بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) البقرة:129.
بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله بالنبوة في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان عمره الشريف أربعين سنة، حيث نزل عليه جبرائيل عليه السلام وهو في غار حراء، فقال له: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» العلق:1ـ5.
رواية الإمام العسكري:
قال الإمام العسكري عليه السلام: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما ترك التجارة إلى الشام وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات، كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار ويتذكر بتلك الآيات ويعبد الله حق عبادته، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب، وأجلها وأطوعها، وأخشعها وأخضعها، وأذن لأبواب السماء ففتحت ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليها، وأذن للملائكة فتزلوا ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد صلى الله عليه وآله وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه، وقال: يامحمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟.
قال: يا محمد «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» العلق:1ـ5، ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عز وجل، ثم صعد إلى العلو ونزل محمد صلى الله عليه وآله من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه به الحمى والنافض.. .
شرح الصدر وتقوية القلب:
يقول: وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره، ونسبتهم إياه إلى الجنون، وأنه يعتريه شياطين، وكان من أول أمره أعقل خليفة الله وأكرم براياه، وأبغض الأشياء إليه الشيطان، وأفعال المجانين وأقوالهم، فأراد الله عز وجل أن يشرح صدره ويشجع قلبه، فأنطق الجبال والصخور والمدر، وكلما وصل إلى شيء منها ناداه:
السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين الأولين والآخرين، لا يحزنك قول قريش: إنك مجنون وعن الدين مفتون، فإن الفاضل من فضله رب العالمين والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات، ويرفعك إلى أرفع الدرجات، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب عليه السلام وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك علي بن أبي طالب عليه السلام، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة عليها السلام،وسوف يخرج منها ومن علي: الحسن الحسين عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة،وسوف ينشر في البلاد دينك،وسوف يعظم أجور المحبين لك ولأخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي عليه السلام فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم».
بعد الفترة كانت البعثة:
كانت بعثه النبي صلى الله عليه وآله بعد فترة من الرسل، وبعد ما أِشرف الناس على الهلاك لكثرة الخرافات وشدة الجاهلية، فقام النبي صلى الله عليه وآله برسالته ودعا العالم بأجمعه إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل، وترك عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ودعى إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، ونهى عن الرذائل وقباح الصفات، ودعى إلى السلم ونبذ العنف، ودعى إلى حب الآخرين وقضاء حوائجهم، ودعى إلى الكرامة والأخلاق بعد ما فشي فيهم القتل والسرقة والزنا وارتكاب الفواحش، وبعد ما كانوا يأخذون الربا ويشربون الخمر، ويطوفون بالبيت عراة رجالاً ونساءً.
شهادة مؤرخة:
قالت الصديقة فاطمة عليها السلام في خطبتها: «وكنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسه العجلان، وموطئ الأقدام، وتشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله».
وقالت عليها السلام: «فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عايدة لأوثانها، منكرة الله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، جلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم».
أول المؤمنين:
وكان أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وآله من الرجال علي عليه السلام ومن النساء زوجته خديجة عليها السلام.
وعن أبي ذرانه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: «أنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق و الباطل....».
وفي نهج البلاغة: «ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ثم زيد...» وكان غلاماً لخديجة، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوجها.
إبلاغ الرسالة:
ثم أن الله سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه، فأنزل سبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)إبراهيم: 94، ثم قال تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ*وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ) الشعراء: 214ـ216.
فعن سالم عن علي عليه السلام قال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو بمكة فاتخذت له طعاماً، ثم قال لي: ادع لي بني عبد المطلب، فدعوت أربعين رجلاً.
فقال لي صلى الله عليه وآله هلم طعامك، فأتيتهم بثريد إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتى أمسكوا.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم أسقهم، فسقيتهم بإناء هو ري أحدهم، فشربوا منه جميعاً حتى صدروا.
فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرقوا ولم يدعهم.
فلبثوا أياماً ثم صنع لهم طعاماً مثله ثم أمرني فجمعتهم فطعموا ثم قال لهم:
«إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وانهما الجنة أبداً، والنار أبداً».
ثم قال صلى الله عليه وآله يا بني عبد المطلب؟ انني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، فقلت: واني لأحدثهم سنا،ً يا نبي الله أكون وزيرك. فأخذ صلى الله عليه وآله برقبتي ثم قال: أن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
منطق الجاهليين:
فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام وصدع بما أمره الله تعالى به، استجاب له الأحداث من الرجال، والضعفة من الناس، حتى كثر من آمن به، فعظم ذلك على أصحاب الأغراض والأطماع من قومه، ورأوا أن مصالحهم الشخصية المعتمدة على عبادة الأصنام مهددة بالخطر، فنكروه وأجمعوا على خلافه وعداوته وأكبر على منابذته وإيذائه، فحدب أبو طالب عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه وقام دونه، لأنه بالإضافة إلى أيمانه بالله والرسول صلى الله عليه وآله كان شريفاً في قومه، معظماً في قريش، مطاعاً في أهل مكة، فلم يتجاسروا معه مكاشفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من الأذى.
أما أصحابه:
فمن كانت له عشيرة تحمه أمتنع بعشيرته، وأما من لم تكن له عشيرة فقد تصدوا له بالأذى والعذاب، فلقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العذاب أمراً عظيماً.
وهكذا بصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وابطال الاسلام وبجهادهم فتح الله على رسوله قال تعالى: (فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)الفتح: 1، واستمر الجهاد والتبليغ الى ان اكمل الاسلام قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)المائدة: 3.
والحمد لله اولاً واخراً وظاهراً وباطناً.
قال تعالى : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) البقرة:129.
بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله بالنبوة في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان عمره الشريف أربعين سنة، حيث نزل عليه جبرائيل عليه السلام وهو في غار حراء، فقال له: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» العلق:1ـ5.
رواية الإمام العسكري:
قال الإمام العسكري عليه السلام: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما ترك التجارة إلى الشام وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات، كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار ويتذكر بتلك الآيات ويعبد الله حق عبادته، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب، وأجلها وأطوعها، وأخشعها وأخضعها، وأذن لأبواب السماء ففتحت ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليها، وأذن للملائكة فتزلوا ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد صلى الله عليه وآله وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه، وقال: يامحمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟.
قال: يا محمد «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» العلق:1ـ5، ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عز وجل، ثم صعد إلى العلو ونزل محمد صلى الله عليه وآله من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه به الحمى والنافض.. .
شرح الصدر وتقوية القلب:
يقول: وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره، ونسبتهم إياه إلى الجنون، وأنه يعتريه شياطين، وكان من أول أمره أعقل خليفة الله وأكرم براياه، وأبغض الأشياء إليه الشيطان، وأفعال المجانين وأقوالهم، فأراد الله عز وجل أن يشرح صدره ويشجع قلبه، فأنطق الجبال والصخور والمدر، وكلما وصل إلى شيء منها ناداه:
السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين الأولين والآخرين، لا يحزنك قول قريش: إنك مجنون وعن الدين مفتون، فإن الفاضل من فضله رب العالمين والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات، ويرفعك إلى أرفع الدرجات، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب عليه السلام وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك علي بن أبي طالب عليه السلام، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة عليها السلام،وسوف يخرج منها ومن علي: الحسن الحسين عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة،وسوف ينشر في البلاد دينك،وسوف يعظم أجور المحبين لك ولأخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي عليه السلام فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم».
بعد الفترة كانت البعثة:
كانت بعثه النبي صلى الله عليه وآله بعد فترة من الرسل، وبعد ما أِشرف الناس على الهلاك لكثرة الخرافات وشدة الجاهلية، فقام النبي صلى الله عليه وآله برسالته ودعا العالم بأجمعه إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل، وترك عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ودعى إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، ونهى عن الرذائل وقباح الصفات، ودعى إلى السلم ونبذ العنف، ودعى إلى حب الآخرين وقضاء حوائجهم، ودعى إلى الكرامة والأخلاق بعد ما فشي فيهم القتل والسرقة والزنا وارتكاب الفواحش، وبعد ما كانوا يأخذون الربا ويشربون الخمر، ويطوفون بالبيت عراة رجالاً ونساءً.
شهادة مؤرخة:
قالت الصديقة فاطمة عليها السلام في خطبتها: «وكنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسه العجلان، وموطئ الأقدام، وتشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله».
وقالت عليها السلام: «فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عايدة لأوثانها، منكرة الله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، جلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم».
أول المؤمنين:
وكان أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وآله من الرجال علي عليه السلام ومن النساء زوجته خديجة عليها السلام.
وعن أبي ذرانه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: «أنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق و الباطل....».
وفي نهج البلاغة: «ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ثم زيد...» وكان غلاماً لخديجة، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوجها.
إبلاغ الرسالة:
ثم أن الله سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه، فأنزل سبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)إبراهيم: 94، ثم قال تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ*وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ) الشعراء: 214ـ216.
فعن سالم عن علي عليه السلام قال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو بمكة فاتخذت له طعاماً، ثم قال لي: ادع لي بني عبد المطلب، فدعوت أربعين رجلاً.
فقال لي صلى الله عليه وآله هلم طعامك، فأتيتهم بثريد إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتى أمسكوا.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم أسقهم، فسقيتهم بإناء هو ري أحدهم، فشربوا منه جميعاً حتى صدروا.
فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرقوا ولم يدعهم.
فلبثوا أياماً ثم صنع لهم طعاماً مثله ثم أمرني فجمعتهم فطعموا ثم قال لهم:
«إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وانهما الجنة أبداً، والنار أبداً».
ثم قال صلى الله عليه وآله يا بني عبد المطلب؟ انني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، فقلت: واني لأحدثهم سنا،ً يا نبي الله أكون وزيرك. فأخذ صلى الله عليه وآله برقبتي ثم قال: أن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
منطق الجاهليين:
فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام وصدع بما أمره الله تعالى به، استجاب له الأحداث من الرجال، والضعفة من الناس، حتى كثر من آمن به، فعظم ذلك على أصحاب الأغراض والأطماع من قومه، ورأوا أن مصالحهم الشخصية المعتمدة على عبادة الأصنام مهددة بالخطر، فنكروه وأجمعوا على خلافه وعداوته وأكبر على منابذته وإيذائه، فحدب أبو طالب عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه وقام دونه، لأنه بالإضافة إلى أيمانه بالله والرسول صلى الله عليه وآله كان شريفاً في قومه، معظماً في قريش، مطاعاً في أهل مكة، فلم يتجاسروا معه مكاشفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من الأذى.
أما أصحابه:
فمن كانت له عشيرة تحمه أمتنع بعشيرته، وأما من لم تكن له عشيرة فقد تصدوا له بالأذى والعذاب، فلقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العذاب أمراً عظيماً.
وهكذا بصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وابطال الاسلام وبجهادهم فتح الله على رسوله قال تعالى: (فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)الفتح: 1، واستمر الجهاد والتبليغ الى ان اكمل الاسلام قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)المائدة: 3.
والحمد لله اولاً واخراً وظاهراً وباطناً.
تعليق