بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين الغرِّ الميامين
نقرأ في كثيرٍ من الزيارات و الروايات ان اهل البيت صلوات الله عليهم هم ورثة جميع الأنبياء
عليهم السلام ، و إنَّ كل ما كان للانبياء فهو عند اهل البيت عليهم السلام ،
و لو راجعنا حياة اهل البيت لوجدنا الكثير من المواقف المشابهة لما مرَّ به الانبياء عليهم السلام قد
تحققت في حياتهم ، و لو امعنا اكثر لو جدنا ان اهل البيت (ع) يتفوقون على الانبياء في نفس الموقف
الذي اشتركوا فيه معهم ! ، لأن الله جمع فيهم خصال الانبياء بأكملها و اتمها و احسنها ....
صلوات الله عليهم .
و من تلك المواقف .... ما مرَّ به كلٌّ من الامام الحسن و الإمام الكاظم صلوات الله تعالى عليهما و
نبي الله يوسف الصدِّيق عليه السلام ،
و موقف يوسف الصدِّيق عليه السلام من إمرأة العزيز معروف و مشهور ذكره القرآن الكريم و أثنى عليه ،
حيث يتجسَّد في ذلك الموقف العفة و الحياء و الخوف من الله في السرِّ و العلن بدرجاتها العليا بما يليق و قداسَة النبوه و جلالة العصمه .... إلاّ ان موقفاً مشابهاً لما جرى على يوسف قد جرى على الامام الحسن ايضاً ، ثم جرى على الامام الكاظم فيما بعد كذلك ...
يستعرض القرآن موقف يوسف (ع) من خلال الآيات التاليه :
« و راودته التي هو في بيتها عن نفسه و غلَّقت الابواب و قالت هَيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون <*> و لقد همَّت به و همَّ بها لولا أن رأى برهان ربِّه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المُخلَصين »
اما موقف الامام الحسن (ع) من خلال الرواية التاليه :
فقد روى ابن شهرآشوب : « أنه دخلت على الحسن بن علي امرأة جميلة ، وهو في صلاته ، فأوجز في صلاته ، ثم قال لها : ألك حاجة ؟ قالت : نعم . قال : وما هي ؟ قالت : قم ، فأصب مني ، فإني وفدت ولا بعل لي . قال : إليك عني ، لا تحرقيني بالنار ونفسك ! فجعلت تراوده عن نفسه ، وهو يبكي ويقول : ويحك ! إليك عني . واشتد بكاؤه ، فلما رأت ذلك بكت لبكائه ! فدخل الحسين ورآهما يبكيان ، فجلس يبكي ، وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء وعلت الأصوات ، فخرجت الأعرابية ، وقام القوم وترحلوا ، ولبث الحسين بعد ذلك دهرا لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالا ، فبينما الحسن ذات ليلة نائما إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال له الحسين : ما شأنك ؟ قال : ! رؤيا رأيتها الليلة ، قال : وما هي ؟ قال لا تخبر أحدا ما دمت حيا ؟ قال : نعم .
قال : رأيت يوسف ، فجئت أنظر إليه فيمن نظر ، فلما رأيت حسنه بكيت ، فنظر إلي في الناس فقال : ما يبكيك يا أخي ، بأبي أنت وأمي ؟ ! فقلت ذكرت يوسف وامرأة العزيز ، وما ابتليتَ به من أمرها ، وما لقيتَ من السجن ، وحرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وكنت أتعجب منه .
فقال يوسف : فهلّا تعجبت مما فيه المرأة البدوية بالأبواء ( يقصد المرأة التي جائت الى الامام الحسن و راودته عن نفسه ) » ( 1 ) .
أما موقف الامام الكاظم (ع) فهي الحادثة المشهوره التي جرت له (ع) في سجن اللارشيد :
قال العامري : « إن هارون اللارشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة، لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن فقال ( الامام الكاظم ) قل له " بل أنتم بهديتكم تفرحون " لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها، قال: فاستطار هارون غضبا وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك أخذناك، و اترك الجارية عنده وانصرف، قال: فمضى ورجع ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لاترفع رأسها تقول: قدوس سبحانك سبحانك. فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره، علي بها، فاتي بها وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال: ما شأنك ؟ قالت: شأني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره، فلما انصرف عن صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه قلت: يا سيدي هل لك حاجة اعطيكها ؟ قال: وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني ادخلت عليك لحوائجك قال: فما بال هؤلاء ؟ قالت: فالتفت فإذا روضة مزهرة لاأبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههم حسنا، ولا مثل لباسهم لباسا، عليهم الحرير الاخضر، والاكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهم الاباريق والمناديل ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت. قال: فقال هارون: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك ؟ قالت: لا والله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا منها أحد، فأقبلت في الصلاة، فإذا قيل لها في ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح )عليه السلام( فسئلت عن قولها قالت: إني لما عاينت من الامر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح، حتى ندخل عليه فنحن له دونك، فما زالت كذلك حتى ماتت، وذلك قبل موت موسى بأيام يسيرة » ( 2 ) .
أفضلية موقف المجتبى و الكاظم على موقف يوسف الصديق :-
على الرغم من تشابه المواقف الّا ان الامام الحسن و الامام الكاظم ( عليهما السلام ) قد
فاقا نبي الله يوسف (ع) ، و ليس ذلك لنقصٍ فيه ، حاشا لله ، بل لأن درجات الكمال تتفاوت في شخص
و آخر ، و قد حوى محمد و آل محمد (ص) أعلى درجات الكمال ، فتفوقوا بها على جميع الخلق بما فيهم
الانبياء (ع) ... ! .
أولاً : ان الإمرأتين اللتتن جائتا للإمامين الحسن و الكاظم (ع) قد هُديتا و تابتا في نفس الوقت ،
و قد بان التأثر على كلٍ منهما ، بينما لم تتب امرأة العزيز و بقيت مصرةً على موقفها حتى تسببت
بسجن النبي يوسف (ع) ، و لان الإنتصاح و التوبة و الهدايه تتوقف على مدى صلاح الناصح و تقواه
و إيمانه ، فهذا يعني ان الامامين ( عليهما السلام ) يتفوقان على يوسف في هَديهما و تقواهما .
ثانياً : إن الإنسان اذا كفَّ و استعصم عن الإتيان بالخطيئة و الإثم و لم يكن ورائه محاسب او معاقب
سوى الله تعالى ، فهو في هذه الحاله يفوق الانسان الذي ردع نفسه عن الخطيئه و كان ينتظره عقاب
دنيوي محتم لو هو قام بها ، حتى لو كان رادع كلا الإثنين هو مخافة الله ، اذ ان موقف الاول يتجلى
فيه خوف الله و طاعته في السرِّ و العلن بشكل أتم و اعظم ، حيث تكون مقاومة النفس و كبح جماح هواها
في الحالة الأولى اصعب من الحالة الثانيه ، فظروف ممارسة الذنب فيها اسهل و أيسر ، خالٍ
من خوف العقاب العاجل .... ،
و هذا هو الاختلاف الذي جعل الامام الحسن ( عليه السلام ) يتفوق على يوسف ( عليه السلام )
اذ ان الامام الحسن ( عليه السلام ) لم يكن وضعه كوضع يوسف (ع) يغشى سطوة العزيز ،
و بطشه به ، و إقتصاصه منه ، ان هو اجاب إمرأة العزيز في دعواها ( و حاشا ان يفعل ) ! ،
فكان خوف الله وحده هو الرادع المانع من اتيان الخطيئه في الموقف الحسني .
ثالثاً : إن طبيعة النفس البشريه ميالةٌ الى حب الراحة و الرفاه ، و لو علمتْ ان ذنباً ما او خطيئةً ما
ستتسبب لها بزوال تلك النعمة الوفيره فستميل عنه تلقائياً ، بينما تميل نفس الانسان المحروم الى
النعمه اذ هي لا تخاف من خسارة شيء في هذه الحاله ، و بالتالي فإن الظرف الثاني سيتتطلب
نفسا بشرية ارقى و اقدر على منع الوساوس الشيطانيه ....
و هذا ما جعل موقف الامام الكاظم (ع) يفضَّل على موقف النبي يوسف (ع) ،
حيث كان الإمام ( عليه السلام ) في السجن ، بل كان صلوات الله عليه ، في طوامير السجون و في ظلمات الزنازن .... ، بينما كان يوسف في قصور عزيز مصر ،
فالخوف من ضياع تلك القصور و هذا العز يمنع من تلبية دعوة امرأة العزيز ، بينما لا شيء يمنع من
الانصياع لتلك الجاريه في ظلمات السجون ، فهنا في هذا الموقف الكاظمي تتجلى عفة النفس و حياء
الروح بمصاديق اعلى و اكمل و اتم .
و هناك عدة وجوه اخرى تبين افضلية موقف الامامين (ع) على موقف النبي يوسف (ع) على الرغم من
عَظَمة موقفه عليه السلام ، و ثبات نفسه ، و خوفه الشديد من الله ، الا انه لا يجود كمال الا و قد
إجتمع في محمد و آله ما هو اكمل منه ! .
فصلى الله على محمد و آل محمد
و على جميع الأنبياء و المرسلين
( 1 ) ( بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 43 - الصفحة 340 )
( 2 ) ( بحار الأنوار / جزء 48 / صفحة238 )
اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين الغرِّ الميامين
نقرأ في كثيرٍ من الزيارات و الروايات ان اهل البيت صلوات الله عليهم هم ورثة جميع الأنبياء
عليهم السلام ، و إنَّ كل ما كان للانبياء فهو عند اهل البيت عليهم السلام ،
و لو راجعنا حياة اهل البيت لوجدنا الكثير من المواقف المشابهة لما مرَّ به الانبياء عليهم السلام قد
تحققت في حياتهم ، و لو امعنا اكثر لو جدنا ان اهل البيت (ع) يتفوقون على الانبياء في نفس الموقف
الذي اشتركوا فيه معهم ! ، لأن الله جمع فيهم خصال الانبياء بأكملها و اتمها و احسنها ....
صلوات الله عليهم .
و من تلك المواقف .... ما مرَّ به كلٌّ من الامام الحسن و الإمام الكاظم صلوات الله تعالى عليهما و
نبي الله يوسف الصدِّيق عليه السلام ،
و موقف يوسف الصدِّيق عليه السلام من إمرأة العزيز معروف و مشهور ذكره القرآن الكريم و أثنى عليه ،
حيث يتجسَّد في ذلك الموقف العفة و الحياء و الخوف من الله في السرِّ و العلن بدرجاتها العليا بما يليق و قداسَة النبوه و جلالة العصمه .... إلاّ ان موقفاً مشابهاً لما جرى على يوسف قد جرى على الامام الحسن ايضاً ، ثم جرى على الامام الكاظم فيما بعد كذلك ...
يستعرض القرآن موقف يوسف (ع) من خلال الآيات التاليه :
« و راودته التي هو في بيتها عن نفسه و غلَّقت الابواب و قالت هَيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون <*> و لقد همَّت به و همَّ بها لولا أن رأى برهان ربِّه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المُخلَصين »
اما موقف الامام الحسن (ع) من خلال الرواية التاليه :
فقد روى ابن شهرآشوب : « أنه دخلت على الحسن بن علي امرأة جميلة ، وهو في صلاته ، فأوجز في صلاته ، ثم قال لها : ألك حاجة ؟ قالت : نعم . قال : وما هي ؟ قالت : قم ، فأصب مني ، فإني وفدت ولا بعل لي . قال : إليك عني ، لا تحرقيني بالنار ونفسك ! فجعلت تراوده عن نفسه ، وهو يبكي ويقول : ويحك ! إليك عني . واشتد بكاؤه ، فلما رأت ذلك بكت لبكائه ! فدخل الحسين ورآهما يبكيان ، فجلس يبكي ، وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء وعلت الأصوات ، فخرجت الأعرابية ، وقام القوم وترحلوا ، ولبث الحسين بعد ذلك دهرا لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالا ، فبينما الحسن ذات ليلة نائما إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال له الحسين : ما شأنك ؟ قال : ! رؤيا رأيتها الليلة ، قال : وما هي ؟ قال لا تخبر أحدا ما دمت حيا ؟ قال : نعم .
قال : رأيت يوسف ، فجئت أنظر إليه فيمن نظر ، فلما رأيت حسنه بكيت ، فنظر إلي في الناس فقال : ما يبكيك يا أخي ، بأبي أنت وأمي ؟ ! فقلت ذكرت يوسف وامرأة العزيز ، وما ابتليتَ به من أمرها ، وما لقيتَ من السجن ، وحرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وكنت أتعجب منه .
فقال يوسف : فهلّا تعجبت مما فيه المرأة البدوية بالأبواء ( يقصد المرأة التي جائت الى الامام الحسن و راودته عن نفسه ) » ( 1 ) .
أما موقف الامام الكاظم (ع) فهي الحادثة المشهوره التي جرت له (ع) في سجن اللارشيد :
قال العامري : « إن هارون اللارشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة، لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن فقال ( الامام الكاظم ) قل له " بل أنتم بهديتكم تفرحون " لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها، قال: فاستطار هارون غضبا وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك أخذناك، و اترك الجارية عنده وانصرف، قال: فمضى ورجع ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لاترفع رأسها تقول: قدوس سبحانك سبحانك. فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره، علي بها، فاتي بها وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال: ما شأنك ؟ قالت: شأني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره، فلما انصرف عن صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه قلت: يا سيدي هل لك حاجة اعطيكها ؟ قال: وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني ادخلت عليك لحوائجك قال: فما بال هؤلاء ؟ قالت: فالتفت فإذا روضة مزهرة لاأبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههم حسنا، ولا مثل لباسهم لباسا، عليهم الحرير الاخضر، والاكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهم الاباريق والمناديل ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت. قال: فقال هارون: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك ؟ قالت: لا والله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا منها أحد، فأقبلت في الصلاة، فإذا قيل لها في ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح )عليه السلام( فسئلت عن قولها قالت: إني لما عاينت من الامر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح، حتى ندخل عليه فنحن له دونك، فما زالت كذلك حتى ماتت، وذلك قبل موت موسى بأيام يسيرة » ( 2 ) .
أفضلية موقف المجتبى و الكاظم على موقف يوسف الصديق :-
على الرغم من تشابه المواقف الّا ان الامام الحسن و الامام الكاظم ( عليهما السلام ) قد
فاقا نبي الله يوسف (ع) ، و ليس ذلك لنقصٍ فيه ، حاشا لله ، بل لأن درجات الكمال تتفاوت في شخص
و آخر ، و قد حوى محمد و آل محمد (ص) أعلى درجات الكمال ، فتفوقوا بها على جميع الخلق بما فيهم
الانبياء (ع) ... ! .
أولاً : ان الإمرأتين اللتتن جائتا للإمامين الحسن و الكاظم (ع) قد هُديتا و تابتا في نفس الوقت ،
و قد بان التأثر على كلٍ منهما ، بينما لم تتب امرأة العزيز و بقيت مصرةً على موقفها حتى تسببت
بسجن النبي يوسف (ع) ، و لان الإنتصاح و التوبة و الهدايه تتوقف على مدى صلاح الناصح و تقواه
و إيمانه ، فهذا يعني ان الامامين ( عليهما السلام ) يتفوقان على يوسف في هَديهما و تقواهما .
ثانياً : إن الإنسان اذا كفَّ و استعصم عن الإتيان بالخطيئة و الإثم و لم يكن ورائه محاسب او معاقب
سوى الله تعالى ، فهو في هذه الحاله يفوق الانسان الذي ردع نفسه عن الخطيئه و كان ينتظره عقاب
دنيوي محتم لو هو قام بها ، حتى لو كان رادع كلا الإثنين هو مخافة الله ، اذ ان موقف الاول يتجلى
فيه خوف الله و طاعته في السرِّ و العلن بشكل أتم و اعظم ، حيث تكون مقاومة النفس و كبح جماح هواها
في الحالة الأولى اصعب من الحالة الثانيه ، فظروف ممارسة الذنب فيها اسهل و أيسر ، خالٍ
من خوف العقاب العاجل .... ،
و هذا هو الاختلاف الذي جعل الامام الحسن ( عليه السلام ) يتفوق على يوسف ( عليه السلام )
اذ ان الامام الحسن ( عليه السلام ) لم يكن وضعه كوضع يوسف (ع) يغشى سطوة العزيز ،
و بطشه به ، و إقتصاصه منه ، ان هو اجاب إمرأة العزيز في دعواها ( و حاشا ان يفعل ) ! ،
فكان خوف الله وحده هو الرادع المانع من اتيان الخطيئه في الموقف الحسني .
ثالثاً : إن طبيعة النفس البشريه ميالةٌ الى حب الراحة و الرفاه ، و لو علمتْ ان ذنباً ما او خطيئةً ما
ستتسبب لها بزوال تلك النعمة الوفيره فستميل عنه تلقائياً ، بينما تميل نفس الانسان المحروم الى
النعمه اذ هي لا تخاف من خسارة شيء في هذه الحاله ، و بالتالي فإن الظرف الثاني سيتتطلب
نفسا بشرية ارقى و اقدر على منع الوساوس الشيطانيه ....
و هذا ما جعل موقف الامام الكاظم (ع) يفضَّل على موقف النبي يوسف (ع) ،
حيث كان الإمام ( عليه السلام ) في السجن ، بل كان صلوات الله عليه ، في طوامير السجون و في ظلمات الزنازن .... ، بينما كان يوسف في قصور عزيز مصر ،
فالخوف من ضياع تلك القصور و هذا العز يمنع من تلبية دعوة امرأة العزيز ، بينما لا شيء يمنع من
الانصياع لتلك الجاريه في ظلمات السجون ، فهنا في هذا الموقف الكاظمي تتجلى عفة النفس و حياء
الروح بمصاديق اعلى و اكمل و اتم .
و هناك عدة وجوه اخرى تبين افضلية موقف الامامين (ع) على موقف النبي يوسف (ع) على الرغم من
عَظَمة موقفه عليه السلام ، و ثبات نفسه ، و خوفه الشديد من الله ، الا انه لا يجود كمال الا و قد
إجتمع في محمد و آله ما هو اكمل منه ! .
فصلى الله على محمد و آل محمد
و على جميع الأنبياء و المرسلين
( 1 ) ( بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 43 - الصفحة 340 )
( 2 ) ( بحار الأنوار / جزء 48 / صفحة238 )
تعليق