بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على علة الوجود و سادة كلِّ موجود محمدٍ و آل محمد
أ أتــرك مَـــن خَــلــقــنــي الله لأجـــلـــه ؟! هذا كلام سيد الشهداء بعد المعصومين و أفضل الصدِّيقين و صفوة اولياء الله المنتجبين سيدنا و مولانا أبو الفضل العباس ، لما اتاه الشمر ( عليه لعائن الله ) حاملاً معه الأمان ! ، كي يترك معسكر الحسين ( صلوات الله عليه ) و يلتحق بمعسكر يزيد ( لعنة الله عليه ) ! ....
قال الامام الصادق ( صلوات الله عليه ) : « كان عمّي العبّاس بن علي نافذ البصيرة ، صُلب الاِيمان ، جاهد مع أخيه الحسين ، وأبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً »
( ذخيرة الدارين : 123 و معالي السبطين : 1 : 434 ) .
و تطلق كلمة ( البصيره ) على ما يخص امور الدين و يتعلق بالعقائد التي اقرها الله و ذكرها ،
و الذي يسير على طريق مستقيم مؤمن بما ذكره الله في الشهادة و الغيب يكون ذا بصيرة نافذة و سليمه ، اما من انحرف عن عقائد الحق فهو الموصوف ( بضعف البصيره ) و تكون بصيرته قد عُميت عن رؤية الحقيقة و ادراكها .
و حين يشهد الإمام لشخص انه ( نافذ البصيره ) و يزيد على ذلك فيقول ( صلب الإيمان ) تتكون لنا صورة عظيمة عن ايمان ذلك الولي الصدِّيق صاحب البصيرة النافذة و الايمان الصلب .... ! .
و بتتبع حياة ابو الفضل العباس (ع) نرى ان ذلك الوصف هو الذي يجب ان يوصف به شخص كمثل العباس بن علي بن ابي طالب ( عليهم سلام الله جميعا ) ....
و قد قال العباس (ع) كلمةً قلما تُقال ، على الرغم من ايمان كثيرين بها ! ،
و من المعلوم ان ما يخرج على اللسان لا بد ان يكون له موضع في القلب ، و ليس كلما في القلب يخرج على اللسان ! ....
و اذا كانت في قلبك عقيدة ما ، فإن البوح بها و جريانها على لسانك تدل على تمسكك بها بشكل صلبٍ و عميق ، و ان الشك لا يعتريك بها ابداً ، لا سيما ان ظهرت في موقفٍ هو الفاصل بين الجنة و النار ، و فيه يتضح المؤمن الحقيقي من المدعي الفارغ ، عندئذ لن تظل هناك عقيدة تخفيها ، و ستتضح من افعالك و اقوالك كل عقائدك التي تؤمن بها .....
و قد لا تكون تلك الكلمة التي اطلقها العباس عقيدة خاصة به ، هو وحده من يعتقد بها ! ، لكن و كما سبق فإن ظهورها على لسانه بهذا الشكل يدل على ترسخ تلك العقيدة به بشكل جذري و بناء حياته في الدنيا كلها عليها ، بحيث اصبحت تلك العقيده هي التي تسير حياته و تحددها ، حتى لو قادته الى الموت فهو يرضاه طريقاً له بما ان تلك العقيدة التي آمن بها بإعلى الدرجات قد حددت ذلك عليه ! .
و في ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول الصفحة (216) : « و لـما كان اليوم التاسع من المحرم ركب جواده وجاء حتى وقف إزاء خيم الحسين عليه السلام , وصاح : أين بنو اختنا , أين العباس وأخوته ؟ وكان العباس حينئذ جالساً بين يدي الحسين , فأطرق برأسه حياء من الحسين عليه السلام , فصاح الشمر ثانياً , وثالثاً , فالتفت الحسين إلى أخيه العباس وقال : أخي قم وانظر ما يريد هذا الفاجر ؛ فقام العباس وركب جواده وأقبل إليه وقال له : ما تريد يا ابن ذي الجوشن ؟ فقال : هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه إنك أنت الأمير على هذا الجيش , وأنت وإخوتك آمنون , فلا تعرض نفسك للقتل ، فقال له العباس : لعنك الله ولعن أمانك , أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ؟! ويلك أفبالموت تخوفني ؟! وأنا المميت خوّاض المنايا ، أ أترك من خلقني الله لأجله وأدخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟! ويلك أنا أدعوك الى الجنة وأنت تدعوني الى النار ؟! يابن ذي الجوشن فأقبل نصيحتي , وكن مع غريب رسول الله ولك عند جده الجائزة العظمى . فلما سمع الشمر كلام العباس لوى عنان جواده .... »
و في قول ابو الفضل العباس عليه السلام ( أ أترك مَن خلقني الله لأجله ؟! ) تعليل على صيغة الإستفهام ، فكأنه يقول ( لا اترك الحسين لأن الله خلقني من أجله ) .
و ما أعمق بصيرة العباس و ما اشد عرفانه لمقام امامه و اخيه الحسين و مقام اهل البيت جميعاً !! ، فأبو الفضل العباس لم يؤمن فقط بتلك العقيده على ان الله خلق الخلق كلهم لأجل محمد و آل محمد (ص) ، بل جعلها اساساً له ينطلق منه ، و مبدءاً ثابتاً له في طول حياته ، و هذا ما ميًَز العباس عليه السلام عن غيره ،
فعلى الرغم من اعتقادنا نحن بهذه العقيده و ايماننا بها ، الا اننا لم نتعمق بها و ننظر اليها كما فعل العباس و كما اولاها من نظرة جعلته يسير طوال حياته الشريفه عبداً طائعاً خاضعاً لمن خلقه الله لأجلهم ، فهو سلام الله عليه يرى ان مخالفة مَن خلقه الله لأجلهم خطأ لا يجوز و فعل لا يرتكبه مَن اراد السير على طريق الحقيقة و الهدى في جميع حذافير حياته ،
و هكذا حوًَل العباس بنفوذ بصيرته و صلب ايمانه و فطنته و عقله الوقّاد تلك العقيده الى سبب يردع عن الاخطاء و المعاصي و جعلها شعيرةً له و شريعه و نهجاً و مبدأً و فكرة ملازمةً له على الدوام ، حتى اوصله ذلك ليكون في عداد المعصومين الذين لو تتبع المرأ حياتهم لم يجد لهم خطأً واحدا ! ، بل لم يجد لهم هفوةً او زله .... ،
و قد قال عنه امامه و ابن اخيه العباس (ع) « رحم الله عمّي العباس ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه ، حتى قُطعت يداه ، فأبدله الله بجناحين ، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء و الصديقين يوم القيامه »
( الخصال: 68 ، الحديث 101 ) .
و بنفوذ بصيرة العباس و شدة ايمانه بمحمد و آل محمد و بمواقفه العظيمة المنقطعة النظير استحق ان يكون سيد جميع الشهداء و الصديقين يوم القيامه ، فكل شهيد او صدّيق يوم القيامه ، ( و في يوم القيامه تجتمع جميع الامم ) ، يكون العباس سيداً عليه و قائداً له ، حتى يغبطه جميع الشهداء و الصديقين على المنزلة الرفيع
التي حظي بها ، و كما ان للعباس ايماناً رفيعاً فسيكون له مقام رفيع كرفعة ايمانه .... !
و قد يقال ان قول العباس (ع) ( أ أترك من خلقني الله لأجله ) يشير الى قول امير المؤمنين (ع) حينما طلب من اخيه عقيل ان يجد له زوجة لينجب منها اولاداً ينصرون اخاهم الحسين (ع) في كربلاء ، فنصرة الحسين (ع) هي السبب بزواج امير المؤمنين (ع) بأم البنين (ع) و لولا ذلك الزواج لما انجبت العباس و باقي اخوته (ع) ... و العباس (ع) كان يشير الى ذلك الموقف ..
غير ان نفس الروايه التي قال فيها العباس (ع) هذه الجمله (( ا اترك من خلقني الله لأجله )) تشهد ان العباس لم يكن يقصد الا العقيدة المتواترة عن اهل البيت (ع) ان الله لم يخلق خلقاً لولاهم ، حيث تقول الروايه بعد ان لوى الشمر ( لعنه الله ) عنان جواده و ذهب « رجع ابو الفضل العباس يتهدرس كالأسد الغضبان , استقبلته الحوراء زينب وقد سمعت كلامه مع الشمر , قالت له : يا أخي اريد ان احدّثك بحديث ؛ قال : حدّثيني يا زينب , لقد حلا وقت الحديث . قالت : اعلم يابن والدي لما ماتت امنا قال أبي لأخيه عقيل : اريد منك ان تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى اصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلاء , وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم , فلا تقصر يا أباالفضل . فما سمع العباس كلامها تمطى في ركاب سرجه حتى قطعهما وقال لها : أفي مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين عليه السلام , فلما سمعت كلامه سرت سوراً عظيماً .
بطل إذا ركب المطـهّم خلته جبـلاً أسم يخف فـيه مطهم
بطل تورث من أبيه شجاعة فيها أنوف بني الظلالة ترغم »
فواضح ان العباس (ع) لم يكن يعلم بتلك الحادثه اصلاً عندما قال تلك الكلمه ، و انه ما علم بها الا بعد ما اخبرته الحوراء (ع) ، ما يعني قطعاً انه لم يكن يشير اليها ،
ثم ان العباس (ع) قال (( من َخلقني الله لأجله )) ، و الله تعالى قد خلق جميع الارواح قبل خلق ابدانهم و اخذ منهم ميثاقه بالربوبيه ، فالعباس (ع) لو كان يشير الى مقولة ابيه امير المؤمنين (ع) لما قال *خلقني* بل لأبدلها بكلمة اخرى لا تشير الى توقف علة الخلف عليها ، لأن العباس و جميع الخلق قد خلقهم الله في غامض علمه و اشهدهم على انفسهم ، و ما الوجود في هذه الحياة الا وجود آخر قد سبقه وجود في عوالم اخرى ، غاية ما في الأمر ان تلك الحادثه قد جعلت العباس (ع) يخلق في هذه الحياة الدنيا ابناً لعلي (ع) و ام البنين (ع) ... و الا فالخلق جميعاً موجودون مسبقاً قبل وجودهم و نشئتهم في هذه الحياة الدنيويه .
و بهذا يعرف مدى معرفة العباس و ايمانه بمحمد و آل محمد (ص) و نفوذ بصيرته في مقاماتهم ،
و بالفعل فإن احداً من انصار آل محمد لم ينصرهم كما نصرهم العباس ... فلا شكًَ انه صلوات الله عليه سينال شفاعتهم و صحبتهم في الآخره ...
و صلى الله على علة الوجود و سادة كلِّ موجود محمدٍ و آل محمد
أ أتــرك مَـــن خَــلــقــنــي الله لأجـــلـــه ؟! هذا كلام سيد الشهداء بعد المعصومين و أفضل الصدِّيقين و صفوة اولياء الله المنتجبين سيدنا و مولانا أبو الفضل العباس ، لما اتاه الشمر ( عليه لعائن الله ) حاملاً معه الأمان ! ، كي يترك معسكر الحسين ( صلوات الله عليه ) و يلتحق بمعسكر يزيد ( لعنة الله عليه ) ! ....
قال الامام الصادق ( صلوات الله عليه ) : « كان عمّي العبّاس بن علي نافذ البصيرة ، صُلب الاِيمان ، جاهد مع أخيه الحسين ، وأبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً »
( ذخيرة الدارين : 123 و معالي السبطين : 1 : 434 ) .
و تطلق كلمة ( البصيره ) على ما يخص امور الدين و يتعلق بالعقائد التي اقرها الله و ذكرها ،
و الذي يسير على طريق مستقيم مؤمن بما ذكره الله في الشهادة و الغيب يكون ذا بصيرة نافذة و سليمه ، اما من انحرف عن عقائد الحق فهو الموصوف ( بضعف البصيره ) و تكون بصيرته قد عُميت عن رؤية الحقيقة و ادراكها .
و حين يشهد الإمام لشخص انه ( نافذ البصيره ) و يزيد على ذلك فيقول ( صلب الإيمان ) تتكون لنا صورة عظيمة عن ايمان ذلك الولي الصدِّيق صاحب البصيرة النافذة و الايمان الصلب .... ! .
و بتتبع حياة ابو الفضل العباس (ع) نرى ان ذلك الوصف هو الذي يجب ان يوصف به شخص كمثل العباس بن علي بن ابي طالب ( عليهم سلام الله جميعا ) ....
و قد قال العباس (ع) كلمةً قلما تُقال ، على الرغم من ايمان كثيرين بها ! ،
و من المعلوم ان ما يخرج على اللسان لا بد ان يكون له موضع في القلب ، و ليس كلما في القلب يخرج على اللسان ! ....
و اذا كانت في قلبك عقيدة ما ، فإن البوح بها و جريانها على لسانك تدل على تمسكك بها بشكل صلبٍ و عميق ، و ان الشك لا يعتريك بها ابداً ، لا سيما ان ظهرت في موقفٍ هو الفاصل بين الجنة و النار ، و فيه يتضح المؤمن الحقيقي من المدعي الفارغ ، عندئذ لن تظل هناك عقيدة تخفيها ، و ستتضح من افعالك و اقوالك كل عقائدك التي تؤمن بها .....
و قد لا تكون تلك الكلمة التي اطلقها العباس عقيدة خاصة به ، هو وحده من يعتقد بها ! ، لكن و كما سبق فإن ظهورها على لسانه بهذا الشكل يدل على ترسخ تلك العقيدة به بشكل جذري و بناء حياته في الدنيا كلها عليها ، بحيث اصبحت تلك العقيده هي التي تسير حياته و تحددها ، حتى لو قادته الى الموت فهو يرضاه طريقاً له بما ان تلك العقيدة التي آمن بها بإعلى الدرجات قد حددت ذلك عليه ! .
و في ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول الصفحة (216) : « و لـما كان اليوم التاسع من المحرم ركب جواده وجاء حتى وقف إزاء خيم الحسين عليه السلام , وصاح : أين بنو اختنا , أين العباس وأخوته ؟ وكان العباس حينئذ جالساً بين يدي الحسين , فأطرق برأسه حياء من الحسين عليه السلام , فصاح الشمر ثانياً , وثالثاً , فالتفت الحسين إلى أخيه العباس وقال : أخي قم وانظر ما يريد هذا الفاجر ؛ فقام العباس وركب جواده وأقبل إليه وقال له : ما تريد يا ابن ذي الجوشن ؟ فقال : هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه إنك أنت الأمير على هذا الجيش , وأنت وإخوتك آمنون , فلا تعرض نفسك للقتل ، فقال له العباس : لعنك الله ولعن أمانك , أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ؟! ويلك أفبالموت تخوفني ؟! وأنا المميت خوّاض المنايا ، أ أترك من خلقني الله لأجله وأدخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟! ويلك أنا أدعوك الى الجنة وأنت تدعوني الى النار ؟! يابن ذي الجوشن فأقبل نصيحتي , وكن مع غريب رسول الله ولك عند جده الجائزة العظمى . فلما سمع الشمر كلام العباس لوى عنان جواده .... »
و في قول ابو الفضل العباس عليه السلام ( أ أترك مَن خلقني الله لأجله ؟! ) تعليل على صيغة الإستفهام ، فكأنه يقول ( لا اترك الحسين لأن الله خلقني من أجله ) .
و ما أعمق بصيرة العباس و ما اشد عرفانه لمقام امامه و اخيه الحسين و مقام اهل البيت جميعاً !! ، فأبو الفضل العباس لم يؤمن فقط بتلك العقيده على ان الله خلق الخلق كلهم لأجل محمد و آل محمد (ص) ، بل جعلها اساساً له ينطلق منه ، و مبدءاً ثابتاً له في طول حياته ، و هذا ما ميًَز العباس عليه السلام عن غيره ،
فعلى الرغم من اعتقادنا نحن بهذه العقيده و ايماننا بها ، الا اننا لم نتعمق بها و ننظر اليها كما فعل العباس و كما اولاها من نظرة جعلته يسير طوال حياته الشريفه عبداً طائعاً خاضعاً لمن خلقه الله لأجلهم ، فهو سلام الله عليه يرى ان مخالفة مَن خلقه الله لأجلهم خطأ لا يجوز و فعل لا يرتكبه مَن اراد السير على طريق الحقيقة و الهدى في جميع حذافير حياته ،
و هكذا حوًَل العباس بنفوذ بصيرته و صلب ايمانه و فطنته و عقله الوقّاد تلك العقيده الى سبب يردع عن الاخطاء و المعاصي و جعلها شعيرةً له و شريعه و نهجاً و مبدأً و فكرة ملازمةً له على الدوام ، حتى اوصله ذلك ليكون في عداد المعصومين الذين لو تتبع المرأ حياتهم لم يجد لهم خطأً واحدا ! ، بل لم يجد لهم هفوةً او زله .... ،
و قد قال عنه امامه و ابن اخيه العباس (ع) « رحم الله عمّي العباس ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه ، حتى قُطعت يداه ، فأبدله الله بجناحين ، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء و الصديقين يوم القيامه »
( الخصال: 68 ، الحديث 101 ) .
و بنفوذ بصيرة العباس و شدة ايمانه بمحمد و آل محمد و بمواقفه العظيمة المنقطعة النظير استحق ان يكون سيد جميع الشهداء و الصديقين يوم القيامه ، فكل شهيد او صدّيق يوم القيامه ، ( و في يوم القيامه تجتمع جميع الامم ) ، يكون العباس سيداً عليه و قائداً له ، حتى يغبطه جميع الشهداء و الصديقين على المنزلة الرفيع
التي حظي بها ، و كما ان للعباس ايماناً رفيعاً فسيكون له مقام رفيع كرفعة ايمانه .... !
و قد يقال ان قول العباس (ع) ( أ أترك من خلقني الله لأجله ) يشير الى قول امير المؤمنين (ع) حينما طلب من اخيه عقيل ان يجد له زوجة لينجب منها اولاداً ينصرون اخاهم الحسين (ع) في كربلاء ، فنصرة الحسين (ع) هي السبب بزواج امير المؤمنين (ع) بأم البنين (ع) و لولا ذلك الزواج لما انجبت العباس و باقي اخوته (ع) ... و العباس (ع) كان يشير الى ذلك الموقف ..
غير ان نفس الروايه التي قال فيها العباس (ع) هذه الجمله (( ا اترك من خلقني الله لأجله )) تشهد ان العباس لم يكن يقصد الا العقيدة المتواترة عن اهل البيت (ع) ان الله لم يخلق خلقاً لولاهم ، حيث تقول الروايه بعد ان لوى الشمر ( لعنه الله ) عنان جواده و ذهب « رجع ابو الفضل العباس يتهدرس كالأسد الغضبان , استقبلته الحوراء زينب وقد سمعت كلامه مع الشمر , قالت له : يا أخي اريد ان احدّثك بحديث ؛ قال : حدّثيني يا زينب , لقد حلا وقت الحديث . قالت : اعلم يابن والدي لما ماتت امنا قال أبي لأخيه عقيل : اريد منك ان تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى اصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلاء , وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم , فلا تقصر يا أباالفضل . فما سمع العباس كلامها تمطى في ركاب سرجه حتى قطعهما وقال لها : أفي مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين عليه السلام , فلما سمعت كلامه سرت سوراً عظيماً .
بطل إذا ركب المطـهّم خلته جبـلاً أسم يخف فـيه مطهم
بطل تورث من أبيه شجاعة فيها أنوف بني الظلالة ترغم »
فواضح ان العباس (ع) لم يكن يعلم بتلك الحادثه اصلاً عندما قال تلك الكلمه ، و انه ما علم بها الا بعد ما اخبرته الحوراء (ع) ، ما يعني قطعاً انه لم يكن يشير اليها ،
ثم ان العباس (ع) قال (( من َخلقني الله لأجله )) ، و الله تعالى قد خلق جميع الارواح قبل خلق ابدانهم و اخذ منهم ميثاقه بالربوبيه ، فالعباس (ع) لو كان يشير الى مقولة ابيه امير المؤمنين (ع) لما قال *خلقني* بل لأبدلها بكلمة اخرى لا تشير الى توقف علة الخلف عليها ، لأن العباس و جميع الخلق قد خلقهم الله في غامض علمه و اشهدهم على انفسهم ، و ما الوجود في هذه الحياة الا وجود آخر قد سبقه وجود في عوالم اخرى ، غاية ما في الأمر ان تلك الحادثه قد جعلت العباس (ع) يخلق في هذه الحياة الدنيا ابناً لعلي (ع) و ام البنين (ع) ... و الا فالخلق جميعاً موجودون مسبقاً قبل وجودهم و نشئتهم في هذه الحياة الدنيويه .
و بهذا يعرف مدى معرفة العباس و ايمانه بمحمد و آل محمد (ص) و نفوذ بصيرته في مقاماتهم ،
و بالفعل فإن احداً من انصار آل محمد لم ينصرهم كما نصرهم العباس ... فلا شكًَ انه صلوات الله عليه سينال شفاعتهم و صحبتهم في الآخره ...
تعليق