لم يتوفر في الزهراء (ع) ..! .
7- خطاب الملائكة لها : قد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : { إنّما سميت فاطمة عليها السلام محدّثة ، لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك و طهّرك و اصطفاك على نساء العالمين . يا فاطمة ، اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين ، فتحدّثهم و يحدّثونها . فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة علي نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها و إنّ الله عزَّ و جلَّ جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين } . ( 24 ) .
و في قول الامام (ع) { لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران } ، دلالةً على تكرار هذا الحدث بشكل دائم ، لأن من إستخدامات *كان* الدلاله على الإستمراريه ، كقوله تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ) ، و هذا ما لم يحدث مع مريم (ع) ، فالآيه الخاصه بمريم لا تفيد استمرارية مخاطبة الملائكه لمريم ، بل قد يبدو من ظاهرها انه حَدث و وقع مرةً واحده ! .
- الملائكة تسلم على الزهراء (ع) و تقف بين يديها : عن أبي بصير قال : { سألت أبا جعفر محمد بن علي (صلوات الله عليه ) عن مصحف فاطمة، فقال : أنزل عليها بعد موت أبيها. قلت: ففيه شئ من القرآن؟ فقال : ما فيه شئ من القرآن. قلت: فصفه لي : قال : له دفتان من زبرجدتين على طول الورق وعرضه حمراوين. قلت: جعلت فداك فصف لي ورقه. قال : ورقه من در أبيض، قيل له: كن فكان ...... و لما أراد الله أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، فهبطوا به وهي قائمة تصلي، فما زالوا قياما حتى قعدت ولما فرغت من صلاتها سلموا عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام، و وضعوا المصحف في حجرها، فقالت: لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام ... } ( 25 )
فانظر الى تأدب الملائكه في حضرة الزهراء (ع) و كيف بدئوا السلام عليها و استمروا على وقفتهم حتى انهت الزهراء صلاتها ، فقتقدموا اليها بنفسهم و وضعوا المصحف في حجرها ! ، سلام الله عليها و عليهم .
- سيد الملائكه (ع) يؤنس فاطمه (ع) : عن أبي عبيده عن ابي عبد الله الصادق (ع) : { ان فاطمه مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها } ( 26 ) .
- سيد الملائكه يدعو أن يكون خادماً لفاطمه (ع) : عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : { افتخر إسرافيل على جبرائيل فقال أنا خير منك ، قال ولم أنت خير مني ؟ قال لأني صاحب الثمانية حملة العرش وأنا صاحب النفخة في الصور وأنا أقرب الملائكة إلى الله تعالى قال جبرائيل عليه السلام أنا خير منك فقال بما أنت خير مني ؟ قال لأني أمين الله على وحيه وأنا رسوله إلى الأنبياء والمرسلين
وأنا صاحب الخسوف والقذوف وما أهلك الله أمة من الأمم إلا على يدي فاختصما إلى الله تعالى فأوحى إليهما اسكتا فوعزتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما قالا يا رب أو تخلق خيرا منا ونحن خلقنا من نور ؟ قال الله تعالى نعم ، وأوحى إلى حجب القدرة : "انكشفي" فانكشف فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب لا إله إلا الله ، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله ، فقال جبرائيل يا رب فإني أسألك بحقهم عليك إلا جعلتني خادمهم قال الله تعالى قد جعلت فجبرائيل من أهل البيت وإنه لخادمنا } ( 27 ) .
يتبع
تعليق