النسخ في اللغة الإِزالة، وفي الإِصطلاح تغيير حكم شرعي واحلال حكم آخر محله، من ذلك:
1 ـ المسلمون كانوا يصلون بعد الهجرة تجاه بيت المقدس، واستمروا على ذلك ستة عشر شهراً، ثم نزل الأمر بتغيير القبلة، فوجب على المسلمين أن يصلوا تجاه الكعبة.
2 ـ الآية 15 من سورة النساء قررت معاقبة الزانية بعد شهادة أربعة شهود يبإمساكها في البيت حتى الوفاة، أو يجعل الله لها سبي، والآية الثانية من سورة النور نسخت الآية المذكورة وبدّلت الحكم بمائة جلدة.
وهنا يطرح سؤال معروف بشأن سبب النسخ يقول: لو كان في الحكم مصلحة فلماذا نُسخ؟ وإن لم يكن كذلك فلماذا شُرع ؟ لماذا لم تطرح الشريعة منذ البداية حكماً غير قابل للنسخ؟
علماء الإِسلام أجابوا منذ القديم على هذا السؤال، وتقرير هذا الجواب باختصار كما يلي:
نعلم أن بعض احتياجات الإِنسان ثابتة لا تقبل التغيير، لأنها ترتبط بفطرة الإِنسان وطبيعته، وبعضها الآخر تتغير بتغير الزمان وظروف البيئة، وهذه المتغيرات قد تضمن سعادة الإِنسان في زمن معين، لكنها تصبح عقبة أمام تقدم الفرد في زمان آخر.
قد يكون نوع من الدواء نافعاً للمريض في ظرف زمني معين، وقد لا يكون نافعاً ـ بل ضاراً ـ في مرحلة نقاهة المريض، لذلك يأمر الطبيب بدواء في وقت، ثم يأمر بقطعه والإِمتناع عن تناوله في وقت آخر.
قد يكون درس معين مفيداً للطالب في مرحلة دراسية معينة، لكن هذا الدرس يصبح عديم الفائدة في المراحل الدراسة التالية. المنهج التعليمي الصحيح ينبغي أن ينظم الدروس بشكل يتناسب مع حاجة الطالب في كل مرحلة من مراحله الدراسية.
هذه المسألة تتضح أكثر في إطار القانون اللازم لتكامل الإِنسان والمجتمع الإِنساني، هذا القانون لابدّ أن يتضمن متغيرات كي يكون المنهج التكاملي مفيداً لكل مراحل مسيرة المجتمع. وتزداد أهمية هذه التغييرات عند اندلاع الثورات الإِجتماعية والعقائدية، وتزداد ضرورة مواكبة متطلبات التغيير في كل مرحلة من مراحل الثورة.
لابدّ من التأكيد أنّ اُصول الأحكام الإِلهية ثابتة لا يعتريها التغيير، فالتوحيد والعدالة الإِجتماعية وسائر الاُصول والمبادىء المشابهة ثابتة لا تتغير، وإنما يطرأ التغيير على المسائل الفرعية والثانوية.
تعليق