اختيار الصديق
للصديق أثر بالغ في حياة صديقه وتكييفه فكرياً وأخلاقياً لما هو المعروف من أن الإنسان مطبوع على سرعة التأثر والانفعال بالقرناء والأصدقاء ، فالصديق الصالح رائد خير وداعية يهدي إلى الرشد والصلاح ، كما أن الفاسد رائد شر وداعية ضلال يقود إلى الغي والفساد .وينبغي أن تتوفر في الصديق المثالي مجموعة من الصفات نذكر أهمها :
( الصفة الأولى ) :أن يكون عاقلاً ، لبيباً ، مبرءاً من الحمق ، فإن الأحمق ذميم العشرة ، كما وصفه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله : ( أما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه ، وربما أراد منفعتك فضرك ، فموته خير من حياته ، وسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه ) .
( الصفة الثانية ) :أن يكون متحلياً بالإيمان ، والصلاح ، وحسن الخلق ، فإن لم يتصف بذلك كان تافهاً منحرفاً يوشك أن يفوي أصدقائه .قال تعالى : ( يَومَ يَعظُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيه يَقُولُ يَا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيلَتَا لَيتَنِي لَم أَتَّخِذُ فُلاناً خَلِيلاً ) الفرقان : 28 .
( الصفة الثالثة ) :أن تتوفر صفة التجاوب العاطفي وتبادل المحبة بين الصديقين ، لأن ذلك أثبت للمودة وأوثـق لعرى الإخاء ، فإن تلاشت في أحدهما نوازع الحب والخلة ، ضعفت علاقة الصداقة .قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( زُهدُكَ في راغبٍ فيكَ نُقصانُ عَقلٍ ورغبتُكَ في زاهدٍ فيكَ ذُلُّ نفسٍ ) .
( الصفة الرابعة ) :أن يكون الصديق وفياً ، فربما تجد من حولك الكثير من الأصدقاء لكنك لا تجد منهم واحداً يفي لك بحقوق الصداقة ، ويؤدي لك ما هو معتبر فيها .
( امتحان الأصدقاء ) :توجد ست موارد يمكن من خلالها امتحان الأصدقاء لإثبات صدقهم ووفائهم :1 - الامتحان الروحي : فإن التآلف بين الأصدقاء يبدأ من التآلف الروحي بين روحيهما ، والأرواح هي التي تكشف بعضها قبل أن تكشف الأجسام ذلك .2 - الامتحان عند الحاجة : فعليك أن تجرب صديقك الذي معك عند الحاجة ، وعليك أن تلحظ كيفية تصرفه معك ، فهل سيعطي حاجتك أهمية عند نفسه ويهتم بها كما لو كانت حاجته ، أو أنه سيتخاذل وينسحب ؟ومن المعروف أن الناس تنقسم قسمين :الأول : الذين يقضون حاجات الناس ، ومن دون أن يكونوا مستعدين للتضحية في سبيل ذلك وإنما بمقدار ما تيسر لهم من الأمر .الثاني : الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، كما عبّر القرآن الكريم ، ونحن لا نطلب في الصديق أن يكون دائماً من النوع الثاني ، وإن كان هو الغاية المنشودة ، لكن إن لم يكن النوع الثاني فلا أقل النوع الأول .والمشكلة تكمن فيما إذا كان الصديق يرفض الوقوف معك عند الحاجة ، فهذا يعني أنه قد فشل في الامتحان .3 - الامتحان في حبه للتقرب إليك : من الأمور التي يمتحن فيها الصديق ، مسألة حبه للتـقرب من صديقه ، ويمكن معرفة ذلك من خلال الحديث .فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( صديق المحبة في ثلاثة : يختار كلام حبيبه على كلام غيره ، ويختار مجالسة حبيبه على مجالسة غيره ، ويختار رضى حبيبه على رضى غيره ) .فإذا توفرت في صديقك هذه الصفات فهو حقاً صديق المحبة .4 - الامتحان في الشدائد : فالصديق الجيد هو الذي يكون موقفه منك جيداً حينما تكون في شدة ، ويكون معك حينما يتبرأ منك الآخرون ، ويصدقك حينما يكذبك الآخرون .وجاء في الحديث الشريف : ( يمتحن الصديق بثلاثة ، فإن كان مؤاتياً فيها فهو الصديق المصافي ، وإلا كان صديق رخاء لا صديق شدة : تبتغي منه مالاً ، أو تأمنه على مال ، أو مشاركة في مكروه ) .5 - الامتحان في حالة الغضب : لأن كل إنسان يظهر على حقيقته في حالة الغضب ، فيبدو للآخرين في صورته الواقعية ، ويقول حينئذٍ ما يفكر به ، لا ما يتظاهر به ، فقد يكون هناك إنسان يجاملك ويقدم لك المحبة في كل وقت ، فإذا أغضبته قال الحقيقة التي طالما سترها عنك .وجاء في الحديث الشريف : ( إذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فأغضبه ، فإن ثبت لك على المودة فهو أخوك وإلا .. فلا ) .6 - الامتحان في السفر : ففي السفر يخلع الإنسان عن نفسه ثياب التكلف ، فيتصرف بطبيعته ويعمل كما يفكر ، ومن هنا فإنك تستطيع أن تمتحنه بسهولة .فجاء في الحديث الشريف : ( لا تسمِّ الرجل صديقاً حتى تختبره بثلاث خصال : حين تغضبه فتنظر غضبه ، أيخرجه من حق إلى باطل ؟ ، وحين تسافر معه ، وحين تختبره بالدينار والدرهم ) .
خاتمة :ويجدر بنا جميعاً أن نجعل هذه الطرق وسيلتنا للتعرف على الأصدقاء الجيدين ، كما أن علينا عند التعرض للامتحان في أمثالها أن نسعى كي نكون جديرين بأن يصادقنا الآخرون ، ونخرج من الامتحان مرفوعي الرأس عند الله وعند الأصدقاء .
تعليق