إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وَلاَ تَهِنُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ الاَْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وَلاَ تَهِنُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ الاَْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

    بسم الله الرحمن الرحيم


    وَلاَ تَهِنُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ الاَْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الاَْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ ءَامُنَواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
    في الآية الأُولى من هذه الآيات حذر المسلمون من أن يعتريهم اليأس والفتور بسبب النكسة في معركة واحدة، وأن يتملكهم الحزن وييأسوا من النصر النهائي، قال سبحانه : (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
    أجل، لا يحسن بهم أن يشعروا بالوهن أو يتملكهم الحزن لما حدث، فالرجال الواعون هم الذين يستفيدون الدروس من الهزائم كما يستفيدونها من الإنتصارات وهم الذين يتعرفون في ضوء النكسات على نقاط الضعف في أنفسهم أو مخططاتهم، ويقفون على مصدر الخطأ والهزيمة، ويسعون لتحقيق النصر النهائي بالقضاء على تلك الثغرات والنواقص والوهن المذكور في الآية، هو ـ كما في اللغة ـ كلّ ضعف يصيب الجسم أو الروح أو يصيب الإرادة والإيمان.
    على أن عبارة (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) عبارة غنية بالمعاني حرية بالنظر والتأمل. إذ هي تعني أن هزيمتكم إنما كانت بسبب فقدانكم لروح الإيمان وآثارها، فلو أنكم لم تتجاهلوا أوامر الله سبحانه لم يصبكم ما أصابكم، ولم يلحقكم ما لحقكم، ولكن لا تحزنوا مع ذلك، فإنكم إذا ثبتم على طريق الإيمان كان النصر النهائي حليفكم، والهزيمة في معركة واحدة لا تعني الهزيمة النهائية.
    ثمّ إنه سبحانه يقول : (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) و بذلك يعطي للمسلمين درساً آخر للوصول إلى النصر النهائي.
    و«القرح» جرح يصيب البدن بسبب اصطدامه بشيء خارجي.
    فيكون معنى الآية أن عزيمتكم لا ينبغي أن تكون أقل من عزيمة الأعداء، فهم رغم ما لحقهم من خسائر فادحة في الأرواح والأموال ـ في بدر ـ حيث قتل منهم سبعون، وجرح وأسر كثير، فإنهم لم يقعدوا عن منابذتكم ومقاتلتكم، ولم يصرفهم ذلك عن الخروج إلى محاربتكم، بل تلافوا في هذه المعركة ما فاتهم، وتداركوا هزيمتهم، فإذا أصبتم في هذه المعركة بهزيمة شديدة فإن عليكم أن لا تقعدوا حتّى تتلافوا ما فاتكم فـ (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله)، فلماذا الوهن ولماذا الحزن إذن ؟
    ففي هذا القسم يشير سبحانه إلى واحدة من السنن الإلهية وهي أنه قد تحدث في حياة البشر حوادث حلوة أو مرّة ولكنها غير باقية ولا ثابتة مطلقاً، فالإنتصارات والهزائم، والغالبية والمغلوبية، والقوّة والضعف كلّ ذلك يتغير ويتحول، وكلّ ذلك يزول ويتبدل، فلا ثبات ولا دوام لشيء منها، فيجب أن لا يتصور أحد أن الهزيمة فى معركة واحدة وما يتبعها من الآثار اُمور دائمة ثابتة باقية، بل لابدّ من الإنتفاع بسنة التحول، وذلك بتقييم أسباب الهزيمة وعواملها وتلافيها، وتحويل الهزيمة إلى إنتصار، فالحياة صعود ونزول، و أحداثها في تحول مستمر، وتبدل دائم ولا ثبات لشيء من أوضاعها وأحوالها. (وتلك أيام(1)نداولها بين الناس) لتتضح سنة التكامل من خلال ذلك.
    ثمّ إنه سبحانه يشير إلى نتيجة هذه الحوادث المؤلمة فيقول : (وليعلم الله الذين آمنوا) أي أن ذلك إنما هو لأجل أن يتميز المؤمنون حقّاً عن أدعياء الإيمان.
    وبعبارة اُخرى : إذا لم تحدث الحوادث المؤلمة في حياة أُمة من الأُمم وتاريخها لم تتميز الصفوف ولم يتبين الخبيث والطيب، لأن الإنتصارات وحدها تخدع وتغري، وتصيب المنتصرين بالغفلة بينما تشكل الهزائم عامل يقظة للمستعدين المتهيئين، وتوجب ظهور القيم، وتعرف بها حقائق الرجال.
    ثمّ إنه في قوله : (ويتخذ منكم شهداء) يشير إلى إحدى نتائج هذه الهزيمة المؤلمة، بأن هذه النتيجة كانت هي تقديمكم بعض الشهداء في هذه المعركة، فيجب أن تعلموا أن هذا الدين لم يصل إليكم بالهيّن، فلا يفلت منكم كذلك في المستقبل.
    إن الأُمة التي لا تضحي في سبيل أهدافها المقدسة لا تعير تلك الأهداف أهميتها، ولا تعطيها قيمتها اللائقة، أما إذا ضحت في سبيل أهدافها فإنها هي وأجيالها القادمة كذلك ستعطي لتلك الأهداف الأهمية والقيمة اللازمة وستنظر إليها بعين الاحترام والإكبار.
    الحوادث المرة ميدان تربية :
    أجل، إن لمعركة «أُحد» وما لحق بالمسلمين فيها من هزيمة نتائج وآثاراً، ومن نتائجها وآثارها الطبيعية أنها كشفت عن نقاط الضعف في الجماعة والثغرات الموجودة في كيانها، وهي وسيلة فعالة ومفيدة لغسل تلك العيوب والتخلّص من تلك النواقص والثغرات، ولهذا قال سبحانه : (وليمحص(1) الله الذين آمنوا) أي أن الله أراد ـ في هذه الواقعة ـ أن يتخلص المؤمنون من العيوب ويريهم ما هم مبتلون به من نقاط الضعف. إذ يجب لتحقيق الإنتصارات في المستقبل أن يمتحنوا في بوتقة الإختبار، ويزنوا فيها أنفسهم كما ـ قال الإمام علي (عليه السلام) : «في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال».
    ولهذا قد يكون لبعض الهزائم والنكسات من الأثر في صياغة المجتمعات الإنسانية وتربيتها ما يفوق أثر الإنتصارات الظاهرية.
    والجدير بالذكر أن مؤلف تفسير المنار نقل عن اُستاذه مفتي مصر الأكبر الشيخ محمد عبده أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام فقال له : «رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الخميس الماضية (غرة ذي القعدة سنة 1320) في الرؤيا منصرفاً مع أصحابه من أُحد وهو يقول : «لو خيّرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة» أي لما في الهزيمة من التأديب الإلهي للمؤمنين وتعليمهم أن يأخذوا بالإحتياط ولا يغتروا بشيء يشغلهم عن الإستعداد وتسديد النظر. المنار : ج 4 ص 46.

    وأما نتيجة هذه التربية والصياغة التي يتلقاها المؤمنون فى خضم المحن والمصائب واتون الحوادث المرة فهو حصول القدرة الكافية لدحر الشرك والكفر دحراً ساحقاً وكاملاً. وإلى هذا أشار بقوله : (وليمحق الكافرين).
    فإن المؤمنين بعد أن تخلصوا ـ في دوامة الحوادث ـ من الشوائب يحصلون على القدرة الكافية للقضاء التدريجي على الشرك والكفر، وتطهير مجتمعهم من هذه الأقذار والشوائب، وهذا يعني أنه لابدّ أولاً من تطهير النفس ثمّ تطهير الغير. أي التطهر ثمّ التطهير.
    وفي الحقيقة كما أن القمر ـ مع ما هو عليه من النور والبهاء الخاصين به ـ يفقد نوره شيئاً فشيئاً أمام وهج الشمس وبياض النهار حتّى يغيب في ظلمة المحاق فلا يعود يرى إلاّ عندما تنسحب الشمس من الأُفق، كذلك يأفل نجم الشرك وأهله وتتضاءل قوة الكفر وأشياعه كلّما ازداد صفاء المسلمين المؤمنين، وخلصوا من رواسب الضعف والإعوجاج والإنحراف.
    ---
    فهناك علاقة متقابلة بين تمحيص المؤمنين وإرتقائهم في مدارج الخلوص والطهر، ومراتب الصفاء والتقوى، وبين إنزياح الكفر والشرك وإندثار معالمها وآثارهما عن ساحة الحياة الإجتماعية.
    هذه هي الحقيقة الكبرى والخالدة التي يلخصها القرآن في هاتين الجملتين اللتين تشكل الأُولى منها المقدمة والثانية النتيجة.
    ثمّ إنه يفيدنا القرآن درساً من واقعة «أُحد» في تصحيح خطأ فكري وقع فيه المسلمون فيقول : (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) أي هل تظنون أنكم تنالون أوج السعادة المعنوية بمجرد إختياركم لاسم المسلم، أو بمجرد أنكم حملتم العقيدة الإسلامية في الفكر دون أن تطبقوا ما يتبعها من التعاليم ؟
    لو كان الأمر كذلك لكان هيناً جداً، ولكن ليس كذلك حتماً، فإنه ما لم تطبق التعاليم التي تتبع تلك المعتقدات، في واقع الحياة العملية لم ينل أحد من تلك السعادة العظمى شيئاً.
    وهنا بالذات يجب أن تتميز الصفوف، ويعرف المجاهدون الصابرون عن غيرهم.
    مزاعم جوفاء
    ثمّ إنه كان هناك جماعة من المسلمين ـ بعد معركة «بدر» واستشهاد فريق من أبطال الإسلام ـ يتمنون الموت في أحاديثهم ومجالسهم ويقولون : ليتنا نلنا الشهادة في «بدر»، ومن الطبيعي أن يكون بعض تلك الجماعة صادقين في تمنيهم والبعض الآخرون كاذبين يتظاهرون بهذه الأمنية، أو يجهلون حقيقة أنفسهم، ولكن لم يلبث هذا الوضع طويلاً، فسرعان ما وقعت معركة أُحد الرهيبة المؤلمة، فقاتل المجاهدون الصادقون بشهامة وبسالة وصدق وكرعوا كؤوس الشهادة، وحققوا أمانيهم، ولكن الذين كانوا يتمنونها كذباً وتظاهراً ما إن رأوا علائم الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسلامي في تلك الواقعة حتّى فروا خوفاً وجبناً، وظنا بنفوسهم وأرواحهم، تاركين الساحة للعدو الغاشم، فنزلت هذه الآية توبخهم وتعاتبهم إذ تقول : (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه، فقد رأيتموه وأنتم تنظرون)فلماذا فررتم وهربتم من الشيء الذي كنتم تتمنونه طويلاً وكيف يفر المرء من محبوبه، وهو يراه وينظر إليه ؟
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X