بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
:: أربعينية الميت بين الإباحة والإشكال ::
يتسائل البعض بين الحين والآخر ، من أبناء جيلنا المعاصر ، عن مشروعية إقامة الماتم للميت ، وإحياء الذكرى ليوم الأربعين من موته .
هذه سطور مختصرة ، حاولت بها دفع الإشكال والإجابة عن السؤال المتكرر في شأن أربعينية موتى المؤمنين ، ولكي لا نُحرم من ثواب المشاركة ، مع التأكيد إن الذكرى ليست من باب العادة ، بل لأجل إدخال السرور على الميت بإهداءه قراءة القرآن الكريم والتصدق عنه وما أشبه ، وكذلك من أجل التخفيف عن الميت أهوال القبر .
::: البداية
في البدء ينبغي معرفة ماذا نعني بأربعينية الميت ؟
الجواب: يبدو لي أن الذي يُقصد به بأربعينية موتى المؤمنين ، هو الإجتماع بين المؤمنين ، وذلك من أجل تحقيق :
ـ المواساة وتخفيف المصيبة لأهل الميت .
ـ رفع الوحشة وألم الفراق لأهل الميت .
ـ الدعاء والإستغفار وطلب الرحمة للميت المؤمن .
ـ قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت .
ـ للصلاة ورفع ثوابها للميت ، كصلاة جعفر ..
ولدفع إشكال عدم مشروعية إقامة أربعينية الميت المؤمن ، ننطلق بالسؤال التالي:
ماهو الدليل على جواز إقامة المأتم لمرور الأربعين لموتى المؤمنين ؟
الجواب: لأهمية الموضوع ، ومن أجل الوضوح ، يمكننا أن نستند إلى ثلاثة أدلة:
الدليل الأول: أصالة الإباحة .
ماذا نعني بالإباحة ؟
نعني أن الأصل في عمل المؤمن وسلوكه هو الإباحة وبراءة الذمة ما لم يرد نهي من الشريعة السمحاء ، وليس هذا هو المورد الوحيد في المنهج العقائدئ والفقهي لدى أتباع مدرسة أهل البيت سلام الله عليهم ، بل هناك الكثير من الموارد سبق أن أشبعناها في المواضيع السابقة .
نعم ورد النهي والحرمة للإبتداع ـ من البدع ـ في أمور الدين ، والتي تعني لدى العلماء إدخال بعض العقائد والسلوك في أمر الدين ، ومن ثم نسبتها للدين .
ومن الأصح كما يبدو لي أن البدع هي ، كل أمر مستحدث ، يأخذ الصبغة الدينية ، ولكن لا يرضاه الله ، أما بتحقق رضاه فلا بدعة فتأمل .
الدليل الثاني: أصالة الجواز .
وهنا ينبغي الإشارة إلى الوارد في روايات أهل بيت العصمة عليهم السلام ، في شأن التعزية لموتى المؤمنين والمؤمنات وحسب تتبعي ، إنما تتحقق التعزية والمواساة لأهل الميت في ثلاثة موارد:
المورد الأول: الإجتماع عند أهل الميت .
وأفهم شخصياً من الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، أن المراد بالإجتماع وأحد المصاديق له ، هو لأجل قراءة القرآن والدعاء للميت .
والروايات الواردة بخصوص القراءة وماذا يقرأ لأرواح موتى المؤمنين متعددة ، منها قراءة سورة المباركة الفاتحة ، ومنها قراءة آية الكرسي وسورة يس ، ومنها ما تيسر من كتاب الله تعالى بالمطلق ، بل ورد قراءة ولو لآية قرآنية واحدة للفائدة لروح الميت .
المورد الثاني: صنع الطعام وإرساله إلى أهل العزاء .
وذلك عملا بالسنة المطهرة كما هو ثابت في سيرة المعصومين وأقوالهم عليهم السلام ، ففي الرواية كما ينقل الشيخ الصدوق (قدس سره) ، في كتاب من لا يحضره الفقيه: عن الإمام الصادق (ع) : (لما قُتل جعفر ابن أبي طالب (ع) أمر رسول الله (ص) فاطمة (عليها السلام) أن تأتي أسماء بنت عميس ونسائها وأن تصنع لهم طعاماً ثلاثة أيام فجرت بذلك السنّة) .
ولا يخفى عليكم أن المنطلق في هذا التوجيه الديني ، هو بسبب إنشغال أهل المصاب بالعزاء من جهة ، ومن جهة أخرى لتعميق روح التماسك والترابط بين أفراد المجتمع .
ولكن هذه الموازين مع كل الأسف إنقلبت هذه الأيام ، حيث أصبح السلوك أن يذهب الناس للأكل عند أهل العزاء .. يا للعجب !!
المورد الثالث: إقامة العزاء .
كما بينا أن أصل جواز الإجتماع مع أهل الميت ، في مجلس العزاء ، وتقديم التعزية هو الراجح شرعاً ..
ولكن إلى متى تستمر التعزية ؟
بمعنى كم عدد أيام التعزية ؟
فنحن نرى البعض يقيم العزاء لمدة ثلاثة أيام ؟
والبعض يتقبل التعازي بإقامة المأتم لمدة أسبوع ؟
وأخيرأ أنتشرت أربعينية للميت ، وكذلك الذكرى السنوية لرحيل موتى المؤمنين ؟
الجواب: أقول بعد أن ثبت جواز إقامة المآتم أو مجلس العزاء ، لأجل روح الميت وإدخال السرور على قبره ، وكذلك لرفع الوحشه عنه وتخفيف ضغطة القبر ، تدخل الأوقات المختلفة (الأيام ـ الأسبوع ـ الأربعين ـ السنة) في العمومات وأصل الإباحة والجواز ، ولكن وجدت أن هناك من العلماء ، من يرجح ويقيد العزاء وتقبل التعازي بالثلاثة أيام فقط للوارد في بعض الروايات .
ولكن يُرد على أصحاب هذا الرأي أن القيد الصادر في الروايات ، هو بخصوص إرسال الطعام إلى أهل المصاب بالثلاثة أيام ، وليس مطلق العزاء فتأمل .
ثم أننا لو تتبعنا السيرة لأئمة أهل البيت سلام الله عليهم ، نجد التأصيل والمشروعية لإقامة المأتم والعزاء بالمطلق ، بل إلى سنوات متعددة ، وليست مقيدة بثلاثة أيام .
فهذا الشيخ الكليني (قدس سره) في موسوعة الكافي ، ينقل عن الصادق (ع) قال: (قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا للنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى) .
وهذا الشيخ الصدوق (قدس سره) في كتاب التهذيب ، ينقل عن أبي عبد الله (ع): أنه أوصى أن يناح عليه سبعة مواسم فأوقف لكل موسم مالاً ينفق .
وهناك الكثير الكثير من الموارد التي يستند بها العلماء الأعلام على مشروعية إقامة مجالس العزاء لموتى المؤمنين ، على مدار الأيام بالمطلق ولسنين عديدة .
الدليل الثالث والأخير في مشروعية إقامة الأربعين لأرواح موتى عامة المؤمنين : التأسي بأربعين المولى الحسين سلام الله عليه .
ويتحقق هذا التأسي كما يذكر العلماء الأعلام ، بالتأكيد على زيارة الإمام الحسين (ع) ، وإقامة العزاء في الأربعين من شهادته (ع) ، ويمكن لنا أن نستنتج من تواتر الروايات والحث والتأكيد على يوم الأربعين لثلاثة أهداف مهمة وهي :
الأول/ لبيان مشروعية إقامة العزاء والرد على المشككين .
الثاني/ تجديد العهد والولاء مع الحسين سلام الله عليه .
الثالث/ الرغبة في تحصيل الأجر والثواب .
::: قبل الوداع
وفي الأخير نتسائل بهذا السؤال :
لماذا الإهتمام بيوم الأربعين للميت ؟
الجواب: يُفهم من بعض الروايات أن أرواح المؤمنين تعود في الأربعين إلى القبر .
أسأل الله لي ولكم الثبات وحُسن الختام
وأن يرحمنا بحق محمد والعترة الأطياب
تعليق