إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإمام يكرس الواقع في تصوير جميل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمام يكرس الواقع في تصوير جميل

    الإمام يكرس الواقع في تصوير جميل




    الأديب يتصور، ولا يهمه أن يصور تصويراً جميلاً. بينما الإمام يكرس الواقع في تصوير جميل، ثم يفرغ الواقع والصورة في ما يهدي ويرشد. فالأدب ليس ترفاً والواقع ليس قرفا، إنما هما جزءان من الوجود لتكميل الجزء الثالث الذي هو الإنسان.
    كان للإمام من روعة الأدب الجاهلي وسحر الواقع الإسلامي، ما حدا ببعضهم إلى أن يقول - في كلامه -: ( فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق ). فقد نشأ في المحيط الذي تصفو فيه الفطرة، وعايش أحكم الناس الرسول، وتلقى رسالته قبل أن يجري عليها نفس، بالإضافة إلى مواهبه العظيمة. فتلاقت: الفطرة، والتوجيه، والبيئة.

    الإمام ذلك الإنسان الشامل، الذي وظف البحث والوصف للتعبير عن فلسفة الوجود: فيتحدث عن أحوال الدنيا وشؤون الناس، ويعرف البرق والرعد، ويوجه إلى خفايا النمل والخفاش، ويقنن الاخلاق، ويصوغ النظم.. أو ليس كل شيء وجد لحكمة، والله أتقن كل شيء، وله في كل شيء آية؛ لا فرق بين صغير وكبير؟! فالكل مضموم برباط، طرفاه الأزل والأبد.
    الفلاسفة يحولون الواقع الملموس بالمشاعر، إلى فلسفة لا تلمس إلا بالأفكار. والقادة يحولون الفلسفة التي لا تلمس بالأفكار إلى واقع ملموس بالمشاعر، ثم يوظفونه في تحريك الجماهير في الطريق الذي يشقونه لها، نحو الهدف الذي يحددونه لها. فالجماهير لا تسير خلف الكلام، ولكن الفلاسفة والجماهير معاً يسيرون خلف الواقع. فالقائد - دائماً - أمام الفيلسوف.
    والإمام استطاع أن يحتضن الأفكار المجهضة، ويربيها، ويجعلها خلقاً حياً يسير بين الأحياء ويحرك الأحياء. فكان ذلك القائد الذي يحلق في الأعالي - كموكب ملائكي، كقاعدة النور.. - يغير ويطور. وأجيال الفلاسفة يقبعون في كل زاوية ومنعطف، في انتظار: أية لفتة أو كلمة، وأية نبضة فكر أو فتكة سيف... ليجتمعوا حولها: فيفسروها، ويكبروها، ويبنوا بها شخصياتهم الفلسفية.


    يرى الإمام، فيشعر، فيعبر بمقدار الموقف. فيجتمع لديه الصدق، بالموافقة لمقتضى الحال، اجتماعاً عفوياً. فيسجع بمقدار ما في الموقف من سجع، ويصنع بمقدار ما في الموقف من صنعة. فيكون - مع المنافقين، والمنتفخين على حساب المستضعفين وأصحاب الحقوق المهدورة - ثائراً هادراً، يصعق: فتنخلع القلوب، وتزيغ الأبصار. ويبدو كل شيء - أمامه - هيناً تافهاً: (ما هي إلا الكوفة، أقبضها وأبسطها) حتى كأنك أمام: البركان إذ يتفجر، والزلزال إذ يدمر، أو أي مظهر من مظاهر الطبيعة لا يطال، فما لك إلا أن تعترف وتخشع. ويميز اسلوبه - في مثل هذا الموقف - بالتكرار بغية الاقرار، وباستخدام المترادفات من الكلمات، وتهويل التعبير، لمزيد من التأثير. وينتقل من: استعظام، إلى استفهام، إلى إخبار، إلى إنكار...
    وإذا كان (نهج البلاغة) بعض التعبير الشفوي من قشرة حياة الإمام، فما هو عمق حياة الإمام؟ إنه (الإمامة) بمعناها الدقيق العميق.
    وإذا كان ما وصل إلينا بعض ما كان بينه وبين الناس، فما كان بينه وبين الرسول أروع، وما كان بينه وبين الله أوسع وأجمع.
    وكما تبكر الغزلان إلى الماء، لتنال رياً يساعدها على رقصة الصحراء. وكما تقذف أعالي الصخور ما في ثقوبها من الطيور - مع ذرات النور - إلى السهول، لتلتقط زادها على مسح الفضاء. وكما ترمي البحار ما على ظهورها من السفن إلى الضفاف، لتأخذ قسطها من الاطمئنان والنشاط على مناورة الأمواج...؛ كتلك: يكون الإنسان عندما يقترب من (نهج البلاغة)، لـ:ينهل من نميره العذب، ويتزود من عطائه السخي، ويستلهم منه الاطمئنان والنشاط على الإبحار في محيط الحياة.
    ولا اريد أن اسبق الكتاب إلى مواضع المتعة فيه: فالبحر هو البحر أجئته حينما تنزو موجاته على شرفة الشمس مع الصباح، أو حينما يسجو على صفحاته الليل. ونور الشمس هو نور الشمس، من أي جانب تأخذه... ولكن قد يرتفع الإنسان إلى قمته، فيفهم بعض شيء من كلام الامام، فيتباهى بأنه فهم هذا الشيء. وكفاه عبقريةً وشرفاً.
    هيهات أن يرتقي القمر الى سماء حسنك
    يا صولجانا تشتاق ضرباته حتى كرة الأرض


    { يارسول الله }
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X