ظاهرة عزوف الشباب عن القراءة
أمة (اقرأ)... لا تقرأ !!
استطلاع: علاء سعدون
تعد قراءة الكتب من أهم مظاهر الحضارة، لما لها من دور أساسي في مسيرة الشعوب، ولقد أدرك العرب قديماً أهمية العلم والعلماء، فشهدت الحياة الفكرية في العصور العربية والإسلامية ازدهاراً كبيراً في ميادين شتى، وخاصة في العصر العباسي، فقد برز في هذا العصر الكثير من علماء اللغة والأدب والعلوم التطبيقية أيضاً؛ بالإضافة لازدهار الترجمة في تلك الفترة, بل نجد أن كلمة (اقرأ) أول كلمة نزلت من القرآن الكريم، ليجعل من القراءة الحجر الأساس في بناء التوعية والتوجيه والإرشاد، بل والتطور النوعي.
وطالما سمعنا المقولة الشهيرة (مصر تؤلف، ولبنان تطبع، والعراق يقرأ)؛ أي أنَّ العراق هو بلد كثير القراءة والمتابعة لكل علم وجديد من فنون الثقافة، لكنَّا اليوم نجد قلة المتابعة للثقافة في العراق، فالحرب وما بعد الحرب لا زالت تفتك بالمجتمع العراقي ومنه المثقف، فأين نحن اليوم من ذلك؟ لنقرأ احصائية اليونسكو والتي تقول: بأن الشاب العربي يقرأ نصف ساعة في السنة من الكتب مقارنة بالشاب الألماني الذي يقرأ سبعة كتب في السنة على أقل تقدير..! وأفادت دراسات أُخَر أن كل (20) مواطنًا عربيًا يقرؤون كتابًا واحدًا فقط في السنة، بينما يقرأ كل مواطن بريطاني سبعة كتب، أي (140) ضعف ما يقرؤه المواطن العربي.
أما المواطن الأمريكي فيقرأ (11) كتابًا في السنة، أي (220) ضعف ما يقرؤه المواطن العربي, وقد كشف التقرير السنوي الرابع للتنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، أن نسبة القراءة بين العرب تدهورت بشكل مخيب جداً.
ويقول الدكتور وليد السامرائي (دكتور في الأدب المعاصر - من جامعة ليدز - بريطانيا): فيما يتعلق بمستوى القراءة في العراق، فإننا نعتقد أن ما أصاب القطاع الثقافي لا يمكن فصله عما نزل بالعراق من كوارث على كافة الصعد, فلم تعد متابعة الحركة الثقافية من أولويات المثقف العراقي، فضلًا عن المواطن العادي الذي أصبح يخوض معركة البقاء في بلد مهدد في كل لحظة، ويفتقر لمعظم الخدمات الأساسية، ويحتل مرتبة متقدمة في سلم الفساد المالي والإداري.
إن العراق الذي كادت الأمية تنعدم فيه إبان العقود الماضية، تراجع بشكل ملحوظ نتيجة للظروف السيئة، وازدادت أعداد الأميين، وبدت ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس، وعزوفهم عن الدراسة، جلية في الشوارع ومواقع العمل المختلفة.
ومما زاد في انكماش الحركة الثقافية التي تمثل القراءة مظهرًا من مظاهرها المهمة، هو استهداف منابع العلم التي جرت أيام الاحتلال، من حرق للمكتبات العامة، وغلق مكتبات أخر بوجه العامة، وإزالة الكثير من المراجع العلمية والتاريخية والفكرية من مكتبات أخر؛ لكونها لا تتطابق من مناهج وتوجهات طبقة الأحزاب الحاكمة في العراق.
لم يعد المواطن العراقي يحرص على اقتناء الكتاب، ولم يعد مهتمًا بهذا الأمر، فالمواطن العادي يسعى إلى توفير أساسيات العيش - التي ليس من بينها الكتاب - بل إن بعضهم قام ببيع ما احتوت عليه مكتبته المنزلية وبأي ثمن.
أما المثقفون فهم عازفون عن الشراء، وهم يرون أمواجًا من الكتب التي تحمل أفكارًا غريبة ودخيلة تغرق مكتبات بيع الكتب، في حين أن الكتب الرصينة والمعتمدة علمياً والمراجع قد اختفت وخلت منها الأسواق..! وبالرغم من كل هذا، فإن قلة قليلة ما زالت تحاول معرفة الجديد من المطبوعات، وذلك من خلال المتابعة على شبكة الانترنت، وتكليف المعارف في الدول الأخر بشراء هذا الكتاب أو ذاك, وكنتيجة منطقية لهذا الوضع المتردي، فإن حركة النشر قد تراجعت أيضًا بعد أن أغلقت العديد من المطابع ودور النشر أبوابها لأسباب أمنية واقتصادية، وحلت محلها مؤسسات لم تكن معروفة تروج لثقافة غريبة عن مزاج العراقيين، وتتعارض مع الطبقة المثقفة الأصيلة في العراق.
في وقفة مع أحد باعة الكتب في شارع المتنبي الشهير، تحدث قائلاً:
أكاد أجن من شباب هذا العصر الذي يكاد ينعدم في شارع المتنبي، وإن وجد القليل منهم، فما أسخف الكتب التي يبحثون عنها من رسائل حب، و(مسجات الموبايل)، ونكت الضحك، وما الى ذلك...؟!
كما والتقينا بالشاب خالد راضي من محافظة كربلاء المقدسة، فتحدث عن أسباب العزوف قائلاً:
بالنسبة لي أرى أن الثقافة أصبحت معدومة في بلدي، ولا فرق بين المثقف والجاهل والفنان والإنسان العادي، فكلاهما يعملان في محل حلاقة، أو عامل بناء منذ الصباح حتى المساء، وإن وجد وقتاً قليلاً فيستثمره في مشاهدة التلفاز، أو الجلوس على الانترنت.
وتحدث آخر عن أن محافظته تخلو من الكتب المهمة المتنوعة التي يبحث عنها، وإن احتاج لكتاب، فهو يسافر للعاصمة بغداد ليجده أو لا يجده، أو ينتظر مهرجان ربيع الشهادة العالمي الذي يحلم بأن يكون دائماً في مكان ما وسط المدينة، أو وجود مركز مشابه له من قبل الدولة.
إذن، نخلص القول بأن من أسباب عزوف الشباب عن القراءة عدم الاهتمام الكافي بالشؤون الثقافية - على الرغم من وجود تخصيصات مالية لبناء الثقافة العراقية - على عكس بلدان الغرب، والتي تمتلئ شوارعها بالمكتبات المجانية للقراءة أينما تجلس لانتظار القطار، أو لشرب الشاي وغيرها.
ومن الأسباب أيضاً انشغال الشباب بالظروف غير الطبيعية التي تمر بها البلاد، وانتشار مقاهي الانترنت، حتى أصبحت وسائل ترفيه ولهو، بدلاً من أن تكون وسيلة علمية, وبالنتيجة، الوضع يسير نحو التردي، والأنظار نحو من يهمه الأمر للاهتمام بهذا الجانب الحيوي والأساسي في بناء أجيال أكثر وعياً، ليساعدوا في بناء هذا البلد...
وبدلاً من الاهتمام بأمور أقل أهمية، تجب المبادرة إلى إنشاء الندوات، وبناء مكتبات عامة تجذب الشباب بطريقة حديثة، والاهتمام بهذا الجانب أكثر من غيره، ولا بأس بالسير على خطى البلدان الأخر، وإنشاء مكتبات صغيرة في الشارع العراقي، تأخذ دورها في إشاعة مظاهر القراءة، وتشجيع الثقافة العامة للمواطن.
تعليق