بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)).[1]ان للوثنية صور عديدة منها الاصنام التي كانوا عليها يعكفون ومنها عبادة البشر كالملوك وغيرهم ومنها تعدد الالهة وتجزئتها كالقول بالتثليث ونحب ان نسلط الضوء على هذه العقيدة النصرانية ومنشأها في الديانات الوثنية القديمة من خلال ما كتبه باحث مهم في هذا المجال وهو السيد محمد حسين الطبطبائي في تفسيره الميزان حيث قال:
والذي يجب الإمعان فيه أن الأمم التي بسطت الدعوة المسيحية وظهرت فيها أول ظهورها كالروم والهند وغيرهما كانوا قبلها منتحلين بالوثنية الصابئة أو البرهمنية أو البوذائية وفيها أصول من مذاق التصوف من جهة والفلسفة البرهمنية من جهة وفيها جميعا شطر وافر من ظهور اللاهوت في مظهر الناسوت على أن القول بتثليث الوحدة ونزول اللاهوت في لباس الناسوت وتحملها الصلب والعذاب فدائا كان دائرا بين القدماء من وثنية الهند والصين ومصر وكلدان والآشور والفرس ، وكذا قدماء وثنية الغرب كالرومان والإسكندناويين وغيرهم على ما يوجد في الكتب المؤلفة في الأديان والمذاهب القديمة . ذكر " دوان " في كتابه " خرافات التوراة وما يماثلها في الأديان الأخرى " إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أن أعظم وأشهر عبادتهم اللاهوتية هو التثليث، ويسمون هذا التعليم بلغتهم " ترىمورتى " وهي عبارة مركبة من كلمتين بلغتهم السنسكريتية " ترى " ومعناها الثلاثة و" مورتى " ومعناها هيئات أو أقانيم ، وهي " برهما " ، وفشنو ، وسيفا " ثلثه أقانيم متحدة لا ينفك عن الوحدة فهي إله واحد بزعمهم . ثم ذكر : أن برهما عندهم هو الأب وفشنو هو الابن وسيفا هو روح القدس . ثم ذكر أنهم يدعون سيفا " كرشنا " الرب المخلص والروح العظيم الذي ولد منه " فشنو " الإله الذي ظهر بالناسوت على الأرض ليخلص الناس فهو أحد الأقانيم الثلاثة التي هي الإله الواحد . وذكر أيضا : أنهم يرمزون للأقنوم الثالث بصورة حمامة كما يقوله النصارى . وقال مستر " فابر " في كتابه " أصل الوثنية " كما نجد عند الهنود ثالوثا مؤلفا من " برهما " و" فشنو " و" سيفا " نجد عند البوذيين ثالوثا فإنهم يقولون : إن " بوذ " إله له ثلاثة أقانيم ، وكذلك بوذيو جينست يقولون : إن " جيفا " مثلث الأقانيم .
والصينيون يعبدون بوذه ويسمونه " فو " ويقولون إنه ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.
وقال دوان في كتابه المتقدم ذكره: وكان قسيسوا هيكل منفيس بمصر يعبرون عن الثالوث المقدس للمبتدئين بتعلم الدين بقولهم : إن الأول خلق الثاني والثاني خلق الثالث ، وبذلك تم الثالوث المقدس . وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكى أن يخبره : هل كان قبله أحد أعظم منه ؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه ؟ فأجابه الكاهن : نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كل شيء ثم الكلمة ومعهما روح القدس ، ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة ، وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوة الأبدية ، فاذهب يا فاني يا صاحب الحياة القصيرة . وقال بونويك في كتابه " عقائد قدماء المصريين " أغرب كلمة عم انتشارها في ديانة المصريين هي قولهم بلاهوت الكلمة ، وأن كل شيء حصل بواسطتها ، وأنها منبثقة من الله ، وأنها هي الله ، انتهى ، وهذا عين العبارة التي يبتدى بها إنجيل يوحنا . وقال " هيجين " في كتاب " الانكلوساكسون " كان الفرس يدعون متروسا الكلمة والوسيط ومخلص الفرس . ونقل عن كتاب سكان أوروبه الأولين : أنه كان الوثنيون القدماء يقولون : إن الإله مثلث الأقانيم . ونقل عن اليونان والرومان والفنلنديين والإسكندناويين قضية الثالوث السابق الذكر ، وكذا القول بالكلمة عن الكلدانيين والآشوريين والفينيقيين . وقال دوان في كتابه " خرافات التوراة وما يقابلها من الديانات الأخرى " ص 181 281 ما ترجمته بالتلخيص : " أن تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فدائا عن الخطيئة قديم العهد جدا عند الهنود الوثنيين وغيرهم " وذكر شواهد على ذلك : منها قوله: يعتقد الهنود أن كرشنا المولود البكر - الذي هو نفس الآلهة فشنو الذي لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم - تحرك حنوا كي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلص الإنسان بتقديم ذبيحة عنه . وذكر أن " مسترمور " قد صور كرشنا مصلوبا كما هو مصور في كتب الهنود مثقوب اليدين والرجلين ، وعلى قميصه صورة قلب الإنسان معلقا ، ووجدت له صورة مصلوبا وعلى رأسه إكليل من الذهب ، والنصارى تقول : إن يسوع صلب وعلى رأسه إكليل من الشوك . وقال " هوك " في ص 623 من المجلد الأول من رحلته : ويعتقد الهنود الوثنيون بتجسد بعض الآلهة ، وتقديم ذبيحة فداء للناس من الخطيئة . وقال " موريفورليمس " في ص 62 من كتابه الهنود ويعتقد الهنود الوثنيون بالخطيئة الأصلية ، ومما يدل على ذلك ما جاء في مناجاتهم وتوسلاتهم التي يتوسلون بها بعد " الكياتري " وهو ، إني مذنب ومرتكب الخطيئة ، وطبيعتي شريرة ، وحملتني أمي بالإثم فخلصنى يا ذا العين الحندقوقية يا مخلص الخاطئين من الآثام والذنوب . وقال القس " جورجكوكس " في كتابه الديانات القديمة في سياق الكلام عن الهنود : ويصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتا لأنه قدم شخصه ذبيحة . ونقل " هيجين " عن " اندارادا الكروزوبوس " وهو أول أوروبي دخل بلاد التيبال والتبت : أنه قال في الإله " اندرا " الذي يعبدونه : أنه سفك دمه بالصلب وثقب المسامير لكي يخلص البشر من ذنوبهم ، وأن صورة الصلب موجودة في كتبهم . وفي كتاب " جورجيوس " الراهب صورة الإله " اندرا " هذا مصلوبا ، وهو بشكل صليب أضلاعه متساوية العرض متفاوتة الطول فالراسي أقصرها - وفيه صورة وجهه - والسفلى أطولها ، ولو لا صورة الوجه لما خطر لمن يرى الصورة أنها تمثل شخصا ، هذا . وأما ما يروى عن البوذيين في بوذا فهو أكثر انطباقا على ما يرويه النصارى عن المسيح من جميع الوجوه حتى أنهم يسمونه المسيح ، والمولود الوحيد ، ومخلص العالم ، ويقولون إنه إنسان كامل وإله كامل تجسد بالناسوت ، وأنه قدم نفسه ذبيحة ليكفر ذنوب البشر ويخلصهم من ذنوبهم فلا يعاقبوا عليها ، ويجعلهم وارثين لملكوت السموات،بين ذلك كثير من علماء الغرب: منهم " بيل " في كتابه ، و" هوك " في رحلته ، و" موالر " في كتابه تاريخ الآداب السنسكريتية ، وغيرهم . فهذه نبذة أو أنموذجة من عقيدة تلبس اللاهوت بالناسوت ، وحديث الصلب والفداء في الديانات القديمة التي كانت الأمم متمسكين بها منكبين عليها يوم شرعت الديانة النصرانية تنبسط على الأرض ، وأخذت الدعوة المسيحية تأخذ بمجامع القلوب في المناطق التي جال الدعاة المسيحيون فيها ، فهل هذا إلا أن الدعاة المسيحيين أخذوا أصول المسيحية وأفرغوها في قالب الوثنية واستمالوا بذلك قلوب الناس في تقبل دعوتهم وهضم تعليمهم ؟.[2]
[1] المائدة: 73.
[2] الميزان ج3 ص 423.
تعليق