بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله عز و جل( أفلا يتدبرون القران و لو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) النساء 82
و يقول عز اسمه ( و نزلنا عليك الكتاب تبيانالكل شيء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين ) النحل 89
إن التأمل في الآيتين الكريمتين جيدا يكشفلنا عن أمرين في غاية الأهمية يختص الأول منهما بوجوب التدبر في كلام الله عز و جلو الذي يعني التأمل و التفكر في معاني كلماته و بلاغتها و وحدتها في تصوير الامورو قدرتها على إيصال الناس إلى أقوم السبل في جميع ميادين الحياة و تشير الايةالثانية إلى الأمر الثانيو هو جامعيةالرؤية القرآنية و شموليتها فتتكون صورة متكاملة لدى الانسان عن سر هذا التأكيدعلى جعل القرآن الكريم دستورا أساسيا في حياة كل فرد
فعن الامام الصادق عليه السلام أنه قال إِنَّهذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَنَارُ الْهُدى ، وَمَصَابِيحُ الدُّجى ، فَلْيَجْلُ جَالٍبَصَرَهُ ، وَ يَفْتَحْ لِلضِّيَاءِنَظَرَهُ ، فَإِنَّ التَّفَكُّرَحَيَاةُقَلْبِ الْبَصِيرِ، كَمَا يَمْشِيالْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِبِالنُّورِ ) ال?افی ج2 ص43 ح5
و بذلك ينكشف لنا سرعدم الاستفادة من كثرة التلاوة للقران الكريم عند أكثر الناس و ذلك أنها خالية عنالتفكر و التأمل في معاني كلام الله عز و جل كما عبر عنها صادق اهل البيت عليهمالسلام بالجلاء في قوله فليجل بصره و يفتح للضياء نظره ثم عقب صلوات الله عليهبقوله فإن التفكر حياة قلب البصير أي أن الآثار المرجوة من القرآن باعتباره جامعالبيان كل شيء لا تحصل بمجرد التعظيم المادي و لقلقة اللسان و إن كانا مطلوبين بلإنما تحصل بجعل كلام الله عز و جل إماما يقتدى به و قانونا لا يمكن تجاوزه بالتفكرو التأمل في ما يرسمه لنا من قواعد عامة في مختلف ميادين الحياة فإذا أجلنا الفكرفي توجيهه لآلية تعامل الانسان مع نفسه و مع غيره نجده يحد حدودا واضحة تضمن سلامةالانسان و سعادته و تكامله مع أسرته و مع المجتمع كما أنه يرسم معالما واضحة فيآلية تعامل الانسان مع خالقه و التي تعتبر سر الخلق مذكرا إياه في أثناء هذا و ذاكبمكانته و ضعفه ليحجزه عن تصويرات شياطين الإنس و الجن و إيهامهم إياه بالقدرة والاستقلالية حيث أن أعظم هذه التصويرات تتجلى في محاولة إبعاده عن التفكير بالموتو العاقبة الحتمية
و يقول الامام الرضا عليه السلام (هُوَ حَبْلُاللَّهِ الْمَتِينُ وَ عُرْوَتُهُ الْوُثْقَى وَ طَرِيقَتُهُ الْمُثْلَىالْمُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمُنْجِي مِنَ النَّارِ لَا يَخْلُقُ مِنَالْأَزْمِنَةِ وَ لَا يَغِثُّ عَلَى الْأَلْسِنَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْلِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ بَلْ جُعِلَ دَلِيلَ الْبُرْهَانِ وَ حُجَّةً عَلَى كُلِّإِنْسَانٍ‏ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِتَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) بحار الانوار ج92 ص14ب1ح6
و هذا جوابواضح عن من سأل إن القرآن الكريم نزل بلغة قوم يفهمونه أكثر من غيرهم و في زمانمعين فكيف يمكن الاستفادة من قوانينه و دساتيره في هذا الزمان و من هؤلاء الناسفيصرح الامام الرضا عليه السلام بأن أحد أكبر الأدلة على صدق دعوى صدوره من العليالأعلى أنه كتاب لا يختص بزمان دون زمان و لا بقوم دون قوم بل إن مادته صالحةلتخاطب أي كان في أي زمان و لا شاهد على ذلك أكبر من اعتراف المخالفين له بذلك فكممن محقق و مستشرق و مؤرخ و أديب اعترفوا بأن القران الكريم لا يضاهيه كتاب فيشموله و جامعيته و مقدرته على حفظ نظام العالم من أي خلل يمكن أن يتطرق إليه و ممايذكر في هذا الصدد أن الأديب الروسي المعروف تشايكوفسكي أمر بإلقاء القبض عليه منقبل الحكومة الروسية آنذاك فطلب من أهله أن يحضروا له أحد رواياته التي يعتز بها ومعها القرآن الكريم و ما هذا التصرف منه إلا لإدراكه عظم الكتاب و كبره
قال رسولالله صلى الله عليه و آله (فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌوَ مَاحِلٌ مُصَدَّقٌ مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَ مَنْجَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ وَ هُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَىالسَّبِيلِ وَ هُوَ كِتَابُ تَفْصِيلٍ وَ بَيَانٍ وَ تَحْصِيلٍ هُوَ الْفَصْلُلَيْسَ بِالْهَزْلِ وَ لَهُ ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ فَظَاهِرُهُ حُكْمُ اللَّهِ وَبَاطِنُهُ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَظَاهِرُهُ وَثِيقٌ وَ بَاطِنُهُ لَهُ تُخُومٌوَ عَلَى تُخُومِهِ‏ تُخُومٌ‏ لَا تُحْصَى عَجَائِبُهُ وَ لَا تُبْلَى غَرَائِبُهُفِيهِ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَ مَنَارُ الْحِكْمَةِ وَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَعْرِفَةِلِمَنْ عَرَفَ النَّصَفَةَ فَلْيَرِعْ رَجُلٌ بَصَرُهُ وَ لْيَبْلُغِ النَّصَفَةَنَظَرُهُ يَنْجُو مِنْ عَطَبٍ وَ يَتَخَلَّصُ مِنْ نَشَبٍ فَإِنَّ التَّفَكُّرَحَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ وَ النُّورُ يُحْسِنُالتَّخَلُّصَ وَ يُقِلُّ التَّرَبُّص‏ ) نوادر الراوندي ص 22
يدعونانبينا الأكرم في هذا النص إلى الإئتمام بالقرآن الكريم فلا سبيل للانسان لتحصيلالسعادة و الفوز بالأمن الدائم إلا باتباع خطى القرآن و الاستدلال به فهو الدليلالوحيد لا دليل غيره و أي توهم يخالف ذلك فمصيره إلى الندامة و الحسرة و لكن النبيالأكرم يشير في قوله هذا إلى أن الاستفادة العظمى منه لا تتأتى بمجرد التفكر فيظاهر القران الكريم فإن له معنى باطن يجب أن يراعى و هذا المعنى قد أكد عليهالمعصومون في مقامات و ضروف مختلفة لينبهوا على عظم القرين الثاني للقرآن و هو لايقل عن الكتاب الكريم عظما ألا و هو تراجمة الوحي و حفظة القران و الراسخون فيالعلم الذين حصر نفس الكتاب الكريم امكانية فهم و تأويل و تفسير القرآن بهم صلواتالله عليهم فقال ( لا يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم ).
فيكون لزاماعلينا معرفتهم و الإتمام بهم لأنهم عدل القرآن و المصدر الشرعي الوحيد الذي يجب أنيؤتى من خلاله في فهم دقائق كتاب الله عز و جل
يقول أميرالمؤمنين عليه السلام ( ذلك القرآن فاستنطقوه ، و لن ينطق ، و لكن أخبركم عنه ) وهذا الكلام منه صلوات الله عليه صريح في أن التدبر و التأمل و التفكر في آياتالكتاب الكريم لا يكون فعالا و إيجابيا إلا بأخذه من من خوطب به و هم أهل البيت صلواتالله عليهم
و قال أميرالمؤمنين عليه السلام ( مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص آيَةٌ مِنَالْقُرْآنِ إِلَّا أَقْرَأَنِيهَا وَ أَمْلَاهَا عَلَيَّ فَكَتَبْتُهَا بِخَطِّيوَ عَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وَ تَفْسِيرَهَا وَ نَاسِخَهَا وَ مَنْسُوخَهَا وَ مُحْكَمَهَاوَ مُتَشَابِهَهَا وَ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُعَلِّمَنِي فَهْمَهَاوَ حِفْظَهَا فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَاعِلْماً أَمْلَاهُ عَلَيَّ فَكَتَبْتُهُ وَ مَا تَرَكَ شَيْئاً عَلَّمَهُ اللَّهُعَزَّ وَ جَلَّ مِنْ حَلَالٍ وَ لَا حَرَامٍ وَ لَا أَمْرٍ وَ لَا نَهْيٍ وَ مَاكَانَ أَوْ يَكُونُ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا عَلَّمَنِيهِ وَحَفِظْتُهُ فَلَمْ أَنْسَ مِنْهُ حَرْفاً وَاحِداً ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىصَدْرِي وَ دَعَا اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِأَنْ يَمْلَأَ قَلْبِي عِلْماًوَ فَهْماً وَ حِكْمَةً وَ نُوراً وَ لَمْ أَنْسَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَ لَمْيَفُتْنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْ‏ءٌ لَمْ أَكْتُبْهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ فِيمَا بَعْدُ فَقَالَ ع لَسْتُ أَتَخَوَّفُعَلَيْكَ نِسْيَاناً وَ لَا جَهْلًا وَ قَدْ أَخْبَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّأَنَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِيكَ وَ فِي شُرَكَائِكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ مِنْبَعْدِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنْ شُرَكَائِي مِنْ بَعْدِي قَالَالَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِنَفْسِهِ وَ بِي فَقَالَ‏أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ -الْآيَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنْ هُمْ فَقَالَ الْأَوْصِيَاءُمِنِّي إِلَى أَنْ يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ كُلُّهُمْ هَادٍ مُهْتَدٍ لَايَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَ الْقُرْآنُ مَعَهُمْ لَايُفَارِقُهُمْ وَ لَا يُفَارِقُونَهُ فَبِهِمْ تُنْصَرُ أُمَّتِي وَ بِهِمْيُمْطَرُونَ وَ بِهِمْ يُدْفَعُ عَنْهُمُ الْبَلَاءُ وَ بِهِمْ يُسْتَجَابُدُعَاؤُهُمْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِّهِمْ لِي فَقَالَ ابْنِي هَذَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحَسَنِ ثُمَّ ابْنِي هَذَا وَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىرَأْسِ الْحُسَيْنِ- ثُمَّ ابْنٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ عَلِيٌّ- سَيُولَدُ فِيحَيَاتِكَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ثُمَّ تَكْمِلَةُ اثْنَيْ عَشَرَإِمَاماً فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي فَسَمِّهِمْ لِي فَسَمَّاهُمْ رَجُلًارَجُلًا فَقَالَ ع فِيهِمْ وَ اللَّهِ يَا أَخَا بَنِي هِلَالٍ مَهْدِيُّ أُمَّةِمُحَمَّدٍ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماًوَ جَوْراً وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ يُبَايِعُهُ بَيْنَ الرُّكْنِ‏ وَالْمَقَامِ وَ أَعْرِفُ أَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَ قَبَائِلِهِم‏ ) كمال الدين ج1ص401
و إذا وجبالأخذ عن أهل البيت عليهم السلام في فهم كتاب الله عز و جل فلا طريق لنا إليهم إلاآثارهم الشريفة و أقوالهم الكريمة نأخذها عن كل من تشرف بالعمل عليها و روايتها منعلمائنا الأبرار في مختلف الميادين من فقه و عقائد و أخلاق و سنن و آداب و قدأفنوا قدس الله أرواح الماضين و حفظ المعاصرين أعمارهم الشريفة في خدمة تراث أهلالبيت بالتحقيق و الشرح و التمحيص حتى تحصل لدينا من كل ذلك درر نفيسة أحرىبالعقلاء أن يتلقوها بالمدارسة و العمل للفوز بالسعادة الأبدية .