كان البعد العلمي للإمام الرضا (عليه السلام) ، بعد متميز في سيرته العطرة..
والإمام عاصر في أواخر المئة الثانية من بعد هجرة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي هذه الفترة حاول العدو من خلال أبواقه المختلفة ورجال بلاطه ، أن يشوهوا سمعة أهل البيت (عليهم السلام) ،
أو على الأقل يحاولون أن يغطوا على هذه الجهات الإيجابية في سيرتهم العطرة ، ولكن شاء الله عزوجل إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون..
لما كان الإمام (عليه السلام) في المدينة يقول الراوي : أنه جمع العلماء من المسائل ما كثر ، إلى درجة كانت إجابات الإمام (عليه السلام) ثمانية عشر ألف مسألة ، الإمام أجاب على كل هذه المسائل..
وكان للإمام (صلوات الله وسلامه عليه) حضور متميز في مسجد النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ، ومن قبل ذلك جده جعفر بن محمد الصادق (ع) ، كان قد استلم كرسي الفقه والحديث والأصول وغير ذلك..
ومن العجيب أنه بعض أفراد الأمة ، وبعض المستولين على مقدرات هذه الأمة ، أنه كيف تركوا هذا الخط الواضح ! ، وكيف أنهم وجهوا الناس توجيهاً خاطئاً في مختلف المجالات !..
لهذا الإمام الرضا (ع) كان يحاول من خلال بحثه مع العلماء ، أن يركز على القرآن الكريم ، هذا العنصر والجامع المشترك بين جميع المسلمين ، ليفهم الأمة بأنه (صلوات الله وسلامه عليه) يمثل القرآن والعترة ، العدلال اللذان تركهما النبي المصطفى (ص) في هذه الأمة.
ومن جهود الإمام العلمية : تنزيهه الذات الإلهية من شبهة التجسيم .. الإمام (ع) كان يؤكد على حقيقة التوحيد ، وأن الله عزوجل فوق كل عنصر زماني ومكاني..
قال الرضا (ع) في : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، يعني : مشرقة ، تنتظر ثواب ربها..
وفي : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} ، قد توحي ظاهر الآية عن أن هنالك حالة من حالات الرؤيا ، ولكنه (ع) يقول : أن الله -تبارك وتعالى- لا يوصف بمكان يحل فيه ، فيحجب عن عباده ، ولكنه يعني : عن ثواب ربهم لمحجوبون..
لأن هذه الفكرة كانت شائعة في صفوف المسلمين ، وبعض علماء الدين أخذوا ظواهر هذه الآيات وجمدوا عليها..
وسئل عن قوله تعالى : {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ، فقال : إن الله تعالى لا يوصف بالمجيء والذهاب والانتقال ، إنما يعني ذلك : وجاء أمر ربك..
إذن، هذه الأحاديث المختلفة تدل على أن الإمام الرضا (ع) ، كان حريصاً على تنقية معالم التوحيد والأصول الاعتقادية ، من كل ما لا يليق به.. ومع ذلك نعلم أن الذي كان بجوار الإمام (ع) وهو المأمون ، لم يتحمل هذا الوجود الطاهر ، ومن هنا قام بما قام به..
الشيخ حبيب الكاظمي
تعليق