بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((فاسمع يا سميع مدحتي وأجب يا رحيم دعوتي))
يستند الامام الحجة عليه السلام في هذه الفقرة الشريفة على الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام ((المدحة قبل المسألة))، وهو سائر على منهج آبائه الأبرار عليهم السلام بتقديم المدح على الإجابة..
يُفهم من هذه الفقرة الشريفة بأنّ هناك مدحة ومسألة غير مقبولة لدى الله سبحانه وتعالى، فهنا يتقدّم الامام عليه السلام بلسان الاستكانة والضراعة بين يدي السميع البصير بمدحته ويطلب من الباري عزّ وجلّ أن يسمع مدحته ويلبي حاجته، ولا تكون مردودة غير مسموعة..
وقال البعض بأنّ المقصود من طلب سماع المدحة هو أن يكون وعاءً للرحمة الإلهية فيكون قريباً من الله سبحانه وتعالى، فيكون معنى ((فاسمع يا سميع مدحتي) أي اعتبرني وعاءً مستحقاً لتشمله رحمتك وتُقبل عليه بعطفك..
وبطبيعة الحال بعد أن يكون وعاءً لهذه الرحمة يكون قد سما بروحه وفك تلك القيود المادية التي تربطه بعالم المادة فينتقل بروحه الى عالم الملكوت فينطلق بعالم من المعنويات والروحانيات، وهو الغاية المنشودة لهذه الروح الأسيرة بين عوالم المادة، ويكون قد تحقّقت إجابة الدعوة ((وأجب يا رحيم دعوتي))..
تساؤل// هناك من يقول بأنّني أدعو الله بقلب حزين وعيون باكية ولكنّني لا أرى إجابة لدعائي؟
فيُجاب عليه انّ مجرد التفاعل مع فقرات الدعاء والتناغم مع مفرداتها والعيش في عالم الروحانيات والسمو عن عالم الماديات هو بحدّ ذاته إجابة للدعاء، فما أحلى المؤمن عندما يجتبيه ربّه من بين عباده ويختاره ليناجيه والكثير الكثير محروم من هذه النعمة، ونحن نعلم انّ العاشق والمحبّ لا يهمّه إلاّ الوصل بحبيبه، فهل انّ الباري عزّ وجلّ عندما يرى قلبنا يتفطّر شوقاً اليه ودموعنا تفيض ونركع بين يديه لا يكون له وزناً عنده، كلاّ وألف كلاّ، فهو السميع البصير الذي يعلم بما تغيض الأرحام وما تلد، فهو أرحم من الأم بوليدها..
نكات ينبغي الالتفات اليها:
- استخدم الامام روحي فداه كلمة (سميع)، وهذا يعني انّه عليه السلام يعلّمنا بأنّ الله سبحانه وتعالى يسمع كلّ حاجة وكلّ طلب وهو الذي ((لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ))، ويعلّمنا بأنّ العبد يجب أن يقف وقفة الذليل المستجدي بين يدي خالقه فيستعطفه ويطلب منه الرحمة، لأنّ العبد بلغ ما بلغ سيبقى ذلك المخلوق المسكين المستكين الحقير الذي لولا رحمة الله ولطفه لما سمح له بدعائه ومناجاته، ويعلّمنا أيضاً بأنّنا على قدر من الانجذاب لهذه الدنيا والاغترار بزينتها، وانّ لساننا هذا قد تفوّه على أقلّ تقدير بما ليس فيه ذكر أو شكر لله تعالى، فهنا يطلب العبد من خالقه بالرغم من هذا كلّه أن يسمع دعوته تتقدّمها مدحته له تعالى..
- قد تقدّم الامام عليه السلام في بداية الدعاء باستعمال كلمة الحمد، وهنا استعمل كلمة المدح، وهي إشارة من الامام عليه السلام بأنّه في بداية الدعاء أراد أن يثني على الله تعالى بأفضل ما يكون الثناء، وليس هناك كلمة جامعة لجميع معاني الثناء بمثل كلمة الحمد، بينما في هذه الفقرة الشريفة أراد الامام عليه السلام أن يصف الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وهذا هو المدح لأنّ المنظور هو ذات هذه الصفات لا ما يفيض عليها من خير ورحمة، ومعروف عند أهل اللّغة بأنّ المدح هو حسن الثناء..
- ناشد الامام عليه السلام الباري عزّ وجلّ باجابة دعوته ((وأجب يا رحيم دعوتي)) وهو يعلم تمام العلم بأنّ الله سبحانه وتعالى سيجيب دعوته لأنه تعالى وعد بذلك فقال ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ))غافر: 60، فهنا الامام عليه السلام يبيّن لنا حقيقة وهي انّ المناط ليس بقابلية الداعي واستحقاقه بل المناط هو بافاضة الرحمة من قبله تعالى وكرمه ولطفه..
لذا نرى الامام عليه السلام هنا قد نادى بصفته تعالى (الرحيم)، وهذه الصفة معروفة عند أهل التفسير بأنّها خاصة تشمل المؤمنين فقط، بينما (الرحمن) هي عامة تشمل المؤمنين والكفّار، فالرحيم صفة تدلّ على الثبات والبقاء وهي ما يستحقها المؤمن دون غيره فقال تعالى ((وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا))الأحزاب: 43..
نسأل الله تعالى أن يشملنا برحمته الخاصة ويستجيب لنا دعاءنا بالخصوص بتعجيل ظهور وليّ أمرنا أرواحنا لتراب مقدمه الفداء...
تعليق