عند ربيع الذكرى، وعنفوان الدمع يربو على حدقات العيون، وهي تهل المواساة نبضا تقيا ينذر بتتابع أمواج الزائرين، لمرقد أبي الأحرار وأخيه قمر العشيرة عليهما السلام، وهم على أعتاب هذه الشعيرة المقدسة، ألا وهي زيارة الأربعين، والتي تحدثت الروايات عن كونها من إحدى علامات المؤمن... وقد داسوا الرمال في الفيافي والقفار بأقدام راسخة، وقطعوا الأهوال بقلوب مؤمنة وعزم لا يلين، عن الإستجابة لنداء العشق الحسيني، الذي لا تغيّره الخطوب...
فهاهي النهضة الحسينية، تشرق في جبين الإنسانية، كلما أبرق سنا الفاجعة، ولاح في أفق الأحزان شهر الطفوف، وعودة الركب المحمدي بعد رحلة ظامئة، إلى حيث الأحبة المجدلين على رمضاء الكرامة والإباء...
وعلى صعيد هذا الخلود للنهضة الحسينية المقدسة، نقلب صفحات الملحمة، وتلك المنازلة الحاسمة، وهي تغير مسرى التاريخ والأجيال والأمم الشعوب إلى وجهة الصلاح والفضيلة، وحشد الطاقات لمقارعة الظلام، وقوى الشر والعدوان، أينما ما حلّ وعاثَ في الأرض الفساد...
فالنهضة الحسينية المباركة ما كانت لتدرك الفتح لولا نبذ المصالح الدنيوية، والذوبان الكلي في إعلاء الشأن الإلهي، وكلمة التوحيد، وإلا فالكثير من الناس حاولوا صدِّ الإمام الحسين عليه السلام من التوجه للعراق تحاشيا للقتل، وهي نظرة كما لا تغيب عن بال اللبيب، توزعت بين الحرص على الحسين عليه السلام باعتباره الأمل والرجاء، والمعوّل عليه قيادة الجمع المؤمن في العالم، بعد استشهاد أخيه السبط أبي محمد الحسن عليه السلام، وبين تلك النظرة التي مِلْؤها التشبث بالدنيا وزبرجها...
وإلا فالسعي لنشر العقيدة، وصحوة الناس وإيقاظهم، وتعريفهم بمسؤوليتهم تجاه الأمة، وتجاه الله عز وجل خالقهم... لهو من أساسيات هذه النهضة النبيلة في مسعاها الإصلاحي، وليس قلب نظام الحكم كما يُخيَّل للكثيرين... لمعرفة الإمام عليه السلام بقلة أنصاره المخلصين، وتخاذل الأمة مع أبيه وأخيه عليهما السلام، في مقابل حجم العدة والعدد لجيش الطغيان الأموي...
وإنما لاحت بواكير النهضة، وتمخضت من جراء سببين رئيسيين؛ أولهما رفض البيعة، في قوله عليه السلام: (إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسوق، ومثلي لا يبايع مثله...) والفقرة الأخيرة من هذه الخطبة، توفر للكثير من الباحثين عناء الإستقصاء والبحث عن سبب رفض البيعة...
والسبب الثاني تمثل في استجابته عليه السلام لكتب أهل الكوفة، تلك الإستجابة التي أراد فيها سيد الشهداء عليه السلام توضيح دور الإمامة في حركة ومسار الأمة، بعد غياب المفهوم الحقيقي لها، في ظل التعتيم الإعلامي الذي مارسته قوى الظلام؛ حيث يقول عليه السلام: (... ولعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه في ذات الله...).
ولو كان الهدف هو التغيير السياسي فقط - وإن كان مشروعا - لانتفت الحاجة لاستذكار النهضة، ولما بقيت لها تلك الجذوة العامرة في القلوب، وذلك لأنها ارتكزت على الصحوة الأخلاقية، وبعث روح الإسلام الحي الحقيقي للنفوس المحطمة الشاردة عن خالقها، الوالهة في غياهب الدنيا وظلاماتها...
ولا يخال أيضا للبعض من أن النهضة كانت فقط بسبب الحرمان الإقتصادي الذي عاناه الإمامُ عليه السلام وأتباعه، أو المجتمع على وجه العموم، بسبب سيطرة الأمويين على خيرات وموارد الأمة، وإن كان قد ورد في صفحات النهضة والمسيرة الحسينية، ففي خطبة لأبي الأحرار عليه السلام يوضح فيها هذا الجانب من أسباب نهضته المقدسة: (ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء...)
وهذا الإستئثارُ بالموارد والخيرات على حساب المجتمع، والشريحة الواسعة من عامة الشعب المستضعف، الذي أقرّ له الإسلام الحياة الكريمة في ظل العدل والمساواة، وإذا به يُبتلى بالحكم الأموي المتسلط بالرعب والخوف والتنكيل بالخصوم...
فلا يغيب عن أذهاننا بعد كل هذا أن النهضة الحسينية المباركة، ما كانت لتبلى وتنحسر مع تراكم الثورات، وآلاف الإطروحات والنماذج البديلة لأي حالة أو وضع إنساني غير صالح... وذلك لتجدد أسباب قيام النهضة الحسينية، مع كل عصر وجيل، بظهور الفساد في أروقة ومفاصل المجتمع، وسوء استخدام السلطة على مر العصور، سواء في العالم الإسلامي أو خارج نطاقه... فتنبثق الحاجة إلى قراءات متجددة تكون بوعي المرحلة، وحجم التعقيدات، لأننا بالتأكيد سنجد الحسين عليه السلام حاضرا بنهضته الصادقة، وبعصمته الطاهرة النقية، يرفدنا بالأمن والإستقرار النفسي والعقائدي، ومحركا فينا الحماسة والثبات على المبدأ، وانتهاج طريق العارفين الراحلين إلى الله عز وجل...
فهاهي النهضة الحسينية، تشرق في جبين الإنسانية، كلما أبرق سنا الفاجعة، ولاح في أفق الأحزان شهر الطفوف، وعودة الركب المحمدي بعد رحلة ظامئة، إلى حيث الأحبة المجدلين على رمضاء الكرامة والإباء...
وعلى صعيد هذا الخلود للنهضة الحسينية المقدسة، نقلب صفحات الملحمة، وتلك المنازلة الحاسمة، وهي تغير مسرى التاريخ والأجيال والأمم الشعوب إلى وجهة الصلاح والفضيلة، وحشد الطاقات لمقارعة الظلام، وقوى الشر والعدوان، أينما ما حلّ وعاثَ في الأرض الفساد...
فالنهضة الحسينية المباركة ما كانت لتدرك الفتح لولا نبذ المصالح الدنيوية، والذوبان الكلي في إعلاء الشأن الإلهي، وكلمة التوحيد، وإلا فالكثير من الناس حاولوا صدِّ الإمام الحسين عليه السلام من التوجه للعراق تحاشيا للقتل، وهي نظرة كما لا تغيب عن بال اللبيب، توزعت بين الحرص على الحسين عليه السلام باعتباره الأمل والرجاء، والمعوّل عليه قيادة الجمع المؤمن في العالم، بعد استشهاد أخيه السبط أبي محمد الحسن عليه السلام، وبين تلك النظرة التي مِلْؤها التشبث بالدنيا وزبرجها...
وإلا فالسعي لنشر العقيدة، وصحوة الناس وإيقاظهم، وتعريفهم بمسؤوليتهم تجاه الأمة، وتجاه الله عز وجل خالقهم... لهو من أساسيات هذه النهضة النبيلة في مسعاها الإصلاحي، وليس قلب نظام الحكم كما يُخيَّل للكثيرين... لمعرفة الإمام عليه السلام بقلة أنصاره المخلصين، وتخاذل الأمة مع أبيه وأخيه عليهما السلام، في مقابل حجم العدة والعدد لجيش الطغيان الأموي...
وإنما لاحت بواكير النهضة، وتمخضت من جراء سببين رئيسيين؛ أولهما رفض البيعة، في قوله عليه السلام: (إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسوق، ومثلي لا يبايع مثله...) والفقرة الأخيرة من هذه الخطبة، توفر للكثير من الباحثين عناء الإستقصاء والبحث عن سبب رفض البيعة...
والسبب الثاني تمثل في استجابته عليه السلام لكتب أهل الكوفة، تلك الإستجابة التي أراد فيها سيد الشهداء عليه السلام توضيح دور الإمامة في حركة ومسار الأمة، بعد غياب المفهوم الحقيقي لها، في ظل التعتيم الإعلامي الذي مارسته قوى الظلام؛ حيث يقول عليه السلام: (... ولعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه في ذات الله...).
ولو كان الهدف هو التغيير السياسي فقط - وإن كان مشروعا - لانتفت الحاجة لاستذكار النهضة، ولما بقيت لها تلك الجذوة العامرة في القلوب، وذلك لأنها ارتكزت على الصحوة الأخلاقية، وبعث روح الإسلام الحي الحقيقي للنفوس المحطمة الشاردة عن خالقها، الوالهة في غياهب الدنيا وظلاماتها...
ولا يخال أيضا للبعض من أن النهضة كانت فقط بسبب الحرمان الإقتصادي الذي عاناه الإمامُ عليه السلام وأتباعه، أو المجتمع على وجه العموم، بسبب سيطرة الأمويين على خيرات وموارد الأمة، وإن كان قد ورد في صفحات النهضة والمسيرة الحسينية، ففي خطبة لأبي الأحرار عليه السلام يوضح فيها هذا الجانب من أسباب نهضته المقدسة: (ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء...)
وهذا الإستئثارُ بالموارد والخيرات على حساب المجتمع، والشريحة الواسعة من عامة الشعب المستضعف، الذي أقرّ له الإسلام الحياة الكريمة في ظل العدل والمساواة، وإذا به يُبتلى بالحكم الأموي المتسلط بالرعب والخوف والتنكيل بالخصوم...
فلا يغيب عن أذهاننا بعد كل هذا أن النهضة الحسينية المباركة، ما كانت لتبلى وتنحسر مع تراكم الثورات، وآلاف الإطروحات والنماذج البديلة لأي حالة أو وضع إنساني غير صالح... وذلك لتجدد أسباب قيام النهضة الحسينية، مع كل عصر وجيل، بظهور الفساد في أروقة ومفاصل المجتمع، وسوء استخدام السلطة على مر العصور، سواء في العالم الإسلامي أو خارج نطاقه... فتنبثق الحاجة إلى قراءات متجددة تكون بوعي المرحلة، وحجم التعقيدات، لأننا بالتأكيد سنجد الحسين عليه السلام حاضرا بنهضته الصادقة، وبعصمته الطاهرة النقية، يرفدنا بالأمن والإستقرار النفسي والعقائدي، ومحركا فينا الحماسة والثبات على المبدأ، وانتهاج طريق العارفين الراحلين إلى الله عز وجل...
تعليق