والمعاطاة بيع وعقد من غير لفط صريح ، وهو ما يؤدّي معنى البيع بالإيحاء والإشارة من غير غرر أو جهالة ، مثل أن يقول : «اعطني بهذا الدينار خبزاً» ، فيعطيه ما يرضيه ، أو يقول : «خذ هذا الثوب بدينار» ، فيأخذه من غير صيغة القبول اللفظىّ ، أو يتفاهمان ويتراضيان بالإشارة أو بالكتابة ونحو ذلك ، فهذا عندنا بيع عن تراض قلبىّ وإن لم يكن بصيغة مخصوصة ، فيشمله قوله تعالى : (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَ لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـرَةً عَن تَرَاض مِّنكُمْ)1 ، فهذا تجارة عن تراض بينهما ، وإليه ذهب أحمد ومال إليه مالك ، ومذهب الشافعىّ أنّ البيع لا يصحّ إلاّ بالإيجاب والقبول ، والظاهر مراده الإيجاب والقبول اللفظىّ ، أي : بصيغة : بعت واشتريت ونحوهما ، ودليلنا كما قدّمنا أنّ البيع معاملة عرفيّة وليس بعبادة توقيفيّة ، فيجب الرجوع فيه إلى العرف ، والمسلمون في أسواقهم وبيوعهم على ذلك ، ولم ينقل عن الشارع التصريح بتوقّف لزوم البيع على الصيغة ; ولأنّ البيع ممّا تعمّ به البلوى ، فلو اشترط له الشارع الإيجاب والقبول اللفظىّ ، أو صيغة مخصوصة لبيّنه لنا ، ولو بيّنه لم يَخْفِ حكمه علينا مع كثرة وقوع البيع في أسواق المسلمين بصورة المعاطاة ، وذهب بعض إلى اختصاص صحّته وجوازه في الأُمور اليسيرة .
ثمّ إنّ المعاطاة كما تجوز في البيع تجوز في كثير من المعاملات ، كالهبة والمصالحة والهدية والصدقات والعطيّات والوقوف والتحبيس ونحوها ، وحتّى قيل في النكاح إن لم يوجب تدليس أو ضرر أو جهالة أو غرر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
1 ـ النساء29