نصرة السيده زينب لأخيها الامام الحسن !
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سادة خلقه اجمعين محمد و آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكِ يا سيدتي و مولاتي يا زينب الكبرى ، ايتها الصدِّيقة الصغرى .....
غالباً ما يكون الحديث عن الصدِّيقة الحوراء ( عليها السلام ) حول نصرتها و ثباتها مع اخيها الامام الحسين صلوات الله عليه ، ثم تُذكر مواففها و مآسيها المشابهة لمواقف امها الصديقة الكبرى صلوات الله عليها ، ثم تشبه عليها السلام في بلاغتها و صبرها ببلاغة ابيها سيد البلغاء (ع) و صبره ! ،
و يُذكر ايضاً في سياق الحديث عن الحوراء (ع) كيف ان جدها الرسول الأعظم (ص) غمرته الفرحة حين ولادتها (ع) و لكنه بنفس الوقت اخذته العبرة و اخذ يجهش بالبكاء ، حزناً على ما ستصاب به من مصائب و بلايا ،
و لكن في كل هذا الحديث الشيِّق عن السيدة الحوراء (ع) لا يتم التطرق الى ذكر اخيها الاكبر الامام الحسن (ع) ، الا بالشيء اليسير ..... ! ،
و هنا لابدَّ من وقفه ، فهل يعقل ان السيدة الصديقة الصغرى (ع) لم تكن لها مواقف جهادية و بطولية مع اخيها الامام الحسن (ع) ، لاسيما في فترة امامته و ما واجهه خلالها من محنةٍ و غدرٍ و خيانه ؟!! .
و هل يعقل ان الامام الحسن (ع) لم يكن يعتني و يولي اهتماماً خاصاً و كبيراً لشقيقته الحوراء (ع) ؟!! .
هذا كله لا يعقل ، و يرفضه كلُّ مَن عرف الامام الحسن و اخته الحوراء حقَّ معرفتهما الواجبه ! ،
نعم التأريخ " و كعادته " اخفى و تستر عن فضائل و ثبات اهل البيت (ع) و لم ينقل شيئاً عن مواقف و بطولات الحوراء عليها السلام ... و نلاحظ ان التاريخ يُكشِّر عن اقسى انيابه اذا وصل الامر الى الامام الحسن (ع) السبط الاكبر للنبي محمد (ص) و الابن الاول لعلي و فاطمة ( عليهما السلام ) !! ،
و لا يخفى على احد ما نَسَبَه المؤرخون من تهم فضيعة للإمام السبط الأكبر (ع) ، و قد حاول بعضهم تصوير موقف الامام الحسين سيد الشهداء (ع) من جهاد اخيه الحسن (ع) و لاسيما موقفه من الصلح موقفاً رافضاً معترضا ! ، الا ان ذلك أبعد ما يكون حتى عن الخيال ! .....
فلا عتب على التاريخ ان لم ينقل لنا مواقف الحوراء و نصرتها لأخيها المجتبى سيد الاسباط (ع) بعد ان لم يكتفي بالتكتم عن مواقف سيد الشهداء صلوات الله عليه بل حاول جعل موقفه مضادّاً لموقف اخيه الحسن (ع) !!! ،
و لكن سيعلم الذين ظلموا آل محمد اي منقلبٍ ينقلبون ....
الا ان الحقيقة محال ان تخفى على احد ! ، و يمكن من بين انقاضٍ من الأكاذيب و الافترائات ان يستطع نور الحقيقة و لو كره الكارهون ... ! ،
و اذا عرفنا أمرين ، نتأكد من وقوع النصرة الزينبيه للامام الحسن (ع) و بأعظم درجاتها :-
الامر الاول ( نصرة الامام المعصوم -ع- واجبه ) : فلاشك ان نصرة الامام واجبة وجوباً حتمياً لا مفرَّ منه ، و ان من تخلّى عن الامام و لم يعنه و خالفه سواءاً برأيه ام بفعله فإنه يعد خارج دائرة الايمان ، بل يُخرجه ذلك عن الاسلام ، لأن امر الامام المعصوم هو امر الله ، فمن خالفه يكون قد خالف الله تعالى ،
و ذلك ثابت عقلاً و نقلاً ، من خلال ايات قرآنيه ، كآية الولايه و آية اولي الامر ، و من خلال عشرات الاحاديث و الروايات الوارده عن لسان رسول الله (ص) و اهل بيته الموحبة لطاعتهم (ع) و نصرتهم :
عن أبي هريرة قال : « قلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لكلّ نبيّ وصيّ وسبطان، فمن وصيّك وسبطاك؟ فَسَكتَ ولم يردّ عليّ الجواب، فانصَرَفتُ حَزيناً فلمّا حان الظّهر قال: ادنُ يا أبا هريرة، فجعلت أدنوا وأقول: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. ثم قال: إنّ الله بعث أربَعَة آلاف نبيّ، وكان لهم أربعة آلاف وصيّ وثمانية آلاف سبط، فوَ الذي نفسي بيده لأنا خيرُ النبيّين ووَصِييّ خيرُ الوَصيّين وإنّ سبطيّ خير الأسباط، ثم قال(عليه السلام): سبطاي خير الأسباط الحسن والحسين سبطا هذه الأمة، وإنّ الأسباط كانوا من وُلد يعقوب وكانوا اثنى عشر رجلا، وإنّ الائمة بعدي اثنا عشر رجلا من أهل بيتي عليٌّ أوّلهم وأوسطهم محمّد وآخرهم محمّد، ومهديّ هذه الأمّة الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه ألا إنّ مَن تَمَسَّكَ بهم بعدي فقد تَمَسَّكَ بحبل الله ومَن تَخَلّى منهم فقد تَخَلّى من حَبلِ الله » ( 1 ) .
و جاء في زيارة الجامعه الصغيره : « ... السلام على الذين من والاهم فقد والى الله و من عاداهم فقد عادى الله و من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله و من اعتصم بهم فقد اعتصم بالله و من تخلى منهم فقد تخلى من الله عز و جل ... »
الأمر الثاني ( مقام السيدة زينب -ع- ) : السيدة الحوراء عليها السلام ذات منزلةٍ عليه و مقام رفيع ، اعظم ان تحيطه الاقلام او تصل اليه الادهان ! ، فهي سلام الله عليها واحدة عصرها و فريدة دهرها ، ربيبة العصمه و رضيعة ثدي القداسه ، ترعرعت في حجر سادات الوجود صلوات الله عليهم ، و قدًَر الله لها ان تكون مكمِّلةً لمسيرة سيد الشهداء التي لولاها لهدم الاسلام ، قامتْ تصلي صلاة الليل و هي في ادهى و اعظم يومٍ مرَّ على تاريخ الخليقة جمعاء ! ، شهد لها الامام المعصوم بعلمها و فهمها ، بل شهد لها بعلمها الالهي اللًدنيّ ! ،
حين قال لها امامها و سيدها و ابن اخيها الامام السجاد (ع) « يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار ، وانت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة » ( 2 ) .
و العلم وحده يرفع العالم درجات ، حيث قال تعالى « و يرفع الله الذين اوتوا العلم درجات » ،
فكيف ان كان هذا العلم لدُنيٌّ اعجازي !؟ ،
و هذا يعني قطعاً و جزماً ان السيدة زينب الحوراء (ع) من اكمل الكاملين و افضل الفاضلين .
و اذا عرفنا هذين الامرين ، علمنا ان من المحال ان لا تنصر الحوراء التي اتصفت بأرقى درجات الكمال و اعلى مقامات الفضل اخيها و سيدها و امامها الحسن المجتبى صلوات الله عليه ،
و حيث ان نصرة الامام واجبه ، فسوف يهبُّ لها ادنى من اتصف بالإيمان و تزيَّن ببعض التقوى فقط ! ، فكيف بمن كان كامل الايمان ؟؟!! ،
و نصرة المعصوم مع الايمان علاقة طرديه ، يتأكد وقوع احدهما بوقوع الاخرى ،
فمن اتصف بالإيمان ، يكون لازماً انه قد نصر المعصوم الذي في زمانه ،
و من نصر المعصوم فهذا بعني انه مؤمن قد ادّى الواجب الذي فرضه الله عليه .. ! .
فكمال السيدة زينب الحوراء عليها السلام و ايمانها يحتِّم عليها ان تقوم بنصرة امامها الامام الحسن (ع) و مواساته و الذبِّ و الدفاع عنه ، و بنفس الوقت فهو ( أي كمال السيده زينب ) يحتِّم علينا الجزم القاطع الذي لا مفرَّ منه ، انها قد ناصرت الامام الحسن صلوات الله عليه .
أما عن كيفية نصرتها (ع) للإمام الحسن (ع) ، فهو و ان لم ينقل لنا ، او نقل بشيء يسير ، لكن يمكننا وضع بعض النقاط المحتمله :
كأن الله قد خلق الحوراء لتكون مهمتها نصرة اهل بيتها ، بدأً بأُمها ثم ابيها و بعده اخوها الاكبر و انتهاءاً بواقعة الطف ، فقد كانت تلك البضعة العلويه ريحانةً لائمتها و ساداتها (ع) ،
و قد اختلفت مواقفها و انواع النصرة التي قامت بها بحسب المقام و بلاء المعصوم (ع) ، و حين كان بلاء الامام الحسن (ع) بغير امور الحرب و القتال ، سيكون للحوراء موقفاً مناصراً له يختلف عن موقفها يوم الطفوف ، لما يقتضيه واقع الحال .
و يمكن ان نتوقع ان مساندة السيده الحوراء لأخيها الامام الحسن ، كان كمساندة جدتهما خديجة الكبرى (ع) لجدهما رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و لاسيما ان الحوراء عليها السلام كانت تعيش في بيت الامام الحسن (ع) ، فهي لم تخرج منذ ولدت عن بيت العصمه ، فعاشت في بيت ابيها علي (ع) و حين استشهد انتقلت الى بيت اخيها الحسن (ع) ثم بعد شهادته انتقلت الى بيت الامام الحسين (ع) ....
فتتمثل نصرة الحوراء للإمام الحسن (ع) بتهيئها الجوّ المثالي في بيته ، و استقباله بأحسن ما يكون ، و جعل الاجواء التي تحيطه اجواءاً تليق بجلالته و عًظًمته و قداسته ، فمن المعلوم ان الامام يميل و يركن الى المكان الذي يخلو من معصية الله ، و تكثر فيه طاعة الله ، فإدارة البيت بهذا الشكل الذي يجعل منه محفلاً من محافل ذكر الله ، يحتاج الى شخصٍ كاملٍ في الايمان ، و لا يليق ذلك الا بالحوراء ،
ثم ان من بلائات الامام الحسن (ع) الفريده انه كان يعيش مع امرأةٍ هي من شرِّ ما خلق الله ! ، و هي جعدة بنت الاشعث ، و هنا يبرز دور الحوراء عليها السلام مجدداً لتمنع هذه المرأة الخبيثه من اذيتها و شرِّها ، ليس فقط عن الامام الحسن (ع) ، بل عن جميع اهل بيته ، و خلال كل ذلك فلاشك ان سيد الاسباط (ع) كان يغدق على اخته و نصيرته من عطفه و حنانه و يغذيها بعلومه و آدابه ، لتنال فوق درجاتها العَليًَه ضعفاً من الدرجات و القُربات .... و هكذا تابعت الحوراء نصرتها و مواساتها للامام الحسن (ع) تعينه على اعباء الحياة ، و تذكره ملامحها و افعالها بأمه الزهراء (ع) ، تبيِّن للناس اهدافه و غاياته ، و تعلمهم آدابه و اخلاقه ، و تحثهم على نصرته و الوقوف معه ، تغدق على اولاده الكرام من حنانها الزينبي وقت خروجه من المنزل .... هكذا حتى استشهد امامها يلفظ كبده قطعةً قطعه ! ، و يقاسي مرارة السم ، فتمنَّت الحوراء ذلك الوقت لو كانت هي بدلاً من حبيبها الامام الحسن تلفظ كبدها ....
لكن لا ....
ذكّرها الامام الحسن حين قال مخاطباً الحسين « لا يومٌ كيومك يا ابا عبد الله » بمهمتها في الطفوف ،
فمصائب ام المصائب لم تنتهي بعد ! ...
بقي عليها ان ترى اهل بيتها مقطعي الاوصال !
بقي عليها ان تسبى على يد شرار خلق الله !
بقي عليها ان تحمي عيال الحسين بأرض كربلاء !
يا زينب انت لن تموتي هنا في المدينه جوار اخيك المجتبى .... و لا في كربلاء جوار اخيك سيد الشهداء !
يا زينب سترحلين في الغربه .... في ارض الشام .... وحيدةً فريدةً غريبه ....
و سيبنى لك مرقد هناك ...
لكن ....
لكن يأتي يزيد و معاوية و ابن ذي الجوشن من جديد ليحاولوا قتلكِ و سبيكِ ...! ، بمخطط متقنٍ من اهل السقيفة المشؤمه ....
و مع ان الحوراء زينب كانت خير ناصرةٍ لأبيها امير المؤمنين صلوات الله عليه و لأخيها الامام الحسن (ع) لكن تبقى نصرتها للامام الحسين (ع) موقفاً عديم النظير متلاشيء الدًنيّ .... !! ،
و يبقى موقفها يوم الطف هو الاعظم و الافضل .... و كل مواقف الحوراء عظيمه ! .
فسلامٌ على زينب يوم ولدتْ
و سلامٌ عليها يوم توفيتْ
و سلامٌ عليها يوم تبعث شفيعةً مع اسيادها محمد و آل محمد
اللهم صل على محمد و آل محمد
_______________________________
( 1 ) ( كفاية الأثر: ص 80 ) .
( 2 ) ( بحار الأنوار ج 45 /ص 164 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سادة خلقه اجمعين محمد و آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكِ يا سيدتي و مولاتي يا زينب الكبرى ، ايتها الصدِّيقة الصغرى .....
غالباً ما يكون الحديث عن الصدِّيقة الحوراء ( عليها السلام ) حول نصرتها و ثباتها مع اخيها الامام الحسين صلوات الله عليه ، ثم تُذكر مواففها و مآسيها المشابهة لمواقف امها الصديقة الكبرى صلوات الله عليها ، ثم تشبه عليها السلام في بلاغتها و صبرها ببلاغة ابيها سيد البلغاء (ع) و صبره ! ،
و يُذكر ايضاً في سياق الحديث عن الحوراء (ع) كيف ان جدها الرسول الأعظم (ص) غمرته الفرحة حين ولادتها (ع) و لكنه بنفس الوقت اخذته العبرة و اخذ يجهش بالبكاء ، حزناً على ما ستصاب به من مصائب و بلايا ،
و لكن في كل هذا الحديث الشيِّق عن السيدة الحوراء (ع) لا يتم التطرق الى ذكر اخيها الاكبر الامام الحسن (ع) ، الا بالشيء اليسير ..... ! ،
و هنا لابدَّ من وقفه ، فهل يعقل ان السيدة الصديقة الصغرى (ع) لم تكن لها مواقف جهادية و بطولية مع اخيها الامام الحسن (ع) ، لاسيما في فترة امامته و ما واجهه خلالها من محنةٍ و غدرٍ و خيانه ؟!! .
و هل يعقل ان الامام الحسن (ع) لم يكن يعتني و يولي اهتماماً خاصاً و كبيراً لشقيقته الحوراء (ع) ؟!! .
هذا كله لا يعقل ، و يرفضه كلُّ مَن عرف الامام الحسن و اخته الحوراء حقَّ معرفتهما الواجبه ! ،
نعم التأريخ " و كعادته " اخفى و تستر عن فضائل و ثبات اهل البيت (ع) و لم ينقل شيئاً عن مواقف و بطولات الحوراء عليها السلام ... و نلاحظ ان التاريخ يُكشِّر عن اقسى انيابه اذا وصل الامر الى الامام الحسن (ع) السبط الاكبر للنبي محمد (ص) و الابن الاول لعلي و فاطمة ( عليهما السلام ) !! ،
و لا يخفى على احد ما نَسَبَه المؤرخون من تهم فضيعة للإمام السبط الأكبر (ع) ، و قد حاول بعضهم تصوير موقف الامام الحسين سيد الشهداء (ع) من جهاد اخيه الحسن (ع) و لاسيما موقفه من الصلح موقفاً رافضاً معترضا ! ، الا ان ذلك أبعد ما يكون حتى عن الخيال ! .....
فلا عتب على التاريخ ان لم ينقل لنا مواقف الحوراء و نصرتها لأخيها المجتبى سيد الاسباط (ع) بعد ان لم يكتفي بالتكتم عن مواقف سيد الشهداء صلوات الله عليه بل حاول جعل موقفه مضادّاً لموقف اخيه الحسن (ع) !!! ،
و لكن سيعلم الذين ظلموا آل محمد اي منقلبٍ ينقلبون ....
الا ان الحقيقة محال ان تخفى على احد ! ، و يمكن من بين انقاضٍ من الأكاذيب و الافترائات ان يستطع نور الحقيقة و لو كره الكارهون ... ! ،
و اذا عرفنا أمرين ، نتأكد من وقوع النصرة الزينبيه للامام الحسن (ع) و بأعظم درجاتها :-
الامر الاول ( نصرة الامام المعصوم -ع- واجبه ) : فلاشك ان نصرة الامام واجبة وجوباً حتمياً لا مفرَّ منه ، و ان من تخلّى عن الامام و لم يعنه و خالفه سواءاً برأيه ام بفعله فإنه يعد خارج دائرة الايمان ، بل يُخرجه ذلك عن الاسلام ، لأن امر الامام المعصوم هو امر الله ، فمن خالفه يكون قد خالف الله تعالى ،
و ذلك ثابت عقلاً و نقلاً ، من خلال ايات قرآنيه ، كآية الولايه و آية اولي الامر ، و من خلال عشرات الاحاديث و الروايات الوارده عن لسان رسول الله (ص) و اهل بيته الموحبة لطاعتهم (ع) و نصرتهم :
عن أبي هريرة قال : « قلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لكلّ نبيّ وصيّ وسبطان، فمن وصيّك وسبطاك؟ فَسَكتَ ولم يردّ عليّ الجواب، فانصَرَفتُ حَزيناً فلمّا حان الظّهر قال: ادنُ يا أبا هريرة، فجعلت أدنوا وأقول: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. ثم قال: إنّ الله بعث أربَعَة آلاف نبيّ، وكان لهم أربعة آلاف وصيّ وثمانية آلاف سبط، فوَ الذي نفسي بيده لأنا خيرُ النبيّين ووَصِييّ خيرُ الوَصيّين وإنّ سبطيّ خير الأسباط، ثم قال(عليه السلام): سبطاي خير الأسباط الحسن والحسين سبطا هذه الأمة، وإنّ الأسباط كانوا من وُلد يعقوب وكانوا اثنى عشر رجلا، وإنّ الائمة بعدي اثنا عشر رجلا من أهل بيتي عليٌّ أوّلهم وأوسطهم محمّد وآخرهم محمّد، ومهديّ هذه الأمّة الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه ألا إنّ مَن تَمَسَّكَ بهم بعدي فقد تَمَسَّكَ بحبل الله ومَن تَخَلّى منهم فقد تَخَلّى من حَبلِ الله » ( 1 ) .
و جاء في زيارة الجامعه الصغيره : « ... السلام على الذين من والاهم فقد والى الله و من عاداهم فقد عادى الله و من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله و من اعتصم بهم فقد اعتصم بالله و من تخلى منهم فقد تخلى من الله عز و جل ... »
الأمر الثاني ( مقام السيدة زينب -ع- ) : السيدة الحوراء عليها السلام ذات منزلةٍ عليه و مقام رفيع ، اعظم ان تحيطه الاقلام او تصل اليه الادهان ! ، فهي سلام الله عليها واحدة عصرها و فريدة دهرها ، ربيبة العصمه و رضيعة ثدي القداسه ، ترعرعت في حجر سادات الوجود صلوات الله عليهم ، و قدًَر الله لها ان تكون مكمِّلةً لمسيرة سيد الشهداء التي لولاها لهدم الاسلام ، قامتْ تصلي صلاة الليل و هي في ادهى و اعظم يومٍ مرَّ على تاريخ الخليقة جمعاء ! ، شهد لها الامام المعصوم بعلمها و فهمها ، بل شهد لها بعلمها الالهي اللًدنيّ ! ،
حين قال لها امامها و سيدها و ابن اخيها الامام السجاد (ع) « يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار ، وانت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة » ( 2 ) .
و العلم وحده يرفع العالم درجات ، حيث قال تعالى « و يرفع الله الذين اوتوا العلم درجات » ،
فكيف ان كان هذا العلم لدُنيٌّ اعجازي !؟ ،
و هذا يعني قطعاً و جزماً ان السيدة زينب الحوراء (ع) من اكمل الكاملين و افضل الفاضلين .
و اذا عرفنا هذين الامرين ، علمنا ان من المحال ان لا تنصر الحوراء التي اتصفت بأرقى درجات الكمال و اعلى مقامات الفضل اخيها و سيدها و امامها الحسن المجتبى صلوات الله عليه ،
و حيث ان نصرة الامام واجبه ، فسوف يهبُّ لها ادنى من اتصف بالإيمان و تزيَّن ببعض التقوى فقط ! ، فكيف بمن كان كامل الايمان ؟؟!! ،
و نصرة المعصوم مع الايمان علاقة طرديه ، يتأكد وقوع احدهما بوقوع الاخرى ،
فمن اتصف بالإيمان ، يكون لازماً انه قد نصر المعصوم الذي في زمانه ،
و من نصر المعصوم فهذا بعني انه مؤمن قد ادّى الواجب الذي فرضه الله عليه .. ! .
فكمال السيدة زينب الحوراء عليها السلام و ايمانها يحتِّم عليها ان تقوم بنصرة امامها الامام الحسن (ع) و مواساته و الذبِّ و الدفاع عنه ، و بنفس الوقت فهو ( أي كمال السيده زينب ) يحتِّم علينا الجزم القاطع الذي لا مفرَّ منه ، انها قد ناصرت الامام الحسن صلوات الله عليه .
أما عن كيفية نصرتها (ع) للإمام الحسن (ع) ، فهو و ان لم ينقل لنا ، او نقل بشيء يسير ، لكن يمكننا وضع بعض النقاط المحتمله :
كأن الله قد خلق الحوراء لتكون مهمتها نصرة اهل بيتها ، بدأً بأُمها ثم ابيها و بعده اخوها الاكبر و انتهاءاً بواقعة الطف ، فقد كانت تلك البضعة العلويه ريحانةً لائمتها و ساداتها (ع) ،
و قد اختلفت مواقفها و انواع النصرة التي قامت بها بحسب المقام و بلاء المعصوم (ع) ، و حين كان بلاء الامام الحسن (ع) بغير امور الحرب و القتال ، سيكون للحوراء موقفاً مناصراً له يختلف عن موقفها يوم الطفوف ، لما يقتضيه واقع الحال .
و يمكن ان نتوقع ان مساندة السيده الحوراء لأخيها الامام الحسن ، كان كمساندة جدتهما خديجة الكبرى (ع) لجدهما رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و لاسيما ان الحوراء عليها السلام كانت تعيش في بيت الامام الحسن (ع) ، فهي لم تخرج منذ ولدت عن بيت العصمه ، فعاشت في بيت ابيها علي (ع) و حين استشهد انتقلت الى بيت اخيها الحسن (ع) ثم بعد شهادته انتقلت الى بيت الامام الحسين (ع) ....
فتتمثل نصرة الحوراء للإمام الحسن (ع) بتهيئها الجوّ المثالي في بيته ، و استقباله بأحسن ما يكون ، و جعل الاجواء التي تحيطه اجواءاً تليق بجلالته و عًظًمته و قداسته ، فمن المعلوم ان الامام يميل و يركن الى المكان الذي يخلو من معصية الله ، و تكثر فيه طاعة الله ، فإدارة البيت بهذا الشكل الذي يجعل منه محفلاً من محافل ذكر الله ، يحتاج الى شخصٍ كاملٍ في الايمان ، و لا يليق ذلك الا بالحوراء ،
ثم ان من بلائات الامام الحسن (ع) الفريده انه كان يعيش مع امرأةٍ هي من شرِّ ما خلق الله ! ، و هي جعدة بنت الاشعث ، و هنا يبرز دور الحوراء عليها السلام مجدداً لتمنع هذه المرأة الخبيثه من اذيتها و شرِّها ، ليس فقط عن الامام الحسن (ع) ، بل عن جميع اهل بيته ، و خلال كل ذلك فلاشك ان سيد الاسباط (ع) كان يغدق على اخته و نصيرته من عطفه و حنانه و يغذيها بعلومه و آدابه ، لتنال فوق درجاتها العَليًَه ضعفاً من الدرجات و القُربات .... و هكذا تابعت الحوراء نصرتها و مواساتها للامام الحسن (ع) تعينه على اعباء الحياة ، و تذكره ملامحها و افعالها بأمه الزهراء (ع) ، تبيِّن للناس اهدافه و غاياته ، و تعلمهم آدابه و اخلاقه ، و تحثهم على نصرته و الوقوف معه ، تغدق على اولاده الكرام من حنانها الزينبي وقت خروجه من المنزل .... هكذا حتى استشهد امامها يلفظ كبده قطعةً قطعه ! ، و يقاسي مرارة السم ، فتمنَّت الحوراء ذلك الوقت لو كانت هي بدلاً من حبيبها الامام الحسن تلفظ كبدها ....
لكن لا ....
ذكّرها الامام الحسن حين قال مخاطباً الحسين « لا يومٌ كيومك يا ابا عبد الله » بمهمتها في الطفوف ،
فمصائب ام المصائب لم تنتهي بعد ! ...
بقي عليها ان ترى اهل بيتها مقطعي الاوصال !
بقي عليها ان تسبى على يد شرار خلق الله !
بقي عليها ان تحمي عيال الحسين بأرض كربلاء !
يا زينب انت لن تموتي هنا في المدينه جوار اخيك المجتبى .... و لا في كربلاء جوار اخيك سيد الشهداء !
يا زينب سترحلين في الغربه .... في ارض الشام .... وحيدةً فريدةً غريبه ....
و سيبنى لك مرقد هناك ...
لكن ....
لكن يأتي يزيد و معاوية و ابن ذي الجوشن من جديد ليحاولوا قتلكِ و سبيكِ ...! ، بمخطط متقنٍ من اهل السقيفة المشؤمه ....
و مع ان الحوراء زينب كانت خير ناصرةٍ لأبيها امير المؤمنين صلوات الله عليه و لأخيها الامام الحسن (ع) لكن تبقى نصرتها للامام الحسين (ع) موقفاً عديم النظير متلاشيء الدًنيّ .... !! ،
و يبقى موقفها يوم الطف هو الاعظم و الافضل .... و كل مواقف الحوراء عظيمه ! .
فسلامٌ على زينب يوم ولدتْ
و سلامٌ عليها يوم توفيتْ
و سلامٌ عليها يوم تبعث شفيعةً مع اسيادها محمد و آل محمد
اللهم صل على محمد و آل محمد
_______________________________
( 1 ) ( كفاية الأثر: ص 80 ) .
( 2 ) ( بحار الأنوار ج 45 /ص 164 ) .
تعليق