بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
الفرق بين الاستماع والانصات
{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
[1]
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
الفرق بين الاستماع والانصات
{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
[1]
ما الفرق بين السَّماع * والاستماع * والإنصات.[2]
1ـ السَّماع: هو مجرَّد استقبال الأذن لذبذباتٍ صوتية من مصدر مُعيَّن أو مصادر ، دون الانتباه لها بقصد أو بدون قصد.
2ـ الاستماع: هو مهارةٌ يُعطي فيها المستمِعُ اهتماماً خاصًّا ، واهتماماً مقصوداً لما تتلقَّاه أُذنه من أصوات ؛ ليتمكَّن من استيعاب ما يُقال.
فنلحظ هنا أنَّ مرتبة الاستماع أعلى من السَّماع ؛ لأنَّ الاستماع لا بدَّ أن يتوفَّر فيه القصد. ولذلك أَمَرَنا اللهُ تعالى ـ عند تلاوة القرآن علينا بقوله: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ }. ولم يقل: " اسمعوا ".
أقول: يتوفر القصد بعد الاستماع ؛ قال تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا }[3] أي بعد ما سمعوا من القرآن تولد لديهم الاهتمام .. والله أعلم. [**]
3ـ الإنصات: هو المرتبة الأعلى؛ لأنَّ فيه تركيزاً أكبر، من الانتباه والإصغاء والسُّكون ، من أجل هدفٍ محدَّد.[*]
أقول: المكان مهيأ الى الانصات كصلاة الجماعة او صلاة الجمعة أو دروس قرآنية كالتلاوة . بينما الاستماع يحدث في مكان خير مهيأ كالسير في الشارع وانت تسمع صوت القرآن من مأذنة الجامع او الحسينية ، أو من دار او من محل ...[**]
فلا بأس في عرض تفسير هذه الآية ، قال تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، للتبرك والمعرفة .. وهذا التفسير مأخوذ من كتب التفاسير المدرجة في أدناه.
بالرغم من أنّ المفسّرين ذكروا أسباباً لنزول هذه الآية الشريفة التي هي محل بحثنا ، فقد روي عن ابن عباس وجماعة آخرين ، أن المصلين في بادىء أمرهم كانوا يتكلمون في الصلاة ، وربما ورد شخص (جديد) أثناء الصلاة فيسأل المصلين وهم مشغولون يصلاتهم: كم ركعةٍ صليتم ؟ فيجيبوة . فنزلت الآية ومنعتهم أو نهتهم عن ذلك. [4]
كما نقل الزهري سبباً آخر لنزول هذه الآية ، قال: نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كلّما قرَأ شيئاً قرَأهُ ، فنزلت: { وإذا قرىء }[5] ، ولعل صوت الفتى كان مرتفع ...
وقد اختلف المفسرون في أنّ الانصات والسكوت هنا في الآية ، هل هو عند قراءة القرآن في جميع الموارد ؟ أم منحصر وقت الصلاة وعند قراءة إمام الجماعة ؟ أم هو عندما يقرأ إمام الجمعة – في خطبة الجمعة – القرآن ؟
كما أنّ هناك أحاديث شتى في هذا الصدد في كتب الفريقين في تفسير هذه الآية ، والذي يستفاد من ظاهر الآية أن هذا الحكم عام خير مختص بحالٍ ما ولا وقت معين .
إلا أنّ الروايات المتعددة الواردة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، بالإضافة إلى إجماع العلماء واتفاقهم على ان عدم وجوب الإستماع عند قراءة القرآن في أية حال ، ويستدل من ذلك على أنّ هذا الحكم بصورة كليّة حكم استحبابي ، أي ينبغي إن قُرىء القرآن – حيثما كان ، وكيف كان – أن يستمع الآخرون وينصتوا احتراماً للقرآن ، لأن القرآن ليس كتاب قراءة فحسب بل هو كتاب فهم وإدراك وتدبر ، ثمّ هو كتاب عمل ايضاً .
إذ ورود عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "" يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها "" وعن عبد الله ابن يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلتُ له: الرجل يقرأ القُرآن ، أيجب على من سمعه الإنصاتُ والاستماعُ ؟ قال: "" نعم ، إذا قرىء القرآن وجب عليك الإنصات والإستماع ""[6].
حتى أنّه يستفاد من بعض الروايات أن لو كان إمام الجماعة مشغولاً بالقراءة في الصلاة ، وقرآ شخص آخر أية من القرآن فيستحب للإمام بالسكوت حتى ينهي قراءة الآية ، ثم يكمل الإمام قراءته . حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ أمير المؤمنين علياً سلام الله عليه كان مشغولاً بصلاة الصبح ، وكان ابن الكوّا – ذلك المنافق الفظّ القلب – خلف الإمام مشغولاً بالصلاة ، فقرأ فُجأةً { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[7] وكان هدفه من قراءة الآية أن يعترض على الإمام عليّ عليه السلام مكنيّاً قبول الحكم في صفين – كما احتملوا ذلك – لكن الإمام سكت إحتراماً للقرآن حتى ينتهي ابن الكوّا من قراءة الآية ، ثم رجع الإمام الى قراءته فأعادة ابن الكوّا عمله مرّة ثانية ، فسكت الإمام أيضاً ، فكرر ابن الكوّا القراءة ثالثة فسكت الإمام سلام الله عليه أيضاً ، ثم تلا قوله تعالى: { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }[8] وهو يشير الى أنّ عذاب الله وعقابه الأليم في إنتظار المنافقين وغير المؤمنين ، وينبغي أن يتحمل الإنسان أذاهم ، ثم إنّ الإمام أكمل السورة وهوى إلى الركوع[9].
ويستفاد من جميع ما تقدّم ، ولا سيما من البحث آنف الذكر ، أنّ الإستماع والسكوت عند قراءة آيات القرآن أمر حسن جدّاً إلا أنّه بشكل عام غير واجب ... و لعلّ جملة { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } إضافة إلى الروايات والإجماع ، تشير إلى استحباب هذا الحكم أيضاً.
والمورد الوحيد الذي يجب فيه السكوت أو يكون حكم السكوت فيه واجباً ، هو في صلاة الجماعة ، إذ على المأموم أن يسكت ويستمع لقراءة الإمام .
ومن جملة الروايات الدالة على هذا الحكم ما روي من حديث عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: "" وإذا قرىء القرآن في الفريضة خلف الإمام فستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ""[10].
وأما استعمال ((لعل)) في هذه الجملة ، فهو لغرض أن تشملكم رحمة الله تعالى .
ولا بأس أن نذكر الملاحظة التي بيّنها الفقيه المقداد السيوري في كتابه (( كنز العرفان )) إذ فسّر الآية تفسيراً آخر فقال: إنّ المراد من الآية هو الإصغاء للآيات وإدراك مفاهيمها والإذعان لإعجازها[11] .
من خلال هذا البحث ننظر الى أنفسنا ماذا نقدم عند سماعنا للقرآن الكريم ، ولا سيما في مجالس الفاتحة ، هل نتفاعل مع كلام الله سبحانه كما تفاعل امامنا المفدى أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهل اذا سمعنا أو قرءنا الكتاب العزيز سوف نتدبر آياته ؟
بهذا الكلام انصح نفسي أولاً واراقبها مستقبلاً لكي احافظ على قداسة القرآن ومن ثم التمسك به كتمسكنا بعوائلنا ان صح التعبير ...
تتكرر على اسمعنا قضية بشر الحافي ، يقولون سبب هدايته ورجوعه الى سفينة النجاة هو: رأى قطعة من ورقة للمصحف على الارض ، فرفعها عن الارض ونظفها وعطرها واحتفظ بها ، فعمل بسيط لكنه فيه أجر كبير ... والله سبحانه كافأه على هذا العمل ، أنقذه من حياة المجون والسهر الى حياة التقى والورع والتقرب الى الله تعالى .
اللهم بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنوها والسر المستودع فيها أن تجعلنا من المتمسكين بكل عمل يقربنا اليك يا أرحم الراحمين يا الله يا الله يا الله....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
[1] (الاعراف: 204).
[2] المعجم الوسيط ص449.
[3] ( الجن: 1).[*] موقع الدكتور محمود الدوسري.
[4] تفسير مجمع البيان للطبرسي: ج4 ص310 ، ، ذيل الآية مورد البحث وهكذا تفسير جامع البيان.
[5] (تفسير الطبري) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، ج10 ص659 ، ذيل الآية مورد البحث.
[6] تفسير البرهان للعلامة سيد هاشم البحراني: ج3 ص261 .
[7] الزمر: 65 .
[8] الروم: 60.
[9] تفسير البرهان: ج3 ص260:
[10] المصدر السابق ص260.
[11] تفسير كنز العرفان: ج1 ص195. (لم أجد أحدا من المفسّرين فرّق بين الاستماع والإنصات والّذي يظهر لي أنّ استمع بمعنى سمع والإنصات توطين النفس على الاستماع مع السكوت فظاهر الآية يدلّ على راجحيّته إذا قرئ القرآن إمّا وجوبا أو استحبابا واختلف في سبب نزولها (راجع الأقوال في سبب نزولها في الدر المنثور ج 3 ص 153 و 154 ، مجمع البيان ج 4 ص 515).
المصادر :
. تفسير الامثل للشيخ الفقيه ناصر مكارم الشيرازي ، الطبعة الاولى 1384هـ ش – 1426هـ ق ، الناشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب عليه السلام.
· تفسير البرهان للعلامة اليسد هاشم البحراني ، حققه لجنة من العلماء والمحققين الأختصائيين ، الطبعة الثانية 1427هـ - 2006م ، منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت – لبنان.
· تفسير كنز العرفان ، للشيخ جمال الدين المقداد عبد الله السيوري المتوفي ، طبعة 1343 ش – 1384 ق ، طهران بين الحرمين .
· (تفسير الطبري) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، لأبي جعفر بن جرير الطبري ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ، الطبعة الاولى القاهرة: 1422هـ - 2001م ، مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر.
· تفسير مجمع البيان للطبرسي ، الطبعة الاولى؛ 1427هـ - 2006م ، دار المرتضى بيرةت – لبنان.
· انظر: المعجم الوسيط ، الطبعة الرابعة 1425هـ - 2004م ، اصدار مجمع اللغة العربية - مصر.
نســألكم الدعــــاء
تعليق