عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسلمت وقلت: يا رسول الله، أرني الحق أنظر إليه بياناً (عياناً. ظ.).
فقال: يا ابن مسعود، لج المخدع، فانظر ماذا ترى؟!
قال: فدخلت، فإذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) راكعاً وساجداً وهو يخشع في ركوعه وسجوده، ويقول: اللهم بحق نبيك محمد إلا ما غفرت للمذنبين من شيعتي.
فخرجت لأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فوجدته راكعاً وساجداً. وهو يخشع في ركوعه وسجوده ويقول: اللهم بحق علي وليك إلا ما غفرت للمذنبين من أمتي.
فأخذني الهلع، فأوجز (صلى الله عليه وآله) في صلاته، وقال: يا ابن مسعود، أكفراً بعد إيمان؟!
فقلت: لا وعيشك يا رسول الله، غير أني نظرت إلى علي وهو يسأل الله تعالى بجاهك، ونظرت إليك وأنت تسأل الله تعالى بجاهه، فلا أعلم أيكما أوجه عند الله تعالى من الآخر؟!
فقال: يا ابن مسعود، إن الله تعالى خلقني وخلق علياً والحسن والحسين
من نور قدسه، فلما أراد أن ينشئ خلقه فتق نوري، وخلق منه السماوات والأرض، وأنا والله أجل من السماوات والأرض.
وفتق نور علي، وخلق منه العرش والكرسي، وعلي والله أجل من العرش والكرسي.
وفتق نور الحسن، وخلق منه الحور العين والملائكة، والحسن والله أجل من الحور العين والملائكة.
وفتق نور الحسين، وخلق منه اللوح والقلم، والحسين والله أجل من اللوح والقلم.
فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب.
فضجت الملائكة ونادت: إلهنا وسيدنا، بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما فرجت عنا هذه الظلمة.
فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى، فخلق منها روحاً، فاحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة، فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق والمغارب، فلأجل ذلك سميت الزهراء.
يا ابن مسعود، إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل لي ولعلي: أدخلا الجنة من أحببتما، وألقيا في النار من أبغضتما.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}(1).
____________
1- الآية 24 من سورة ق.
قال: الكفار من كفر بنبوتي، والعنيد من عاند علي بن أبي طالب(1).
ونقول:
أولاً: دلت هذه الرواية على جواز التوسل بالأنبياء والأوصياء. وأن ذلك ليس من الشرك في شيء.
ثانياً: إن النبي (صلى الله عليه وآله) مستجاب الدعوة، وكذلك الوصي، ولا يحتاجان إلى التوسل بأحد، ولكنهما (عليهما الصلاة والسلام) يتعاملان مع نفسيهما كما يتعامل سائر الناس مع أنفسهم، فلا يأخذان معنى العصمة في تعاملهما هذا.. ومن فوائد ذلك تجسيد معنى الأسوة والقدوة بصورة عملية؛ إذ لو فهم الناس أنهما يتعاملان على أساس حقيقة النبوة والإمامة، ليشعر الناس بالعجز عن التأسي بهما، والمجارات لهما..
ثالثاً: المطلوب هنا: تعريف ابن مسعود بأمور:
أحدها: أن يرى بأم عينيه وبصورة عملية مقام علي (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله).
الثاني: تعريفه بمدى اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) بأمته، واهتمام علي (عليه السلام) بشيعته.
الثالث: أن هذا الهمَّ همٌّ حقيقي، يحمله كل منهما إلى خلواته، ويناجي به ربه، ويبذل الجهد في العبادة والتبتل إلى الله من أجله..
الرابع: أن محبة النبي (صلى الله عليه وآله) للمطيعين لا تعني سعيه لعذاب وشقاء العاصين، بل هو يسعى لإنقاذهم من البلاء، وتخليصهم من العذاب والعناء والشقاء.
رابعاً: إنه (صلى الله عليه وآله) حين قال لابن مسعود: أكفر بعد إيمان؟! قد أعطاه جرعة تفيده في التحمل والتماسك والثبات، وتؤهله لتلقي ما هو أعظم، مما تضمنته أقواله (صلى الله عليه وآله) من حقائق ودقائق، حول هذه الموجودات النورانية السامية المقام، ليقيم بذلك الحجة على ابن مسعود، ولتكون له ذخراً وملاذاً في الأيام الصعبة، حين تهجم عليه وعلى غيره اللوابس، وتعصف رياح الشبهات، وتلقي ظلم الأضاليل والأباطيل والترهات بكلاكلها..
فلعله يستعين بها على إنقاذ غيره.. وليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة، وما ربك بظلام للعبيد.
1- بحار الأنوار ج36 ص73 و 74 وج40 ص43 و 44 عن جامع الفوائد، وعن الفضائل لشاذان، وتأويل الآيات ج2 ص610 ـ 612 والفضائل لشاذان ص128 و 129 ومدينة المعاجز ج3 ص219 ـ 221 و 417 ـ 419 والدر النظيم ص765 و 766 واللمعة البيضاء ص107 و 108 وغاية المرام ج4 ص163 وج7 ص66 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص250.
تعليق