بسم الله الرحمن الرحيم
في مختلف بقاع الأرض عدد غير قليل من الكهوف و الغيران و على جدرانها تماثيل رجال ثلاثة أو خمسة أو سبعة و معهم كلب و في بعضها بين أيديهم قربان يقربونه، ادعي انها كهف اصحاب الرقيم المذكورين في القران الكريم و يتمثل عند الإنسان المطلع عليها قصص أصحاب الكهف و يقرب من الظن أن هذه النقوش و التماثيل إشارة إلى قصة الفتية و أنها انتشرت و ذاعت بعد وقوعها في الأقطار فأخذت ذكرى يتذكر بها الرهبان و المتجردون للعبادة في هذه الكهوف. و أما الكهف الذي التجأ إليه و استخفى فيه أهل الكهف فجرى عليهم ما جرى فالناس فيه في اختلاف و قد ادعي ذلك في عدة مواضع.أحدها: كهف إفسوس و إفسوس هذا مدينة خربة أثرية واقعة في تركيا على مسافة 73 كيلو مترا من بلدة إزمير، و الكهف على مساحة كيلو متر واحد أو أقل من إفسوس بقرب قرية "اياصولوك" بسفح جبل "ينايرداغ".
و هو كهف وسيع فيه - على ما يقال - مات من القبور مبنية من الطوب و هو في سفح الجبل و بابه متجه نحو الجهة الشمالية الشرقية و ليس عنده أثر من مسجد أو صومعة أو كنيسة، و هذا الكهف هو الأعرف عند النصارى، و قد ورد ذكره في عدة من روايات المسلمين.
و هذا الكهف على الرغم من شهرته البالغة - لا ينطبق عليه ما ورد في الكتاب العزيز من المشخصات.
أما أولا: فقد قال تعالى: "و ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين و إذا غربت تقرضهم ذات الشمال" و هو صريح في أن الشمس يقع شعاعها عند الطلوع على جهة اليمين من الكهف و عند الغروب على الجانب الشمالي منه، و يلزمه أن يواجه باب الكهف جهة الجنوب، و باب الكهف الذي في إفسوس متجه نحو الشمال الشرقي.
و هذا الأمر أعني كون باب كهف إفسوس متجها نحو الشمال و ما ورد من مشخص إصابة الشمس منه طلوعا و غروبا هو الذي دعا المفسرين إلى أن يعتبروا يمين الكهف و يساره بالنسبة إلى الداخل فيه لا الخارج منه مع أنه المعروف المعمول - كما تقدم في تفسير الآية - قال البيضاوي في تفسيره،: إن باب الكهف في مقابلة بنات النعش، و أقرب المشارق و المغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان و مغربه و الشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن و هو الذي يلي المغرب، و تغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبه و يحلل عفونته و يعدل هواءه و لا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم و يبلي ثيابهم.
انتهى و نحو منه ما ذكره غيره.
على أن مقابلة الباب للشمال الشرقي لا للقطب الشمالي و بنات النعش كما ذكروه تستلزم عدم انطباق الوصف حتى على الاعتبار الذي اعتبروه فإن شعاع الشمس حينئذ يقع على الجانب الغربي الذي يلي الباب عند طلوعها و أما عند الغروب فالباب و ما حوله مغمور تحت الظل و قد زال الشعاع بعيد زوال الشمس و انبسط الظل.
اللهم إلا أن يدعى أن المراد بقوله: "و إذا غربت تقرضهم ذات الشمال" عدم وقوع الشعاع أو وقوعه خلفهم لا على يسارهم هذا.
و أما ثانيا: فلأن قوله تعالى: "و هم في فجوة منه" أي في مرتفع منه و لا فجوة في كهف إفسوس على ما يقال.
و أما ثالثا: فلأن قوله تعالى: "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا" ظاهر في أنهم بنوا على الكهف مسجدا، و لا أثر عند كهف إفسوس من مسجد أو صومعة أو نحوهما و أقرب ما هناك كنيسة على مسافة ثلاث كيلو مترات تقريبا و لا جهة تربطها بالكهف أصلا.
على أنه ليس هناك شيء من رقيم أو كتابة أو أمر آخر يشهد و لو بعض الشهادة على كون بعض هاتيك القبور و هي مآت هي قبور أصحاب الكهف أو أنهم لبثوا هناك صفة من الدهر راقدين ثم بعثهم الله ثم توفاهم.
الكهف الثاني: كهف رجيب و هذا الكهف واقع على مسافة ثمانية كيلو مترات من مدينة عمان عاصمة الأردن بالقرب من قرية تسمى رجيب و الكهف في جبل محفورا على الصخرة في السفح الجنوبي منه، و أطرافه من الجانبين الشرقي و الغربي مفتوحة يقع عليه شعاع الشمس منها، و باب الكهف يقابل جهة الجنوب و في داخل الكهف صفة صغيرة تقرب من ثلاثة أمتار في مترين و نصف على جانب من سطح الكهف المعادل لثلاثة في ثلاثة تقريبا و في الغار عدة قبور على هيئة النواويس البيزنطية كأنها ثمانية أو سبعة.
و على الجدران نقوش و خطوط باليوناني القديم و الثمودي منمحية لا تقرأ و أيضا صورة كلب مصبوغة بالحمرة و زخارف و تزويقات أخرى.
و فوق الغار آثار صومعة بيزنطية تدل النقود و الآثار الأخرى المكتشفة فيها على كونها مبنية في زمان الملك جوستينوس الأول 418 - 427 و آثار أخرى على أن الصومعة بدلت ثانيا بعد استيلاء المسلمين على الأرض مسجدا إسلاميا مشتملا على المحراب و المأذنة و الميضاة، و في الساحة المقابلة لباب الكهف آثار مسجد آخر بناه المسلمون في صدر الإسلام ثم عمروها و شيدوها مرة بعد مرة، و هو مبني على أنقاض كنيسة بيزنطية كما أن المسجد الذي فوق الكهف كذلك.
و كان هذا الكهف - على الرغم من اهتمام الناس بشأنه و عنايتهم بأمره كما يكشف عنه الآثار - متروكا منسيا و بمرور الزمان خربة و ردما متهدما حتى اهتمت دائرة الآثار الأردنية أخيرا بالحفر و التنقيب فيه فاكتشفته فظهر ثانيا بعد خفائه قرونا، و قامت عدة من الأمارات و الشواهد الأثرية على كونه هو كهف أصحاب الكهف المذكورين في القرآن.
و قد ورد كون كهف أصحاب الكهف بعمان في بعض روايات المسلمين و ذكره الياقوت في معجم البلدان و أن الرقيم اسم قرية بالقرب من عمان كان فيها قصر ليزيد بن عبد الملك و قصر آخر في قرية أخرى قريبة منها تسمى الموقر و إليهما يشير الشاعر بقوله: يزرن على تنانيه يزيدا.بأكناف الموقر و الرقيم.
و بلدة عمان أيضا مبنية في موضع مدينة "فيلادلفيا" التي كانت من أشهر مدن عصرها و أجملها قبل ظهور الدعوة الإسلامية و كانت هي و ما والاها تحت استيلاء الروم منذ أوائل القرن الثاني الميلاد حتى فتح المسلمون الأرض المقدسة.
و الحق أن مشخصات كهف أهل الكهف أوضح انطباقا على هذا الكهف من غيره.
و الكهف الثالث: كهف بجبل قاسيون بالقرب من الصالحية بدمشق الشام ينسب إلى أصحاب الكهف.
و الكهف الرابع: كهف بالبتراء من بلاد فلسطين ينسبونه إلى أصحاب الكهف.
و الكهف الخامس: كهف اكتشف - على ما قيل - في شبه جزيرة إسكندنافية من اوربا الشمالية عثروا فيه على سبع جثث غير بالية على هيئة الرومانيين يظن أنهم الفتية أصحاب الكهف.
و ربما يذكر بعض كهوف أخر منسوب إلى أصحاب الكهف كما يذكر أن بالقرب من بلدة نخجوان من بلاد قفقاز كهفا يعتقد أهل تلك النواحي أنه كهف أصحاب الكهف و كان الناس يقصدونه و يزورونه.
و لا شاهد يشهد على كون شيء من هذه الكهوف هو الكهف المذكور في القرآن الكريم.
على أن المصادر التاريخية تكذب الأخيرين إذ القصة على أي حال قصة رومانية، و سلطتهم حتى في أيام مجدهم و سؤددهم لم تبلغ هذه النواحي نواحي أوربا الشمالية و قفقاز.
تعليق