أسرار تحليق الطيور في السماء
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي.
الكتاب : تفسير الامثل , ج7 , ص130-131.
___________________________
إِنّنا لا نشعر بأهمية الكثير من عجائب عالم الوجود لاعتيادنا على كثرة مشاهدتها ولعدم انشغالنا بالتدقيق العلمي عند المشاهدة، حتى باتت هذه العادة كحجاب يغطي تلك العظمة، ولو استطاع أيٍّ منّا رفع ذلك الحجاب عن ذهنه لرأى العجائب الكثيرة من حوله.
وتحليق الطيور في السماء لا تبتعد عن هذه الحقيقة، فحركة جسم ثقيل بخلاف قانون الجاذبية من دون أية صعوبة، وارتفاعه بسرعة حتى ليغيب عن أعيننا في لحظات لأمر يدعو إلى التأمل والدراسة.
ولو دققنا النظر في بناء جسم الطائر لوجدنا ذلك الترابط الدقيق بين كل صفاته وحالاته التي تساعده على الطيران، فهيكله العام مدبب ليقلل من مقاومة
الهواء على بدنه لأقصى حد ممكن، وريشه خفيف مجوف، وصدره مسطح يمكنه من ركوب أمواج الهواء، وطبيعة أجنحته الخاصّة تمنحه القوة الرافعة (1) التي تساعده على الارتفاع، وكذلك الطبيعة الخاصّة لذيل الطائر التي تعينه على تغيير اتجاه طيرانه وسرعة التحوّل يميناً وشمالا وأعلى وأسفل (كذيل الطائرة)، وذلك التناسق الموجود بين النظر وبقية الحواس التي تشترك جميعاً في عملية الطيران... وكل ذلك يعطي للطائر إِمكانية الطيران السريع.
ثمّ إِنّ طريقة تناسل الطير (وضع البيض)، وعملية تربية الجنين ونموه تجري خارج رحم الأُم ممّا يرفع عنها حالة الحمل والتي تعيق (بلا شك) عملية الطيران.. وثمّة أُمور كثيرة تعتبر من العوامل المؤثرة فيزيائياً في عملية الطيران.
وكل ما ذكر يكشف عن وجود علم وقدرة فائقين لخالق ومنظم بناء وحركة هذه الكائنات الحية، وكما يقول القرآن: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79] .
إِنّ عجائب الطيور لأكثر من أنْ تسطر في كتاب أو عدّة كتب، فهناك مثلا الطيور المهاجرة وما يكتنف رحلاتها من عجائب، وحياة هذه الطيور مبنية على التنقل بين أرجاء المعمورة المختلفة حتى أنّها لتقطع المسافة ما بين القطبين الشمالي والجنوبي على طولها، وتعتمد في تعيين اتجاهات رحلاتها على إِشارات رمزية تمكنها من عبور الجبال والأودية والبحار، ولا يعيق تحركها رداءة الجو أو حلكة الظلام في الليالي التي يتيه فيها حتى الإِنسان وبما يملك. ومن غريب ما يحدث في رحلاتها أنّها: قد تنام أحياناً بين عباب السماء وهي طائرة! وقد تستغرق بعض رحلاتها عدّة أسابيع دون توقف ليل نهار وبدون أن يتخلل تلك المدّة أية فترة لتناول الطعام! حيث أنّها تناولت الطعام الكافي قبل بدءها حركة الرحيل (بإلهام داخلي) ويتحول ذلك الطعام إِلى دهون تدخرها في أطراف بدنها!
وثمّة أسرار كثيرة تتعلق في: بناء الطير لعشه، تربية أفراخه، كيفية التحصن من الأعداء، كيفية تحصيل الغذاء اللازم، تعاون الطيور فيما بينها بل ومع غير جنسها أيضاً... إِلخ، ولكل ممّا ذكر قصّة طويلة.
نعم، وكما تقول الآية المباركة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79].
____________________________
1. «القوة الرافعة»: اصطلاح فيزيائي حديث يستعمل في حقل الطائرات، وخلاصته: أنّ الجسم إِذا كان له سطحين متفاوتين بالإِستواء (كجناح الطائرة حيث سطحه الأسفل مستوياً والأعلى محدباً) وتحرك أفقياً فستتولد فيه قوة خاصّة ترفعه إِلى الأعلى، تنشأ من ضغط الهواء على سطحه الأسفل والذي يكون أكثر منه على السطح الأعلى، لأنّ الأسفل مساحته أصغر، والسطح العلوي اوسع مساحة، وهذا ما تعتمد عليه حركة الطائرات.. وإِذا ما دققنا النظر في اجنحة الطيور فسنرى هذه الظاهرة بوضوح ـ فتأمل.
وعموماً، ينبغي القول: ما بناء الطائرات إِلاّ تقليد لأجسام الطيور في جوانب مختلفة!
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي.
الكتاب : تفسير الامثل , ج7 , ص130-131.
___________________________
إِنّنا لا نشعر بأهمية الكثير من عجائب عالم الوجود لاعتيادنا على كثرة مشاهدتها ولعدم انشغالنا بالتدقيق العلمي عند المشاهدة، حتى باتت هذه العادة كحجاب يغطي تلك العظمة، ولو استطاع أيٍّ منّا رفع ذلك الحجاب عن ذهنه لرأى العجائب الكثيرة من حوله.
وتحليق الطيور في السماء لا تبتعد عن هذه الحقيقة، فحركة جسم ثقيل بخلاف قانون الجاذبية من دون أية صعوبة، وارتفاعه بسرعة حتى ليغيب عن أعيننا في لحظات لأمر يدعو إلى التأمل والدراسة.
ولو دققنا النظر في بناء جسم الطائر لوجدنا ذلك الترابط الدقيق بين كل صفاته وحالاته التي تساعده على الطيران، فهيكله العام مدبب ليقلل من مقاومة
الهواء على بدنه لأقصى حد ممكن، وريشه خفيف مجوف، وصدره مسطح يمكنه من ركوب أمواج الهواء، وطبيعة أجنحته الخاصّة تمنحه القوة الرافعة (1) التي تساعده على الارتفاع، وكذلك الطبيعة الخاصّة لذيل الطائر التي تعينه على تغيير اتجاه طيرانه وسرعة التحوّل يميناً وشمالا وأعلى وأسفل (كذيل الطائرة)، وذلك التناسق الموجود بين النظر وبقية الحواس التي تشترك جميعاً في عملية الطيران... وكل ذلك يعطي للطائر إِمكانية الطيران السريع.
ثمّ إِنّ طريقة تناسل الطير (وضع البيض)، وعملية تربية الجنين ونموه تجري خارج رحم الأُم ممّا يرفع عنها حالة الحمل والتي تعيق (بلا شك) عملية الطيران.. وثمّة أُمور كثيرة تعتبر من العوامل المؤثرة فيزيائياً في عملية الطيران.
وكل ما ذكر يكشف عن وجود علم وقدرة فائقين لخالق ومنظم بناء وحركة هذه الكائنات الحية، وكما يقول القرآن: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79] .
إِنّ عجائب الطيور لأكثر من أنْ تسطر في كتاب أو عدّة كتب، فهناك مثلا الطيور المهاجرة وما يكتنف رحلاتها من عجائب، وحياة هذه الطيور مبنية على التنقل بين أرجاء المعمورة المختلفة حتى أنّها لتقطع المسافة ما بين القطبين الشمالي والجنوبي على طولها، وتعتمد في تعيين اتجاهات رحلاتها على إِشارات رمزية تمكنها من عبور الجبال والأودية والبحار، ولا يعيق تحركها رداءة الجو أو حلكة الظلام في الليالي التي يتيه فيها حتى الإِنسان وبما يملك. ومن غريب ما يحدث في رحلاتها أنّها: قد تنام أحياناً بين عباب السماء وهي طائرة! وقد تستغرق بعض رحلاتها عدّة أسابيع دون توقف ليل نهار وبدون أن يتخلل تلك المدّة أية فترة لتناول الطعام! حيث أنّها تناولت الطعام الكافي قبل بدءها حركة الرحيل (بإلهام داخلي) ويتحول ذلك الطعام إِلى دهون تدخرها في أطراف بدنها!
وثمّة أسرار كثيرة تتعلق في: بناء الطير لعشه، تربية أفراخه، كيفية التحصن من الأعداء، كيفية تحصيل الغذاء اللازم، تعاون الطيور فيما بينها بل ومع غير جنسها أيضاً... إِلخ، ولكل ممّا ذكر قصّة طويلة.
نعم، وكما تقول الآية المباركة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79].
____________________________
1. «القوة الرافعة»: اصطلاح فيزيائي حديث يستعمل في حقل الطائرات، وخلاصته: أنّ الجسم إِذا كان له سطحين متفاوتين بالإِستواء (كجناح الطائرة حيث سطحه الأسفل مستوياً والأعلى محدباً) وتحرك أفقياً فستتولد فيه قوة خاصّة ترفعه إِلى الأعلى، تنشأ من ضغط الهواء على سطحه الأسفل والذي يكون أكثر منه على السطح الأعلى، لأنّ الأسفل مساحته أصغر، والسطح العلوي اوسع مساحة، وهذا ما تعتمد عليه حركة الطائرات.. وإِذا ما دققنا النظر في اجنحة الطيور فسنرى هذه الظاهرة بوضوح ـ فتأمل.
وعموماً، ينبغي القول: ما بناء الطائرات إِلاّ تقليد لأجسام الطيور في جوانب مختلفة!
تعليق