مسلم بن عقيل(عليه السلام) في الكوفة
كان الإمام الحسين(عليه السلام) قد أوصى مسلم بن عقيل(عليه السلام) ـ كما مرَّ بنا ـ أن يكون نزوله في الكوفة عند أوثق أهلها «فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها»(1)، ذلك لأن من الطبيعي أن تكون انطلاقة عمله السياسي الثوري في دعوة الناس الى طاعة الإمام(عليه السلام)وتعبئتهم للقيام معه، وتخذيلهم عن آل أبي سفيان، من منزل يكون صاحبه من أوثق أهل الكوفة في الولاء لأهل البيت(عليهم السلام).
قال ابن كثير في تأريخه: «فلمّا دخل الكوفة نزل على رجل يُقال له مسلم بن عوسجة الأسدي(2).
ــــــــــــــــــــــ
(1) الفتوح 5: 36.
(2) مسلم بن عوسجة الأسدي: ويكنّى أبا حجل، الأسدي السعدي، كان رجلاً شريفاً سريّاً عابداً متنسكاً. وكان صحابياً ممن رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان فارساً شجاعاً له ذكر في المغازي والفتوح الإسلامية. قال أهل السير: إنّه ممن كاتب الحسين(عليه السلام) من الكوفة ووفى له، وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل الى الكوفة. ولمّا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم بن عقيل خرج إليه ليحاربه، فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد، و...، فنهدوا إليه حتى حبسوه في قصره، ثمّ لمّا دارت رحى الأحداث على غير مايتمنّاه أنصار الحق وقبض على مسلم بن عقيل وهاني بن عروة اختفى مسلم بن عوسجه مدّة، ثمّ فرّ بأهله إلى الحسين(عليه السلام) فوافاه بكربلا وفداه بنفسه رضوان الله تعالى عليه. وهو القائل للإمام(عليه السلام) لمّا رخّص أنصاره ليلة العاشر بالإنصراف عنه: أنحن نخلّي عنك ولم نعذر الى الله في أداء حقّك !؟ أم والله لا أبرح حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ماثبت قائمه بيدي ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك. ولمزيد من معرفة فضائل وتأريخ هذا الشهيد المقدّس راجع ترجمته في كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام): 107 ـ 111).
[54]
وقيل نزل فى دار المختار بن أبي عبيدالثقفي (1)..»(2).
ــــــــــــــــــــــ
(1) المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي: ولد عام الهجرة، وحضر مع أبيه بعض الحروب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه عمّه، فنشأ مقداماً شجاعاً لا يتّقي شيئاً، وتعاطى معالي الأمور، وكان ذا عقل وافر، وجواب حاضر، وخلال مأثورة، ونفس بالسخاء موفورة.
وهو الذي فتك بمعظم الذين شركوا في دم الإمام الحسين(عليه السلام) وزعمائهم أيّام ولايته التي دامت ثمانية عشر شهراً. وقُتل على يد مصعب بن الزبير وعمره 67 سنة.
وقد اختلفت الروايات فيه، فبعضها مادحة، وبعضها ذامة، والذامّة منها ضعيفة السند، ومنها قاصرة الدلالة، أو صدرت تقيّة، والمادحة فيها روايات صحيحة.
كما اختلفت الأقوال فيه، ويكفينا هنا قول خمسة من المعاصرين:
1ـ الخوئي: «يكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت(عليهم السلام) بقتله قتلة الحسين(عليه السلام)، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت(عليهم السلام) يستحق بها الجزاء من قبلهم، أفهل يحتمل أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام) يغضّون النظر عن ذلك وهم معدن الكرم والإحسان .. وهذا محمد بن الحنفية بينما هو جالس في نفر من الشيعة وهو يعتب على المختار ـ في تأخير قتله عمر بن سعد ـ فما تمّ كلامه إلا والرأسان عنده، فخرَّ ساجداً وبسط كفيه وقال: اللّهمَّ لا تنس هذا اليوم للمختار وأجزأه عن أهل بيت نبيّك محمّد خير الجزاء، فوالله ما على المختار بعد هذا من عتب ..». (معجم رجال الحديث 18: 100).
2ـ المحدّث القمي: الروايات في المختار الثقفي مختلفة، لكن المُسلّم بأنه أدخل السرور والفرح الى قلب الإمام زين العابدين، بل إنّه أدخل السرور والفرح الى قلوب آل الرسول(عليه السلام)والثكالى واليتامى الذين إستشهد آباؤهم مع الإمام الحسين(عليه السلام)، فخمس سنوات كان العزاء والحزن يخيمان على بيوت أصحاب المصيبة، فلم تُر مكحلة ولاخاضبة ولادخانٌ يتعالى من بيوتهن حتى شاهدن رأس عُبيد الله بن زياد فخرجن من العزاء، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المختار أشاد البيوت التي هُدمت، وبعث بالعطايا الى المظلومين، فهنيئاً للمختار الذي بعمله هذا أدخل الفرح إلى قلوب أهل بيت رسول الله(عليه السلام) المطهرين (وقايع الايام ص40).
3ـ النمازي: «والمختار ـ يعني الذي أنا أختاره ـ أنه المختار لطلب الثار، شفى الله به صدور الأطهار، وسرَّ به قلوب الأبرار، وينجو بشفاعة سيدنا الحسين صلوات الله عليه من درك النار، جزاه الله خيراً من لطف الغفّار». (مستدركات علم الرجال 7: 385).
4ـ الأميني: «من عطف على التأريخ والحديث وعلم الرجال نظرة تشفعها بصيرة نفّاذة علم أنّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص، وأنّ نهضته الكريمة لم تكن إلا لإقامة العدل باستيصال شأفة الملحدين، واجتياح جذوم الظلم الأمويّ، وأنّه بمنزح من المذهب الكيساني، وأنّ كلّ مانبزوه من قذائف وطامات لا مقيل لها من مستوى الحقيقة والصدق … وقد أكبره ونزّهه العلماء الأعلام منهم: ابن طاووس في رجاله، والعلامة في الخلاصة، وابن داود في الرجال، والفقيه ابن نما فيما أفرد فيه من رسالته .. والمحقق الأردبيلي في حديقة الشيعة، وصاحب المعالم في التحرير الطاووسي، والقاضي نور الله في المجالس، وقد دافع عنه الشيخ أبوعلي في منتهى المقال (6: 240) وغيرهم …». (الغدير 2: 343).
5ـ المامقاني: «… ولا إشكال في إسلامه بل كونه إماميّ المذهب، بل الظاهر اتفاق الخاصة والعامة عليه، بل الحق أنّه كان يقول بإمامة مولانا السّجاد(عليه السلام) .. فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الرجل إماميّ المذهب، فإنّ سلطنته برخصة الإمام، وإنّ وثاقته غير ثابتة، نعم هو ممدوح مدحاً مدرجاً له في الحسان …». (تنقيح المقال 3: 206).
هذا وقد توقّف المجلسيّ في شأنه فلم يمدحه ولم يذمّه.
وإذا ثبت تأريخياً نزول مسلم بن عقيل(عليه السلام) دار المختار ـ كما صرّح بذلك المؤرّخون ـ فإنَّ ذلك يثبت وثاقته، بل يثبت أنه من أوثق أهل الكوفة، وذلك لأن الإمام الحسين(عليه السلام) أمر مسلماً(عليه السلام)أن ينزل عند أوثق أهلها فنزل عند المختار، فيكون هذا النزول من باب تعيين المصداق لكلام الإمام الحسين(عليه السلام)، إن لم يكن هذا النزول بأمر من الإمام نفسه(عليه السلام)، والله العالم.
ولعلّ هناك علّة أخرى لاختيار مسلم دار المختار دون غيرها ـ مع فرض ثبوت ذلك ـ وهو أنه كان صهراً للنعمان بن بشير حاكم الكوفة يومها ـ أي كان زوجاً لابنته عمرة ـ فلاتمدُ يد سوء إلى مسلم(عليه السلام) طالما هو في بيت صهر والي الكوفة.
(2) البداية والنهاية 3: 279.
كان الإمام الحسين(عليه السلام) قد أوصى مسلم بن عقيل(عليه السلام) ـ كما مرَّ بنا ـ أن يكون نزوله في الكوفة عند أوثق أهلها «فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها»(1)، ذلك لأن من الطبيعي أن تكون انطلاقة عمله السياسي الثوري في دعوة الناس الى طاعة الإمام(عليه السلام)وتعبئتهم للقيام معه، وتخذيلهم عن آل أبي سفيان، من منزل يكون صاحبه من أوثق أهل الكوفة في الولاء لأهل البيت(عليهم السلام).
قال ابن كثير في تأريخه: «فلمّا دخل الكوفة نزل على رجل يُقال له مسلم بن عوسجة الأسدي(2).
ــــــــــــــــــــــ
(1) الفتوح 5: 36.
(2) مسلم بن عوسجة الأسدي: ويكنّى أبا حجل، الأسدي السعدي، كان رجلاً شريفاً سريّاً عابداً متنسكاً. وكان صحابياً ممن رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان فارساً شجاعاً له ذكر في المغازي والفتوح الإسلامية. قال أهل السير: إنّه ممن كاتب الحسين(عليه السلام) من الكوفة ووفى له، وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل الى الكوفة. ولمّا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم بن عقيل خرج إليه ليحاربه، فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد، و...، فنهدوا إليه حتى حبسوه في قصره، ثمّ لمّا دارت رحى الأحداث على غير مايتمنّاه أنصار الحق وقبض على مسلم بن عقيل وهاني بن عروة اختفى مسلم بن عوسجه مدّة، ثمّ فرّ بأهله إلى الحسين(عليه السلام) فوافاه بكربلا وفداه بنفسه رضوان الله تعالى عليه. وهو القائل للإمام(عليه السلام) لمّا رخّص أنصاره ليلة العاشر بالإنصراف عنه: أنحن نخلّي عنك ولم نعذر الى الله في أداء حقّك !؟ أم والله لا أبرح حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ماثبت قائمه بيدي ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك. ولمزيد من معرفة فضائل وتأريخ هذا الشهيد المقدّس راجع ترجمته في كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام): 107 ـ 111).
[54]
وقيل نزل فى دار المختار بن أبي عبيدالثقفي (1)..»(2).
ــــــــــــــــــــــ
(1) المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي: ولد عام الهجرة، وحضر مع أبيه بعض الحروب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه عمّه، فنشأ مقداماً شجاعاً لا يتّقي شيئاً، وتعاطى معالي الأمور، وكان ذا عقل وافر، وجواب حاضر، وخلال مأثورة، ونفس بالسخاء موفورة.
وهو الذي فتك بمعظم الذين شركوا في دم الإمام الحسين(عليه السلام) وزعمائهم أيّام ولايته التي دامت ثمانية عشر شهراً. وقُتل على يد مصعب بن الزبير وعمره 67 سنة.
وقد اختلفت الروايات فيه، فبعضها مادحة، وبعضها ذامة، والذامّة منها ضعيفة السند، ومنها قاصرة الدلالة، أو صدرت تقيّة، والمادحة فيها روايات صحيحة.
كما اختلفت الأقوال فيه، ويكفينا هنا قول خمسة من المعاصرين:
1ـ الخوئي: «يكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت(عليهم السلام) بقتله قتلة الحسين(عليه السلام)، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت(عليهم السلام) يستحق بها الجزاء من قبلهم، أفهل يحتمل أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام) يغضّون النظر عن ذلك وهم معدن الكرم والإحسان .. وهذا محمد بن الحنفية بينما هو جالس في نفر من الشيعة وهو يعتب على المختار ـ في تأخير قتله عمر بن سعد ـ فما تمّ كلامه إلا والرأسان عنده، فخرَّ ساجداً وبسط كفيه وقال: اللّهمَّ لا تنس هذا اليوم للمختار وأجزأه عن أهل بيت نبيّك محمّد خير الجزاء، فوالله ما على المختار بعد هذا من عتب ..». (معجم رجال الحديث 18: 100).
2ـ المحدّث القمي: الروايات في المختار الثقفي مختلفة، لكن المُسلّم بأنه أدخل السرور والفرح الى قلب الإمام زين العابدين، بل إنّه أدخل السرور والفرح الى قلوب آل الرسول(عليه السلام)والثكالى واليتامى الذين إستشهد آباؤهم مع الإمام الحسين(عليه السلام)، فخمس سنوات كان العزاء والحزن يخيمان على بيوت أصحاب المصيبة، فلم تُر مكحلة ولاخاضبة ولادخانٌ يتعالى من بيوتهن حتى شاهدن رأس عُبيد الله بن زياد فخرجن من العزاء، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المختار أشاد البيوت التي هُدمت، وبعث بالعطايا الى المظلومين، فهنيئاً للمختار الذي بعمله هذا أدخل الفرح إلى قلوب أهل بيت رسول الله(عليه السلام) المطهرين (وقايع الايام ص40).
3ـ النمازي: «والمختار ـ يعني الذي أنا أختاره ـ أنه المختار لطلب الثار، شفى الله به صدور الأطهار، وسرَّ به قلوب الأبرار، وينجو بشفاعة سيدنا الحسين صلوات الله عليه من درك النار، جزاه الله خيراً من لطف الغفّار». (مستدركات علم الرجال 7: 385).
4ـ الأميني: «من عطف على التأريخ والحديث وعلم الرجال نظرة تشفعها بصيرة نفّاذة علم أنّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص، وأنّ نهضته الكريمة لم تكن إلا لإقامة العدل باستيصال شأفة الملحدين، واجتياح جذوم الظلم الأمويّ، وأنّه بمنزح من المذهب الكيساني، وأنّ كلّ مانبزوه من قذائف وطامات لا مقيل لها من مستوى الحقيقة والصدق … وقد أكبره ونزّهه العلماء الأعلام منهم: ابن طاووس في رجاله، والعلامة في الخلاصة، وابن داود في الرجال، والفقيه ابن نما فيما أفرد فيه من رسالته .. والمحقق الأردبيلي في حديقة الشيعة، وصاحب المعالم في التحرير الطاووسي، والقاضي نور الله في المجالس، وقد دافع عنه الشيخ أبوعلي في منتهى المقال (6: 240) وغيرهم …». (الغدير 2: 343).
5ـ المامقاني: «… ولا إشكال في إسلامه بل كونه إماميّ المذهب، بل الظاهر اتفاق الخاصة والعامة عليه، بل الحق أنّه كان يقول بإمامة مولانا السّجاد(عليه السلام) .. فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الرجل إماميّ المذهب، فإنّ سلطنته برخصة الإمام، وإنّ وثاقته غير ثابتة، نعم هو ممدوح مدحاً مدرجاً له في الحسان …». (تنقيح المقال 3: 206).
هذا وقد توقّف المجلسيّ في شأنه فلم يمدحه ولم يذمّه.
وإذا ثبت تأريخياً نزول مسلم بن عقيل(عليه السلام) دار المختار ـ كما صرّح بذلك المؤرّخون ـ فإنَّ ذلك يثبت وثاقته، بل يثبت أنه من أوثق أهل الكوفة، وذلك لأن الإمام الحسين(عليه السلام) أمر مسلماً(عليه السلام)أن ينزل عند أوثق أهلها فنزل عند المختار، فيكون هذا النزول من باب تعيين المصداق لكلام الإمام الحسين(عليه السلام)، إن لم يكن هذا النزول بأمر من الإمام نفسه(عليه السلام)، والله العالم.
ولعلّ هناك علّة أخرى لاختيار مسلم دار المختار دون غيرها ـ مع فرض ثبوت ذلك ـ وهو أنه كان صهراً للنعمان بن بشير حاكم الكوفة يومها ـ أي كان زوجاً لابنته عمرة ـ فلاتمدُ يد سوء إلى مسلم(عليه السلام) طالما هو في بيت صهر والي الكوفة.
(2) البداية والنهاية 3: 279.
تعليق