بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً﴾1.
توضيح المعاني:
يَشْرُونَ: يبيعون، أي يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية.
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الجهاد:
﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ فعل أمر وفعل الأمر يقتضي الوجوب, فيكون المعنى: فليجاهد في سبيل الله2.
2- من خصائص المجاهدين طلب الآخرة:
﴿الَّذِينَ يَشْرُونَ﴾ معناه الذين يبيعون، وعليه، فإنّ معنى الآية هو: الذين يبيعون الحياة الدنيوية الفانية بالحياة الاخرويَّة الباقية3 ليقاتلوا في سبيل الله.
3- طلاب الدنيا لا يليقون ولا يقدرون على الجهاد:
الفاء في (فليقاتل) تدل على أنّ هذه الآية هي نتيجة لما تقدّم في الآية السابقة، والمقصود منها حثّ المسلمين على الجهاد وذمّ من يبطئ في الخروج إليه4. وبما أن الله عزّ وجل طلب فقط من الذين يطلبون الآخرة أن يقاتلوا في سبيله - مع كون الجهاد واجباً على كل المسلمين - ففيه إشارة إلى أن طلاب الدنيا غير لائقين بالجهاد في سبيل الله ولا يقدرون عليه5.
4- تنعُّم المجاهدين بالثواب الإلهي العظيم:
يَعِدُ الله عزَّ وجل في هذه الآية المجاهدين في سبيله بالثواب والأجر العظيم سواءً غَلَبوا أو استشهدوا. فكلا النصر أو الشهادة عاقبة محمودة للمجاهدين، فإن يقتل في سبيل الله أو يغلب عدو الله له في أيّ حال له أجر عظيم، وعدم ذكر ثالث لهما وهو الانهزام إشارةً إلى أنّ المقاتل في سبيل الله لا ينهزم6. وهذا يدلّ على أنّ المجاهد يضع نصب عينيه أمرين: إما الشهادة أو الغلبة على العدو، فإنه إذا عزم على ذلك لم يفرّ من الخصم ولم يُحجم عن المحاربة.
5- فضيلة الجهاد:
إذا كان المجاهدون في كلا التقديرين -النصر أو الشهادة- سوف يحصلون على الأجر الإلهي العظيم فلا عمل أعظم وأشرف من الجهاد إذاً7.
6- عظمة وديمومة ثواب الشّهداء:
قُدِّمت الشهادة ﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ على الغلبة، (أو يغلب) في الآية، لأنّ ثوابها أجزل وأثبت, لأنّ المقاتل المنتصر على عدو الله في خطر أن يحبط عمله باقتراف بعض الأعمال الموجبة لحبط الأعمال الصالحة واستتباع السيئة بعد الحسنة (مثل الغرور وما شاكل)، بخلاف الشهيد في سبيل الله الذي يستوفي كل أجره العظيم حتماً8.
7- الترغيب في الجهاد:
بيان العاقبتين، النصر أو الشهادة، للمجاهدين فيه حثّ على الجهاد، فكأنّه يقول: هو فائز بإحدى الحسنيين: إن غُلِب، أو غَلَب ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾9.
قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾10.
الإشارات والمضامين:
1- غفران الذنوب، ودخول الجنة ثواب المهاجرين، المخرجين من ديارهم:
يُبيّن الله في جملة ﴿...فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ...﴾، الأعمال الصالحة بشكل مفصّل، والهدف من وراء ذلك: تثبيت ثوابها، وأجر كل منها، و"الواو" لتفصيل الأعمال الصالحة دون الجمع، حتى لا يعتقد أحد أن الآية الشريفة تُعدِّد ثواب الشهداء المهاجرين11.
2- عظمة ثواب المهاجرين:
اقتران كلمة ﴿ثَوَابً﴾ بعبارة ﴿وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾، دلالة على عظمة ثواب المهاجرين، - الذين أخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيل الله-، المجاهدين والشهداء. كما أنّ عبارة ﴿هَاجَرُو﴾، تأكيد لكون ذلك إشارة إلى أن الأجر الإلهي، والمثوبات الإلهية ليست قابلة للوصف بشكل كامل في هذه الحياة الدنيا، بل يكفي أن يعلم الناس بأن هذا الثواب أفضل وأعلى من أي ثواب12.
3- مراتب المشقّات في سبيل الله:
يتحمّل المجاهدون في سبيل الله العديد من الصعوبات، وهذه الصعوبات لها مراتب ومراحل:
المرحلة الأولى: الهجرة ﴿هَاجَرُو﴾.
المرحلة الثانية: الإخراج من الوطن ﴿وَأُخْرِجُو﴾.
المرحلة الثالثة: الإيذاء ﴿وَأُوذُو﴾.
المرحلة الرابعة: القتال ﴿وَقَاتَلُو﴾.
المرحلة الخامسة: الاستشهاد في سبيل الله ﴿وَقُتِلُو﴾13.
وهذا الاستنباط مبني على أن "الواو" بين الجمل للترتيب.
4- قيمة تحمّل الإيذاء والمشقات لكونها في سبيل الله14:
مجيء عبارة ﴿فِي سَبِيلِي﴾ بعد جملة ﴿وَأُوذُو﴾، دلالة على أن التعرّض وتحمّل المصاعب والأذى (كالأسر، والإعاقة)، يكون قَيِّمَاً إذا ما كان في سبيل الله.
5- ترغيب المؤمنين في الهجرة، وتحمّل المصاعب في سبيل الله، والجهاد:
الآية لا تُفصِّل إلا الأعمال التي تندب إليها هذه السورة، - (آل عمران) -، وتبالغ في التحريض والترغيب فيها15. كما أنّ الله عزَّ وجلَّ يُرَغِّب المؤمنين بالأعمال المشار إليها، بالوعد بالمغفرة، والدخول إلى الجنة.
قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾16.
أسباب النزول:
"عن ابن عباس أنّها نزلت في شهداء بدر، وقُتِل من المسلمين يومئذٍ أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، وكان الناس يقولون: مات فلان، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي أن لا يُقال فيهم أنهم أموات"17. والمعنى: أن الله نهى أن يُسمّى من قتل في الجهاد أمواتاً، (بل أحياء)، أي هم أحياء18. فلا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيد لفظ الموت عندكم ومقابلته مع الحياة - كما يعين على هذا القول حواسكم - فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل أحياء ولكنّ حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به. والآية دالة على الحياة البرزخية، وعالم القبر المتوسط ما بين القيامة وعالم الدنيا، حيث ينعم فيه الميت أو يعذب. والآية عامة شاملة وليست مخصوصة بشهداء بدر كما ذهب إليه بعض المفسرين19.
الإشارات والمضامين:
1- النهي عن اعتبار الشهداء في سبيل الله أمواتاً:
يجب على المؤمنين أن لا يعتبروا الشهداء في سبيل الله ضمن الأموات20.
2- مقياس قيمة بذل النفس بكونه في سبيل الله:
القيد ﴿فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾، يبيّن أنَّ قيمة بذل النفس والقتل هو بكونه في سبيل الله.
3- الحياة البرزخية للشهداء:
المقصود من كون الشهداء أحياء بعد الشهادة - كما ورد في أسباب النزول -، ليس المراد منه إحياء اسم الشهيد، وحسن الثناء، وجميل الذكر له مع الزمن, لأنّ هذه الحياة مجرّد حياة خيالية تقديرية... بل المراد الحياة البرزخية الحقيقية. هذا المعنى تؤكّده عبارة ﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾, لأنّ الرزق يستلزم حياة حقيقية وليس خيالية, ولذا فالآية في صدد تبيين الحياة البرزخية للشهداء21.
4- الشهادة هي الحياة الحقيقية:
إنّ فطرة الإنسان تدفعه إلى البحث عن الحياة الحقيقية الخالدة، والقرآن الكريم لا يكتفي بتقديم الموت في سبيل الله، والأهداف المقدّسة على أنَّه طريق الوصول إلى هذه الحياة، وإنما يعتبره عين هذه الحياة.
5- مواساة أعزاء الشهداء بتبشيرهم بالحياة الحقيقية:
هذه الآية لإيقاظ وتنبيه أولياء الشهداء بأنَّ قتل أعزاءهم ليس إلا مفارقة لهم في أيام قلائل في الدنيا، وأنهم سيلحقون بهم عما قريب بالموت، وهذا الفراق يسير في مقابل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وما ناله أعزائهم من الحياة الطيبة، والنعمة المقيمة، ورضوان من الله أكبر22.
6- تشجيع المؤمنين على القتل في سبيل الله:
إخبار الله سبحانه عن حياة الشهداء البرزخية، وتَنَعُّمهم عند الله، يشجِّع المؤمنين على القتال في سبيل الله, لأنَّهم سيعرفون بأنَّهم إذا قتلوا في ميدان الجهاد، فإنَّهم سيصلون إلى الحياة الخالدة، والرضوان الإلهي23.
7- القتل في سبيل الله من القيم السامية24:
يوضح الإسلام بأن للشهادة منزلتها العظيمة كما توضح الآية أعلاه وآيات أخرى، وهذا يعطي قيمة كبيرة لمسألة الجهاد من المنظور الإلهي، ويعطي المجاهد مرتبة سامية وهامة على ساحة المواجهة بين الحق والباطل. وهذا العامل أمضى من أي سلاح وأقوى من كل المؤثّرات25.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً﴾1.
توضيح المعاني:
يَشْرُونَ: يبيعون، أي يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية.
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الجهاد:
﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ فعل أمر وفعل الأمر يقتضي الوجوب, فيكون المعنى: فليجاهد في سبيل الله2.
2- من خصائص المجاهدين طلب الآخرة:
﴿الَّذِينَ يَشْرُونَ﴾ معناه الذين يبيعون، وعليه، فإنّ معنى الآية هو: الذين يبيعون الحياة الدنيوية الفانية بالحياة الاخرويَّة الباقية3 ليقاتلوا في سبيل الله.
3- طلاب الدنيا لا يليقون ولا يقدرون على الجهاد:
الفاء في (فليقاتل) تدل على أنّ هذه الآية هي نتيجة لما تقدّم في الآية السابقة، والمقصود منها حثّ المسلمين على الجهاد وذمّ من يبطئ في الخروج إليه4. وبما أن الله عزّ وجل طلب فقط من الذين يطلبون الآخرة أن يقاتلوا في سبيله - مع كون الجهاد واجباً على كل المسلمين - ففيه إشارة إلى أن طلاب الدنيا غير لائقين بالجهاد في سبيل الله ولا يقدرون عليه5.
4- تنعُّم المجاهدين بالثواب الإلهي العظيم:
يَعِدُ الله عزَّ وجل في هذه الآية المجاهدين في سبيله بالثواب والأجر العظيم سواءً غَلَبوا أو استشهدوا. فكلا النصر أو الشهادة عاقبة محمودة للمجاهدين، فإن يقتل في سبيل الله أو يغلب عدو الله له في أيّ حال له أجر عظيم، وعدم ذكر ثالث لهما وهو الانهزام إشارةً إلى أنّ المقاتل في سبيل الله لا ينهزم6. وهذا يدلّ على أنّ المجاهد يضع نصب عينيه أمرين: إما الشهادة أو الغلبة على العدو، فإنه إذا عزم على ذلك لم يفرّ من الخصم ولم يُحجم عن المحاربة.
5- فضيلة الجهاد:
إذا كان المجاهدون في كلا التقديرين -النصر أو الشهادة- سوف يحصلون على الأجر الإلهي العظيم فلا عمل أعظم وأشرف من الجهاد إذاً7.
6- عظمة وديمومة ثواب الشّهداء:
قُدِّمت الشهادة ﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ على الغلبة، (أو يغلب) في الآية، لأنّ ثوابها أجزل وأثبت, لأنّ المقاتل المنتصر على عدو الله في خطر أن يحبط عمله باقتراف بعض الأعمال الموجبة لحبط الأعمال الصالحة واستتباع السيئة بعد الحسنة (مثل الغرور وما شاكل)، بخلاف الشهيد في سبيل الله الذي يستوفي كل أجره العظيم حتماً8.
7- الترغيب في الجهاد:
بيان العاقبتين، النصر أو الشهادة، للمجاهدين فيه حثّ على الجهاد، فكأنّه يقول: هو فائز بإحدى الحسنيين: إن غُلِب، أو غَلَب ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾9.
قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾10.
الإشارات والمضامين:
1- غفران الذنوب، ودخول الجنة ثواب المهاجرين، المخرجين من ديارهم:
يُبيّن الله في جملة ﴿...فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ...﴾، الأعمال الصالحة بشكل مفصّل، والهدف من وراء ذلك: تثبيت ثوابها، وأجر كل منها، و"الواو" لتفصيل الأعمال الصالحة دون الجمع، حتى لا يعتقد أحد أن الآية الشريفة تُعدِّد ثواب الشهداء المهاجرين11.
2- عظمة ثواب المهاجرين:
اقتران كلمة ﴿ثَوَابً﴾ بعبارة ﴿وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾، دلالة على عظمة ثواب المهاجرين، - الذين أخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيل الله-، المجاهدين والشهداء. كما أنّ عبارة ﴿هَاجَرُو﴾، تأكيد لكون ذلك إشارة إلى أن الأجر الإلهي، والمثوبات الإلهية ليست قابلة للوصف بشكل كامل في هذه الحياة الدنيا، بل يكفي أن يعلم الناس بأن هذا الثواب أفضل وأعلى من أي ثواب12.
3- مراتب المشقّات في سبيل الله:
يتحمّل المجاهدون في سبيل الله العديد من الصعوبات، وهذه الصعوبات لها مراتب ومراحل:
المرحلة الأولى: الهجرة ﴿هَاجَرُو﴾.
المرحلة الثانية: الإخراج من الوطن ﴿وَأُخْرِجُو﴾.
المرحلة الثالثة: الإيذاء ﴿وَأُوذُو﴾.
المرحلة الرابعة: القتال ﴿وَقَاتَلُو﴾.
المرحلة الخامسة: الاستشهاد في سبيل الله ﴿وَقُتِلُو﴾13.
وهذا الاستنباط مبني على أن "الواو" بين الجمل للترتيب.
4- قيمة تحمّل الإيذاء والمشقات لكونها في سبيل الله14:
مجيء عبارة ﴿فِي سَبِيلِي﴾ بعد جملة ﴿وَأُوذُو﴾، دلالة على أن التعرّض وتحمّل المصاعب والأذى (كالأسر، والإعاقة)، يكون قَيِّمَاً إذا ما كان في سبيل الله.
5- ترغيب المؤمنين في الهجرة، وتحمّل المصاعب في سبيل الله، والجهاد:
الآية لا تُفصِّل إلا الأعمال التي تندب إليها هذه السورة، - (آل عمران) -، وتبالغ في التحريض والترغيب فيها15. كما أنّ الله عزَّ وجلَّ يُرَغِّب المؤمنين بالأعمال المشار إليها، بالوعد بالمغفرة، والدخول إلى الجنة.
قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾16.
أسباب النزول:
"عن ابن عباس أنّها نزلت في شهداء بدر، وقُتِل من المسلمين يومئذٍ أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، وكان الناس يقولون: مات فلان، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي أن لا يُقال فيهم أنهم أموات"17. والمعنى: أن الله نهى أن يُسمّى من قتل في الجهاد أمواتاً، (بل أحياء)، أي هم أحياء18. فلا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيد لفظ الموت عندكم ومقابلته مع الحياة - كما يعين على هذا القول حواسكم - فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل أحياء ولكنّ حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به. والآية دالة على الحياة البرزخية، وعالم القبر المتوسط ما بين القيامة وعالم الدنيا، حيث ينعم فيه الميت أو يعذب. والآية عامة شاملة وليست مخصوصة بشهداء بدر كما ذهب إليه بعض المفسرين19.
الإشارات والمضامين:
1- النهي عن اعتبار الشهداء في سبيل الله أمواتاً:
يجب على المؤمنين أن لا يعتبروا الشهداء في سبيل الله ضمن الأموات20.
2- مقياس قيمة بذل النفس بكونه في سبيل الله:
القيد ﴿فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾، يبيّن أنَّ قيمة بذل النفس والقتل هو بكونه في سبيل الله.
3- الحياة البرزخية للشهداء:
المقصود من كون الشهداء أحياء بعد الشهادة - كما ورد في أسباب النزول -، ليس المراد منه إحياء اسم الشهيد، وحسن الثناء، وجميل الذكر له مع الزمن, لأنّ هذه الحياة مجرّد حياة خيالية تقديرية... بل المراد الحياة البرزخية الحقيقية. هذا المعنى تؤكّده عبارة ﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾, لأنّ الرزق يستلزم حياة حقيقية وليس خيالية, ولذا فالآية في صدد تبيين الحياة البرزخية للشهداء21.
4- الشهادة هي الحياة الحقيقية:
إنّ فطرة الإنسان تدفعه إلى البحث عن الحياة الحقيقية الخالدة، والقرآن الكريم لا يكتفي بتقديم الموت في سبيل الله، والأهداف المقدّسة على أنَّه طريق الوصول إلى هذه الحياة، وإنما يعتبره عين هذه الحياة.
5- مواساة أعزاء الشهداء بتبشيرهم بالحياة الحقيقية:
هذه الآية لإيقاظ وتنبيه أولياء الشهداء بأنَّ قتل أعزاءهم ليس إلا مفارقة لهم في أيام قلائل في الدنيا، وأنهم سيلحقون بهم عما قريب بالموت، وهذا الفراق يسير في مقابل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وما ناله أعزائهم من الحياة الطيبة، والنعمة المقيمة، ورضوان من الله أكبر22.
6- تشجيع المؤمنين على القتل في سبيل الله:
إخبار الله سبحانه عن حياة الشهداء البرزخية، وتَنَعُّمهم عند الله، يشجِّع المؤمنين على القتال في سبيل الله, لأنَّهم سيعرفون بأنَّهم إذا قتلوا في ميدان الجهاد، فإنَّهم سيصلون إلى الحياة الخالدة، والرضوان الإلهي23.
7- القتل في سبيل الله من القيم السامية24:
يوضح الإسلام بأن للشهادة منزلتها العظيمة كما توضح الآية أعلاه وآيات أخرى، وهذا يعطي قيمة كبيرة لمسألة الجهاد من المنظور الإلهي، ويعطي المجاهد مرتبة سامية وهامة على ساحة المواجهة بين الحق والباطل. وهذا العامل أمضى من أي سلاح وأقوى من كل المؤثّرات25.
-----------------------
1- سورة النساء، الآية 74.
2- تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 115.
3- م. ن، ج 3، ص 115..
4- تفسير الميزان، ج 4، ص 418.
5- تفسير راهنما، ج 3، ص 468.
6- تفسير الميزان، ج4، ص 418 – 419.
7- جامع الجامع، ج 1، ص 417.
8- تفسير الميزان، ج4، ص 419.
9- تفسير مجمع البيان، ج3-4، ص 116.
10- سورة آل عمران، الآية 195.
11- تفسير الميزان، ج4، ص 88.
12- التفسير الأمثل، ج 3، ص 55.
13- تفسير نور، ج2، ص263-264.
14- تفسير راهنما، ج3، ص 255.
15- تفسير الميزان، ج4، ص88.
16- سورة البقرة، الآية 154.
17- تفسير مجمع البيان، ج1-2، ص437.
18- م. ن.
19- تفسير الميزان، ح 1، ص 347.
20- تفسير راهنما، ج1، ص 393.
21- تفسير الميزان، ج1، ص 345-346.
22- تفسير الميزان، ج 1، ص 347.
23- تفسير راهنما، ج1، ص 393.
24- م. ن، ج 1، ص 393.
25- تفسير نمونه، ج 1، ص 522 (تفسير الأمثل).