وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نظر إلى ظهر الكوفة فقال : ما أحسن منظرك! وأطيب قعرك! اللهم اجعل قبري بها (1).
وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : بين قبره والكوفة دار السلام ، محشر أرواح المؤمنين ، وكأني بأناس منهم على منابر من نور يتنعَّمون إلى يوم القيامة (2).
وروى إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن عبدالله بن حازم قال : خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة وهو يتصيَّد ، فصرنا إلى ناحية الغريّين والثوية ، فرأينا ظباءاً ، فأرسلنا عليها الصقور والكلاب ، فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فوقفت عليها ، فرجعت الصقور ناحية من الأكمة ، ورجعت الكلاب ، فتعجَّب الرشيد.
ثم إن الظباء هبطت من الأكمة ، فسقطت الصقور والكلاب ، فرجعت الظباء إلى الأكمة ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور ، ففعلت ذلك ثلاثاً ، فقال هارون : اركضوا ، فمن لقيتموه فأتوني به ، فأتيناه بشيخ من بني أسد ، فقال له الرشيد : ما
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 97/232.
2 ـ وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 75.
(487)
هذه الأكمة ؟ قال : إن جعلت لي الأمان أخبرتك ، فأعطاه الأمان ، قال : حدَّثني أبي عن آبائه أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) جعله الله حرماً ، لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن (1).
وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
يا برقُ إن جئت الغري فقل لهفيك ابنُ عمران الكليم وبعدهبل فيك نورُ الله جلَّ جلالهفيك الإمام المرتضى فيك الوصيهذا ضميرُ العالمِ الموجودِ منهذي الإمامة لا يقومُ بحملِهاتأبى الجبال الشم عن تقليدهاهذا هو النورُ الذي عذباتهُما العالَمُ العلوي إلاّ تربةُ | أتراك تعلم من بأرضِك مودعَعيسى يقفيه وأحمد يتبعُلذوي البصائر يستشفُ ويلمعُالمجتبى فيك البطينُ الأنزعُعدم وسرُ وجودهِ المستودَعُخلقاء هابطة وأطلس أرفعُوتضجُ تيهاء وتشفق برقعُكانت بغرةِ آدم تتطلعُكانت لجثتهِ الشريفةِ موضعُ (2) |
قال الشيخ محمد حسن الجواهري عليه الرحمة بعدما نقل الخبر المذكور آنفاً : وفي بالي أني سمعت من بعض مشايخي ناقلا له عن المقداد أنه قال : قد تواترت الأخبار أن الدفن في سائر مشاهد الأئمة ( عليهم السلام ) مسقط لسؤال منكر
1 ـ الغارات ، إبراهيم بن محمد الثقفي : 2/862.
2 ـ الهاشميات والعلويات ، قصائد الكميت وابن أبي الحديد : 136 ـ 139 ، وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) من علماء البحرين والقطيف : 78.
3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 97/232 ، مدينة المعاجز ، السيد هاشم البحراني : 3/133 ح 792.
(488)
ونكير (1).
وروى الشيخ الكليني عليه الرحمة عن حبَّة العرني قال : خرجت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الظهر ـ أي ظهر الكوفة ـ فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام ، فقمت بقيامه حتى أعييت ، ثمَّ جلست حتى مللت ، ثمَّ قمت حتى نالني مثل ما نالني أولا ، ثمَّ جلست حتى مللت ، ثمَّ قمت وجمعت ردائي ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إني أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة.
ثمَّ طرحت الرداء ليجلس عليه ، فقال لي : يا حبّة ، إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنهم لكذلك ؟ قال : نعم ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون ، فقلت : أجسام أم أرواح ؟ فقال : أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلاَّ قيل لروحه : الحقي بوادي السلام ، وإنها لبقعة من جنة عدن.
وعن أحمد بن عمر رفعه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : إن أخي ببغداد ، وأخاف أن يموت بها ، فقال : ما تبالي حيثما مات ، أما إنّه لا يبقى مؤمن شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام ، قلت له : وأين وادي السلام ؟ قال : ظهر الكوفة ، أما إنّي كأني بهم حلق حلق قعود يتحدَّثون (2).
قال البرسي عليه الرحمة : روى الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يجلس للناس في نجف الكوفة ، فقال يوماً لمن حوله : من يرى ما أرى ؟ فقالوا : وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده ؟ فقال : أرى بعيراً يحمل جنازة ، ورجلا يسوقه ، ورجلا يقوده ، وسيأتيكم بعد ثلاث ، فلمّا كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه والرجلان معه ، فسلَّم على الجماعة ، فقال لهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد
1 ـ جواهر الكلام ، الجواهري : 4/346.
2 ـ الكافي ، الكليني : 3/243 ح 1 و2.
(489)
أن حيَّاهم : من أنتم ؟ من أنتم ؟ ومن أين أقبلتم ؟ ومن هذه الجنازة ؟ ولماذا قدمتم ؟ فقالوا : نحن من اليمن ، وأمَّا الميِّت فأبونا ، وإنه عند الموت أوصى إلينا فقال : إذا غسَّلتموني وكفَّنتموني وصلَّيتم عليَّ فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق ، وادفنوني هناك بنجف أهل الكوفة.
فقال لهما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : هل سألتماه لماذا ؟ فقالا : أجل قد سألناه ، فقال : يُدفن هناك رجل لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف لشفِّع فقام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : صدق ، أنا والله ذلك الرجل ، أنا والله ذلك الرجل (1).
وروي عن القاضي بن بدر الهمداني الكوفي ـ وكان رجلا صالحاً ـ قال : كنت في جامع الكوفة ذات ليلة ، وكانت ليلة مطيرة ، فدقَّ باب مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) جماعة ففتح لهم ، وذكر بعضهم أن معهم جنازة ، فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، ثمَّ إن أحدهم نعس فرأى في منامه قائلا يقول لآخر : ما تبصره حتى نبصر هل لنا معه حساب ؟ وينبغي أن نأخذه منه عجلا قبل أن يتعدَّى الرصافة فما يبقى لنا معه طريق ، فانتبه وحكى لهم المنام ، فقال : خذوه عجلا ، فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف.
وروى جماعةٌ من صلحاء المشهد الشريف الغروي أنه رأى كل واحد من القبور التي في المشهد الشريف وظاهره قد خرج منه حبل ممتدّ متّصل بالقبّة الشريفة صلوات الله على مشرِّفها (2) ولله درّ من قال من الشعراء :
إذا مِتُّ فادفنّي مُجَاوِرَ حَيْدَرفَتَىً لاَ يَخَافُ النَّارَ مَنْ كان جَارَهُجِوَارَ عليًّ فادفنوني فإنَّه | أبي شُبَّر أَكْرِمْ به وشبيرِوَلاَ يختشي من مُنْكَر ونكيرِأميري وَمِنْ حَرِّ الجحيم مُجيري |
1 ـ مدينة المعاجز ، السيّد هاشم البحراني : 3/134 ـ 135 ح 793 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 97/68 ح 5.
2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 87/232 ـ 233.
تعليق