ولد عام 1977م بمدينة " المحويت " في اليمن، من أسرة زيدية، كان يميل بشكل كبير للوهابيّة، يواصل الآن دراسته في الطبّ.
تشرّف عام 1997م باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، بعد حوارات ومناقشات عديدة ودراسة موضوعيّة لعقائد الشيعة وآراء الوهابية.
مرحلة خطيرة من الضياع:تشرّف عام 1997م باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، بعد حوارات ومناقشات عديدة ودراسة موضوعيّة لعقائد الشيعة وآراء الوهابية.
يقول السيّد العسيري: " قرّرت أن أعيش في ظلّ النظريّة الإلهيّة بأن ألتزم بالمبادئ الإسلاميّة لضمان سعادتي في كلا الدارين، فسرت على نهج الوهابية وذلك لإعجابي بهم حتى حضرت معهم حلقات الدرس، وكنت أرمي بعقلي حيثما وجدت مخالفة للعقل ـ على أساس أنّ العقل هوى ويجب القضاء على الهوى ـ، وهكذا بدأت أتعمق في فهم تصوراتهم حتى بلغت إلى الاعتقاد بالتجسيم لله سبحانه وتعالى!.
كشف الغطاء عن الملابسات:وذات يوم سمعت أنّ أحد أقربائي قد إنتمى إلى التشيّع، فذهبت إليه لعلّي أجد سبيلا إلى هدايته ـ حسب اعتقادي ـ وبدأت أناقشه، حتى تركز البحث حول مسألة الجمع بين الصلاتين، فأخبرني قريبي بإمكانية الجمع، وذكر لي ما أورده البخاري من روايات المجوزة لذلك(1)، ولكنني حبّذت عدم مواصلة البحث معه في هذا المجال لأنّ الموضوع كان فقهياً ويعتبر من فروع الدين، فقرّرت مناقشته في مسائل الأصول التي تمثل القاعدة في بنية العقيدة.
وكانت البداية هي البحث عن التوحيد باعتباره الأصل الأوّل من المسائل الاعتقادية، فالوهابية تعتقد أنّه تعالى بذاته موجود على العرش، وبعلمه يتواجد في كلّ مكان، ولم يكن لي علم بمصدر هذا التقسيم! لكنني كنت أعلم بأنني موظف باتباع ما يملي عليَّ العلماء من دون مناقشة ذلك، وكان قريبي الشيعي متفتحاً وواعياً لا يقول شيئاً إلاّ عن علم ودراية، فبدأ يسرد لي الآيات التي تنزه الله عزّوجلّ عن ذلك.
فحاولت أن أقيّده ليتمسك بظاهر الألفاظ، وأن لا يتخطي عن دائرة الألفاظ إلى مجال المعاني، فبدأ قريبي يستشهد لدعم تنزيهه جلّ وعلا بالروايات الواردة في هذا الخصوص، ومن هنا دخلنا في موضوع الأحاديث ومصداقية كتب الحديث عند أبناء العامة وحجيتها، فسجّلت نقاط الخلاف بيننا وبين الشيعة، وقرّرت الرجوع إلى أحد الأساتذة الوهابيين لأحصل على إجابة الإشكالات التي ذكرها قريبي.
وبالفعل ذهبت لأحد الأساتذة وشرحت له ما جرى بيني وبين قريبي من حوار حول التوحيد، وقدّمت له الورقة التي دوّنت فيها الإشكالات ونقاط الاختلاف، فأخبرني بأنّه سيجيب عليها في اليوم التالي.
وذهبت إليه في الموعد المحدّد، وإذا به يُسمعني آراء ابن تيميّة حول الشيعة بأنّهم مشركون وضالون وينبغي اجتناب مجالستهم!.
فقلت له: أنا أعلم ذلك، ولكن أريد جواباً لتفنيد إشكالات قريبي؟
فقال لي الأستاذ: إنّ الله عزّوجلّ لو أراد أن يهدي قريبك لهداه، ولكن قلّ من تشيّع ثم هداه الله!.
فلم يرق لي جواب الأستاذ، ووجدت أجابته توحي بعدم قدرته على الردّ.
مع كتيب الخطوط العريضة:وكانت البداية هي البحث عن التوحيد باعتباره الأصل الأوّل من المسائل الاعتقادية، فالوهابية تعتقد أنّه تعالى بذاته موجود على العرش، وبعلمه يتواجد في كلّ مكان، ولم يكن لي علم بمصدر هذا التقسيم! لكنني كنت أعلم بأنني موظف باتباع ما يملي عليَّ العلماء من دون مناقشة ذلك، وكان قريبي الشيعي متفتحاً وواعياً لا يقول شيئاً إلاّ عن علم ودراية، فبدأ يسرد لي الآيات التي تنزه الله عزّوجلّ عن ذلك.
فحاولت أن أقيّده ليتمسك بظاهر الألفاظ، وأن لا يتخطي عن دائرة الألفاظ إلى مجال المعاني، فبدأ قريبي يستشهد لدعم تنزيهه جلّ وعلا بالروايات الواردة في هذا الخصوص، ومن هنا دخلنا في موضوع الأحاديث ومصداقية كتب الحديث عند أبناء العامة وحجيتها، فسجّلت نقاط الخلاف بيننا وبين الشيعة، وقرّرت الرجوع إلى أحد الأساتذة الوهابيين لأحصل على إجابة الإشكالات التي ذكرها قريبي.
وبالفعل ذهبت لأحد الأساتذة وشرحت له ما جرى بيني وبين قريبي من حوار حول التوحيد، وقدّمت له الورقة التي دوّنت فيها الإشكالات ونقاط الاختلاف، فأخبرني بأنّه سيجيب عليها في اليوم التالي.
وذهبت إليه في الموعد المحدّد، وإذا به يُسمعني آراء ابن تيميّة حول الشيعة بأنّهم مشركون وضالون وينبغي اجتناب مجالستهم!.
فقلت له: أنا أعلم ذلك، ولكن أريد جواباً لتفنيد إشكالات قريبي؟
فقال لي الأستاذ: إنّ الله عزّوجلّ لو أراد أن يهدي قريبك لهداه، ولكن قلّ من تشيّع ثم هداه الله!.
فلم يرق لي جواب الأستاذ، ووجدت أجابته توحي بعدم قدرته على الردّ.
بعد ذلك طلبت من الأستاذ كتاباً حول الشيعة، فأعطاني كتيب (الخطوط العريضة)، فأخذته وطالعته، ثم ذهبت إلى قريبي الشيعي، ورحت أكيل له ولمذهبه التهم التي ذكرها مؤلف الكتيب محب الدين الخطيب.
فكان قريبي صبوراً يسمع تهجمي بهدوء وتأنّي، بعد ذلك بدأ يجيب ماوجهت له من أسئلة وشبهات من دون انفعال، وكانت أوّليات النقاش قد تمحورت حول ما أدّعاه الخطيب بخصوص ما نسب إلى عمر ".
في الحقيقة أنّ ما تقوّل به المؤلف في هذا الكتيب، مجرّد تهمة حاول إلصاقها بعلماء الشيعة، فإنّه حكى عنهم هذه المقالة التافهة في كتاب اسمه (الزهراء)، وهو أمر ليس له أساس من الصحّة، ولو كان صادقاً في إدعائه لأسند نشر هذا الكتاب إلى ناشر معين، ولذكر اسم مؤلفه! ولم يسنده إلى علماء النجف الأشرف ـ فهم من أحوط الناس وأشدّهم رعاية لحرمة الإسلام والمسلمين، ولا تجري أقلامهم وألسنتهم النزيهة إلاّ في مرضاة الله والإصلاح بين المسلمين ـ، ولكن الخطيب لا يريد بذلك سوى الطعن والتجريح وإثارة الفتنة وتفريق الكلمة، بل يبدو منه تثبيت هذا الأمر على عمر بن الخطاب وإشاعته حكاية عن علماء الشيعة في النجف الأشرف!.
ولو سلّمنا وجود شئ من هذا، فهل يصح نسبته إلى عموم علماء الشيعة؟! وإذا كان مبنى الخطيب على هذا الأساس، فعند ذلك يحق أن تنسب عقائد النواصب ـ الذين أحدثوا في الإسلام الحوادث العجيبة ـ إلى جميع أبناء العامّة.
دراسات الفقه الإسلامي عند الشيعة وأبناء العامة:فكان قريبي صبوراً يسمع تهجمي بهدوء وتأنّي، بعد ذلك بدأ يجيب ماوجهت له من أسئلة وشبهات من دون انفعال، وكانت أوّليات النقاش قد تمحورت حول ما أدّعاه الخطيب بخصوص ما نسب إلى عمر ".
في الحقيقة أنّ ما تقوّل به المؤلف في هذا الكتيب، مجرّد تهمة حاول إلصاقها بعلماء الشيعة، فإنّه حكى عنهم هذه المقالة التافهة في كتاب اسمه (الزهراء)، وهو أمر ليس له أساس من الصحّة، ولو كان صادقاً في إدعائه لأسند نشر هذا الكتاب إلى ناشر معين، ولذكر اسم مؤلفه! ولم يسنده إلى علماء النجف الأشرف ـ فهم من أحوط الناس وأشدّهم رعاية لحرمة الإسلام والمسلمين، ولا تجري أقلامهم وألسنتهم النزيهة إلاّ في مرضاة الله والإصلاح بين المسلمين ـ، ولكن الخطيب لا يريد بذلك سوى الطعن والتجريح وإثارة الفتنة وتفريق الكلمة، بل يبدو منه تثبيت هذا الأمر على عمر بن الخطاب وإشاعته حكاية عن علماء الشيعة في النجف الأشرف!.
ولو سلّمنا وجود شئ من هذا، فهل يصح نسبته إلى عموم علماء الشيعة؟! وإذا كان مبنى الخطيب على هذا الأساس، فعند ذلك يحق أن تنسب عقائد النواصب ـ الذين أحدثوا في الإسلام الحوادث العجيبة ـ إلى جميع أبناء العامّة.
حاول الخطيب في كتيّبه هذا أن يعمّق الهوّة ويوسّع الفجوة بين الشيعة وأبناء العامّة، وذلك بقوله: " فالفقه عند أهل السنة وعند الشيعة لا يرجع إلى أصول مسلّمة عند الفريقين، والتشريع الفقهي عند الأئمّة الأربعة من أهل السنة قائم على غير الأُسس التي يقوم عليها التشريع الفقهي عند الشيعة... "(2).
لكن الفقه عند جميع المسلمين من الشيعة وأبناء العامة في الواقع يرجع إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)، والشيعة أشدّ الناس تمسكاً بهما، فعلى هذا كيف تكون الأُسس التي قام عليها التشريع الفقهي عند أبناء العامّة مغايرة للأُسس التي قام عليها عند الشيعة، علماً أنّ أئمة المذاهب وتلامذتهم أخذوا عن الإمام جعفرالصادق (عليه السلام) !.
وفي الحقيقة أنّ الفرق بين الطائفتين، إنّ الشيعة لا تجوّز العمل بالقياس والاستحسان والاجتهاد مقابل النصّ كما هو متعارف عند غيرهم.
ثمّ يعرض الخطيب خطاً عريضاً آخر من أُفقه الطائفي الضيق، فيدّعي أنّ الشيعة لا يدخلون الفقه السني في دراساتهم! وينكر على الأزهر دراسة الفقه الجعفري في أروقته، كنمط خاصّ من دراسات الفقه الإسلامي!.
في حين أنّ الأزهر إذا أراد أن يكون حرّاً في دراساته وموضوعياً في نقاشاته، فعليه بدراسة فقه وعقائد وتفسير الشيعة، ليعرف مدى رسوخهم وتأثيرهم في تاريخ الإسلام والمسلمين.
كما أنّ مقولة الخطيب بأنّ الشيعة لا يدرسون الفقه السني، مجرّد إدّعاء ليس له صحّة في الواقع، فإنّ مدارس الشيعة وحوزاتهم لا تتناول الفقه السني فقط، بل تفسير وعقائد وتاريخ أبناء العامّة بكلّ دقّة وأمانة(3)، وتضعه على طاولة البحث ثم تناقشه لتصل إلى النتائج التي يدعمها الدليل والبرهان من القرآن والسنّة.
وهذه مكتباتهم العامّة والخاصّة تعجّ بمئات الكتب السنّيّة لمختلف الكتّاب، ومنابرهم يذكر فيها آراء أبناء العامة جنباً إلى آراء الشيعة، وتُخضع كافة الآراء للنقد والتحليل.
فالشيعة يتناولون في أبحاثهم جميع الآراء بدقة وإمعان، وهم لقوّة ثقتهم بما يذهبون إليه وعدم تعصبهم، لا يخشون على عقائدهم من النقد كما تحاول بعض الطوائف أبعاد أتباعهم عن أفكار وكتب الآخرين.
التقيّة في الفكر الإسلامي:لكن الفقه عند جميع المسلمين من الشيعة وأبناء العامة في الواقع يرجع إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)، والشيعة أشدّ الناس تمسكاً بهما، فعلى هذا كيف تكون الأُسس التي قام عليها التشريع الفقهي عند أبناء العامّة مغايرة للأُسس التي قام عليها عند الشيعة، علماً أنّ أئمة المذاهب وتلامذتهم أخذوا عن الإمام جعفرالصادق (عليه السلام) !.
وفي الحقيقة أنّ الفرق بين الطائفتين، إنّ الشيعة لا تجوّز العمل بالقياس والاستحسان والاجتهاد مقابل النصّ كما هو متعارف عند غيرهم.
ثمّ يعرض الخطيب خطاً عريضاً آخر من أُفقه الطائفي الضيق، فيدّعي أنّ الشيعة لا يدخلون الفقه السني في دراساتهم! وينكر على الأزهر دراسة الفقه الجعفري في أروقته، كنمط خاصّ من دراسات الفقه الإسلامي!.
في حين أنّ الأزهر إذا أراد أن يكون حرّاً في دراساته وموضوعياً في نقاشاته، فعليه بدراسة فقه وعقائد وتفسير الشيعة، ليعرف مدى رسوخهم وتأثيرهم في تاريخ الإسلام والمسلمين.
كما أنّ مقولة الخطيب بأنّ الشيعة لا يدرسون الفقه السني، مجرّد إدّعاء ليس له صحّة في الواقع، فإنّ مدارس الشيعة وحوزاتهم لا تتناول الفقه السني فقط، بل تفسير وعقائد وتاريخ أبناء العامّة بكلّ دقّة وأمانة(3)، وتضعه على طاولة البحث ثم تناقشه لتصل إلى النتائج التي يدعمها الدليل والبرهان من القرآن والسنّة.
وهذه مكتباتهم العامّة والخاصّة تعجّ بمئات الكتب السنّيّة لمختلف الكتّاب، ومنابرهم يذكر فيها آراء أبناء العامة جنباً إلى آراء الشيعة، وتُخضع كافة الآراء للنقد والتحليل.
فالشيعة يتناولون في أبحاثهم جميع الآراء بدقة وإمعان، وهم لقوّة ثقتهم بما يذهبون إليه وعدم تعصبهم، لا يخشون على عقائدهم من النقد كما تحاول بعض الطوائف أبعاد أتباعهم عن أفكار وكتب الآخرين.
شنّ الخطيب في كتابه أيضاً حملته المسعورة على الشيعة لعملهم ولإيمانهم بالتقيّة الّتي شرّعها الله تعالى في كتابه العزيز، وقاية للمؤمن ومتعلقاته وصيانة لمعتقداته حيثما وجد نفسه لا يقوى على مقاومة أعداءه.
والتقيّة في الحقيقة هي إظهار الإنسان ما يغاير باطنه المؤمن به والمطمئن إليه لدفع ما يحيق به من شرور، وهي من المفاهيم الإسلاميّة الأصيلة، التي أكّدتها السنة النبويّة المطهّرة، وعمل بها الصحابة والتابعين، كما أنّها موافقة لحكم العقل، فالعقل يأمر صاحبه بتجنّب ما يحتمل فيه الضرر، سواء كان ذلك في أصول العقائد الإسلاميّة أم في الأحكام الشرعيّة، بل وحتى في الآداب والأخلاق العامة.
كما أنّ التقية غير مختصة بمذهب معين، وإنّما كان سبب تميّز الإماميّة بها للمعاناة الطويلة التي مرّوا بها من حكّام الظلم والجور، وهذا لا يعني أنّ غيرهم لم يعمل أو لم يقل بها!
فقد ورد عن أئمة المذاهب الأربعة وفقهائهم أقوالاً في مشروعيّة التقيّة، ومنها:
ذكر الإمام مالك عدم وقوع طلاق المكره على نحو التقيّة(4).
وذكر ابن العربي المالكي أنّ من يكفر تقيّة وقلبه مطمئن بالإيمان لا تجري عليه أحكام المرتد، لعذره في الدنيا... ; كما صرّح بأنّ الإكراه إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤاخذ المكره بشيء(5).
وذكر ابن جزي المالكي جواز التلفّظ بكلمة الكفر عند الإكراه عليها... ثمّ قال: " قال مالك: لا يلزم المكره يمين ولا طلاق ولا عتق ولا شئ فيما بينه وبين الله، ويلزمه ما كان من حقوق الناس، ولا تجوز الإجابة إليه كالإكراه على قتل أحّد أو أخذ ماله "(6).
أمّا أبو حيّان الأندلسي المالكي فيرى صحّة التقيّة من كلّ غالب يكره بجور منه، فيدخل في ذلك الكفّار وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر ; كما تصحّ التقيّة عنده في حالة الخوف على الجوارح والضرب بالسوط والوعيد وعداوة أهل الجاه الجورة، وأنّها تكون بالكفر فما دونه من بيع وهبة ونحو ذلك(7).
والتقيّة في الفقه الحنفي فواسعة جدّاً! حيث قال السرخسي الحنفي: "يجوز ترك الصلاة الواجبة عند الإكراه على تركها، وكذلك الإفطار في شهر رمضان المبارك... وكما تصحّ التقية في هذه الأمور تصح أيضاً في حالات كثيرة أخرى فيما لو أكره المرء عليها... وإنّ من لم يفعل ذلك وهو يعلم أنه يسعه كان آثماً، وليس له أن يمتنع منه، كما جوّز كلمة الشرك على اللسان تقية عند الإكراه"(8).
أمّا ابن نجيم الحنفي، فقد نصّ على قاعدة هامة توجب على المكره أو المضطرّ الموازنة بين المفسدة الناتجة من الإقدام على الفعل المكره عليه أو المضطر إليه، وبين المفسدة الناتجة من حالة الترك... ثمّ ينقل عن الزيلعي قوله: "الأصل في جنس هذه المسائل أنّ من ابتلى ببليتين، وهما متساويتان، يأخذ بإيّهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما، لأنّ مباشرة الحرام لا تجوز إلاّ للضرورة، ولا ضرورة في حقّ الزيادة "(9).
هذا بالاضافة إلى أقوال أخرى في مصادر الأحناف تحدّثت عن التقيّة(10).
والتقية عند الشوافع، فكما يقول الإمام الشافعي تصحّ في الأُمور التي يباح للمكره التكلم بها، أو فعلها مع كونها محرمة شرعاً(11).
وقال الكيا الهراسي الشافعي عمن يكفر بالله تعالى مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان: " إنَّ حكم الردّة لا يلزمه... إنّ المشرّع غفر له لما يدفع به عن نفسه من الضرر... واستدلّ به أصحاب الشافعي على نفي وقوع طلاق المكره وعتاقه وكلّ قوله حُمل عليه بباطل، نظراً لما فيه من حفظ حقه عليه، كما امتنع الحكم بنفوذ ردته حفظاً على دينه "(12).
وذكر ابن حجر العسقلاني الشافعي جواز التقيّة عند الإكراه على تلفّظ كلمة الكفر(13).
ويرى الحنابلة أيضاً جواز العمل بالتقيّة، حيث صرّح ابن قدامة الحنبلي بإباحة التقيّة في حالات الإكراه، وقال: " إنّما أبيح له فعل المكره عليه، دفعاً لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد "(14).
ومن التقيّة في الفقه الحنبلي، الإكراه على كلمة الكفر، وقد صرّح بذلك مفسروا الحنابلة كابن الجوزي الذي نصّ على جواز الكفر تقيّة عند الإكراه على الكفر(15).
وقال بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي: " أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطر، وكذلك سائر المحرمات التي لاتزيل العقل "(16).
كما قال ابن تيميّة في رده على البكري: " ولو قدّر أن شخصاً أبطن خلاف ما يظهر من الأقوال لم يكن زنديقاً إلاّ إذا أبطن الكفر، وإلاّ فمن أبطن قولا يعتقد أنّه دين الإسلام ويناظر عليه لم يكن هذا زنديقاً عند الفقهاء... "(17).
مسألة تحريف القرآن:والتقيّة في الحقيقة هي إظهار الإنسان ما يغاير باطنه المؤمن به والمطمئن إليه لدفع ما يحيق به من شرور، وهي من المفاهيم الإسلاميّة الأصيلة، التي أكّدتها السنة النبويّة المطهّرة، وعمل بها الصحابة والتابعين، كما أنّها موافقة لحكم العقل، فالعقل يأمر صاحبه بتجنّب ما يحتمل فيه الضرر، سواء كان ذلك في أصول العقائد الإسلاميّة أم في الأحكام الشرعيّة، بل وحتى في الآداب والأخلاق العامة.
كما أنّ التقية غير مختصة بمذهب معين، وإنّما كان سبب تميّز الإماميّة بها للمعاناة الطويلة التي مرّوا بها من حكّام الظلم والجور، وهذا لا يعني أنّ غيرهم لم يعمل أو لم يقل بها!
فقد ورد عن أئمة المذاهب الأربعة وفقهائهم أقوالاً في مشروعيّة التقيّة، ومنها:
ذكر الإمام مالك عدم وقوع طلاق المكره على نحو التقيّة(4).
وذكر ابن العربي المالكي أنّ من يكفر تقيّة وقلبه مطمئن بالإيمان لا تجري عليه أحكام المرتد، لعذره في الدنيا... ; كما صرّح بأنّ الإكراه إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤاخذ المكره بشيء(5).
وذكر ابن جزي المالكي جواز التلفّظ بكلمة الكفر عند الإكراه عليها... ثمّ قال: " قال مالك: لا يلزم المكره يمين ولا طلاق ولا عتق ولا شئ فيما بينه وبين الله، ويلزمه ما كان من حقوق الناس، ولا تجوز الإجابة إليه كالإكراه على قتل أحّد أو أخذ ماله "(6).
أمّا أبو حيّان الأندلسي المالكي فيرى صحّة التقيّة من كلّ غالب يكره بجور منه، فيدخل في ذلك الكفّار وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر ; كما تصحّ التقيّة عنده في حالة الخوف على الجوارح والضرب بالسوط والوعيد وعداوة أهل الجاه الجورة، وأنّها تكون بالكفر فما دونه من بيع وهبة ونحو ذلك(7).
والتقيّة في الفقه الحنفي فواسعة جدّاً! حيث قال السرخسي الحنفي: "يجوز ترك الصلاة الواجبة عند الإكراه على تركها، وكذلك الإفطار في شهر رمضان المبارك... وكما تصحّ التقية في هذه الأمور تصح أيضاً في حالات كثيرة أخرى فيما لو أكره المرء عليها... وإنّ من لم يفعل ذلك وهو يعلم أنه يسعه كان آثماً، وليس له أن يمتنع منه، كما جوّز كلمة الشرك على اللسان تقية عند الإكراه"(8).
أمّا ابن نجيم الحنفي، فقد نصّ على قاعدة هامة توجب على المكره أو المضطرّ الموازنة بين المفسدة الناتجة من الإقدام على الفعل المكره عليه أو المضطر إليه، وبين المفسدة الناتجة من حالة الترك... ثمّ ينقل عن الزيلعي قوله: "الأصل في جنس هذه المسائل أنّ من ابتلى ببليتين، وهما متساويتان، يأخذ بإيّهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما، لأنّ مباشرة الحرام لا تجوز إلاّ للضرورة، ولا ضرورة في حقّ الزيادة "(9).
هذا بالاضافة إلى أقوال أخرى في مصادر الأحناف تحدّثت عن التقيّة(10).
والتقية عند الشوافع، فكما يقول الإمام الشافعي تصحّ في الأُمور التي يباح للمكره التكلم بها، أو فعلها مع كونها محرمة شرعاً(11).
وقال الكيا الهراسي الشافعي عمن يكفر بالله تعالى مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان: " إنَّ حكم الردّة لا يلزمه... إنّ المشرّع غفر له لما يدفع به عن نفسه من الضرر... واستدلّ به أصحاب الشافعي على نفي وقوع طلاق المكره وعتاقه وكلّ قوله حُمل عليه بباطل، نظراً لما فيه من حفظ حقه عليه، كما امتنع الحكم بنفوذ ردته حفظاً على دينه "(12).
وذكر ابن حجر العسقلاني الشافعي جواز التقيّة عند الإكراه على تلفّظ كلمة الكفر(13).
ويرى الحنابلة أيضاً جواز العمل بالتقيّة، حيث صرّح ابن قدامة الحنبلي بإباحة التقيّة في حالات الإكراه، وقال: " إنّما أبيح له فعل المكره عليه، دفعاً لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد "(14).
ومن التقيّة في الفقه الحنبلي، الإكراه على كلمة الكفر، وقد صرّح بذلك مفسروا الحنابلة كابن الجوزي الذي نصّ على جواز الكفر تقيّة عند الإكراه على الكفر(15).
وقال بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي: " أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطر، وكذلك سائر المحرمات التي لاتزيل العقل "(16).
كما قال ابن تيميّة في رده على البكري: " ولو قدّر أن شخصاً أبطن خلاف ما يظهر من الأقوال لم يكن زنديقاً إلاّ إذا أبطن الكفر، وإلاّ فمن أبطن قولا يعتقد أنّه دين الإسلام ويناظر عليه لم يكن هذا زنديقاً عند الفقهاء... "(17).
ادّعى الخطيب بأنّ الشيعة يقولون بتحريف القرآن، وهو إفتراءٌ آخر يضاف إلى سلسلة الافتراءات التي حواها هذا الكتيّب.
فالقرآن الكريم يمثّل روح الأُمّة الإسلاميّة التي لا غنى للمسلمين عنها، فهو كيانهم ووجودهم، وقد أجمعوا على أنّ القرآن هو هذا الذي بين الدفتين لم يزاد فيه ولم يعتريه النقصان، وهذا ما يؤمن به الشيعة.
وكملاحظة نلفت النظر إليها، إنّ محدثي الشيعة عنوا منذ القرون الأُولى بجمع الروايات الواصلة إليهم عن الأئمة (عليهم السلام) ـ صوناً لها من الضياع وحفظاً لها من النسيان ـ من غير نظر إلى متونها أو أسانيدها، فالرواية على هذا الأساس أعمّ من الاعتقاد، ولذا لا يجوز نسبة مطلب إلى راو أو محدّث ـ فضلا عن طائفة ـ بمجرد نقله لخبر يدل على ذلك المطلب، فإذا صرّح كاتب بمعتقد ما، فلا يصحّ تعميم اعتقاده على الطائفة بأجمعها، لأنّ مبناه في صحّة تلك الأخبار أو تبنيه لذلك المعتقد قد يكون مخالفاً لمباني الآخرين.
ويؤكد ماذكرناه ـ من أنه رأي شخصي ـ أنّ علماء الشيعة المعاصرين للشيخ حسين النوري الطبرسي، والمتأخرين عنه تناولوا كتابه بالردّ والنقد، كالسيد محمّد حسين الشهرستاني، والشيخ محمود العراقي وغيرهما، وللشيخ البلاغي بعض الكلام في هذا الباب في مقدّمة تفسيره (آلاء الرحمن)(18)، بل أنّ الشيخ النوري نفسه يعترف بصراحة بتفرّده في هذا القول(19)!.
فليس من حقّ الخطيب أن ينسب تهمة التحريف للشيعة ـ لأنّ أحد علمائهم قال به ـ في حين نجده يتعامى عن آراء الفطاحل منهم، ومن له الباع الطويل والقدم الراسخ في حفظ التراث الإسلامي الأصيل من الضياع.
(1) أنظر: صحيح البخاري، باب وقت المغرب، وباب وقت العصر، وقد مر ذلك في هذا الكتاب.فالقرآن الكريم يمثّل روح الأُمّة الإسلاميّة التي لا غنى للمسلمين عنها، فهو كيانهم ووجودهم، وقد أجمعوا على أنّ القرآن هو هذا الذي بين الدفتين لم يزاد فيه ولم يعتريه النقصان، وهذا ما يؤمن به الشيعة.
وكملاحظة نلفت النظر إليها، إنّ محدثي الشيعة عنوا منذ القرون الأُولى بجمع الروايات الواصلة إليهم عن الأئمة (عليهم السلام) ـ صوناً لها من الضياع وحفظاً لها من النسيان ـ من غير نظر إلى متونها أو أسانيدها، فالرواية على هذا الأساس أعمّ من الاعتقاد، ولذا لا يجوز نسبة مطلب إلى راو أو محدّث ـ فضلا عن طائفة ـ بمجرد نقله لخبر يدل على ذلك المطلب، فإذا صرّح كاتب بمعتقد ما، فلا يصحّ تعميم اعتقاده على الطائفة بأجمعها، لأنّ مبناه في صحّة تلك الأخبار أو تبنيه لذلك المعتقد قد يكون مخالفاً لمباني الآخرين.
ويؤكد ماذكرناه ـ من أنه رأي شخصي ـ أنّ علماء الشيعة المعاصرين للشيخ حسين النوري الطبرسي، والمتأخرين عنه تناولوا كتابه بالردّ والنقد، كالسيد محمّد حسين الشهرستاني، والشيخ محمود العراقي وغيرهما، وللشيخ البلاغي بعض الكلام في هذا الباب في مقدّمة تفسيره (آلاء الرحمن)(18)، بل أنّ الشيخ النوري نفسه يعترف بصراحة بتفرّده في هذا القول(19)!.
فليس من حقّ الخطيب أن ينسب تهمة التحريف للشيعة ـ لأنّ أحد علمائهم قال به ـ في حين نجده يتعامى عن آراء الفطاحل منهم، ومن له الباع الطويل والقدم الراسخ في حفظ التراث الإسلامي الأصيل من الضياع.
(2) الخطوط العريضة: 11 ـ 12.
(3) إنّ الشيعة يدرسون أقوال جميع أئمّة الفقه ورؤساء المذاهب، ويذكرون خلافاتهم، ويبحثون في أدلّة الأقوال، ويأخذون بما هو أوفق للكتاب والسنة، وكتب علمائهم مثل (الخلاف) للشيخ الطوسي، و(التذكرة) للعلاّمة الحلي، وغيرها خير دليل على ذلك.
(4) أنظر: المدونة الكبرى لمالك بن أنس: 6 / 24، كتاب الايمان بالطلاق وطلاق المريض.
(5) أنظر: أحكام القرآن لابن العربي: 3 / 1177 ـ 1182.
(6) أنظر: تفسير ابن جزي: 366.
(7) أنظر: البحر المحيط: 2 / 424.
(8) أنظر: المبسوط للسرخسي: 24 / 55، 172، 173.
(9) أنظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي: 89.
(10) أنظر: الهداية للمرغياني، كتاب الإكراه: 3 / 275، شرح فتح القدير للسيواسي: 8 / 65، اللباب للميداني: 4 / 107 ـ 114، النتف في الفتاوى للسغدي: 2 / 696 ـ 703.
(11) أنظر: أحكام القرآن للإمام الشافعي: 2 / 114 ـ 115.
(12) أنظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي: 3 / 246 ـ 247.
(13) أنظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني، كتاب الإكراه: 12 / 385.
(14) أنظر: المغني لابن قدامة: 8 / 261.
(15) أنظر: زاد المسير لابن الجوزي: 4 / 363.
(16) أنظر: العدة في شرح العمدة للمقدسي الحنبلي: 464.
(17) أنظر: الاستغاذة في الردّ على البكري لابن تيمية: 2 / 595.
(18) الآء الرحمن: 1 / 63 ـ 71.
(19) أنظر: صيانة القرآن من التحريف لمحمد هادي معرفة: 89 ـ 91، والجدير ذكره هنا ان أغلبي الروايات التي أوردها الشيخ النوري في كتابه من مصادر أهل العامة.
تعليق