بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: «السكوت ذهب والكلام فضّة»(1).
لكلّ من الذهب والفضّة قيمة ولكن الذهب أغلى من الفضّة كما هو معلوم، وقد لوحظ ذلك في الأحكام الشرعية أيضاً. فدية المرء المسلم ـ مثلاً ـ هي ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف درهم فضّة، وهذا الحديث الشريف يجعل النسبة بين الكلام والسكوت كالنسبة بين الفضّة والذهب، فكما أن للفضّة قيمة وللذهب قيمة، فكذلك يمكن مقارنة السكوت إلى الكلام.
تارة يكون الكلام واجباً، ولاشك أنّ السكوت غير مفضّل عليه في مثل هذه الحالة، كما هو الحال في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر. وتارة يكون السكوت واجباً ويأثم الإنسان بتركه كما لو أدّى إلى قتل النفس المحترمة، وفي مثل هذه الحالة يكون السكوت مفضّلاً، بل لا يجوز الكلام.
ومن الواضح أنّ الحديث الشريف غير ناظر لمثل هذه الموارد، بل هو يقرّر حقيقة أخلاقية مفادها أنّ السكوت بنفسه ـ إذا لم تكن هناك مرجّحات للكلام عليه ـ خير وأغلى. ويمكن توضيح الأمر بمثال مادّي:
لو قلنا: إنّ الأرز أغلى من القمح. فإنّ ذلك لا يعني أنّه كذلك في كلّ الظروف والأحوال وبالنسبة لكلّ الأشخاص، ولكنّا مع ذلك نقول: إنّ الأرز أغلى من القمح؛ لأنّ هذا هو الغالب.
إذاً المقصود من الحديث الشريف أنّ السكوت النافع أغلى من الكلام النافع، ما لم يكن هناك مرجّح لأحدهما على الآخر.
وروي أيضاً: «إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنّه يلقي الحكمة»(2). والصموت مبالغة صامت أي كثير الصمت. والحكمة أغلى شيء في حياة الإنسان.
وهذا الحديث الشريف يكشف أنّ الحكمة تأتي في الغالب من الصمت أكثر ممّا هي في الكلام؛ لأن الحكمة وليدة التأمّل والتدبّر والتعقّل، وهذه كلّها تتحقّق في التأمّل والسكوت.
والأحاديث في هذا المجال عديدة، وهي تفسّر بعضها بعضاً، ومنها الأحاديث التي تنهى الإنسان عن التكلّم فيما لا يعنيه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «مِنْ حُسْن إسلام المرء تركه الكلام فيما لا يعنيه»(3). أي على المرء أن يفكّر في الكلام قبل أن يطلقه ليعرف هل يعود عليه بالنفع؟ فإن لم يعد عليه بالنفع، فليختر السكوت ويتخلّى عمّا كان يريد قوله.
نضرب لذلك مثلاً ماديّاً أيضاً لأنّ الأمثلة المادية تقرّب المعنويات إلى الأذهان، والإنسان بطبعه يحسّ بالمادّيات أكثر:
لو خُيّر إنسان محتاج من الناحية الماديّة بين أمرين: الحضور في ساحة والتكلّم فيها لقاء دينار ـ مثلاً ـ أو البقاء ساكتاً لقاء دينارين، فأيّهما سيختار؟ لاشكّ أنّه سيختار الثاني لأنّه أنفع له وأكثر ربحاً.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: «السكوت ذهب والكلام فضّة»(1).
لكلّ من الذهب والفضّة قيمة ولكن الذهب أغلى من الفضّة كما هو معلوم، وقد لوحظ ذلك في الأحكام الشرعية أيضاً. فدية المرء المسلم ـ مثلاً ـ هي ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف درهم فضّة، وهذا الحديث الشريف يجعل النسبة بين الكلام والسكوت كالنسبة بين الفضّة والذهب، فكما أن للفضّة قيمة وللذهب قيمة، فكذلك يمكن مقارنة السكوت إلى الكلام.
تارة يكون الكلام واجباً، ولاشك أنّ السكوت غير مفضّل عليه في مثل هذه الحالة، كما هو الحال في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر. وتارة يكون السكوت واجباً ويأثم الإنسان بتركه كما لو أدّى إلى قتل النفس المحترمة، وفي مثل هذه الحالة يكون السكوت مفضّلاً، بل لا يجوز الكلام.
ومن الواضح أنّ الحديث الشريف غير ناظر لمثل هذه الموارد، بل هو يقرّر حقيقة أخلاقية مفادها أنّ السكوت بنفسه ـ إذا لم تكن هناك مرجّحات للكلام عليه ـ خير وأغلى. ويمكن توضيح الأمر بمثال مادّي:
لو قلنا: إنّ الأرز أغلى من القمح. فإنّ ذلك لا يعني أنّه كذلك في كلّ الظروف والأحوال وبالنسبة لكلّ الأشخاص، ولكنّا مع ذلك نقول: إنّ الأرز أغلى من القمح؛ لأنّ هذا هو الغالب.
إذاً المقصود من الحديث الشريف أنّ السكوت النافع أغلى من الكلام النافع، ما لم يكن هناك مرجّح لأحدهما على الآخر.
وروي أيضاً: «إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنّه يلقي الحكمة»(2). والصموت مبالغة صامت أي كثير الصمت. والحكمة أغلى شيء في حياة الإنسان.
وهذا الحديث الشريف يكشف أنّ الحكمة تأتي في الغالب من الصمت أكثر ممّا هي في الكلام؛ لأن الحكمة وليدة التأمّل والتدبّر والتعقّل، وهذه كلّها تتحقّق في التأمّل والسكوت.
والأحاديث في هذا المجال عديدة، وهي تفسّر بعضها بعضاً، ومنها الأحاديث التي تنهى الإنسان عن التكلّم فيما لا يعنيه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «مِنْ حُسْن إسلام المرء تركه الكلام فيما لا يعنيه»(3). أي على المرء أن يفكّر في الكلام قبل أن يطلقه ليعرف هل يعود عليه بالنفع؟ فإن لم يعد عليه بالنفع، فليختر السكوت ويتخلّى عمّا كان يريد قوله.
نضرب لذلك مثلاً ماديّاً أيضاً لأنّ الأمثلة المادية تقرّب المعنويات إلى الأذهان، والإنسان بطبعه يحسّ بالمادّيات أكثر:
لو خُيّر إنسان محتاج من الناحية الماديّة بين أمرين: الحضور في ساحة والتكلّم فيها لقاء دينار ـ مثلاً ـ أو البقاء ساكتاً لقاء دينارين، فأيّهما سيختار؟ لاشكّ أنّه سيختار الثاني لأنّه أنفع له وأكثر ربحاً.
السكوت طريق الرقيّ
بعد أن ضربنا هذا المثال الماديّ نقول:
إنّ السكوت هو الطريق الأفضل والأسرع لرقيّ الإنسان وتكامله؛ لأنّ الإنسان ميّال بطبيعته لأن يقول كلّ ما يشعر به ويعلمه ويعرفه، مع أنّ معظمه لا يتناسب من حيث القيمة مع ما يصرفه من وقت في هذا السبيل، بينما التأمل والتفكّر يعطي نتائج أفضل. وإذا كان الناس يعظّمون المبدعين والمخترعين والمكتشفين، فإنّ الإبداع في كلّ مجالات الحياة لا يظهر نتيجة الكلام كظهوره نتيجة التأمّل.
إذا كان المؤمن صموتاً فإنّ تفكيره لا ينصرف إلى المال والشهوات بل يفكّر في التعالي والسموّ في طريق الخير والهداية والفضائل والكمال، وإذا أصبح كذلك أبدع فكره وأينع قوله وفعله وتفتّحت أمامه آفاق الرقيّ والازدهار.
نقرّب الموضوع بمثال من واقع الحياة الماديّة أيضاً:
لو أنّ شخصاً أراد أن يشتري بضاعة مّا، فتأمّل قليلاً قبل الشراء، فربّما انتهى إلى أنّ هذه البضاعة يمكن اقتناؤها من أمكنة أخرى، وأنّ سعرها قد يكون أرخص مع الاحتفاظ بالمواصفات نفسها. ولو كان هذا الشخص قد بادر إلى شراء البضاعة دون تأمّل وتفكر، فربّما ندم؛ لفوات الأفضل أو الأرخص.
الحالة نفسها تصدق في المعنويات. فالطالب ـ مثلاً ـ يتأمّل ويفكّر في اختيار الدروس وسلوك الطريق الذي يختصر فيه الوقت. والمحاضر يفكّر كيف يرفع من مستوى الحاضرين، والداعية يخطّط قبل أن يبدأ بهداية الشباب، وهكذا المجاهد والعالم والقائد.. كلٌّ يبحث بالتأمّل والتدبّر عن أسهل الطرق وأسرعها بلوغاً للهدف. وهذا كلّه لا يأتي إلا بالصمت. فبه وبالتأمّل وملاحظة الأمور ومقارنتها، بلغ العظماء ما بلغوا.
وعندما نراجع سيرة العظماء وندرس تاريخ العلماء ومراجع الدين نجد أنهم كانوا كثيري الصمت والفكر والتأمّل.
-----------------------
(1) مستدرك الوسائل: ج 9 ص16 ح1.
(2) بحار الأنوار: ج1 ص154 ب4 ح30، في الوصية الطويلة للإمام الكاظم سلام الله عليه إلى هشام بن الحكم.
(3) مستدرك الوسائل: ج9 ص34 ح22.
بعد أن ضربنا هذا المثال الماديّ نقول:
إنّ السكوت هو الطريق الأفضل والأسرع لرقيّ الإنسان وتكامله؛ لأنّ الإنسان ميّال بطبيعته لأن يقول كلّ ما يشعر به ويعلمه ويعرفه، مع أنّ معظمه لا يتناسب من حيث القيمة مع ما يصرفه من وقت في هذا السبيل، بينما التأمل والتفكّر يعطي نتائج أفضل. وإذا كان الناس يعظّمون المبدعين والمخترعين والمكتشفين، فإنّ الإبداع في كلّ مجالات الحياة لا يظهر نتيجة الكلام كظهوره نتيجة التأمّل.
إذا كان المؤمن صموتاً فإنّ تفكيره لا ينصرف إلى المال والشهوات بل يفكّر في التعالي والسموّ في طريق الخير والهداية والفضائل والكمال، وإذا أصبح كذلك أبدع فكره وأينع قوله وفعله وتفتّحت أمامه آفاق الرقيّ والازدهار.
نقرّب الموضوع بمثال من واقع الحياة الماديّة أيضاً:
لو أنّ شخصاً أراد أن يشتري بضاعة مّا، فتأمّل قليلاً قبل الشراء، فربّما انتهى إلى أنّ هذه البضاعة يمكن اقتناؤها من أمكنة أخرى، وأنّ سعرها قد يكون أرخص مع الاحتفاظ بالمواصفات نفسها. ولو كان هذا الشخص قد بادر إلى شراء البضاعة دون تأمّل وتفكر، فربّما ندم؛ لفوات الأفضل أو الأرخص.
الحالة نفسها تصدق في المعنويات. فالطالب ـ مثلاً ـ يتأمّل ويفكّر في اختيار الدروس وسلوك الطريق الذي يختصر فيه الوقت. والمحاضر يفكّر كيف يرفع من مستوى الحاضرين، والداعية يخطّط قبل أن يبدأ بهداية الشباب، وهكذا المجاهد والعالم والقائد.. كلٌّ يبحث بالتأمّل والتدبّر عن أسهل الطرق وأسرعها بلوغاً للهدف. وهذا كلّه لا يأتي إلا بالصمت. فبه وبالتأمّل وملاحظة الأمور ومقارنتها، بلغ العظماء ما بلغوا.
وعندما نراجع سيرة العظماء وندرس تاريخ العلماء ومراجع الدين نجد أنهم كانوا كثيري الصمت والفكر والتأمّل.
-----------------------
(1) مستدرك الوسائل: ج 9 ص16 ح1.
(2) بحار الأنوار: ج1 ص154 ب4 ح30، في الوصية الطويلة للإمام الكاظم سلام الله عليه إلى هشام بن الحكم.
(3) مستدرك الوسائل: ج9 ص34 ح22.
تعليق