بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
الامام الجواد عليه السلام بين مؤامرات الحاكم والرعية
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
الامام الجواد عليه السلام بين مؤامرات الحاكم والرعية
نحن الآن في ذكرى استشهاد امامنا التاسع محمد بن علي الجواد المكنى بأبي جعفر صلوات الله وسلامه عليه ، وكان عمره الشريف (25) سنة وأشهر وأيام(1) ، وهنا يبادرنا سؤال عن سبب وفاته عليه السلام ؟ لانه فتي وشباب هذا من جانب ومن جانب آخر لم يمرض ولم يتعرض الى حادث ! وعندما تتبعنا إخبارية من خلال كتب السيرة والتاريخ اتضح انه استشهد مسموماً كأبائه ، وددت ان ابين بعض الجوانب التي ادت الى استشهاده سلام الله عليه .. فنبدأ بهذه الرواية للمسعودي وننظر ماذا تقول :
..... عن عبد الرحمن بن يحيى قال كنت يوماً بين يدي مولاي الرضا (عليه السلام) في علته التى مضى بها اذ نظر اليّ فقال لي يا عبد الرحمن اذا كان في آخر يومي هذا وارتفعت الصيحة فانه سيوافيك ابني محمد فيدعوك الى غسلي فاذا غسلتموني وصليتم عليَّ فأَعْلِمْ هذا الطاغية لئلا ينقص عليّ شيئاً ولن يستطيع ذلك قال فوالله اني بين يدي سيدي يكلمني اذ وافى المغرب فنظرت فاذا سيدي قد فارق الدنيا فأخذتني حسرة وغصة شديدة فدنوت اليه فإذا قائل من خلفي يقول مه يا عبد الرحمن فالتفت فاذا الحائط قد انفرج فاذا انا بمولاي ابي جعفر (عليه السلام) وعليه دراعه بيضاء وعمامة سوداء فقال يا عبد الرحمن قم الى غسل مولاك فضعه على المغتسل ، وغسله بثوبه كغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما فرغ صلى وصليت معه عليه ثم قال لي يا عبد الرحمن إِعْلِمْ هذا الطاغي ما رأيت لئلا ينقص عليه شيئاً ولن يستطيع ذلك ولم ازل بين يدي سيدي الى ان انفجر عمود الصبح فاذا انا بالمأمون قد اقبل في خلق كثير فمنعتني هيبته ان ابدأ بالكلام فقال يا عبد الرحمن بن يحيى ما اكذبكم الستم تزعمون انه ما من امام يمضي الا وولده القائم مكانه يلي أمره هذا علي بن موسى بخراسان و محمد ابنه بالمدينة قال فقالت يأمير المؤمنين اما اذا ابتدأتني فاسمع انه لما كان امس قال لي سيدي كذا وكذا فوالله ما حضرت صلوات المغرب حتى قضى فدنوت منه فاذا قائل يقول من خلفي مه يا عبد الرحمن وحدثته الحديث فقال صفه لي فوصفته له بحليته ولباسه واريته الحائط الذي خرج منه فرمى نفسه الى الارض واقبل يخور كما يخور الثور وهو يقول ويلك يا مأمون ما حالك وعلى ما اقدمت لعن الله فلاناً وفلاناً فانهما اشارا علي بما فعلت . (2)
لربمى يتسائل القارئ العزيز لماذا هذه القصة وما المطلوب من سردها غير اثبات امامة الجواد (عليه السلام) ؟
نعم هذا صحيح ؛ ولكن من خلال هذه الرواية عرفة السلطة انه الامام من بعد ابيه ، وكان واضح من سؤال المأمون الى عبد الرحمن بن يحيى ( ما اكذبكم الستم تزعمون انه ما من امام يمضي الا وولده القائم مكانه يلي أمره هذا علي بن موسى بخراسان و محمد ابنه بالمدينة ... ) ، في حين الأئمة (ع) الذين سبقوه كان لديهم فسحة من الزمن تجعلهم يتحركون بشيء من الحرية ، وذلك بكتمان امر الامامة بين عامة المسلمين وايضاً السلطة ، فيبقى الامر محصور بين المخلصين من الموالين للائمة عليهم السلام والمتتبيعين لخطوات الامام ، بينما الامام ابا جعفر عليه السلام ، لم يتركه المأمون فقد احتضنه وزوجه من ابنته لكي يجعل من يراقبه ، بحجة حبه للامام او تكفيره عن ذنب قتل والده ، والصحيح هو التضيق على حركة الامام ابو جعفر روحي له الفداء ، ولم يأخذ قـسـط من الحرية ، وان هذه الحركات التي قام بها الحاكم العباسي لم تحجم حركة الامام سلام الله عليه وتعزله عن الموالين ففتكوا به وهو في ريعان شبابه ، هذا أولاً .
ثانياً: وان من حرض على التخلص من الامام الجواد او قتله هم الزمرة او الحاشية المحيطة بالحاكم العباسي ، لان الأخير اصبح لا يعتمد على فتواهم ، فإذا عرضت عليه قضية تتطلب حكم شرعي ، يجمعهم ويأخذ آرائهم الشرعية ومن ثم يأخذ الحكم الشرعي من الامام الجواد (ع) ، وانقل لكم هذه الرواية التى زيّدة التآمر على ابي جعفر (ع) :
روى المجلسي في كتاب (بحار الانوار) عن العياشي ، عن زرقان (3) قال : رجع ابن ابي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم .. وهو مغتم ، فقلت له في ذلك ؟
فقال : وددت اليوم اني قدمت منذ عشرين سنة .
قلت له : ولم ذاك ؟
قال : لما كان من هذا الاسود ابي جعفر محمد بن علي بن موسى .. اليوم ، بين يدي أمير المؤمنين .
قلت له : وكيف كان ذلك ؟
قال : ان سارقاً أقرَّ على نفسه بالسرقة ، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه . فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، وقد اَحضر محمد بن علي (الامام الجواد عليه السلام) فـسـألنـا عن القطع في أي موضع يقطع ؟
فقلت : من الكرسوع .
قال المعتصم : وما الحجة في ذلك ؟
قلتُ : لان اليد هي الاصابع والكف الى الكرسوع ، لقول الله في التيمم { فامسحوا بوجوهكم وايديكم }(4) واتفق معي ذلك قوم (5) .
وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق .
قال المعتصم : وما الدليل على ذلك ؟
قالوا : لان الله لما قال : { وايدكم الى المرافق }(سورة المائده آية 6) في الغسل .. دلَّ على ذلك اَنّ حدّ اليد هو المرفق .
قال ابن ابي دؤاد : فالتفت المعتصم الى محمد بن علي ، فقال : ما تقول في هذا يا اَبا جعفر ؟
فقال : قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين ! !
قال : دعني مما تكلموا به ، أي شيء عندك ؟
قال : اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين ! !
قال : اقسمت عليك بالله لما اَخبرت بما عندك فيه .
فقال : اَما اذا اقسمت عليّ بالله ، إني اقـول : إنهم أخطـأوا فيه الـسُنَّة ، فـإما القطع يجب انْ يكون من مفصـل اُصول الأصـابع ، فيُترك الكـف .
قال المعتصم : وما الحجة في ذلك ؟
قال الامام : قول رسـول الله (ص وآله) : { السـجود على سبعة اعضـاء الوجـه واليدين والركبتين والرجلين } ، فاذا قطِعت يـدُه مـن الكرسـوع او المرفق .. لـم تبق لـه يدٌ يسـجدُ عليها ، وقال الله تبارك وتعالى : { واَنِّ المسـاجدَ لله }(7) يعني بـه هـذه الاعضـاء السبعة التي يسـجد عليها { فلا تدعـوا مـع الله احـداً }(7) وما كان لله لـم يقطع .
قال ابن ابي دؤاد : فـاعجب المعتصم ذلك ، وامــر بقطع يـد السـارق مـن مفصـل الاصـابع دون الكـف .
قال ابن أبي دواد : قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حيا .
قال زرقان : ان ابن ابي داود قال : صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت : إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار ، قال : وما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه ؛ وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويدَّعون أنه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟ ! قال : فتغير لونه وانتبه لما نبهته له وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيرا قال فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه ؛ وقال : قد علمت أني لا أحضر مجالسكم ، فقال : إني إنما أدعوك إلى الطعام وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك وقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه ، فلما أطعم منها أحس السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم ، قال : خروجي من دارك خير لك ، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض صلاة الله وسلامه عليه(8) .
ونختتم بهذه الروايتين :
- صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا عليه السّلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب اللّه لي غلاما. فقد وهب اللّه وأقرّ عيوننا فلا أرانا اللّه يومك، فان كان كون فإلى من ؟
فأشار بيده الى أبي جعفر عليه السّلام وهو نائم بين يديه فقلت: جعلت فداك هو ابن ثلاث سنين .
قال: وما يضرّه ذلك؟ قد قام عيسى بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين(9) .
- وروي عن الحسن بن الجهم قال: دخلت على الرضا؛ وأبو جعفر صغير بين يديه فقال لي بعد كلام طويل جرى: لو قلت لك يا حسن ان هذا امام، ما كنت تقول ؟
قال: قلت ما تقوله لي جعلت فداك .
قال: أصبت، ثم كشف عن كتف أبي جعفر فأراني مثل رمز اصبعين .
فقال لي: مثل هذا كان في مثل هذا الموضع من أبي موسى عليه السّلام .
وكان حواره مع يحيى بن الاكثم اكثر اشتهاراً عليه السلام وقد ذكره الأخوة
(والله ما فعلت أمية فيهم * معشار ما فعلت بنو العباس) ..
اللهم اجعلنا من المدافعين عن آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم ووفقنا لطاعتهم ..
اللهم أرزاقنا زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة يا ارحم الراحمين يالله .
وختاماً ان الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وأله الطيبين الطاهرين
بقلمي
أدعو لي بالشفاء يرحمكم الله
أدعو لي بالشفاء يرحمكم الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) كتاب (اعلام الورى باعلام الهدى) ص (329) ، الباب الثامن ، الفضل الاول .
(2) كتاب (اثبات الوصية للامام علي بن ابي طالب عليه السلام) .. للعلامة الجليل والمؤرخ المحقق النسابة المدقق ابي الحسن علي بي الحسين بن علي المسعودي الهذلي صاحب تاريخ مروج الذهب المتوفي عام 346 هـ .. طبعة مصححة ومنقحة من منشورات المكتبة المرتضوية .. ومطبعتها الحيدرية في النجف الاشرف .. صفحة : ( 180) ، وطبعة أخرى ( الطبعة الثانية 1409هـ - 1988م ، دار الأضواء بيروت لبنان ، صفحة 229) .
(3) زرقان : لقب محمد بن الحسين الزيات ، كما احتمله بعض الاعلام ، وصاحب إبن أبي دؤد وصديقه الحميم .
(4) سورة النساء ، الآية (43) .
(5) هكذا وجدناها في كتاب بحار الانوار ج16(م) ، العياشي .
(6) المائدة : (6) .
(7) سورة الجن : (18) .
(8) تفسير العياشي ، تأليف المحدث الجليل أبي النّصر مُحَمَّد بن مسعود إبن عياش السلمي السمرقندي المعروف بـ العياشي ، ج1 ، ص348 ، تفسير سورة المائدة: 38 ، حديث 109 .
(9) كتاب إثبات الوصي للمسعودي كما في المصدر رقم (2) ، ص 232 .
تعليق