بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يهدف الاسلام الى وحدة بني الانسان على أساس تحقيق مصالحهم المادية والمعنوية بحيث يۆسّسون مجتمعا واحدا، ويلتفت في الوقت ذاته الى المحور المعنوي أكثر من المحاور المادية. يسعى الاسلام لوحدة بني الانسان كافة على أساس محور الدين الحق اذ هو العامل لتحقيق المصالح المعنوية للانسان، ولا يكتفي بتحقيق المصالح المادية في حياتهم. (1) في آيات كثيرة تتأكّد محورية الدين الحق من أجل التضامن الاجتماعي والتعايش بين بني الانسان. نذكر هنا بعضها، قال تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَة مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(2).
فالله سبحانه يريد جعل الجميع حول محور واحد وايجاد الترابط بينهم، ولكن ليس أي محور بل محور (حبل الله).
وعليه ليس للاتحاد والترابط في ذاته قيمة مطلقة في الاسلام، ولا يمكن أن يكون كل اتحاد وترابط قيّماً. فقيمة التضامن والاتحاد نسبية وتستند الى محورية الدين الحق والمصالح المعنوية.
قال تعالى في الآية اللاحقة:
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(3).
فقد بين في هذه الآية انّ المنشأ الأساسي للتفرق هو التفرق في الدين وهو لازم محورية الدين في التضامن الاجتماعي.
قال تعالى في آية اُخرى:(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(4).
يدعو الله عزّ وجلّ: اتبعوا الطريق المستقيم ولا تسلكوا طرقاً اُخرى على هامش الطريق المستقيم لكي لا تنحرفوا عن طريق الحق.
ان واجب الجميع إذنْ هو معرفة الصراط المستقيم والسير فيه. جاء في آية اُخرى:(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ)(5).
الآية تهدّد مثيري الاختلاف في الدين بحيث يكونون فِرقاً متشتتين. قال تعالى في آية اُخرى:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(6).
يستفاد من جميع هذه الآيات انّ الحالة المثالية في الرۆية الاسلامية هي أن يتحد جميع أفراد الانسان حول محور الدين وان يسعوا في سبيله، وان يتخذوه محوراً للتضامن ولا يثيروا الاختلاف والتفرق فيه. هناك آيات اُخرى تشير الى هذه الحقيقة أيضاً بتعابير اُخرى، آيات تندد بالأعمال المفرّقة المثيرة للاختلاف عمليا، فمثلاً أراد بعض المنافقين خلال العهد الأول للاسلام في عصر النبي (صلى الله عليه واله ) أن يفرقوا بين المسلمين، فبنَوا مسجداً بهدف ايجاد قاعدة للنفاق والاختلاف، فنزلت فيهم هذه الآية:(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُۆْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(7).
في قصة (مسجد ضرار) المشار اليها في الآية ان اُناساً كانوا بصدد اثارة الاختلاف بين المسلمين من خلال بناء هذا المسجد. لقد كانوا على اتّصال مع الاجانب، وأرادوا ببناء هذا المسجد ان يصبح وكراً للذين حاربوا الله ورسوله في الماضي. يروي التأريخ انّ المنافقين الذين عزموا على بناء مسجد ضرار كانوا على اتّصال مع اليهود والمشركين، وفي الوقت الذي اوشك وقوع هذا الاختلاف بين المسلمين تصدى الله سبحانه له بشدة، فكلّف الرسول الاكرم (ص) بهدم هذا المسجد -وإنْ كان مسجداً ومكانا لعبادة الله ولكن الهدف وراء بنائه هو اثارة الاختلاف- أي وإنْ كان مسجداً فالواجب هو هدمه لكي يُقضى على الاختلاف في مهده. وفي بعض الآيات يدعو الله سبحانه الناس الى التعاون بينهم على أساس البر والتقوى لا المعصية والظلم. (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(8).
وعليه لا يكون كل تعاون قيّما، بل يكون التعاون والتعامل قيّما اذا كان على أساس التقوى والقيمة الدينية، فاذا كان معارضاً للبرّ والتقوى اتّسم بالقيمة السلبيّة، وإذا كان حياديا إزاءهما فليست له قيمة ايجابية ولا سلبية.
المصادر:
1- مقتبس من كتاب الأخلاق في القرآن ، آية الله محمد تقي مصباح اليزدي.
2- آل عمران
103.3- آل عمران
105.4- الانعام
153.5- الانعام
159.6- الشورى
13.7- التوبة
107.8- المائدة 2.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يهدف الاسلام الى وحدة بني الانسان على أساس تحقيق مصالحهم المادية والمعنوية بحيث يۆسّسون مجتمعا واحدا، ويلتفت في الوقت ذاته الى المحور المعنوي أكثر من المحاور المادية. يسعى الاسلام لوحدة بني الانسان كافة على أساس محور الدين الحق اذ هو العامل لتحقيق المصالح المعنوية للانسان، ولا يكتفي بتحقيق المصالح المادية في حياتهم. (1) في آيات كثيرة تتأكّد محورية الدين الحق من أجل التضامن الاجتماعي والتعايش بين بني الانسان. نذكر هنا بعضها، قال تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَة مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(2).
فالله سبحانه يريد جعل الجميع حول محور واحد وايجاد الترابط بينهم، ولكن ليس أي محور بل محور (حبل الله).
وعليه ليس للاتحاد والترابط في ذاته قيمة مطلقة في الاسلام، ولا يمكن أن يكون كل اتحاد وترابط قيّماً. فقيمة التضامن والاتحاد نسبية وتستند الى محورية الدين الحق والمصالح المعنوية.
قال تعالى في الآية اللاحقة:
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(3).
فقد بين في هذه الآية انّ المنشأ الأساسي للتفرق هو التفرق في الدين وهو لازم محورية الدين في التضامن الاجتماعي.
قال تعالى في آية اُخرى:(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(4).
يدعو الله عزّ وجلّ: اتبعوا الطريق المستقيم ولا تسلكوا طرقاً اُخرى على هامش الطريق المستقيم لكي لا تنحرفوا عن طريق الحق.
ان واجب الجميع إذنْ هو معرفة الصراط المستقيم والسير فيه. جاء في آية اُخرى:(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ)(5).
الآية تهدّد مثيري الاختلاف في الدين بحيث يكونون فِرقاً متشتتين. قال تعالى في آية اُخرى:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(6).
يستفاد من جميع هذه الآيات انّ الحالة المثالية في الرۆية الاسلامية هي أن يتحد جميع أفراد الانسان حول محور الدين وان يسعوا في سبيله، وان يتخذوه محوراً للتضامن ولا يثيروا الاختلاف والتفرق فيه. هناك آيات اُخرى تشير الى هذه الحقيقة أيضاً بتعابير اُخرى، آيات تندد بالأعمال المفرّقة المثيرة للاختلاف عمليا، فمثلاً أراد بعض المنافقين خلال العهد الأول للاسلام في عصر النبي (صلى الله عليه واله ) أن يفرقوا بين المسلمين، فبنَوا مسجداً بهدف ايجاد قاعدة للنفاق والاختلاف، فنزلت فيهم هذه الآية:(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُۆْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(7).
في قصة (مسجد ضرار) المشار اليها في الآية ان اُناساً كانوا بصدد اثارة الاختلاف بين المسلمين من خلال بناء هذا المسجد. لقد كانوا على اتّصال مع الاجانب، وأرادوا ببناء هذا المسجد ان يصبح وكراً للذين حاربوا الله ورسوله في الماضي. يروي التأريخ انّ المنافقين الذين عزموا على بناء مسجد ضرار كانوا على اتّصال مع اليهود والمشركين، وفي الوقت الذي اوشك وقوع هذا الاختلاف بين المسلمين تصدى الله سبحانه له بشدة، فكلّف الرسول الاكرم (ص) بهدم هذا المسجد -وإنْ كان مسجداً ومكانا لعبادة الله ولكن الهدف وراء بنائه هو اثارة الاختلاف- أي وإنْ كان مسجداً فالواجب هو هدمه لكي يُقضى على الاختلاف في مهده. وفي بعض الآيات يدعو الله سبحانه الناس الى التعاون بينهم على أساس البر والتقوى لا المعصية والظلم. (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(8).
وعليه لا يكون كل تعاون قيّما، بل يكون التعاون والتعامل قيّما اذا كان على أساس التقوى والقيمة الدينية، فاذا كان معارضاً للبرّ والتقوى اتّسم بالقيمة السلبيّة، وإذا كان حياديا إزاءهما فليست له قيمة ايجابية ولا سلبية.
المصادر:
1- مقتبس من كتاب الأخلاق في القرآن ، آية الله محمد تقي مصباح اليزدي.
2- آل عمران
103.3- آل عمران
105.4- الانعام
153.5- الانعام
159.6- الشورى
13.7- التوبة
107.8- المائدة 2.
تعليق